ا لجزء الرابع
ولهذه الأسباب قرر رب البيت إحضار معلم.
يبدو أن تعليم أطفال عائلة أرستقراطية له مردود طيب.
باول أحد الفرسان القلة في هذه المنطقة وهو أرستقراطي من الطبقة المتوسطة.
لذلك بوسعه توفير راتب يليق بمكانته.
لكن القرية ريفية وبعيدة جدا عن العاصمة.
ولأن قريتنا تقع على حدود المملكة فمن النادر أن تجد مواهب هنا، ناهيك عن سحرة.
يا ترى، هل سيعثران على شخص بتقديم طلب لنقابة السحر ونقابة المغامرين؟
رغم مخاوفي، كانت الصدمة أننا حصلنا على معلم بسهولة، وسيبدأ بالحضور اعتبارًا من الغد.
ويبدو أنه سيكون معلمًا مقيمًا معنا في المنزل لعدم وجود فنادق في هذه القرية.
المعلم مغامرٌ سابق كما توقع والداي.
في هذا العالم، السحرة ذوو المستوى المتقدم وما يعلوه هم فقط من يسمح لهم بتعليم السحر.
كما أن الشبان لا يأتون إلى المناطق الريفية، وسحرة البلاط وظائفهم متوفرة بكثرة في العاصمة.
وبناء على هذا، فالراجح أن مستوى المغامر فوق المتوسط.
لا شك أنه رجل كهل أو طاعن في السن قضى حياته في دراسة السحر.
رجل ذو لحية بمظهر شيخ حن كّته السنين.
“ اسمي روكسي، تشرفت بلقائكم.”
أو هذا ما كنت أظنه ،لكن من جاءت هي فتاة يافعة.
تبدو بسن فتاة في المرحلة الإعدادية.
كانت ترتدي معطف بنياً كمعاطف السحرة، عاقدة شعرها الأزرق الفاتح في ضفيرتين، وجسدها الصغير متناسق تمامًا.
بشرتها بيضاء لم تمسها سمرة الشمس وعيناها شبه ناعستين، وشفتان صغيرتان ومع أنها لا تلبس نظارة إلا أنها تعطي انطباع الفتاة المجتهدة التي تدرس دائما في المكتبة.
إنها تحمل حقيبة في يدها وصولجان سحري في يدها الأخرى.
واستقبلناها نحن الثلاثة في هذا المنزل.
”.……“
”...… “
والداي كانا مدهوشين وهما ينظران إليها.
هذا معقول، فالمشهد مختلف تمامًا عما توقعناه.
تخيلنا المعلم شخصًا أكل عليه الدهر وشرب، لكن من جاء هو شخص في مقتبل العمر.
بالنسبة لشخص لعب العديد من الألعاب مثلي، ساحرة لولي ليس بأمر غريب.
لولي، عينان ناعستان، غير ودودة.
إنها مثالية بهذه الصفات الثلاثة.
أرجوك صيري زوجتي.
“ أأنتِ، ذلك، المعلم؟”
“ أوه، هذا، حقًا…”
أضفت قائلاً عندما لاحظت تلعثم والديّ.
“ أنتِ صغيرة جدًا.”
“ لا أريد سماع هذا من قزم.”
ألجمتني فورًا.
ربما تعاني عقدة من صغرها.
مع أنني لم أقصد صغر صدرها.
تنهدت روكسي ونظرت من حولها ثم سألت.
“ هاه. على أية حال، من منكم هو التلميذ الذي يفترض أن أعلمه؟”
“ إنه هذا الطفل.”
أجابتها زينيث وهي تحملني بين يديها.
غمزت لها ؛(
اتسعت عيناها وتنهدت.
“ أُف. هذا يحصل بين فينة وأخرى، تصادف أبوان أحمقان يظنان أن ابنهما موهوب لأنه تحسّن قليلا…”
تذمرت روكسي بهدوء.
لقد سمعتك يا محترمة!!
على أية حال، أوافقها الرأي تمامًا.
“ ما الأمر؟”
“ لا شيء، أفترض أن طفلكما لا يفهم مبدأ السحر، صحيح؟”
“ لا تقلقي، طفلنا رودي موهوب جدًا!”
أجابتها زينيث بإجابة تقليدية يقولها كل وليّ أمر أحمق.
تنهدت روكسي مجددًا.
“ هآ. مفهوم، سأبذل قصارى جهدي.”
واضح أنها تراجعت عن قول المزيد.
وهكذا تقرر أني سأحضر دروس روكسي في الصباح ودروس السيافة مع باول في الظهر.
“ حسنًا رودي، لنبدأ بكتاب السحر… لا، لنختبر أولاً كمية السحر التي يمكنك تسخيرها.”
أخذتني روكسي إلى فناء المنزل في أول درس لنا.
غالباً ما تقام دروس السحر في الخارج.
طبعًا روكسي تعلم ما قد يحصل لو مورس السحر داخل المنزل.
وأيضًا، لن تحطم جدارًا كما فعلت.
“ دعني أريك . هب ماءَك العظيم لعبدك المحتاج، ولتتدفق نقاوته الخالصة هاهنا 『 كرة الماء 』 ”
تكونت رصاصة ماء بحجم كرة سلة في يد روكسي وهي تنطق الترنيمة.
ثم انطلقت الرصاصة نحو إحدى الأشجار بسرعة خاطفة.
*صوت حطام*
انكسرت أغصان الشجرة وتبلل السور.
الرصاصة حجمها 4 بسرعة 3 أو شيء قريب من هذا.
“ ما رأيك؟”
“ تلك هي شجرة أمي المفضلة، أعتقد أن أمي ستغضب.”
“ ماذا؟! أحقًا؟”
“ نعم.”
أذكر ذات مرة عندما كان باول يلوحّ بسيفه وقطع بعض الأغصان.
غضب زينيث وقتها كاد يفضخ قلبي.
“ ويلي، عليّ فعل شيء…..!!”
أسرعت روكسي نحو الشجرة لتجمع الأغصان المكسورة.
جمعت الأغصان والحمرة تملأ وجهها من شدة الخجل.
“ احم ... فلتتحول قوة الرب إلى محصول وافر يُمنح لمن فقد قدرته على النهوض من جديد 『 شفاء 』 "
ترنيمة أخرى.
عادت الأغصان كما كانت عليه في السابق.
“ هيه.”
تنفست روكسي الصعداء.
عجيب. مذهل.
سأجاملها وأثني عليها.
“ هيه.”
“ معلمتي، أتجيدين استخدام سحر الشفاء؟!”
“ امم، أجل. يمكنني تسخيره حتى المستوى المتوسط.”
“ مذهل!! هذا مذهل!!”
“ كلا، بمقدور أي شخص الوصول لهذا المستوى إذا تدرب جيدًا”
جوابها جادٌ بعض الشيء لكن وجهها صريح، ارتفعت شفتاها وأنفها بفخر وسرور. إنها سعيدة.
قلت “مذهل” مرتين فأصبحت بهذه السعادة، هذا سهل للغاية.
“ حان دورك يا رودي، أرني ما لديك.”
“ حسنٌ.”
رفعت يدي….
ويحي، لم أستخدم ترنيمة رصاصة الماء منذ سنة تقريباً، لا أستطيع تذكرها الآن.
لنجرب ما قالته روكسي قبل قليل. هممم.
“ احم، كيف قلتيها؟”
هب ماءَك العظيم لعبدك المحتاج، ولتتدفق نقاوته الخالصة هاهنا.”
أجابت روكسي ببرود. يبدو أنها كانت تتوقع هذا.
حتى لو أجبتي ببرود، لا يمكنني حفظها من أول مرة.
“ هب ماءَك العظيم لعبدك المحتاج…… كرة الماء”
اختصرت الترنيمة لأني عاجز عن تذكرها.
سأصنع رصاصة أصغر حجما وأقل سرعة مقارنة برصاصة روكسي.
ستزعل لو جعلتها أكبر.
أنا كريم ومتسامح جدا مع الفتيات الصغيرات.
اندفعت رصاصة الماء بحجم كرة سلة اندفاعًا هائلاً.
ثم دوى صوت انكسار شديد وسقطت الشجرة.
نظرت روكسي نحوي باستغراب.
“ اختصرت الترنيمة؟”
“ نعم.”
أهذا سيئ؟
تذكرت، الترنيم الصامت غير مذكور في كتاب السحر.
كنت أمارسه بشكل طبيعي.
لكن، هل ارتكبت فعلاً محرمًا؟
أم أنها غاضبة لأن الوقت ما زال مبكرًا بعشر سنين لأمارس الترنيم الصامت…..
في ظل هذا الموقف، هل من الأفضل أن أجحد الترنيم وأصفه بالسخافة؟
“ أتختصر ترنيمك عادةً؟”
“ عادةً … لا ألفظه.”
أجبتها بصراحة. لم أعرف كيف أرد على السؤال.
سيكشف أمري عاجلاً أم آجلاً طالما أنني سأحضر دروسها.
ترنيم صامت؟!”
اتسعت عينا روكسي وحدقت بي بارتياب.
لكن سرعان ما عادت لتعبيرها الجاد.
“ … فهمت، إذن أنت تستخدم الترنيم الصامت دائمًا. أتشعر بالتعب؟”
“ كلا، لا أشعر بشيء.”
“ هكذا إذن، حجم رصاصة الماء وقوتها لا بأس بهما.”
“ شكرًا لك.”
ابتسمت روكسي أخيرًا.
في الحقيقة، كانت ابتسامة كبيرة.
وتمتمت قائلة لنفسها.
“ ….. إذن هو يستحق العناء.”
كما قلت سابقًا، يمكنني سماعك!
“ والآن لننتقل للتعويذة التالية…”
بدت روكسي متحمسة، وقبل أن تفتح كتاب السحر…
“ هآآآآآآه!!!!”
صرخة أتت من خلفي خرقت طبلة أذني.
إنها زينيث، جاءت لتلقي نظرة علينا.
أسقطت الصحن من يديها وانسكب الشراب على الأرض.
أخذت تحدق بالشجرة مغطيةً فمها بيديها.
بدا على وجهها تعبير حزين.
ثم انقلب فجأة لغضب عارم.
ويلي، هذا سيئ.
هرعت زينيث إلى روكسي.
آنسة روكسي!! هلاّ امتنعت عن معاملة منزلنا كحقل تجارب!!”
“ ماذا؟! ولكن رودي من فعل هذا…”
“ حتى وإن كان رودي، أنت من سمحت له بذلك!”
صُعقت روكسي، كانت مصعوقة تمامًا، أخفضت رأسها بأعين فارغة.
بالطبع، لا يمكنك إلقاء اللوم على طفل في الثالثة من عمره.
“ نعم… أنتِ محقة.”
“ أرجو ألاّ يتكرر هذا مرة أخرى!!”
“ أجل سيدتي، أنا آسفة جدًا….”
ألقت زينيث سحر شفاء لإصلاح الشجرة تمامًا ومن ثم عادت للمنزل.
“ ارتكبت غلطة بهذه السرعة….”
“ معلمتي…”
“ هههه، ربما يفصلوني غدًا.”
جلست روكسي على الأرض وأخذت ترسم في التراب تعبيرًا عن كآبتها.
إنها لا تحتمل النكسات.
ربتّ على كتفها.
”……“
“ رودي؟”
لا أعرف كيف أواسيها مع أني ربتّ على كتفها، لم أتواصل مع بشر لقرابة 21 سنة.
آسف، لا أعرف حقًا ماذا يجب أن أقول الآن…
لا، اهدأ.
فكر جيدًا. كيف سيواسيها بطل لعبة منحرفة في موقف كهذا.
هممم، أفترض أنه شيءٌ كهذا.
هذا لا يعتبر فشلاً يا معلمتي.”
“ رو-رودي…؟”
“ إنما اكتساب خبرة.”
نظرت روكسي إليّ بدهشة.
“ صحيح، شكرًا.”
“ أجل، لنكمل الدرس من فضلك.”
وهكذا أصبحت علاقتي حسنة بروكسي منذ اليوم الأول.
تدريبات باول تبدأ في الظهر.
اقتصرت التدريبات على الناحية البدنية لعدم وجود سيف خشبي يلائم جسدي الصغير.
ركض، ضغط، تمرين معدة… إلخ.
يبدو أن خطة باول تتمحور حول حركتي في البداية.
لا يمر يوم دون أن أمارس تدريبات الجسد الأساسية حتى في الأيام التي يغادر فيها باول للعمل.
بعض الأمور لا تتغير مهما تغير العالم.
سأبذل جهدي.
تدريباتي تنتهي في العصر لأن جسدي الصغير لا يتحمل التدريب طوال الظهر.
لذا خصصت بقية الوقت لاستهلاك طاقتي السحرية حتى يحين موعد العشاء.
يختلف استهلاك الطاقة في التعويذات السحرية حسب ‘التغييرات في الحجم‘.
على سبيل المثال، إذا افترضنا أن قيمة الترنيم الصامت تساوي 1 .
فكلما زدت خواص التعويذة وضاعفت سرعتها، زاد استهلاك الطاقة.
إنه قانون حفظ الطاقة.
لكن على النقيض ولسبب ما، كلما قللت من حجمها، زاد استهلاكي للطاقة.
لا يمكنني استيعاب منطقها.
تسخير قطرة واحد من الماء يتطلب مني مقدار طاقة أكبر من رصاصة ماء بحجم قبضة اليد.
إنه أمر محيرّ.
سألت روكسي عن هذا الأمر وكان جوابها الوحيد هو “إنه كذلك وحسب”.
يبدو أن الجواب ما زال غامضًا.
لا أفهم السبب.
لكن هذا لا يضر بتمريني.
ازداد مخزون طاقتي كثيرًا في الآونة الأخيرة.
لن أتمكن من استهلاكه تمامًا إن لم أستخدم بعض التعاويذ القوية.
استنفاد مخزون طاقة بهذا الحجم يتطلب تسخير أقصى المعطيات كي يفرغ.
لقد حان الوقت لتنمية مهارتي.
لذا قررت القيام ببعض الأعمال الدقيقة.
سأستخدم السحر في عمل صغير معقد ودقيق كصنع تمثال ثلج أو إشعال نار بطرف أصبعي أو كتابة كلمات على اللوح.
حاولت تجزئة تربة الفناء إلى عدة أجزاء…
وحاولت أيضًا تعليق مفتاح أمام مقبض الباب.
سحر الأرض يؤثر بالمعادن إلى حد ما.
لكن كلما زادت كثافة المعادن في الغرض، زاد قدر الطاقة المستهلك.
أفترض أنه من الصعب التلاعب بالأشياء الأكثر متانة.
كلما تركزّ نطاق التحكم، زاد تعقيد وتفصيل المهمة.
وكلما زادت دقتها وكفاءتها، زاد قدر الطاقة المستهلك.
رمي كرة قاعدة بكامل قوتي.
إدخال خيط في ثقب إبرة ببطء.
هاتان المهمتان تتطلبان نفس المقدار من الطاقة.
وأيضًا جربت أنواعًا مختلفة من السحر في الوقت ذاته.
تسخيرها معًا يتطلب على الأقل 4 أضعاف كمية الطاقة المعتادة.
إذن، سأستهلك كامل مخزون طاقتي إذا استخدمت نظامين مختلفين من السحر معًا وسخرتهما على مهل وبدقة وخفة في وقت واحد.
بعد استمرار هذا التمرين على مدار يومي…
صرت عاجزًا عن إفراغ مخزوني المتزايد حتى لو سخرت التعاويذ لنصف يوم أو أكثر.
أعتقد أن هذا كافٍ.
بدأت عزيمتي تضعف.
عظامي المتكاسلة تكاد تنطق وتقول أنها قد بلغت كفايتها.
وفي كل مرة، كنت أصرخ وأعاتب نفسي.
ستترهل عضلاتي إن توقفت عن التدريب.
وعلى نفس المبدأ، فالطاقة تضعف مع التقاعس.
لا أستطيع إهمال التمارين بحجة أنّ مخزوني قد زاد قليلاً .