الفصل 182: انتهاء الحفل

سرعان ما قدّم كاديس إيثان إلى كل المسؤولين رفيعي المستوى في الإمبراطورية.

وقد أثار ذلك ضجّة كبيرة.

ــ "ما الذي يحاول جلالته قوله؟ هل يلمّح لنا بشكل غير رسمي إلى من سيكون وليّ العهد القادم؟ الأمير الخامس حقاً مدهش، فقد نال رضا جلالته في هذا العمر الصغير. ثم إنه عبقري فذّ في عنصر الفضاء، فلا عجب أن يُحاط بكل هذا الإعجاب."

هكذا كان تفكير معظم الحاضرين. أما الإمبراطورة الأولى، فحين رأت هذا المشهد تغيّرت ملامح وجهها بألوان شتى، ولم تعد قادرة على التحمل فصرخت:

ــ "يا جلالتك، ما الذي تفعله؟! تقديم الأمير إلى علية القوم من شؤون أمّه، فلماذا تتولاّه بنفسك؟!"

صرخت في وجه الإمبراطور أمام الجميع.

في تلك اللحظة ندم أدريان على ترك والدته وحدها، إذ كان ضعفها النفسي شديدًا، فلم تتحمل الموقف وانفلتت أعصابها.

أدريان كان قد حسب كل شيء مسبقًا، وهو يدرك أن أخاه الخامس سيكون أكبر عقبة أمامه. لكنه قرر الانتظار. فإذا تجرأ الإمبراطور وسمّاه وليًّا للعهد بلا منافسة، فلن يبقى لديه حينها أي تحفظ، وسيكشف ورقته الأخيرة.

لكن... كان لا بد من الانتظار حتى الإعلان.

حين سمع كاديس إترامـا دي رايزيل صراخها، برُدت عيناه وحدّق في الإمبراطورة الأولى قائلاً:

ــ "هل يتوجب عليّ أن أبرر لك ما أفعل وما لا أفعل؟ اعتذري ثم اغادري."

قالها بهدوء شديد.

وكان الجميع واثقًا أنه إن لم تنصع الإمبراطورة الأولى للأمر، فستواجه عواقب وخيمة.

تقدّم أدريان على الفور نحو أمه قائلاً:

ــ "أمي، أرجوك اعتذري. صحتك ليست على ما يرام، وإلا فسيفهم الجميع الأمر على أسوأ وجه."

سرعان ما استعادت رشدها، فانحنت أمام الإمبراطور:

ــ "أعتذر يا مولاي، لقد فقدت صوابي للحظة."

ثم انحنى أدريان أيضًا:

ــ "أعتذر بالنيابة عن والدتي."

بعدها أخذها وغادر القصر.

أما كاديس فلم يلقِ عليها نظرة حتى وهي ترحل.

وبدا الموقف محرجًا بعض الشيء، لكن سرعان ما استعاد الحفل مجراه وبدأ الجميع يستمتعون به من جديد.

ثم استرعى كاديس انتباه الحاضرين وقال:

ــ "أشكركم جميعًا على حضوركم. اليوم يوم مهم بالنسبة لي، إنه عيد ميلاد الأمير الخامس إيثان دي رايزيل السادس، واليوم أيضًا سأصدر مرسومي بشأن مسابقة ولاية العهد.

في هذه المسابقة سيتعيّن على الأمراء حكم مملكة تابعة لإمبراطورية لوكيدونيا مدة عامين. ومن يتمكن من إدارتها على أفضل وجه سيصبح وليّ العهد.

لكن كما تعلمون، فإن الأمير الخامس لم يتجاوز السادسة، ولذلك عليه أن يلتحق بأكاديمية السحرة.

وفي سنته الأولى لن يُسمح له بمغادرة الأكاديمية، لذا ستبدأ المسابقة بعد عام واحد فقط. هذا كل شيء."

ارتفعت التصفيقات مع نهاية خطابه.

لقد كانت طريقة جيدة لاختبار قدرات الأمراء.

كان أدريان قد عاد، وشدّ قبضتيه غيظًا. عليه أن ينتظر عامًا آخر... لكن إن اختفى الأمير الخامس، فلن يضطر إلى هذا الانتظار، أليس كذلك؟

لقد صدر حكم الموت في داخله، ولم يتبق سوى أن يغادر الأمير الخامس القصر، ثم... يختفي كالدخان.

لكنه لم يكن يعلم أن السلف سيبقى يراقب الأمير الخامس. ولو كان يعلم لما تجرأ حتى على التفكير بهذه الخطة.

في قصر الإمبراطورة الأولى، كان يقف أمامها رجل برداء أسود وقناع.

ــ "أيتها الحقيرة، لقد كدتِ تدمّرين خططي وخطط ابني. إن لم يصبح وليّ العهد بسبَبك، فستذوقين العواقب."

ارتبكت الإمبراطورة الأولى على الفور وقالت بقلق:

ــ "أرجوك لا تخاطبني هكذا، أنت تعلم أنني أحبك، ولن أتسبب بمشاكل لابننا. سامحني."

وبينما تعتذر، نزعت ملابسها واستعدّت.

ــ "أنا في غاية التوتر... أرجوك كن أكثر عنفًا هذه المرة."

خفّ غضب الرجل قليلًا وحلّت الشهوة مكانه، فنزع ملابسه بدوره ما عدا القناع.

لم يكن أحد يعلم أن الأمير الأول ليس حتى ابن الإمبراطور، بل يجري في عروقه دمٌ مختلف، وكان يعدّ ذلك الدم أسمى بكثير من دماء البشر.

وهكذا انقضى الحفل. وغدًا سيغادر إيثان القصر ليخضع لاختبار القبول في أكاديمية السحرة العليا التابعة للبشر.

كانت هناك ثلاث أكاديميات عليا لثلاثة تخصصات، ولم يكن يُقبل فيها إلا نخبة النخبة من بين عشرة آلاف إمبراطورية، إذ لا يزيد عدد مقاعد كل أكاديمية عن 500 فقط.

بينما تضم إمبراطورية لوكيدونيا وحدها تريليونات البشر.

كان ذلك بحق مسرحًا عظيمًا للعباقرة الاستثنائيين.

لم يكن أحد من العائلة الملكية يجرؤ حتى على التفكير بإمكانية قبول أحد منهم هناك. لكن إيثان منحهم الأمل... ربما، فقط ربما، سيتمكن من الالتحاق بها.

أما عمداء تلك الأكاديميات الثلاث فكانوا أقوى الكائنات بين البشر، لا يعلوهم إلا "أبو السحر كله"، فيكتور فرانكشتاين. وبفضل هؤلاء الأربعة لم يجرؤ لا التنانين ولا الشياطين على شنّ حرب ضد البشر.

ولكي يصل إيثان إلى هناك، كان عليه مغادرة إمبراطورية لوكيدونيا نحو إمبراطورية بريطانيا المقدسة، حيث تقع تلك الأكاديميات الثلاث. وهي الإمبراطورية الوحيدة ذات التسع نجوم بين البشر، بينما لا تتجاوز غيرها خمس نجوم كحد أقصى.

وفي تلك الليلة، جلس إيثان أمام أمه، تتأمل وجهه بعينين دامعتين وهي تعطيه آخر وصاياها.

كان قلبها يتمزق من فراقه، لكنه كان لا بد أن يرحل. فموهبته لا يمكن أن تُحصر في هذه الإمبراطورية؛ هو يحتاج إلى مسرح أعظم ليشرق نجمه.

قال لها إيثان بحزن:

ــ "أفهم، أمي... رجاءً اعتني بنفسك."

وكان هو أيضًا حزينًا للغاية.

وقد تقرر أن ترافقه حامية من الجيش الملكي في رحلة تستغرق خمسة أيام حتى يصل إلى إمبراطورية بريطانيا المقدسة. وسيبدأ اختبار القبول في اليوم السادس، ويستمر يومين كاملين.

ثم بعد ذلك، عليه أن يغادر مع السلف إلى "عالم الأصل". وقد قال السلف إنه سيأتي لأخذه، لكن هل ستسمح الأكاديمية له بالمغادرة؟

لم يكن يدري.

2025/09/04 · 130 مشاهدة · 824 كلمة
Abdesselam
نادي الروايات - 2025