الفصل الأول: إيثان هانت

النجم الأزرق – عام 2050 المدينة القاعدية الخامسة – المدرسة الثانوية المركزية الصف العاشر

كان ضوء الظهيرة ينسكب ذهبيًا عبر النوافذ الزجاجية المدعّمة لمدرسة المدينة القاعدية المركزية، مرسلاً خطوطًا دافئة وطويلة عبر مكاتب الصف العاشر النظيفة. لكن هذا الدفء لم يستطع أن يبدّد الصمت الثقيل الذي غلّف المكان.

في المقدمة، وقف السيد

آرنولد

، طويل القامة، مهيب الحضور، وعيناه الجادتان تمسحان وجوه الطلاب واحدًا تلو الآخر. وخلفه، كان السبّورة الرقمية تلمع ببرود، وقد كُتب عليها: "الكارثة العظمى لعام 2000" .

"قبل خمسين عامًا..." بدأ آرنولد بصوت ثابت، لكنه محمّل بثقل لا يتزعزع:

"في الخامس من يوليو... انشقّت السماء. صدع لم يره البشر من قبل، ولا يمكن لعقل أن يتخيله، شقّ الغلاف الجوي. ومنه انبعث غاز غريب متوهج، اجتاح الأرض في غضون ساعات. ومعه... تغيّر عالمنا إلى الأبد."

خيّم الصمت على الصف. كانت هذه القصة مألوفة لهم، سمعوها مئات المرات منذ الطفولة، لكن رهبتها لم تفقد تأثيرها قط.

"ذلك الغاز غيّر كل ما لامسه. النباتات، الحيوانات... وحتى نحن. الطبيعة تكيفت بسرعة، أما البشر... فتطورت قدراتهم ببطء شديد. لكن الأمر لم يتوقف هنا. القارات نفسها بدأت بالتحرك، متقاربة حتى اندمجت في قارة عملاقة واحدة. وعلى الرغم من أن 70% من الكوكب بقي مغطى بالمحيطات، إلا أن الأرض لم تعد كما عرفها أجدادنا."

ظهر مجسم هولوغرافي لكوكب الأرض، يدور ببطء، مظهرًا ملامحه الجديدة.

"مليار إنسان لقوا حتفهم خلال الأشهر الستة الأولى."

شهقت بعض الأنفاس. كان هذا الرقم وحده كفيلًا ببعث القشعريرة في النفوس، مهما تكرر سماعه.

"ثم... جاءت موجة الوحوش ."

نقر آرنولد على شاشته، فظهرت صور لمخلوقات مشوهة هائلة الحجم، زاخرة بالعضلات والمخالب، وحوش لا تنتمي لهذه الأرض.

كانت البشرية تقاتل بكل ما تملك، لكن الدبابات والمقاتلات والمدافع والقناصات والقنابل... لم تحدث أي أثر. لم يبقَ سوى الخيار الأخير: القنابل النووية .

"كانت الاستجابة النووية فورية... لكنها كارثية. تدمير متبادل. تحوّلت مناطق بأكملها إلى صحارى مشعّة. البشر ماتوا كالنمل. ولم يبقَ أمامنا سوى التجمع في مناطق محصنة—ما نسمّيه اليوم

المدن القاعدية

."

توقف قليلًا، ثم أكمل بصوت خافت لكن مشوب بالرهبة:

"وسط الرماد، وُلد الأمل. جزيرة غامضة ظهرت قرب القارة الجديدة، يلفّها جو غريب. في سعيهم وراء بصيص النجاة، خاطر قادة العالم بإرسال بعثة استكشافية. ما وجدوه هناك... غيّر مجرى التاريخ."

تحوّلت الصور إلى مشهد حطام سفينة فضائية ضخمة، نصفها مدفون، هيكلها معدني لكنه ينبض بطاقة خاملة.

"داخلها... وجدنا معرفة تفوق إدراكنا. والأهم—طريقًا نحو فنون قتالية تسمح للبشر بامتصاص الطاقة الكونية ."

جلس الطلاب باستقامة، وبدت الشرارة في عيونهم. كان هذا الجزء هو المفضل لديهم دائمًا.

"بعد عام واحد... وُلد أول

فنان قتالي

."

ومنذ ذلك الحين، ظهر العديد من المقاتلين في شتى المدن القاعدية. وبفضل تكنولوجيا السفينة، ابتكر العلماء أسلحة ليزرية وحصّنوا المدن. بدأ المقاتلون بدفع الوحوش بعيدًا، واستكشاف القارة العملاقة، والعثور على المزيد من الأطلال الفضائية. اكتُشفت تقنيات وأسلحة جديدة، وبدأت الحضارة بالازدهار من جديد.

"لكن غرورنا أعمانا..."

بعد ثلاثين عامًا من التطور، ظن البشر أنهم قادرون على استعادة الأرض من الوحوش، فشنّوا حربًا حاسمة. لكنهم... أخطأوا في الحساب .

"البحر."

أكثر بقاع الأرض غموضًا. بعد الكارثة، تجنب البشر أعماقه، فلم يعرفوا ما يسكنه. وعندما هاج البحر... خرجت منه كائنات بحجم الكوابيس: أسماك قرش بحجم الغواصات، حيتان بطول حاملات الطائرات، وسرطانات بحرية بمخالب تقطع الفولاذ كما يقطع السكين الساخن الزبدة.

ثم... ظهر إمبراطور المحيطات .

المشهد التالي جلب ظلامًا للصف: أخطبوط عملاق بحجم جزيرة، عيناه تلمعان بشرّ، وكل مجساته تبعث الموت.

"لا سلاح أوقفه. مدن غُمرت. مقاتلون أسطوريون... سقطوا."

خفض آرنولد صوته:

"إلى أن ظهر... التنين . أقوى إنسان وُجد على النجم الأزرق. مسلحًا بسيف من الأطلال الفضائية، تحدّى الإمبراطور في معركة هزّت الأرض."

لمدة ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ، استمر القتال بلا غالب ولا مغلوب. وفي النهاية، وُقّع عهد: التنين لن يدخل البحر، والإمبراطور لن يتدخل في صراع البشر على اليابسة.

"هذا كان قبل عشرين عامًا. اليوم، المدن القاعدية مزدهرة، وفنون القتال تطورت، والتنين... يراقبنا في صمت."

تصلب صوته فجأة:

"بعد شهر، ستخوضون اختبارات القبول الجامعي. من ينجح في الاختبارات النظرية والقتالية قد يدخل

جامعة أورورا للفنون القتالية

—أفضل جامعة على الكوكب. لكن أولًا... عليكم أن تصبحوا

شبه محاربين

. بعد خمسة عشر يومًا، ستخضعون لاختبار الشهادة في فرع التحالف."

أنهى حديثه بنبرة حاسمة:

"ربما يكون مستقبل البشرية في أيديكم. تدربوا بجد. انتهى الدرس."

خرج آرنولد، ومعه تلاشى التوتر. تعالت الأحاديث.

"يا رجل، نفس الخطبة من جديد؟ أراهن أني أقدر أقولها من غير ما أفكر!"

ضحك الطلاب. لكن في مؤخرة الصف، جلس إيثان متجمّدًا، وجهه شاحب، أنفاسه متقطعة، والعرق يلمع على جبينه.

اقترب منه

ريان

، صديقه الضخم منذ الطفولة، وعبس: "إيثان؟ إنت بخير يا أخي؟ شكلك شايف شبح!"

لكن إيثان لم يرد. لم يستطع.

كان عقله دوامة من الفوضى:

"أين أنا؟ ماذا حدث للتو؟"

آخر ما يتذكره... أنه كان في الحديقة، قبل أن يدهسه شاحنة طائشة. ثم... لا شيء.

"لقد مت... أليس كذلك؟" "هل هذا جحيم؟"

كل شيء غريب—اللغة، الصف، التكنولوجيا، الحديث عن فنون القتال والسفن الفضائية...

هذا ليس الأرض.

ألم حاد اخترق رأسه، فتدفقت إلى ذهنه ذكريات ليست له—أسماء، وجوه، جداول دراسية، تصنيفات قتالية، أقفال جينية.

سقط أرضًا.

والظلام ابتلعه.

حين فتح عينيه، كان في عيادة المدرسة. أضواء بيضاء ساطعة فوقه. أطرافه ترتجف وكأنه استيقظ من حمى طويلة.

"إيثان! صحيت؟"

ظهر وجه ريان القلق في مجال رؤيته. "يا رجل، خوّفتنا موت."

جلس إيثان ببطء، وما زال الصداع يعصف به.

"أنا... إيثان هانت. النجم الأزرق... المدينة القاعدية الخامسة..."

الأسماء غريبة على لسانه، لكنها مألوفة في أعماقه. لم يعد هو نفس الإيثان الذي عاش على الأرض. ذاك الإيثان مات. وهذا... وُلد من جديد في عالم قاسٍ، مليء بالوحوش، وفنون القتال، وإرث من حضارة غريبة.

لقد تحقق حلمه المستحيل—فرصة ثانية. عالم يحكمه القوي. حيث يمكنه أن يرتقي، ويقاتل، ويعيش بمعنى حقيقي.

أغلق عينيه.

وفجأة، دوّى في أعماق ذهنه صوت آلي بارد:

"تنبيه! تم تفعيل نظام اللانهائي بنجاح."

2025/08/14 · 1,482 مشاهدة · 910 كلمة
Abdesselam
نادي الروايات - 2025