"أوديلي، اعتبارًا مِن اليوم، تمَّ إنهاء عقدنا."

صوتٌ بارد كالسكّين اخترق الهواء.

لودفيل إكسيبسيون.

إعلان انفصالٍ حاسم يليقُ بحاكم الشّمال.

نظرتْ أوديلي إلى عقدِ الزّواج الموضوع علَى المكتب.

لم يُفتح قطّ خلال هذه المدّة، فكانَ ناصع البياض دونَ أيّ أثر للبهتان.

"هذا هوَ المقابل المتّفق عليه. خذيه."

مدَّ لها الوَثائق.

كانتْ وثيقة تثبتُ انفصال أوديلي كارديل و عائلتها عَن أيّ ارتباط عائليّ أو قانونيّ.

إلى جانبِ ذلك، كانتْ هناكَ صكوك أراضٍ، وتفاصيل قصر، و تعويضات مَاليّة.

توقّفت أوديلي للحظةٍ عندَ رؤية المبلغ.

"لا حاجةَ لمنحي كلَّ هذا. كما تعلم، أنا..."

تلعثمت، ثمّ تنفّستْ بعمق و تابعت:

"...لن أعيشَ طويلًا عَلى الأرجح"

لكنّ لودفيل قاطعها بحزم: "ستحتاجينَه."

"....."

رفعتْ أوديلي نظرها إليه.

وجهٌ خالٍ من التّعابير، ملابسٌ مكويّة بدقّة، وقامة منتصبة بلا أيّ اضطراب.

كمَا هو دائمًا، مثاليّ بلَا ثغرة.

حتّى لو سقطتْ أمامه الآن، ربّما سيطلب طبيبًا بهدوء، ثمّ يُواصل جدوله دون أيّ تأخير.

هكذا كانَ زوجها علَى الورق، الرّجل الذي ارتبطت به بعقد زواج.

لا يُضيّع وقتَه أو عواطفه عبثًا.

لذلك، لمْ تسأله أوديلي.

لِمَ يمنحها كلَّ هذا السّخاء و هِي على وشكِ الموت؟

'على أيّ حال، هذا جزءٌ من حساباتكَ الدّقيقة، أليس كذلك؟'

نظرَ لودفيل إلى العقدِ بنظرةٍ خالية من الدفء.

خمسُ سنواتٍ من الزواج.

ممنوع التّحدثُ بأمورٍ شخصيّة ، ممنوع التّماس الجسدي ، العيشُ في قصر منفصل ...

كلّ شيءٍ تمّ الالتزام بهِ بدقّة.

تأكّدَ من دفع المقابلِ كاملًا، ثمّ أحرقَ الأوراق على لهب شمعة دون تردّد.

كأنّها أصبحتْ مجرّد أوراق عَديمة القيمة.

احترقَ العقد في لحظاتٍ ، دونَ أن يترك حتّى الرماد.

خمس سنواتٍ مضت ، و كأنّها لم تكن.

"....."

انتهى.

هكذا، انتهى الأمر.

"لقد بذلتِ جهدًا كبيرًا."

عندَ كلماتِ الدّوق الأكبر، بدتْ أوديلي مصدومة للحظة.

بالطبع، بالنّظر إلى طبيعةِ العقد التي كانت واضحة بين الطرف الأقوى و الأضعف، لم يكن هناك تحيّة أكثرِ وضوحًا و جفافًا من هذه.

هو الطّرف الأقوى، و هي الأضعف.

هو الرئيس، و هي الموظّفة.

ومعَ ذلك، بعد كلِّ هذه السّنوات التي ارتبطا فيها كزوجين، ألمْ يكن مِن الممكنِ أن يكون الوداع أكثرَ دفئًا؟

خطرتْ هذه الفكرة ببالها، لكنّها أدركتْ أنّه طمع محض.

"هل هناكَ شيءٌ آخر تحتاجينه؟"

عندما سَألها لودفيل، وكأنّه سيحقّق أيّ طلب، أجابت أوديلي و هيَ تكبحُ عواطفها قدرَ الإمكان:

"لقد تلقّيتُ ما فيه الكفاية."

أرادت أن تتركَ انطباعًا جيّدًا حتّى النهاية لدى الرّجل الذي أرادَ علاقة نظيفة.

لكن ...

'النهاية...'

عندما فكّرتْ أنّ نهايةَ حياتها ليست بِبَعيدة ، شعرت برغبةٍ في ترك وصيّة.

شيءٌ تافه حقًا ...

لم تستطعْ كبحَ العواطف التي بلغت ذروتها فِي حلقها.

"لقد أحببتك."

تفوّهتْ بها فجأةً.

"في ذلكَ اليوم، لم أمسكْ يدكَ لأجل البقاء، بل لأنّه كانَ أنتَ."

"....."

"عندما أتذكّر ... كانَ الأمر كذلك."

لم يكنْ اعترافًا يرجو شيئًا من شخصٍ على وشك الموت.

لكن، ولوْ للحظة، أرادتْ أن تكون متغيّرًا لم يتوقّعه في حساباتهِ المثاليّة.

أرادتْ أن تلقي بمشاعر لم تكنْ في خطّته، أن تقول إنّها ظلّتْ تحتفظ بها...

ربّما، ولوْ للحظة، قد يتفاجأ.

معَ علمها أنّ ذلكَ مستحيل.

"لم يكن يهمّ مَن تكون."

"....."

"لكنّكِ كنتِ الأنسب للشّروط."

لم تتوقّع أن يتقبّل اعترافها بهدوء، كمن سمعَ مثل هذا مئات المرّات.

'حسنًا، بالطّبع.'

'كنتَ تعلم.'

حتّى مشاعرها التي ظنّت أنّها أخفتها تمامًا، كانت ضِمنَ حساباته.

"هل انتهى كلامكِ؟"

أطرقتْ أوديلي رأسها و أطلقتْ ضحكةً خافتة.

شعرتْ أنّ كلّ شيء أصبح مضحكًا.

كما هو متوقّع، كانَ هذا الرجل مثاليًّا من البداية إلى النهاية.

قاسٍ، وبلا أيّ ثغرة.

"نعم، لا شيء آخر."

شعرت بألمِ وخز المشاعر في قلبها.

لكنّها استنتجتْ أنّه ليس بالأمر المهمّ.

حبٌّ أوّل، شغفٌ عابر، شيء مِن هَذا القبيل.

شيءٌ يمرّ به الجميع مرّةً في حياتهم، لكنّه جاءها متأخّرًا.

ليسَ بالأمر العظيم.

"شكرًا لكَ علَى كلّ شيء."

"....."

نظَر إليها الرّجل بِلا تعبير، ثمّ أجابَ ببطء:

"لنْ نلتقي مجدّدًا."

كانتْ إجابةً رسميّة لا تحتمل أيّ لبس.

لذلك، شعرت أوديلي بالارتياح لأنّها تخلّصتْ من أيّ تعلّق زائدٍ قبل موتها.

هكذا انتهى الأمر.

عقدها معه الذي دامَ خمس سنوات.

*****

غادرتْ أوديلي في رحلةٍ للبحث عن مكانٍ لقبرها.

أحسّت أنّ عمرها لن يطول.

استقرّتْ في قرية ريفيّة، و عاشتْ حياةً جديدة كمعالجة.

تنتظر بهدوء يومَ موتها القادم.

لكن ...

'... لمَ ما زلتُ علَى قيد الحياة؟'

لا تزال ذكرى الأيّام التي كانت تتقيّأ دمًا أحمر داكنًا وسط آلام تمزّق القلب حيّةً في ذهنها.

لكنّ جسدها الذي كانَ يفقد حيويّته بدأ يتعافى تدريجيًّا.

بلْ و أكثرَ من ذلك.

'بل إنّني أشعر بصحّةٍ أفضلَ من قبل...'

لم يكنْ مجرّد شعور.

كأنَّ جسدها يُعاد تشكيله إلى حالة صحيّة مثاليّة.

'هل يمكنُ أن يحدث هذا؟'

كانت معجزة.

لم تفهمْ السّبب، لكنّها كانت على قيد الحياة، فتابعت عيشها مع التيّار.

مرّت أيّام عاديّة.

كانت تُجري الفحوصات الطبيّة، تَعتني بالأعشاب، تتجوّل في أطراف القرية، و تزور السّوق أحيانًا، تعيش حياةً هادئة.

السّلام، السّعادة، الاستقرار.

شعرتْ بهذه المشاعر للمرّة الأولى ربّما منذ تركها عائلتها.

'العيش هكذا لا يَبدو سيّئًا.'

أحيانًا، كانتْ موجات الوحدة تتسلّل إليها فجأة.

في تلكَ اللّحظات، كانت مشاعرها التي احترقت بهدوء لخمس سنوات ثمّ خبت تشتعل من جديد.

تعلّق، شعورٌ غير ضروريّ.

لكن، لأنّ لديها الآن 'غدًا'، استطاعتْ ألّا تغرقَ في تلك المشاعر.

هكذا مرّ عام بسرعةِ البرق.

بينما كانت أوديلي تعتاد على حياتها اليوميّة، ظهر مساعد الدوق الأكبر مرتديًا ثيابًا سوداء دون سابق إنذار.

"لقد توفّيَ الدّوق الأكبر."

أخبرها بوفاة زوجها السابق.

"ماذا؟"

"....."

"مستحيل ..."

كيفَ يمكن أن يموت الدّوق فجأة؟

"حتّى قبل عام واحد ..."

كانَ على قيد الحياة و بصحّةٍ جيّدة.

لم يكن مريضًا أو مصابًا بمرضٍ مزمن.

كيفَ يمكن تصديق مثل هذا الخبر فجأة؟

توقّعت من المساعد أن يضيف شيئًا، لكنّه وقف صامتًا، يحبس مشاعره.

مدّ لها لفافة ورقيّة.

فتحتْ أوديلي الختم بيد مرتجفة و نشرت اللفافة.

كانت إشعارًا بالميراث.

و ...

وصيّة تحمل كلمات الدّوق الأخيرة.

[أوصي بأن تُورث جميع أراضي عائلة إكسيبسيون ، ألقابها ، سلطاتها، وأصولها بالكامل إلى أوديلي كارديل بعد وفاتي.]

"لماذا..."

اختلطت الأفكار و المشاعر في فوضى بلا ترتيب.

كلّ ما دار في ذهن أوديلي هو سؤال "لماذا".

*****

2025/07/02 · 238 مشاهدة · 935 كلمة
نادي الروايات - 2025