16 - كرسي الإعدام - الفصل الأخير

ليلة حيث البدر كان يتوسط السماء ويشهد لقاء بين رجلين من عوالم مختلفة، أحدهما يجلس في مقدمة سيارته السوداء، ذو نظرات حادة واثقة، ويحدق بتلك النظرات للرجل الآخر الذي يميزه معطف المختبر الابيض ويحمل بيمناه مسدسه، وثالثهما فتاة في العقد الثاني من عمرها واقفة بجانب السيارة وقد كانت تهم بالصعود اليها .

خرج الرجل من سيارته لتظهر هيئته الانيقة بشكل كامل، ومن خلال مظهره فقط تستطيع ان تشعر بمدى هيبته، وقد كان قد اخرج مسدسه ايضا بمجرد ان رأى سلاح الرجل الآخر في يده، ثم رفع يده ليصوب سلاحه وكذلك فعل الأخير، وكذلك فعلت الفتاة ..

ديميتروف يوجه مسدسه نحو نسخته لكنه لم يكن في وضع جيد لأن نسخته وابنته يوجهان سلاحهما نحوه، لهذا هو ميت لا محالة، هل هو الرفض مجددا، هل سيفشل مرة أخرى وبعد كل هذا العناء للوصول الى هنا، وغيرها من التساؤلات المشابهة تدور في عقله مما يجعله متوترا أكثر وغير مستقر ذهنيا وقد بدا ذلك واضحا على ملامحه .

كسر جدار الصمت صوت الفتاة قائلة : ضعفك الذي قادك لهذه النقطة، فلا تظن ما أنت مقدم على فعله سيغير من حقيقتك.

ثم أتبع والدها بقوله : لن تستطيع تغيير ما حدث أبدا، كل ما عليك فعله هو الاستمرار بالمضي قدما !!

جن جنون ديميتروف من كلامهما وبدأ يصرخ قائلا : ما الذي يجعلك تظن أنك أفضل مني، أنت لا تعلم شيئا عني لذا لا تتحدث كما لو أنك تعرف ما أشعر به، لا تخبرني بما لا أستطيع فعله!

أجابه نيكولاس بصوت هادئ : أنا لا أخبرك بما لا تستطيع فعله، بل أخبرك بما تستطيع أن تفعله، وأحاول أن أحذرك منه أيضا.

ثم ألقى بمسدسه على الأرض وفرد ذراعيه، وقال : لذا، ما أنت فاعل الآن ؟

استغرب ديميتروف مما حصل ولم يستطع أن يستوعب ذلك ايضا، ثم عض على شفتيه واشتعلت نيران غضبه أكثر، ثم صرخ : اخرس، لا تتحدث كما لو أنك تعرف ما افكر فيه.

- انا اعرف ما تفكر فيه.

- كيف ذلك؟

- أنا فقط أعرف ذلك!!

لم يستطع ديميتروف أن يتحمل أكثر من ذلك فصرخ قائلا : لا، انت لا تعرف شيئا، سوف أقتلك قبل أن تتسبب في قتل ماشا!

أجابه نيكولاس : لست أنا من سيتسبب في قتلها، بل أنت ستفعل.

كان الرد صاعقا على مسامع ديميتروف، عيناه اتسعت وتجمد في مكانه وبدأت ذكريات ضبابية تهاجم عقله لم يتوضح ما فيها، بدأ يتهيأ منظر دماء تسيل على يديه، وأصبح يرتجف خائفا لا يدري ما يحصل .. بعد ذلك استجمع شتات نفسه تدريجيا وهو يلهث، ثم سأل نيكولاس : كيف ... وكأنك تعلم أنني قادم لأقضي عليك ؟

ابتسم نيكولاس ابتسامة لزجة، ثم رفع يده وأشار بسبابته إشارة توحي بالنفي، ثم وجه سبابته نحو رأسه كمن يحاول أن يطلق النار على نفسه لينتحر، ثم قال : بوووووم.

استشاط ديميتروف غضبا وضغط على زناد مسدسه ثلاث مرات لتنطلق ثلاث رصاصات، ولكن المفاجعة أنها استقرت في جسد ماشا لتسقط جثة هامدة على الأرض ..

كان المنظر يتحرك بالحركة البطيئة في نظر ديميتروف ولم يستوعب ما حصل، لقد كان يصوب نحو نسخته الا ان الطلقات استقرت في ماشا ولا يعلم كيف حصل ذلك، كانت الدماء تسيل على الارض حتى وصلت واستقرت تحت أقدام ديميتروف، وفي منظر مرعب زاده رعبا المنظر الأخير الذي رآه لوجه نسخته الذي لم يتغير عن وضعيته أبدا، وتلك الابتسامة اللزجة لم تفارق وجهه، وبعينان شاخصة تحدق في ذلك المنظر المرعب، بدأ العالم بالتشقق والتكسر كما يتكسر الزجاج، أثناء ما تتساقط شظايا هذا العالم الصوت الوحيد الذي كان يسمع هو صوت صراخ نيكولاس ديميتروف جراء ما فعله .

بياض ولا شيء سوا البياض، انه عالم الفراغ الزمكاني .. سيظهر الآن الرجل الذي سكن ذلك المكان وسوف يعود كل شيء كما كان، بإستثناء نيكولاس ديميتروف لأنه فشل في تنفيذ مهمته .

هذا ما كان يدور في رأس ديميتروف وظل ينتظر لبرهة حتى وصل شخصا ما، ولم يكن الشخص المتوقع، و إنما رجل يلبس لباس الاطباء أصلع الرأس وله ندبة حرق على وجهه، غمرت السعادة قلب ديميتروف فهو يقابل صديقه ليام بيزتش، ولا بد أنه أنقذه بطريقة ما، ناداه ديميتروف : ايها المفتش بيزتش، ماذا حدث؟

نظر بيزتش نحوه بنظرات تعجب واستغراب ثم أجابه : أنا طبيب ولست مفتش!

استغرب ديميتروف من رده، ثم لاحظ أنه لا يستطيع الحراك بسبب أنه جالس على كرسي ومقيد بإحكام في الكرسي، وقد حاول الحراك لكن دون جدوى، ثم بدأ يستوعب المحيط حوله، لقد كان هناك بضع رجال من الشرطة في الغرفة، ثم لاحظ وجود نافذة زجاجية وخلفها أشخاص يجلسون على كراسي يشاهدونه، ثم أتى شخص طويل القامة نسبيا يلبس لباس الشرطة أيضا، وكان يحمل سطلا بداخله ماء وقطعة اسفنج، وقف ذلك الرجل أمام ديميتروف و أنحنى لكي يبلل الاسفنج، وحينها بانت ملامحه لديميتروف، انه الجلاد الاسود ..

بلل الرجل الاسفنجة وأخذ يعصرها على رأس ديميتروف الذي كان لا يستوعب شيء مما يحصل، كان الماء يسيل على رأس ديميتروف الاصلع ثم وضع شيء يشبه الخوذة موصلة بأسلاك من أجل مرور التيار الكهربائي فيها .

نيكولاس ديميتروف كان يجلس على كرسي الاعدام ولم يستوعب ذلك الا الآن، ثم جاء رجل آخر ووقف أمام ديميتروف وبدأ بالتحدث قائلا : المتهم نيكولاس ديميتروف، سيتم تنفيذ حكم الاعدام بواسطة الكرسي الكهربائي جراء ما فعلته من جريمة شنعاء اتجاه عائلتك المكونة من زوجتك (مينيرفا ديميتروف)، و ابنتك (ماشا ديميتروف)، أرجو أنك نادم بسبب ما ارتكبته من جرم، وعسى أن يرحم الله روحك، سيتم تنفيذ الحكم الآن، أي كلمات أخيرة؟

لا أعرف كيف أصف الشعور الذي كان يراود نيكولاس في تلك اللحظة لهذا يجب أن تحرك أحاسيسك مع خيالك لكي تعيش شعوره ...

لم يكن يملك أي شيء ليقوله حين أيقن أن كل شيء حصل هو مجرد خيال ابتكره في عقله لكي يهرب من الواقع، وحينما تم سؤاله عن كلماته الاخيرة كانت اجابته : لماذا قتلت عائلتي؟

هذه الاجابة جعلت جميع الحضور في صدمة، لكنها لم توقف الحكم، وحين تم تشغيل الكهرباء وبدأت تسير في جسده حصل شيء غير متوقع، لم يكن يصرخ أبدا وهذا ما أثار الدهشة لهذا قرر الدكتور بيزيتش أن يقوم بعملية التشريح، واكتشف السبب، وهنا كانت المفاجأة..

لقد مات قبل تنفيذ الحكم بلحظة، وقال أن السبب كان هول الصدمة التي تلقاها .

ولا أحد يعلم بالعوالم التي كان يبتكرها للهروب من واقعه، وسيظل لغز الجريمة التي ارتكبها نيكولاس ديميتروف سرا، وكل من يعرفه قد رحل عن هذه الحياة.

تمت...

2020/06/22 · 252 مشاهدة · 991 كلمة
ykh_1997
نادي الروايات - 2024