واحد .. اثنان .. تجربة تجربة .....

اسمي الدكتور نيكولاس ديميتروف ، وهذا التسجيل رقم 3876 اصرح فيه عن الانتهاء من بناء مصفوفة الانتقال البعدي لعملية الإنقاذ بعد القيام بآلاف التجارب من أجل الوصول إلى الهدف ... هأنا ذا قد وصلت للنتائج المرجوة وسيتم البدء بعملية الانتقال في الساعة 12 منتصف الليل !!

((يغمض عينيه وينفث ))

لا أعلم أن كنت أستطيع أن أصبو إلى ما خططت ان يحصل، ولكن هذه التجربة قد تغير الوقت والتاريخ لذا .. لا أعلم ماذا أقول ولكن هذا لا يهمني البتة، لأن ما أريد فعله هو إنقاذ ابنتي من خطأ ارتكبته أودى بحياتها.

ينتهي التسجيل هنا، وتمر الساعات حتى قبيل منتصف الليل، وفي ذلك المختبر السري في منزل نيكولاس ديميتروف، كان يقعد صاحبه على كرسيه أمام حاسوبه محاطا بالآلات في غرفة المختبر المظلمة، منعكسة على عينيه محتوى شاشة حاسوبه، واصابعه تقرقر على لوحة مفاتيحه، يكتب مصفوفة الانتقال البعدي الذي سيعيده إلى 9 سنوات ماضية كي ينقذ ابنته، لم يأخذ في قائمة اهتماماته التأثيرات الجانبية السلبية من تجربته مع أنه مدرك لها، ولكن الذنب الذي حمله طيلة 9 سنوات جعل كل اهتماماته في حياته هو إنقاذ ابنته ولو كلفه ذلك التضحية بكل شيء !!

انتهى نيكولاس من كتابة آخر سطر من تلك المصفوفة الطويلة التي تحتوي على آلاف الأكواد والرموز الحاسوبية والتي تشمل ملايين الأرقام والأحرف، وقد توصل إليها بعد دراسة طويلة مدتها 7 سنوات مستعينا بنظريات السفر عبر الزمن وغيرها ...

تبقى فقط أن يلبس الخوذة على رأسه وربطها بالحاسوب وضغط زر الموافقة وسيبدأ الانتقال البعدي حسب ما أسماها نيكولاس ديميتروف بنفسه !!

وقبل أن يضغط على زر الموافقة ، اخذ آلة التسجيل وبدأ يسجل :

واحد .. اثنان .. تجربة تجربة ...

اسمي الدكتور نيكولاس ديميتروف وهذا التسجيل رقم 3877، وهو الأخير لهذه العملية

سيتم الآن الانتقال إلى الماضي وتنفيذ عملية الإنقاذ ...

سيتدمر هذا المكان تلقائيا بمجرد الانتهاء من الانتقال لكي تمحى أدلة دراستي إلى الأبد، وهذه التسجيلات قد حولتها إلى بيانات رقمية توسم في مصفوفة عقلي بمجرد تحول جسدي إلى مصفوفة رقمية أثناء عملية الانتقال لتنتقل مباشرة إلى نيكولاس ديميتروف قبل 9 سنوات وهذا هو جوهر الانتقال البعدي، وبهذا أستطيع تكرار التجربة في حال تعرضت لخطب ما، لكني واثق أنني سأصل وسوف أنقذ ابنتي وسينتهي كل شئ .. بالتوفيق !!

يضغط نيكولاس على زر الموافقة ليبدأ الاتنقال، فظهرت شرارات كهربائية تملأ غرفة المختبر المظلمة وصوت صاخب ناتج عن العملية قد امتزج بصراخ نيكولاس مكونا سيمفونية عنونها الخوض في المجهول ..

ثم بدأ اللحن يتلاشى تدريجيا تاركا خلفه غرفة مظلمة تخلو من شكل للحياة، وبعد فترة قصيرة من عملية الانتقال تفعل نظام التدمير الذاتي لمختبر نيكولاس ومنزله أيضا !!

يفتح نيكولاس ديميتروف عينيه ببطئ ، يحاول أن يتحرك قليلا ويستوضح رؤيته، هل نجح أم فشل ؟، يشعر بثقل في رأسه، يسمع ضجيج السيارات وكلام الناس في الطرقات يعلو رويدا رويدا مصاحبا بوضوح الرؤية ليجد نفسه متكئا على جدار أحد المحلات المطلة على الشارع العام، كلما نظر إليه أحد المارة استنكر هيئته وينفر منه بسبب ملامح غريبة قد بدت على وجهه، ومن البديهي أنها من آثار الانتقال ...

خرج صاحب المحل و التفت إلى يساره ونظر إلى نيكولاس وقد على محياه ابتسامة لطيفة، تقدم نحوه ومد يده ليساعده على النهوض ونيكولاس متعجب لهذا الأمر، مد الآخر يده أيضا وساعده الرجل على الوقوف وأدخله إلى محله، وقد كان محل ساعات متواضع، أجلسه الرجل على كرسي وأعطاه كأس من الماء ليشربه، تناول نيكولاس الكأس وبدأ يشرب رويدا حتى ارتوى، ألقى نيكولاس بأنظاره يمنة و يسرة ينظر إلى أنواع الساعات الموجودة في ذلك المحل، وقد أثار دهشته أمر ما، لقد كانت كلها بتوقيت واحد وهي الثامنة والنصف مساءا، استغرب نيكولاس التوقيت حيث كان يجب أن يكون الوقت في منتصف الليل قبل تسع سنوات كاملة !!

نظر نيكولاس لصاحب المحل و قد كان يصلح أحد الساعات بعد أن أحضر له كأس الماء ومن ثم سأله : كم التاريخ اليوم ??

- إنه الخامس والعشرون من مارس 2010 !!، ومن ثم أضاف : يبدو أنك شربت كثيرا الليلة الماضية لتبدو بهذه الحالة !!

- أنا لا اشرب الكحول !! أجاب نيكولاس.

ترك الرجل أدوات التصليح خاصته ونظر إليه باستغراب وقال : حقا ?! لكن، يبدو أنك كنت كذلك، رأيتك البارحة عندما كنت اغلق المحل وقد كان الوقت متأخر من الليل وعندما خرجت اخفتني يا رجل، كنت متكئا على جدار المحل وعيناك مفتوحتان ووجهك شاحب، لذا لم أعلم ما أفعله فهربت مسرعا، واليوم وجدتك في مكانك إلا أنك كنت فقط كرجل ثمل فقد وعيه، ولم أجرؤ على لمسك !!

(( يضحك قليلا )) ثم أكمل : .. ولكن الآن قررت أن أساعدك عندما استيقظت، فأنت يبدو عليك الارهاق بشكل كبير لدرجة أنك فقدت وعيك لمدة يوم كامل، ان لم تكن فقدت وعيك بسبب الشراب أصلا!!

أخذ نيكولاس نفسا طويلا أتبعه بزفير أطول، ثم قال بصوت منخفض وكأنما يحدث نفسه : هذا يفسر وجودي في هذا الوقت وبالتحديد بعد يوم من تاريخ الانتقال قبل تسع سنوات !!

ينظر الرجل إليه بدهشة وقال : ماذا؟، هل قلت شيئا ??

- لا ...كنت أقصد شكرا لك واعتذر عن اخافتي لك !!

- لا لا .. كان من المفترض أن أساعدك منذ البداية، بالمناسبة عندما أمعنت النظر إليك انت تشبه شخصا ما كثيرا رغم الاختلاف الطفيف بينكما، فأنت لديك لحية خفيفة ولا تبدو كشخص غني !!

- هل لهذه الدرجة اشبهه، من هو هذا الشخص ??

تحولت نظرات الرجل من النظرات الطبيعيى إلى نظرات شاحبة، ومن ثم قال بصوت هادئ : إنه رجل مشهور في المدينة وخطر جدا، لابد وأنك قد سمعت به من قبل ..

لقد قام بمشروع بناء الجندي المثالي وقدمه للحكومة، ولكن ظنت الحكومة أن هذا المشروع يجب أن يكون تحت سيطرة مجموعة تعمل مباشرة تحت إمرة وزارة الدفاع، وتم دفع مبلغ ضخم كتعويضات لصاحب المشروع لكنه رفضها وطلب أن يكون المشروع تحت إشرافه شخصيا، وأن لا يشارك أسراره مع أي أحد وفي المقابل سيكون في خدمة الدولة، فقابلوه بالرفض وشعروا أنه خطر عليهم، لذا قاموا بمطاردته ولكن الأخير نجح بالهرب، فقاموا بإحراق مختبره وتدمير كل ملفاته ومستنداته، وبد فترة هذا الرجل قد تحول إلى شبح يستحيل ايجاده، وتم تصنيفه على أنه المطلوب رقم واحد بعد ثلاث سنوات من اختفائه، ألم تسمع بهذه القصة من قبل إنها مشهورة جدا??

نظر نيكولاس باتجاه الرجل والفضول قد أكل عقله، يتحرق شوقا عن معرفة هوية هذا الرجل، لدرجة أن عيناه كادت أن تنطق عوضا عن لسانه متساءلا عن هوية الرجل الذي يشبهه، ففهم الرجل نظراته، ومن ثم قال : أرجو أن لا تقوم بشئ متهور فأنت حقا تشبهه كثيرا، اسم هذا الرجل هو الدكتور نيكولاس ديميتروف!!

شعر بالصدمة والدهشة لوهلة بعد أن سمع ما قاله الرجل، وبعدها قام بالضحك بصوت عالي والآخر ينظر إليه بحيرة ولا يفهم ما يضحكه، ثم قال : لم أضحك هكذا منذ تسع سنوات .. في الحقيقة أنا هو نيكولاس ديميتروف وأنا لست شخصا كما وصفته انت ابدا!!

تفاجأ الرجل بما قاله، فقطب حاجبيه، ومن ثم قال بصوت عال : أيها الأحمق، يبدو أن آثار الثمالة ما زالت في عقلك لتثرثر بالتفاهات!!

اجابه نيكولاس بحزم بعد أن رأى رد فعله الحاد : قلت لك أنا لا اشرب الكحول، وأنا لم أكذب بقول أن اسمي نيكولاس ديميتروف!!

زاد انفعال الرجل مع ملامح الخوف التي ظهرت على وجهه، فصرخ : اسمع، ما حصل هنا مجرد عمل انساني قمت به، ولكن بما أنك قادر على الحركة الآن أرجو أن تخرج من المحل وأن لا تعود إليه مرة أخرى.

استغرب نيكولاس من كلام الرجل الذي بدا لطيفا معه في البداية والذي تغير بعد بذكر سيرة نيكولاس ديميتروف والذي لم يفهم منها شيئا، سكت نيكولاس ولم يرغ بزيادة حدة الأمر فنهض ومن ثم شكر الرجل على مساعدته وخرج من المحل والحيرة تلعب في عقله، والسؤال المهم هو .. هل نجحت التجربة مثلما خطط لها أم أن شيئا آخر قد حصل?

خرج نيكولاس من المحل وبدأ بالمشي وهو غارقا في تفكيره ويحدث نفسه: ماذا حصل يا ترى?، لا أدري ما الذي أصاب ذلك الرجل ولكنه بدا جادا في كلامه ..

ما يهمني الآن هو تنفيذ الخطة والبدء بعملية الإنقاذ، لقد تعمدت العودة إلى ما قبل شهرين من الحادثة، والتي ستقع فى الثلاثين من الشهر الخامس ( مايو ) لكي أستطيع بناء قصة من أجل تغيير المستقبل، سوف أصل قريبا إلى منزلي وأرجو أن لا أبالغ بردة فعلي عند رؤية..

قاطع تفكيره المنظر الذي رآه، فلقد وصل إلى مكان منزله ولكن كان على محيطه شرائط صفراء و لائحات مكتوب عليها (( ممنوع الدخول ))، المنظر كان وكأنه موقع لجريمة ما، ونظرات الدهشة والاستغراب تعلوا وجهه، أطرافه ترتجف فمه مفتوح ونبضات قلبه تسارعت وأنفاسه تسابق بعضها، ثم قال : م.. ماذا حصل هنا??

2020/06/21 · 412 مشاهدة · 1356 كلمة
ykh_1997
نادي الروايات - 2024