صوت صافرات سيارات الشرطة تعلو تدريجيا، واللونين الأحمر والأزرق قد بدأت بالتناوب في الظهور، يتعالى الصوت تدريجيا، سيارات الشرطة قادمة نحو المنطقة، بدأ الناس بالمشاهدة والدهشة والتساؤلات تحيرهم عن الذي يحصل ..

وصلت الشرطة وحاصرت نيكولاس وبدأ رجال الشرطة بالخروج والاحتماء خلف سياراتهم ورفعوا أسلحتهم ووجهوها نحو نيكولاس يطالبونه بالاستسلام ورفع يديه فوق رأسه وأن يستلقي على الأرض، لم يعلم نيكولاس ما يحصل حاليا، لم يعد يفهم أي شيء، مئات الأسئلة في رأسه تدور لدرجة لم يستطع استيعابها حتى ....

أحد أفراد الشرطة يصرخ بالمكبر قائلا : ارفع يديك عاليا واستلقي على الأرض بهدوء حالا !!

بدأ نيكولاس برفع يديه و الاستلقاء بهدوء، حتى استوى ممتدا على الأرض، توجه بعض من أفراد الشرطة بحذر موجهين أسلحتهم نحوه يرمقونه بنظرات غضب وسخط وحذر، بدأ أحدهم بامساك يده اليمنى و تكبيلها مع اليسرى بالاصفاد ومن ثم جعلوه يقف على رجليه وهو ما زال لا يعي ما يحصل تماما، توجهوا نحو إحدى سيارات الدورية وبالتحديد سيارة المفتش ليام بيزيتش، وصلوا عند السيارة وهموا بإدخاله إليها، وقبل ذلك توجه إليه المفتش بيزيتش ونظر نحو عينيه، وقد كان المفتش ذو عينين رماديتين، اصلع الرأس، يرتدي قبعة، له ندبة بارزة في شق وجهه الأيمن ناتج عن حرق ما، قال له : مضت فترة طويلة ولكنك ظهرت أخيرا، نيكولاس ديميتروف انت رهن الاعتقال !!

صامتا في رعب، وعرقه يتصبب من جبينه مصاحبا ببرودة شديدة في أطرافه، لا يفقه ما يحصل معه، ولكنه على يقين أنه إذا قام بأي نوع من المقاومة حتى وإن كانت كلامية فقط فستكون لها عواقبها الوخيمة، لهذا قرر أن يتريث قليلا لكي يستجمع شتات أفكاره ويخرج بشيء لعله ينقذه من المنحة التي فيها.

بعد استسلام نيكولاس للأمر الواقع، وتحت أنظار الناس التي كانت تشاهد ما حصل وانتشار تمتمتهم وهمساتهم في محيط المكان، صعد إلى السيارة مكبل اليدين وصعد بجانبه المفتش بيزيتش و اعطى اشارته للانطلاق، فانطلقت السيارات مصاحبة بأصوات الصفارات الخاصة بها.

وصلت السيارات لمقر الشرطة، وأخذ بيزيتش بيدي نيكولاس المكبلتين خلف ظهره متوجها نحو غرفة الحجز والتي تبدو مظلمة للوهلة الأولى ولكنها تحتوي على ضوء خفيف، بيئة الغرفة الكئيبة تجعل من المتهمين في حالة نفسية صعبة مما يضغط عليهم ويسهل من عملية التحقيق بالإضافة إلى الأسلوب الذي يتبعه المفتش والمعروف ببرودته وشدته، فهذا آخر شي يريده مجرم متهم.

دخل المفتش الغرفة وأجلس نيكولاس على الكرسي و من ثم جلس مقابلا له، أدخل يده في سترته وأخرج جهاز التسجيل خاصته وضغط على زر التسجيل ووضعه على الطاولة الموجودة بينهما، محدقا في عيني نيكولاس ومشبكا على أصابعه، قال بصوت ذو نبرة باردة: الخامس والعشرين من مارس 2010، الساعة العاشرة مساءا، تم إلقاء القبض على الدكتور نيكولاس ديميتروف المتهم بجرائم التخريب والانتهاك لممتلكات الدولة السرية وجرائم التفجير والقتل المتعمد وأيضا جرائم إنسانية قائمة على تجارب بشرية تنتهك حقوق الإنسان وجريمة الهرب من قبضة العدالة لثلاثة سنوات، وستبدأ الآن عملية التحقيق والاستجواب مع المتهم المذكور آنفا.

مازال ينظر إلى وجه ديميتروف، ولكن هذه المرة كانت ملامحه مختلفة، فلم يعد وجهه خائفا وبدت نظراته أكثر حدة و ثقة من قبل مما جعل بيزيتش يبتسم ابتسامة ساخرة، وسأله: هل انتهت التمثيلية السخيفة التي كنت تمارسها، وهل قررت الاعتراف بما فعلته?

يأخذ نيكولاس نفسا طويلا، أجاب بقوله: اسمي الدكتور نيكولاس ديميتروف، خططت لعملية الانتقال البعدي للسفر عبر الزمن لتسع سنوات سابقة لإنقاذ ابنتي من مصيرها السيئ الذي كان بسبب خطأ ارتكبته أدى لموتها، لم أكن أنوي كشف هذا الكلام لجهة حكومية لكي لا تستخدمها في مصالحها، ولكن تحتم علي ذلك بسبب موقفي الحالي، ولم يبقى لي خيار آخر، وبخصوص الإنتقال فقد فشلت للوصول لوجهتي وبسبب ما يحصل فإن هذا يوضح ..

وبينما كان نيكولاس يواصل كلامه وكان الآخر لا يعي ما يقوله من تراهات الانتقال البعدي وغيرها جعله يستشيط غضبا ولم يتمالك أعصابه ظنا منه أنه يعبث يستهزئ به، فضرب بيده على الطاولة مقاطعا كلام نيكولاس، ثم قام عن كرسيه بغضب، وصرخ: يكفي ..

ثم جلس، وخلع قبعته من على رأسه ووضعها على الطاولة، أطفأ التسجيل وحذف ملف الصوت منه، ثم قال: لنبدأ مرة أخرى، لكن هذه المرة أريد كلاما منطقيا وليس خزعبلات الانتقال خاصتك، أريد الحقيقة التي يعرفها الجميع، وأريدك أن تنطق بها بنبرة الشخص النادم، هل فهمت؟!

اجابه مباشرة: قبل أن تضغط على زر التسجيل أريد أن أقول لك أن ما تعتقده عني هو خطأ تماما، فقد قلت الحقيقة بخصوص ما سمعته، أما بشأن نيكولاس ديميتروف الآخر فهذا ....

قاطعه المفتش بصوت عال يملؤه الغضب: أخرس ..

ثم هدأ وعاد لنبرته الباردة قائلا: يبدو أنك لا تعي موقفك هنا، هل تناولت شيئا أثر على عقلك، أم أنها إحدى خدعك الرخيصة، هذا لا يهم سأمهلك هذه الليلة لتفكر في كلامك جيدا قبل الإدلاء باعترافك وإلا، لن يسرك ما سوف تواجهه.

يقف المفتش ليام هاما بالخروج من الغرفة، يستوقفه نيكولاس بصوت عال نسبيا وكانت نبرته لشخص يستنجد أن يصدقه أحد: انتظر لحظة .. أنا لا أكذب، اسمح لي بالخروج من هنا، احتاج لبدء التجربة مرة أخرى، أرجوك!!

يقف المفتش مقابلا لباب الغرفة، ممسكا بقبضته، هاما بالخروج، فرد عليه: فكر جيدا في ما ستقوله غدا.

خرج من الغرفة و أقفل الباب بعده، وطلب من رجاله حراسة المكان على مدار الساعة.

بعد أن ذهب المفتش جلس ديميتروف على كرسيه وأمسك برأسه وبدأ يحك شعره بقوة تدريجيا حتى كاد أن يقشر رأسه، ثم توقف، ونظر إلى سقف الغرفة وبدأت الدموع تملئ عينيه يأسا وحزنا، وجلس يحدث نفسه: ماذا حصل لكي أصل لهذا المسار الزمني?

لقد كنت واثقا في نجاح التجربة، ولكن في ماذا أخطأت يا ترى ??

من ثم صرخ بأعلى صوته: لماذا؟

وبدأ يطأطأ رأسه إلى الأرض، يتلفت في أنحاء الغرفة، بعدها جلس منطويا على نفسه في زاوية الغرفة، يتمتم بكلمات تكاد لا تسمع وكأنه يتو تراتيل تعويذة سحرية، هذه الكلمات هي التسجيلات الخاصة بتجاربه التي وسمها في ذاكرته أثناء انتقاله، وهو الآن يحاول إيجاد خطأه الذي ارتكبه أثناء استذكاره لها، فهو يمتلك ذاكرة قوية جدا للإستذكار.

فجأة توقف عن التمتمة ونظر نحو اصفاده، وقف على قدميه وقرر نقش نص مصفوفة الإنتقال خاصته على جدار الغرفة مستخدما اصفاده، وبالفعل بدأ بذلك وفي نيته اكتشاف الخطأ الذي ارتكبه أثناء كتابة المصفوفة، بدأ بنقش الأرقام والأحرف الخاصة بالمصفوفة، مرت 35 دقيقة منذ أن بدأ بالنقش لم يكمل حتى نصفها، فجأة فإذا بصوت إطلاق نار يسمع من خارج مقر الشرطة!!

2020/06/21 · 239 مشاهدة · 976 كلمة
ykh_1997
نادي الروايات - 2024