إطلاق شديد للنار في محيط مركز الشرطة، حالة من الهيستيريا والرعب ملأت قلوب من كان في القسم، وأصوات تتعالى في أرجاء المكانفهنا من يتساءل عن السبب، ومنهم من يصرخ من أجل التجهز بالعتاد لصد الهجوم الذي يطال القسم، وأحدهم ينادي على حراس الزنزانة لتشديد الحراسة ظنا منهم أنه هجوم من قبل أتباع نيكولاس ديميتروف، وفي صدد هذا كله أحدهم اتصل على المفتش ليام لكي يخبره عما يحصل، وبعد الاتصال هم ليام بالرجوع للقسم بأقصى سرعة من بيته الذي يبعد 45 دقيقة عن القسم ..

هدأ صوت الإطلاق لوهلة، بدأ رجال الشرطة في المحاولة لاستكشاف هوية الفاعلين، فقد كانوا لا يستطيعون النظر للخارج بسبب كثرة الإطلاق واكتفوا بالاختباء وحماية أنفسهم، بالإضافة إلى أن عددهم كان قليلا، الأشخاص المناوبين وحرس الزنزانة من كانوا موجودين، لذا كانوا في موقف ضعف بالحكم على شدة الإطلاق، فمن الواضح أن العدو أكثر عددا منهم، لقد كانوا عشرة رجال، بالإضافة إلى ثلاثة يحرسون زنزانة ديميتروف فهذا يجعل إجمالي عددهم هو ثلاثة عشر رجلا.

خرج أحدهم ليستطلع الأمر فإذا به يرى ثلاث سيارات سوداء قد همت بالرحيل من محيط القسم بسرعة كبيرة وكأنه انسحاب، فبدأ يتقدم رويدا رويدا، ولكنه فجأة سقط أرضا ينزف من رأسه، لقد خر صريعا بطلقة لم يستطع سماعها، بل لم يعرف ما حصل له، لقد كانت طلقة نظيفة في منتصف جبهته، ألقته صريعاا أمام بوابة قسم الشرطة وأمام أنظار زملائه، ذلك الحدث جعل بقية الرجال في حالة رعب مما حصل، تقدم رجلان دون أن يفكروا بعاقبة فعلهما، أرادا سحب جثة زميلهم، ولكن كان مصيرهما التمدد بجانب الجثة الأولى أيضا، اختبأ بقية الرجال خلف جدران القسم، فلقد تيقنوا أنهم لا يستطيعون الخروج دون التعرض لرصاصة تستهدف حياتهم، فهم موقنون أن خصمهم قناص محترف لا يخطئ هدفه ابدا ...

بعد لحظات كان الرجال يحاولون استيعاب حجم المصيبة التي هم فيها، فهذا هجوم من قبل محترفين، والجميع لديه ايمان أن اتباع ديميتروف جاءوا من أجل إنقاذ زعيمهم المسجون.

الخوف مخيم على قسم الشرطة من هذا الهجوم المفاجئ، مستمرون في الحفاظ على رباطة جأشهم، لحظات وصوت آخر يسمع، دراجة نارية تقترب منهم بسرعة، يحاول أحدهم النظر من النافذة التي تطل على الشارع، إنها دراجة سوداء تتجه نحوهم، يركبها دراج يرتدي زي أسود، ويحمل بندقية قنص على ظهره، متجها نحوهم حاملا معه رياح مميتة..

ممسكا بيده اليسرى قنبلة ضوئية بنية رميها نحوهم، يصرخ أحد الشرطة بقوله: احذروا، قنبلة ضوئية. لكن الأوان قد فات، رمى ذلك الدراج بالقنبلة من خلال النافذة، ومن ثم انعطف يمينا وأوقف دراجته بقرب القسم، وترجل منها، رمى ببندقيته بجانب الدراجة، أخذ مسدسه من على خصره بيده اليمنى، وخنجره بيده اليسرى، راسما على محياه ابتسامة خبيثة، عيناه تلمعان بشر قاتم، توجه بسرعة إلى القسم مهاجما لا يرده شيء أبدا، بينما لا زال رجال الشرطة يحوالون استعادة الرؤية بعد تأثيرا لقنبلة الضوئية عليهم، بدأ بالهجوم عليهم، سبعة رجال أشداء لم يكونوا همّا بالنسبة له، انقض عليهم كذئب جائع يهجم على قطيع خرفان، لا أحد بمقدوره أن يوقفه، قضى على ستة رجال في ثوان، ولم ينتبه ان هناك خروف ناجي من المذبحة قد اختبأخلف إحدى الطاولات ..

يقف الجلاد الأسود وسط الدماء والجثث التي خلفها وتعلوا وجهه ابتسامة، مستمتعا بشعور الانتشاء الناتج من ارضاء رغبة القتل التي تحرق جسده من الداخل وتحرضه لقتل المزيد.

بدأ يخطو خطوات بطيئة متناسقة نحو قسم الحجز حيث يتواجد نيكولاس، صوت وقع اقدامه ينشر صداه في أنحاء قسم الشرطة وكأنه دخول مسرحي لمصاص الدماء المشهور دراكولا ..

ماذا حصل للقسم،أجيبوا!

صوت المفتش صدر من جهاز الإرسال الخاص بالشرطي الناجي من مجزرة الجلاد الأسود مما جعله يتوقف عن المشي ويلتفت خلفه باتجاه مصدر الصوت، لم يستطع الشرطي عمل أي شيء سوى أن يغلق جهاز الإرسال الذي قد أفسد عليه فرصته الوحيدة للنجاة، لقد عرف في قرارة نفسه أنه ليس أهلا للمواجهة الفردية مع وحش كالذي يختبئ منه، لكن ليسن هناك خيار آخر، فأخذ بسلاحه وهمّ بالوقوف والتصويب، وقف، صوب، إصبعه على الزناد للإطلاق، لم تكن هنالك أي فرصة لأن الأخير كان أسرع، فقد أطلق رصاصته بمجرد ظهور ذلك الشرطي المسكين في مجال طلقاته، أصابته في كتفه الأيمن وسقط على الأرض يتلوى من الألم ويصرخ.

اتجه الأسود ناحية الشرطي بخطوات متباطئة مستمتعا بما يراه، ويطرب صوت الصراخ أذناه، وأخذ جهاز الإرسال وشغله، ثم قال بصوت شخص مجنون: مرررحبا سيدي المفتش، هل تريد أن تعرف ما حصل للقسم؟، من الأفضل أن تحضر بنفسك لترى، أراهن أن الجنون سيصيبك لما ينتظرك من مشهد!

وأنهى كلامه بضحكة مجنونة صاخبة ممزوجة معها صرخات الشرطي المصاب، رمى الجهاز على الأرض وحطمه بواسطة قدمه، نظر لناحية الشرطي المصاب، تكونت ملامح مرعبة على وجهه بشكل تدريجي، وقال: يبدو أنك ستكون ذو فائدة لي!!

في الجهة الأخرى، ناحية غرفة الحجز كان الرعب والخوف مخيم على المكان، الحراس مستعدين لما هو قادم نحوهم، ولقد أيقنوا أن زملاءهم قد لقوا حتفهم، نيكولاس كان مختبئا خلف الطاولة بعد أن قلبها، خائفا ولا يفهم ما سبب كل هذا، ما كان يستوعبه فقط أن ما يحصل مرتبط تماما بما قاله رجل الساعة سابقا، أن نيكولاس ديميتروف رجل خطير ومطلوب، ومن البديهي وجود اتباع له، لكن ما لا يفهمه لماذا قد جاء أتباعه لإخراج رجل آخر وليس زعيمهم، فلابد أنهم يعرفون ذلك لأن زعيمهم متواجد معهم بالتأكيد، كل هذا كان يدور في رأسه في دوامة غير منتهية.

ظل رجل ظهر في بداية الرواق المؤدي إلى غرفة الحجز، صوب الحراس أسلحتهم نحوه ويطلبون منه الاستسلام، يتوجه الظل نحوهم ببطئ، وتتوضح ملامح الرجل تدريجيا، إنه الشرطي المصاب يتوجه نحو الحراس، مازال الحراس مرتبكين لرؤيتهم للدماء في زميلهم ويطلبون من التوقف، كان الرواق مظلم قليلا لذا كانت الرؤية غير واضحة تماما، وتتوضح تدريجيا كلما اقترب المصاب نحوهم، فجأة لاحظوا أن ما يمسكه الشرطي المصاب بيده اليسرى هي قنبلة يدوية سحب منها الأمان وظل ممسكا بالزناد كي يمنعها من الانفجار، وكان خلفه الجلاد الأسود بابتسامته الساخرة وعيناه التي تلمعان شرا سقيم.

حين توضحت الرؤية للحراس بدأوا يصرخون ويطلبون من التوقف، منظر كهذا لا يجلب إلا كارثة، كانت أسنان الجندي المصاب تصطك ببعضها من الخوف، ولم يستطع الرد، فتكلم الأسود بدلا منه: سلموني الرجل المحجوز، وربما اترككم أحياء .. لماذا أقول هذا الكلام اصلا?

دفع الجلاد بالشرطي الحامل القنبلة اتجاه الحراس الباقيين مسببا بذلك وقوع القنبلة، وتراجع بسرعة خارج الرواق ليحتمي من الانفجار الذي حصل، مخلفا ورائه جثث الأربعة المتبقيين، وقد تسبب هذا الانفجار بضرر لغرفة الحجز، وحين نظر الأسود باتجاه الغرفة، ابتسم ابتسامة المنتصر وبدأ يتجه خارج القسم وركب دراجته ورحل عن المكان تاركا خلفه جريمة مشؤومة مجهولة السبب.

2020/06/21 · 235 مشاهدة · 1006 كلمة
ykh_1997
نادي الروايات - 2024