يزحف ديميتروف من تحت الركام الناجم من الانفجار ببطئ وهو يسعل بسبب الدخان والغبار، وقد كانت الخدوش والجروح قد توزعت على جسده، أصيب مصاب بخلع في كتفه الأيسر، زحف خارج الركام بشق الأنفس متجها إلى خارج المركز، وقد كان المكان في حالة مزرية، الدمار في كل زاوية، وجثث الشرطة منتشرة من حوله، يشاهد ما حوله بنظرات رعب وفزع، حتى أنه كاد أن يتقيأ بسبب المنظر الشنيع، مشى بخطواته المترنحة، ممسكا يده اليسرى بيمناه، محاولا تدارك أنفاسه، راغبا في الخروج من هذا المكان بأسرع وقت.

حين خرج من الباب نظر نحو الأمام، رأى سيارة سوداء داكنة، تبدو من الأنواع الفاخرة، وقد كانت تشير بأضوائها الأمامية ناحيته فصعبت الرؤوية عليه، وضع يده على عينيه كما من يحاول منع الضوء الساطع من الوصول إليها، انخفضت شدة سطوع الأضواء، وفتح باب السيارة، خرج منها رجل يلبس بدلة سوداء فاخرة وقبعة على رأسه، ويتجه بخطوات متناسقة اتجاه ديميتروف المصاب بمشهد دراميتيكي مهيب، وقد توقف ديميتروف عن الحركة بعد أن ركع على ركبتيه، توقف الرجل ذو البدلة بمسافة متر واحد أمام ديميتروف، ثم وضع يده اليسرى في جيب معطفه، ونظر نحو ديميتروف الذي كان يحاول أن يميز ملامح الرجل الواقف أمامه بصعوبة بسبب الظلام الذي يحجب الرؤية، بالإضافة إلى أن الرجل يلبس قبعة، ناهيك عن الارتجاج في رأسه بسبب الانفجار، بدأ الرجل ذو البدلة بالكلام: قبل سنوات، كنت قد نجحت في تجربة ستغير شيئا في هذا العالم، وحين قدمتها للجنة المختصين في هذا البحث، أبهرهم كثيرا وأعجبوا بي أيضا، وتلقيت المدح والدعم لتطويره، مضت فترة وبدأ الجميع يطلب مني التوقف وتسليم المشروع للحكومة مقابل أنه سيدفعوا مبلغا طائل، أرادوا سرقة مجهودي، رفضت ذلك، وأخبرتهم أن المشروع لن يكتمل ولن ينجح مالم أكن أنا من يدير زمام الأمور، بعدها بفترة وجيزة، داهم الجيش مختبري ومنزلي، وقتلوا جميع العاملين في ذلك المختبر، هددوا عائلتي، لكننا نجحنا في النجاة والهرب و الاختفاء عن العالم بأسره، ولم يكن ذلك بالسهل، فلقد دفعنا ثمن ذلك غاليا، لكن ظللت أخطط وأعمل من أجل أن أعود وأنتقم لما فعلوه من سرقة بحثي وعملي وجهدي، وتهديد عائلتي وحياتي وكل شيء عملت من أجله طيلة هذه السنوات، ثم تظهر انت ..

ينزع الرجل قبعته وتظهر ملامحه ليراها ديميتروف، تضيقت حدقة عينيه من هول ما رأى، إنه نسخة طبق الأصل منه، كأنه ينظر للمرآة ويرى انعكاس صورته فيها ..

ثم يتابع الرجل كلامه: أتعلم ما هو أكثر شيء اكرهه؟، سرقة ما هو ملكي، أتحاول أن تسرق هويتي، ومن ثم يقبض عليك ليقال أنه تم القبض على المطلوب الأول في هذه الدولة??

يحاول ديميتروف التقاط أنفاسه والرد بصوت يرتجف: ل...لالا، أنت أسأت الفهم، الأمر معقد..

يقاطعه الرجل: عقاب من يسرقني شديد، وأنت عقابك هو الموت!!

ازداد ديميتروف فزعا، يحاول أن يوضح أنه هناك سوء فهم: الموت، أنت لا تفهم، دعني أشرح الأمر !!

لقد كان يحاول تبرير موقفه، ولكن دون فائدة، فالرجل ذو البدلة لم يحاول حتى الإصغاء إليه، واكتفى بإعطاء إشارة بيده اليسرى بعد أن أخرجها من جيبه، فتح الباب الخلفي للسيارة، وشخص يخرج منها يتراوح طوله بين 167 إلى 170 سنتيمتر، يقترب ببطئ، وحين توضحت ملامح هذا الشخص فإذا بها فتاة ذات شعر بني قصير وعينان زرقاوان كأنهما المحيط، وقفت بجانب الرجل ذو البدلة، شخصت أنظار ديميتروف نحو الفتاة، وتسمر في مكانه، ولم يبدي أي حركة غير أنه يشاهد تلك الفتاة وعيناه تنهمر بالدمع، ما زال ينظر إليها وهي تخرج مسدسها، وتشير به نحوه، واصبعها فوق الزناد ..

يضع الرجل قبعته على رأسه، ويستدير عائدا للسيارة قائلا: هناك رجل واحد اسمه نيكولاس ديميتروف وهو أنا، ولن أسمح بأن تسلب هويتي مني بعد أن سلب مني كل شيء، افعليها !!

همت الفتاة بالضغط على الزناد، حينها قال ديميتروف كلمة " ماشا "، ما أن قالها إلا واستقرت رصاصة على رأسه، ليتردد صدى صوتها في أرجاء المكان، ويسقط ديميتروف مضرجعا بدمائه.

توقف الزمن وتجمد الوقت، وأصبح كل شئ ساكنا لا يتحرك مقدار أنملة، وكأن الجميع أصبحوا تماثيل متحجرة، الرجل ذوق القبعة تجمد على هيئته المغادرة لذلك المكان ولم تصل قدمه الاخرى للارض لمتابعة المسير، بل ظلت معلقة في الهواء، غلاف الرصاصة التي خرجت من ذلك المسدس أصبحت عائمة في الجو بعد الاصطدام بالارض، ولم ترتد إليها، وكأن الجاذبية أبت أن تجذبها، نزيف الدماء من رأس ديميتروف تصلب في مكانه ولم يعد ينزف، الدخان الخارج من فوهة المسدس لم يعد يتمايل مع الهواء، بالأحرى لم يعد هنالك هواء يحرك الاشياء، لقد تجمد العالم حرفيا عن الحركة ..

بعد لحظات من حالة تجمد الزمان، بدأت مظاهر من الحركة و التشوه في الجو تحصل، خيال رجل بدأ بالظهور بشكل هيلوجرامي خفيف يتوضح تدريجيا حتى اتخذ شكله الكامل، وأصبح حقيقيا، كيان بشري غريب ظهر في بيئة زمانية ومكانية متصلبة لا حياة فيها، بدأ ينظر باتجاه الدماء تحت قدميه، ملامح تحسر و شفقة ارتسمت على وجهه، من ثم أشاح بنظره باتجاه الفتاة التي اطلقت النار و اتجه نحوها و النظرات نفسها لم تتغير، رفع يده اليمنى ووضعها فوق رأسها وبدأ يربت عليه بحنان، صرف بنظره مرة أخرى، وهذه المرة باتجاه الرجل الممدد، المصاب بطلق ناري على رأسه، وبدأ يسير نحوه حتى صار رأس ديميتروف بين قدميه، انحنى نحوه ووضع كفه على عيني ديميتروف، وأتبعها بفرقعة لأصابعه ليختفي ذلك العالم من الوجود وكأنه ليس موجودا أبدا ...

2020/06/21 · 234 مشاهدة · 814 كلمة
ykh_1997
نادي الروايات - 2024