ظلام، ظلام دامس، لا يستطيع أن يرى شيئا، صوت يسمع بشكل غير واضح وهو يحاول بجد ان يستوضحه، يحارب من أجل أن يرى شيئا، وببطئ بدأ يلمح ضوء خفيف، ما زال يحاول أن يعي ما يحصل من حوله، ضوء خفيف بدأ يتسلل تدريجيا لناظريه، والصوت قد صار أوضح، لقد فتح عينيه ونظر نحو شاشة حاسوبه أمامه، هو سبب ذلك الضوء الخفيف لأنه هو المصدر الوحيد للضوء في تلك الغرفة المظلمة، أما الأصوات كانت عبارة عن مزيج بين صوت المروحة في الغرفة وصوت جهاز الحاسوب وبعض الاجهزة المرتبطة به كذلك ..

كان ينظر لشاشة الحاسوب بتلك العينين الناعستين، يحاول أن يستذكر ما كان يفعله قبل غفوته، بدأ بحك رأسه ببطئ كما لو أنه يحاول أن ينبش عن ذكرياته، ومن ثم قام بمسح وجهه ليبعد عنه آثار الكسل الذي تلبس به، ثم أخذ جهاز التسجيل الخاص به وشغله ليستمع الى ما سجله قبل أن يغلبه النعاس آملا أن يعرف ما كان بصدد أن يفعله، ضغط زر التشغيل وبدأ بالانصات:

واحد .. اثنان .. تجربة تجربة .....

اسمي الدكتور نيكولاس ديميتروف، وهذا التسجيل رقم 3876، اصرح فيه عن الانتهاء من بناء مصفوفة الانتقال البعدي لعملية الإنقاذ بعد القيام بآلاف التجارب من أجل الوصول إلى الهدف، هأنا ذا قد وصلت للنتائج المرجوة وسيتم البدء بعملية الانتقال في الساعة 12 منتصف الليل ...

لا أعلم أن كنت أستطيع أن اصبو إلى ما خططت ان يحصل، ولكن هذه التجربة قد تغير الوقت والتاريخ لذا... لا أعلم ماذا أقول ولكن هذا لا يهمني البتة، لأن ما أريد فعله هو إنقاذ ابنتي من خطأ ارتكبته أودى بحياتها.

انتهي التسجيل، وتغيرت ملامحه الى الجدية و تقلصت حدقة عينه كشخص أصابته فاجعة، لأنه نظر الى الساعة وقد كانت تشير الى الحادي عشرة والنصف أي انه تبقى نصف ساعة للتجربة ويجب أن ينتهي من الاعداد النهائي للانتقال وقد بدأ بكتابة المصفوفة وما الى ذلك من الاعدادت، وقبل أن يضغط زر الموافقة أخذ جهاز التسجيل وبدأ التسجيل:

واحد .. اثنان .. تجربة تجربة ...

اسمي الدكتور نيكولاس ديميتروف وهذا التسجيل رقم 3877، وهو الأخير لهذه العملية

سيتم الآن الانتقال إلى الماضي وتنفيذ عملية الإنقاذ ...

سيتدمر هذا المكان تلقائيا بمجرد الانتهاء من الانتقال لكي تمحى أدلة دراستي إلى الأبد، وهذه التسجيلات قد حولتها إلى بيانات رقمية توسم في مصفوفة عقلي بمجرد تحول جسدي إلى مصفوفة رقمية أثناء عملية الانتقال لتنتقل مباشرة إلى نيكولاس ديميتروف قبل 9 سنوات وهذا هو جوهر الانتقال البعدي، وبهذا أستطيع تكرار التجربة في حال تعرضت لخطب ما، لكني واثق أنني سأصل وسوف أنقذ ابنتي وسينتهي كل شئ .. بالتوفيق !!

أقفل جهاز التسجيل ووضعه على الطاولة، وها هو الآن قد هم بضغط الزر، وفي لحظة تردد بدأت يده ترتجف، والعرق قد بلل جبينه، وعينيه اتسعتا، وقال في نفسه: ألم أقم بهذا من قبل؟، من ثم ضغط الزر وبدأ الانتقال.

وصل نيكولاس للزمن الذي أراده، واعيا لما حوله، واقفا بجانب محل لتصليح الساعات ينظر ويشيح بنظره في أرجاء المكان، متعجبا حول المكان الذي وصل اليه، لأنه كان من المفترض أنه في منزله في مثل هذا الوقت قبل تسع سنوات، وقد فسر الأمر على أنه ربما حصل خلل ليتواجد في هذا المكان، و أقنع نفسه أنه لا ضير في ذلك ..

هم بالمسير نحو منزله لكنه توقف قبالة باب محل الساعات ذاك محدقا في صاحبه، لقد ظل محدقا نحوه مطولا حتى انتبه له صاحب المحل، حينها قرر نيكولاس الدخول، فتح الباب ودخل المحل وهو يتجه نحو الرجل، بينما الأخير كان ينظر اليه بنظرات خوف وحذر، توقف نيكولاس وبدأ ينظر للساعات التي كانت حركتها غريبة جدا، فلقد كانت معكوسة في سير العقارب، عقرب الساعات هو عقرب الثواني وعقرب الثواني هو عقرب الساعات، بينما عقرب الدقائق ظل كما هو ولم يتغير، لقد ظن أنها ساعة معطلة لهذا قام يتفقد الساعات الأخرى، وقد كانت نفس الشئ ..

قاطعه صاحب المحل بنبرة خائفة نوعا ما بقوله: لماذا عدت يا سيدي، والأعجب من ذلك أن شكلك مختلف، ولم يمر على خروجك من عندي سوى بضع دقائق؟

تعجب نيكولاس من سؤاله، ولكنه رد عليه مباشرة بسؤال آخر: هل تعرفني؟

صمت صاحب المحل قليلا، و بلع ريقه، ثم ابتسم ابتسامة ساخرة وقال: يبدو أني شبهتك بشخص أخر.

- حقا ؟

- اجل.

- سؤال، هل ساعاتك معطلة ؟

استغرب الرجل من سؤال نيكولاس، ولكنه رد عليه: لا، انها تعمل بشكل ممتاز.

- أهااا ... اعذرني اذن.

خرج نيكولاس من المحل ونظرات الريبة والتساؤل ترتسم على وجهه، وتساؤلات تعيث فوضى في رأسه: ما الذي يحصل؟ لم كل شئ يبدو مألوفا ؟

قاطع تفكيره مرة أخرى صوت صاحب المحل يناديه، ولكن هذه المرة كان يحمل مسدسا موجها نحوه، وما ان التفت إلا ورصاصة قد سبقت صوت اطلاقها لتستقر في صدر نيكولاس، وأتبعها باثنتين بعدها، لم يستوعب ما حدث بالضبط ولكنه ظل ينظرنحو الرجل مرعوبا مما حصل، وقال: مرة ... اخرى.

تجمد العالم، وتوقف الوقت، وظهر الرجل الغريب مرة أخرى، وفرقع بإصبعه ثانية من دون مقدمات ليستيقظ نيكولاس ديميتروف في غرفته أمام حاسوبه جالسا على كرسيه يلهث خائفا كأنه كان يهرب من عفاريت تلاحقه، يتحسس على صدره ورأسه بشكل متكرر، وبدأ ينظر ليديه متفقدا لوجود دماء عليها، ثم نظر نحو ساعة حائطه، انها تعمل بشكل طبيعي وتشير الى الساعة الحادي عشرة والنصف قبل منتصف الليل، أخذ جهاز التسجيل من على طاولته ليستمع لآخر تسجيل سجله، وضغط الزر ليستمع: واحد .. اثنان .. تجربة تجربة ..... اسمي الدكتور نيكولاس ديميتروف، وهذا التسجيل رقم 3876، اصرح فيه ....

أغلق الجهاز ونظرات الدهشة على وجهه والعرق يتصبب من على جبينه، ثم قال: لقد حدث الأمر، لقد تعرضت للقتل مرتين، من ثم أمسك برأسه وانهار على الارض وظل يحاول أن يلتقط أنفاسه تدريجيا، يتساءل: ماذا حصل وكيف؟؟، لقد انتقلت للماضي مرتين وعدت إلى هنا عندما تعرضت للقتل ... هل ما حصل حقيقة أم هي مجرد أحلام؟!

و بينما هو غارق في تساؤلاته بدأ الجو المحيط به بالتشوه تدريجيا وبدأ بالتشقق كالزجاج، انتبه نيكولاس للأمر وقد زاد من خوفه، فما يحصل هنا هو ضرب من الجنون، مع أن خطته تصنف من ضمن ذلك أيضا، بدأت تلك التشققات تزاد وبدأت القطع بالانهيار بشكل متتابع، كطبقة الثلج الخفيفة على بحيرة صغيرة، ليغرق نيكولاس في عالم من البياض فقط، وهو يصرخ مذعورا لا يفهم ما يحصل حوله، هو فقط أراد ان ينقذ ابنته، ولكن ما هو قادم قد يمحو أي اثر له، أي لا وجود لنيكولاس ديميتروف ..

أنانية شخصية قد تسبب بتغير خط سير الزمن المعروف لشئ غامض لا تحمد عواقبه.

2020/06/21 · 216 مشاهدة · 1004 كلمة
ykh_1997
نادي الروايات - 2024