22 - إنقاذ الأميرة أللعينة

إنقاذ الأميرة أللعينة

جلس فيكتور على مكتبه، وإدوارد واقف إلى جانبه، بينما جلست لوسييل بأدب في حجره. وقف أمامه رجلان، أحدهما بشعر أبيض كإدوارد ومعظم الناجين، أما الآخر فكان بشعر أسود وعينين سوداوين كئيبتين، ويبدو أنه لم يتعرض للطفرة التي أصابت معظم البشر.

كان الشاب ذو الشعر الأسود، المسمى مايكل، في الأربعينيات من عمره، مما جعله يواجه الكارثة في طفولته.

لذا أصبح من أكثر الناجين خبرة بطرق النجاة، لدرجة أن فيكتور نفسه اختاره كقائد لفريق الصيد الرابع.

وقد كان مايكل آخر شخص رأى ماريا.

أما الرجل الوسيم ذو الشعر الأبيض، المسمى إيثان، فلم يكن سوى حارس عادي، وما ميّزه فقط هو مظهره الجذاب، لدرجة أن القليلين فقط يستطيعون التفاخر بوسامتهم أمامه، وبالطبع كان فيكتور من بين هؤلاء القليلين.

لكن الأهم هو أن إيثان كان آخر شخص تفاعل مع ماريا قبل اختفائها.

قبل حضور الرجلين، أعطى إدوارد نتيجة تحقيق الحراس معهما إلى فيكتور، ويبدو أن كلا الأحمقين كانا ضحيتين لإغراء ماريا.

بالنسبة لإيثان، فآخر تفاعل بينه وبينها كان في غرفتها ليلًا منذ يومين، لذا كان من الواضح نوع هذا التفاعل.

مايكل، من ناحية أخرى، كان آخر تفاعل له مع ماريا منذ أربعة أيام، وأيضًا في غرفتها ليلًا. أما آخر مرة رآها فيها فكانت بالأمس، حيث أخبرته أنها متوجهة إلى المطبخ لشراء مشروب لتناوله مع حلوياتها.

لكن عندما سأل الحراس لونا ومساعديها، أكدوا أنها لم تأتِ إليهم، مما يعني أن ماريا اختفت خلال هذا الوقت.

"إذاً، أنت تقول أنك كنت عائدًا من المطبخ بعد شراء حلوى لتقديمها كهدية لصديقتك وحينها قابلت ماريا الذاهبة لهناك وتحدثت معها فقط، أليس كذلك؟"، سأل فيكتور مايكل، وهو يعلم بالفعل الإجابة التي سيحصل عليها.

فبعد تحقيق الحراس، أكدت لونا أن مايكل اشترى منها الحلوى لصديقة، وأرتهم وصل صرف النقاط من المخزن.

كما أكدت صديقة مايكل أنها حصلت على هديته وأرتهم الطبق الذي كانت به الحلوى.

أخيرًا، أكد الحراس في الدوريات رؤيتهم لمايكل وهو يحمل طبق الحلوى في الممرات دون أي علامات غريبة.

"هذا صحيح، سيد فيكتور"، رد مايكل بثقة على سؤال فيكتور، مما جعل الأخير يبتسم ويسمح للاثنين بالانصراف بعد أن طرح عليهما بضعة أسئلة أخرى.

"ما رأيكما بهذين الاثنين؟"، قال فيكتور لإدوارد ولوسييل، وكان صوته هادئًا تمامًا، وكأن جريمة الاختفاء لم تكن شيئًا يُذكر.

نظر إدوارد بقلق إلى سيده بسبب السؤال، لكن رؤية فيكتور يأخذ كوب الشاي ويشرب منه بهدوء جعله يتنهد قبل أن يقول: "رغم مظهر مايكل الكئيب وملامحه المخيفة، إلا أن ذلك يعود للبيئة القاسية التي اضطر لمواجهتها وحده في طفولته. ورغم ذلك، فهو شخص لطيف ومراعٍ. أما إيثان، فبعد التفاعل معه، أجد أنه يفتقر للجرأة الكافية ليقتل مجرم يستحق الموت، لذا لا أتوقع أن يكون سبب اختفاء ماريا".

أستمع فيكتور بهدوء وبمجرد أن وضع كوب الشاي على الطاولة، أخذته لوسييل بسرعة وأخذت رشفة من نفس المكان الذي شرب منه فيكتور، لكن مع "أوتش"، أبعدت الكوب عن فمها وهي تخرج لسانها بألم.

ثم نظرت إلى فيكتور بذهول من قدرته على شرب الشاي بهذه السخونة، وفي تلك الأثناء كان إدوارد قد أنهى كلامه، لذا قالت: "كلاهما أحمقان وقعا بسحر عاهرة".

ابتسم فيكتور من كلمات لوسييل وداعب رأسها بهدوء مما جعلها تظهر ابتسامة حالمة من حميمية زوجها المفاجئة، ثم قال: "مايكل هو المجرم".

بمجرد أن رن صوته بالغرفة تجمد الإثنان في مكانهما بصدمة، خصوصًا بسبب الثقة في كلماته كما لو كان شاهد الاحداث بنفسه.

وعندما استطاع إدوارد تمالك نفسه، حاول مراجعة المعلومات في ذهنه، لكن لم يكن هناك أي دليل ضد مايكل، لذا سأل بعد استسلام: "كيف هذا، سيد فيكتور؟".

منذ دخول كلا مايكل وإيثان إلى مكتب فيكتور، كان قد وضع جميع حواسه عليهما. وأثناء حديثه معهما، درس كل حركة مهما كانت بسيطة، وكل عضلة مهما كانت صغيرة على وجهيهما.

ورغم استطاعة مايكل إخفاء الأمر عن إدوارد ولوسييل، إلا أن تعابيره أثناء أسئلة فيكتور المحددة قد فضحته وأعطت فيكتور الحقيقة التي حاول إخفائها.

ضحك فيكتور بهدوء عند ملاحظة نظرات الأب والابنة المتشوقين لسماع سببه لاتهام مايكل، ثم قال: "لقد كذب عليكم بخصوص الوقت الذي قابل فيه ماريا. هو لم يقابلها أثناء رجوعه من المطبخ بل أثناء ذهابه على الأرجح، وكان هذا واضحًا من تعابيره عندما سألته بشكل محدد عن الوقت. أما بخصوص التحدث مع ماريا فقط، فقد كذب أيضًا بهذه النقطة. ويبدو أنه فعل أكثر من مجرد التحدث.

نظر الاثنين بذهول الى فيكتور عندما أدركا من كلامه مدى رعب قدرته على الملاحظة وحتى ان لوسييل وضعت يديها على خديها المتوهجين بالأحمر من الخجل كما لو انها كُشفت بموقف محرج.

نظر فيكتور للوسييل بنظرة فارغة بسبب تصرفاتها، كما لو اكتشفت أنه يقرأ أفكارها أو شيء من هذا القبيل.

لقول الحقيقة، إذا حاول فسيستطيع وبسهولة، خصوصًا أنها من النوع الذي لا يخفي أفكاره حقًا.

بالنهاية، نظر فيكتور إلى إدوارد وقال: "قم بمراقبته، وبمجرد أن يترك أسلحته، امسكه وضعه بالزنزانة".

***

مر الوقت وأكمل الجميع عملهم، وبمنتصف الليل وجد مايكل نفسه في الزنزانة المبنية بالقبو تحت المدرسة.

لم يكن هناك سوى ديفيد، الذي كان ينظر إلى زميله الجديد بفضول، وحارسين عند المدخل.

عندما فُتح الباب، تراجع ديفيد برعب بمجرد رؤية فيكتور قادمًا. أما مايكل فقد تقدم ووقف عند القضبان المعدنية وقال: "ماذا يحدث، سيد فيكتور؟ لماذا جلبني الحراس إلى هنا؟".

امتلك القبو أربع زنزانات مرصوصة على اليسار عند الدخول، وأول زنزانة كان فيها ديفيد المرتجف، بينما كانت الثانية هي زنزانة مايكل.

تحت ضوء الشعلة الخفيف عند المدخل، سار فيكتور إلى نهاية الممر على يمين القبو، ثم أخذ كرسيًا خشبيًا وعاد به ليضعه أمام زنزانة مايكل.

جلس على الكرسي بطريقة مريحة وساقيه وذراعيه متقاطعين، ثم سأل مباشرة بهدوء: "ماذا فعلت بماريا؟".

رغم محاولته البقاء هادئًا، إلا أن سؤال فيكتور المباشر جعل القلق واضحًا في تعابير مايكل.

وقبل أن يرد، أكمل فيكتور وقال بسخرية هذه المرة: "لقد وقعت في حبها، لكن رؤيتها مع رجل آخر جعلك تفقد السيطرة على مشاعرك. وفي النهاية، ارتكبت جريمتك معتقدًا أن منصبك الجديد الذي حصلت عليه مباشرة مني سيجعلك بعيدًا عن الأنظار، أليس كذلك؟".

كلما تحدث فيكتور بما حصل علية من جلسة الأسئلة بالسابق، كلما ازداد رعب مايكل حتى انهار في النهاية على الأرض الخرسانية الباردة وبدأ يرتجف من الوحش أمامه.

تحت العينين القرمزيتين ذات الوهج الذهبي حول البؤبؤ العمودي، شعر أنه عارٍ تمامًا كما لو أن تلك العينين الشيطانيتين تستطيعان رؤية روحه مباشرة.

بالنهاية، بدأ يضحك بهدوء وعلى وجهه ابتسامة يائسة بعد أن أدرك مصيره المنتظر، ثم قال وهو ينظر للأسفل بعيونه القاتمة: "ماذا سيحدث لي من الآن فصاعدًا؟".

"أنا من يسأل هنا، وليس أنت. لكن إذا كنت فضوليًا، يمكنك سؤال ديفيد، زميلك الجديد، بالطبع بعد أن أنتهي منك أولًا"، قال فيكتور بهدوء بينما نهض ليقوم بفتح قفل الزنزانة بمفتاح للدخول. ومنذ أن قرر أن مايكل هو المجرم، لم يعد لمايكل أي حقوق، بل فقط مجرد عبد آخر، أداة أخرى، فأر التجارب رقم اثنين.

خرج فيكتور من الزنزانة وعلى جسده بعض بقع الدم، كما خرج معه الحارسان اللذان أنهيا مناوبتهما، وكانا يرتجفان من هول ما شاهدا.

يبدو أن مايكل، بسبب البيئة القاسية التي تعرض لها في طفولته، استطاع مقاومة تعذيب فيكتور له لبعض الوقت، لكن لم يفده هذا سوى بأن يصبح التعذيب أفظع وأكثر قسوة حتى استسلم بالنهاية وأخرج كل ما لديه.

ولحسن حظه ان الوضع انتهى بالتعذيب الجسدي فقط، فأمام فيكتور، حتى أولئك الذين لا يعمل عليهم التعذيب الجسدي يمكنه الحصول على المعلومات التي يريدها منهم بمختلف الطرق الأخرى الأسوأ بكثير.

بالخارج تنهد فيكتور بحزن بسبب الحالة التي ترك فيها مايكل، ليس لأنه شعر بالشفقة عليه، بل لأنه لن يستطيع استخدام فأر التجارب رقم اثنين لبضع أيام حتى تتحسن حالته الجسدية.

نظر فيكتور إلى الحارسين وأعطاهم ابتسامة مريحة أدت لنتيجة عكسية حيث أصابهم الرعب أكثر، لذا بدون اهتمام ذهب فيكتور إلى إدوارد المنتظر خارج الزنزانة مع بعض الحراس وقال: "فلنذهب لإنقاذ أميرتنا أللعينة".

ذهل إدوارد والحراس بكلمات فيكتور التي تعني بوضوح أن ماريا ما زالت حية، لذا قاموا باتباعه بحماس بعد الخبر الجيد.

ثم قال إدوارد بفضول: "إذاً، سيد فيكتور، أين قام هذا اللعين بإخفاء ماريا داخل المستعمرة دون أن نجدها بأي مكان رغم كونها ما زالت حية؟".

"من قال لك أنه أخفاها داخل المستعمرة؟"، بمجرد قول فيكتور ذلك، ذهل الجميع خصوصًا عند ملاحظتهم أنهم يتجهون نحو مدخل المستعمرة.

الآن أدركوا لماذا لم يستطيعوا العثور على ماريا مهما بحثوا داخل المستعمرة، وهذا لأنها لم تكن بالداخل من البداية.

بينما بدأ حراس البوابة بفتحها، سأل إدوارد السؤال الذي حيره هو والحراس الآخرين: "لكن سيد فيكتور، يستحيل أن يستطيع الخروج من البوابة دون أن يعلم الحراس، فكيف فعل هذا؟".

تنهد فيكتور من سؤال إدوارد وقرر زيادة تدريبه على كيفية التفكير المنطقي، ثم قال: "أيها الأحمق، لماذا سيخرج من البوابة ذات الحراسة المشددة، ويمكنه دائمًا القفز من فوق السور من أي مكان لا توجد به حراسة؟".

شعر الجميع بالخجل بسبب الإحباط الواضح في لهجة سيدهم، خصوصًا إدوارد الذي تجرأ على السؤال عن شيء بهذا الوضوح.

وقد جعلهم هذا يتبعون فيكتور بصمت أثناء الخروج من المستعمرة والسير في الشوارع المهجورة حتى وصلوا إلى مبنى مكون من خمس طوابق عند تقاطع ليس بعيدًا عن المستعمرة، وحتى أنه يمكن رؤية سورها إذا وقفت عند التقاطع.

فتح فيكتور الباب ودخل المبنى، بينما يتبعه إدوارد بجدية، والحراس بقلق، فهم غير معتادين على الخروج ومواجهة الخطر بشكل مباشر. وأثناء صعودهم، بدأوا بسماع أصوات زومبي تقترب منهم.

"غواااة".

في الممر بالطابق الرابع، كان فيكتور وإدوارد وأربعة حراس يقفون أمام باب من الواضح أن الزومبي خلفه بسبب أصواتهم، مما جعل الجميع في قمة حذرهم، ما عدا فيكتور الذي ركل الباب لكسرة دون تردد.

صدم الجميع مما رأوه، وحتى فيكتور رفع حاجبه. أمامهم، في منتصف الغرفة، كانت هناك امرأة بغاية الجمال بشعر أبيض وعيون حمراء من كثرة البكاء، مكبلة على كرسي ومكممة كي لا تصرخ.

على جانبيها كان هناك زومبيان مربوطان بالجدران بحبال طويلة بما يكفي لجعلهم غير قادرين على تقصير المسافة بينها وبينهم أكثر من عشرة سنتيمترات. ويبدو أن مايكل كان يعذبها نفسيًا.

"غااااة!"

بمجرد ملاحظة الزومبي للأهداف الجديدة، اندفعوا نحو فيكتور والرجال، لكن قام فيكتور بهدوء بإخراج مسدس وقضى عليهم بطلقتين قبل أن يُرجع المسدس إلى مكانه. ثم ذهب لفك قيود ماريا بينما قال بملل: "أنتِ بخير الآن، لذا لا تقلقي".

قام فيكتور بفك قيودها، وبعد أن استطاعت ماريا استعادة قدرتها على التحرك مجددًا، كان فيكتور قد قام بفك الكمامة من فمها.

"بوااااااااة"، صرخت المرأة كما لو كانت فتاة صغيرة وهي تقفز على فيكتور لاحتضانه، مما جعل عينه ترتعش بغضب.

نصفه المراهق لم يشعر بالحماس من احتضان امرأة جميلة بمنحنيات مثيرة مثلها، بل شعر بالاشمئزاز منها بسبب خلفيتها القذرة.

ولأول مرة منذ مقابلة لوسييل، شعر أن احتضان الفتاة الشقية ليس بهذا السوء مقارنة بهذه العاهرة.

بدون تردد، شد فيكتور شعر ماريا لإبعادها، ومع "أو أو أو"، لم تستطع ماريا التشبث أكثر بمنقذها واضطرت لتركه.

ثم ألقاها على إدوارد الذي نظر إلى المرأة باشمئزاز هو الآخر. فقد كان رجلاً مستقيمًا متزوجًا ولديه طفلة، لذا، عكس طريقة فيكتور القاسية، قام أيضًا بإبعاد ماريا لكن بلطف وألقى بها على أحد الحراس، وبذلك تم إغلاق القضية.

2025/02/25 · 4 مشاهدة · 1698 كلمة
Ouroboros
نادي الروايات - 2025