جريمة
في المختبر، كان فيكتور ومتدربته لوسييل يعملان على تطوير بعض المغذيات الخاصة للجنود، والتي حبة واحدة منها تعادل التدريب لعدة أيام. لكن، بسبب غياب فأر التجارب ديفيد، كان تقدم التجربة بطيئًا.
قبل هذا المشروع بعدة أيام، كان فيكتور يعمل على مشروع آخر، وهو مرهم علاجي خارق باستخدام بعض النباتات العلاجية النادرة من غابة المتاهة، والتي بدأ الأندرويدات بزراعتها في معسكر غابة المتاهة. كما أضاف فيكتور دماء الكايجو، التي تمتلك قدرات أقل ما يُقال عنها إنها إعجازية.
بالأمس فقط، أنهى فيكتور المرهم العلاجي، وكل ما يحتاج المصاب لفعله هو فرك المرهم على الجرح، وسيلتئم خلال من خمس دقائق إلى بضع ساعات حسب شدة الإصابة.
بالطبع، كانت هناك آثار جانبية، وهنا يأتي سبب غياب ديفيد عن اختبار المغذيات التي يصنعها فيكتور حاليًا.
فلتجربة مرهم الالتئام، كان يجب أن يكون الشخص مصابًا، لذا قام فيكتور بتمزيق ديفيد المسكين بطرق متعددة لاختبار المرهم مرارًا وتكرارًا على مختلف الإصابات، وحتى كسر عظامه لمعرفة إن كان المرهم سيسرع عملية التئامها أيضًا.
وبسبب الاستخدام المفرط، استُنزفت حيوية ديفيد بشكل كبير، لدرجة أنه أصبح مومياء هشة يمكن لعظامه أن تنكسر مع أبسط اصطدام.
كما استنزفت حيويته فيمكن تعويضها بسهولة من خلال الراحة وتناول الطعام بشكل جيد.
ولهذا، ولأول مرة منذ أن سُجن ديفيد بسبب جريمته، حصل على طعام يمكن اعتباره طعام، مما جعله يبكي بسعادة وهو يأكل في زنزانته.
"لوسييل، هل ترغبين في تجربة المغذيات؟"، سأل فيكتور لوسييل بمجرد انتهائه من تحضير الحبة.
كان سبب اختياره للفتاة هو تأكده، بعد العديد من التجارب، من زوال الآثار الجانبية تمامًا. أما عن عدم تجربته على نفسه، فكان السبب بسيطًا: لا فائدة من محاولة صقل ألماس مصقول بالفعل الى حد الكمال، لذا لن يكون هناك أي تأثير عليه.
"بالطبع، زوجي! لكن أريدك أن تطعمني بنفسك"، قالت لوسييل، التي لن تفوّت فرصة كهذه دون استغلالها للحصول على حب "زوجها" الحبيب.
نظر إليها فيكتور بنظرات فارغة بينما بدأ بالتفكير جديًا في الحصول على تلميذ آخر أكثر عقلانية.
بالنهاية، رفض فيكتور وقرر الانتظار حتى يسترجع فأر تجاربه الحبيب حيويته لإكمال التجارب، مما جعل لوسييل تعبس وتنفخ خديها كسنجاب غاضب. كانت قد أرادت حقًا أن يطعمها "زوجها" بيده.
"بهذا، لم يعد هناك أي تجارب لإجرائها حاليًا. حقًا، أحتاج لفئران تجارب أخرى"، تنهد فيكتور بعبوس.
أتته فجأة فكرة فرض عقوبة على المتكاسلين في العمل بجعلهم فئران تجاربه لبعض الوقت بدلا من تقليل راتبهم، لكنه نفى الفكرة فورًا، مدركًا أن مثل هذا العقاب سيهز مكانته المبجلة بين الناجين في المستعمرة. يكفيه فقط استخدام المجرمين كفئران تجارب، كما فعل مع ديفيد.
لحسن الحظ، ومنذ خطاب فيكتور السابق أثناء الإمساك بديفيد، نمت داخل الناجين فكرة مفادها أن المجرمين هم بذور الفوضى في هذا العالم الكارثي، والتي ستنمو داخل مستعمرتهم وتدمر النظام الذي بالكاد وضعه فيكتور لهم.
لذا، حتى لو عاقب فيكتور المجرمين بإلقائهم كطعام للزومبي حتى الموت، سيهتف الناجون فرحًا، معتبرين أنهم تخلصوا من مصدر الفوضى ومفسدي النظام.
ولهذا، فإن إجراء التجارب عليهم لم يجعل الناجين ينظرون إليهم بشفقة، بل زاد من احترامهم لفيكتور، معتبرينه حكيمًا يحول حتى هؤلاء الحثالة إلى عناصر ذات فائدة.
أخرج فيكتور من خزانه وعاء مختبر معدني يحتوي على ذراعه المبتورة، وبما أنه لا توجد تجارب أخرى للقيام بها الآن، فحان وقت تشريح الذراع، فالعظام والحراشف كانتا عناصر ذات فائدة يمكن استغلالها.
لمعت عينا لوسييل بمجرد رؤية ذلك، وبالسابق، عندما علمت ما يرغب فيكتور في فعله، عارضت بشدة وأرادت دفن ذراعه بحجة أنها كانت جزءًا من زوجها ولا يجب التعامل معها بهذه الطريقة القاسية.
لكن بعد العديد من الجدالات، وافقت لوسييل على مضض، بشرط أن يعطيها فيكتور حرشفة من الحراشف السوداء لتستخدمها كقلادة، وبهذا سيكون زوجها الحبيب معها طوال الوقت.
مر الوقت، وقام فيكتور تحت أنظار لوسييل الحزينة بتشريح الذراع قطعةً قطعة، وقد كان هذا صعبًا بذراع واحدة. يا للسخرية.
أخيرًا اكتمل التشريح، ولم يعد هناك سوى العظام والحراشف فقط في الوعاء، أما العضلات والأعصاب وباقي أجزاء الذراع فتم إعطاؤها لأحد الحراس لدفنها كما طلبت لوسييل، وقد وفق فيكتور بما أن تلك الأجزاء عديمة الفائدة بالنسبة له.
"سآخذ هذه، حسنًا زوجي؟"، بعد بعض التردد طالبت لوسييل بقلق وقد أخذت أصغر حرشف بينهم وقد كان بالسابق المخلب الذي غطى طرف الخنصر.
لاحظ فيكتور قلق لوسييل، خصوصًا أن الفتاة الشقية أخذت أصغر حرشف بينهم جميعًا وبتردد أيضًا، والسبب أنها تعلم مدى أهمية الحراشف التي تستطيع صد رصاص من مدفع رشاش مغناطيسي يمكنه تشويه هيكل دبابة وتحويلها إلى جبنة سويسرية.
أجل، رغم أن جسد فيكتور كل عضو به صُمم لمرحلة الكمال تقريبا، لكن هذا بمستوى معرفة البشر بالعلوم الحيوية قبل الكارثة ودائما هناك سماء فوق سماء كما يُقال.
بفضل الفيروس، بدأ جسد فيكتور يتطور أكثر فأكثر، حيث أصبحت حراشفه أكثر صلابة وقوة، وحتى الحرارة التي يمكنه إنتاجها وصلت لمستوى صهر المعادن مثل الحديد.
ابتسم فيكتور من هذه الأفكار، وأراد تجربة قدرة لم يقم بتجربتها أبدًا منذ استيقاظه بسبب استهلاكها المرتفع للطاقة مقارنة بفائدتها.
رغم هذا الأثر الجانبي، إلا أن القدرة كانت تمتلك إمكانات تجعل أي شخص يراها يظن أن فيكتور ساحر، رغم ارتباطها الوثيق بالعلم، تحديدًا أحدث أنواع العلوم الفيزيائية.
"أعطني هذا"، أخذ فيكتور الحرشف من يد لوسييل مما فاجأها. ولكن بدلاً من وضعه مجددًا مع البقية، أمسكه من طرفه بأطراف مخالبه التي بدأت تتوهج بالأبيض من الحرارة، بينما ضغط عليه بقوة ساحقة لبضع ثوانٍ حتى أصبح هناك ثقب بالحرشف.
وبعد تبريده، حصل على خيط بلاستيكي من الكربون النانوي، مما يجعل الخيط قادرًا على حمل طن دون الانقطاع، ثم أدخله من خلال الثقب في الحرشف وربطه كقلادة أعطاها للوسييل.
ذهلت لوسييل مما رأته، فقد توقعت أن يرجع فيكتور عن كلامه بسبب أهمية الحراشف. وكادت أن تبكي لدرجة أن الدموع بالفعل كانت في عينيها، لكن رؤيته يصنع لها القلادة بنفسه ويعطيها لها جعل الدموع تتحول من حزن إلى فرح، بينما قفزت لتحتضنه وهي تصرخ بحب: "زوجييييي!".
تنهد فيكتور بانزعاج من الفتاة المتشبثة به، وزراعيها ملفوفة حول خصرة كما لو كانت كوالا معلقًا بشجرة. أما سبب فعله كل هذا فهو لأنه أعطاها كلمته كي ينتهي الجدال بالسابق وتتركه يعمل على ذراعه.
كما أنه شعر لسبب بانقباض بقلبه من رؤيتها تأخذ بقلق أصغر حرشفة، خصوصا مع توقعه أنها ستأخذ بجشع أكبرهم.
بعد بعض التردد، رفع فيكتور يده للتربيت على ظهر الفتاة الصغيرة وقال: "حسنًا، حسنًا أيتها الشقية، الآن هل يمكنكِ تركي وتجربة القل-".
"سيد فيكتور، هذا أم... أسف على التطفل"، فُتح الباب لمقاطعة فيكتور ودخل إدوارد بسرعة وهو يتحدث، لكن بمجرد رؤية المشهد أمامه التف مجددًا للخروج وهو يعتذر بسرعة.
"أدخل الآن وقدم تقريرك قبل أن أفقد صبري بسببك أنت وابنتك"، قال فيكتور بصوت ثقيل يكشف غضبه بسبب دخول إدوارد المختبر فجأة دون حتى الطرق، وكان هذا كفيلًا لمعاقبته.
ماذا لو كان في منتصف تجربة حساسة؟ كما أن مجرد تواجد لوسييل حوله والتي تركته فورًا بإحراج بعد أن أمسكها والدها وهي بتلك الحالة كان كافيًا لجعله في حالة غضب طوال اليوم.
"أحم، أسف على الإزعاج سيد فيكتور، لكن هذه حالة طارئة"، تنحنح إدوارد بخجل ثم تحدث بجدية إلى فيكتور، ويبدو أن شيئًا مزعجًا حدث.
"أحد الناجين بالمستعمرة، والمعروفة بالسيدة ماريا، قد اختفت فجأة ولا نستطيع إيجادها في أي مكان"، أكمل إدوارد بسرعة، مما جعل فيكتور يضيق عينيه بشكل جدي.
"تعال معي"، قال فيكتور، ثم ذهب إلى مكتبه، وخلفه إدوارد ولوسييل التي اخذت قلادتها الجديدة ووضعتها بجيبها دون ارتدائها.
عندما وصلوا إلى المكتب، أخرج فيكتور ملفًا به هويات جميع الناجين بالمستعمرة، ثم حصل على أربع ملفات لثلاث سيدات يحملن اسم ماريا، وقال: "أي واحدة منهن؟".
فوجئ إدوارد من رؤية الأوراق الثلاثة، وكل واحدة بها صورة مرسومة طبق الأصل للشخص، ويبدو أن فيكتور رسمها بنفسه، ثم بسرعة أشار إلى إحدى الأوراق.
أخذ فيكتور الورقة وبدأ بتصفح البيانات، حيث تحتوي على صورة، الاسم، العمر، الحالة الاجتماعية إذا كانت متزوجة ولديها أطفال، مهاراتها قبل الكارثة، وأخيرًا عملها الحالي بالمستعمرة.
أثناء قراءة فيكتور للملف الخاص بالمرأة، بدأ إدوارد بشرح ما حدث بالتفاصيل ولماذا لم يذهب الحراس لتفقد المرأة حتى وقت متأخر، في محاولة لتوسيع فهم فيكتور حول الموقف.
كانت ماريا في الستينيات من عمرها، ورغم ذلك كانت تبدو في أواخر الثلاثينيات فقط. كانت صحفية قبل الكارثة، مما جعل جمالها من أولوياتها.
بالمستعمرة وبعد الحصول على عمل مهم كإدارة المخزن، استطاعت استرجاع جمالها السابق بسهولة بشراء مستحضرات التجميل وغيرها من الأشياء المشابهة.
وبفضل وصول الأندرويدات، حصلت ماريا على ترقية وأصبحت مديرة المخزن، مما جعل عملها أقل وراتبها أعلى.
نتيجة لذلك، قضت معظم وقتها في سكنها، تلعب مع رجال مختلفين، وبالتالي لم يلاحظ أحد اختفائها لفترة طويلة.
ظن الجميع أنها بسكنها كالعادة تلعب مع رجل ما حتى تأخر الوقت دون ملاحظة وجودها بأي مكان لذا ذهب الحراس للبحث عنها، وبعد البحث في جميع أنحاء المستعمرة، لم يتم العثور على أي دليل.
"عاهرة تستحق ما حدث لها"، قالت لوسييل باشمئزاز واضح، مما جعل فيكتور وإدوارد ينظرون إلى الفتاة الصغيرة بغرابة.
"إذا كان هذا عمل مجرم، فلا أعتقد أنه سيهاجمها داخل السكنات. فدوريات الحراسة والناجون في السكنات المجاورة سيلاحظون ضجيج مقاومتها ومحاولة جر جسدها بالممرات. لكن دعونا نذهب إلى هناك أولاً للتأكد"، قال فيكتور بينما يعيد الملفات مجددًا إلى مكانها ويبدأ بالتوجه إلى السكنات.
أثناء تحركهم، أمر فيكتور أحد حارسي مكتبه بأن يمرر أمره لجون بجعل جميع الحراس يعملون، حتى من انتهوا من دورياتهم، للتأكد من أنه لن تحدث أي فوضى في حالة كان السبب مجرمًا أو مخلوقًا غامضًا تسلل للمستعمرة.
في السكنات، تم هدم جدران الفصول لتحويلها إلى مساحة أوسع، ثم بناء جدران خشبية لتقسيم هذه الساحة بشكل أكثر تنظيمًا إلى غرف كوحدات سكنية للناجين.
وأثناء مرور فيكتور، وصل إلى غرفة بباب خشبي مكتوب عليه "16" وأمامه حارسان لمنع أي شخص من الدخول.
حيّا الحارسان فيكتور وإدوارد قبل السماح لهما بالمرور، وعندما دخلا، وجدا غرفة أنيقة بمساحة بطول أربعة أمتار وعرض ثلاثة أمتار.
كانت هذه ثاني أكبر الغرف السكنية وأعلاها أجر في حالة رغب بها شخص وحيد بدلا من عائلة، ويبدو أن ماريا كانت تحصل على نقاط بطرق أخرى غير العمل، مما جعل فيكتور يتذكر كلمات لوسييل.
كان السرير مغطى بملاءات حريرية وبطانيتين والعديد من الوسائد القطنية، بينما كانت الطاولة المزخرفة بنقوش أنيقة تحتوي على ثلاثة أطباق من الحلويات المختلفة نصف مأكولة.
حتى الجدران كانت مغطاة بأقمشة مزينة برسوم بيئية لزيادة دفء الغرفة وجمالها.
من الواضح أنه براتبها هذا، لا يمكنها شراء نصف هذه الأغراض، وقد حصلت عليها كهدايا من عشاقها الحمقى.
لكن ما لفت انتباه فيكتور هو عدم وجود أي علامات على قتال، مهما كانت بسيطة، مما يعني أن المختطف لم يهاجمها هنا.
"أريد رؤية آخر شخص رآها وآخر شخص كان معها"، قال فيكتور وهو يأمر أحد الحراس عند الباب.
ثم ذهب إلى الدولاب لتفقد محتوياته، لكن بمجرد فتح جزء صغير منه ورؤية لمحة من الرجس بالداخل، أغلقه بسرعة قبل أن تراها لوسييل.
لم يرغب من الفتاة الشقية أن تكون أكثر شقاوة، فهي كانت مزعجة بما فيه الكفاية. وقد لاحظ إدوارد تصرف فيكتور الغريب، لكن مباشرة أدرك السبب، مما جعل وجهه يحمر وهو ينظر إلى لوسييل للتأكد من أنها لن تحاول فتح الدولاب بدافع الفضول.
خرج فيكتور واتبعته لوسييل وأخيرًا إدوارد الذي بخجل أخذ نظرة أخيرة إلى الدولاب، وباستطاعته تخيل الملابس الفاضحة التي استخدمتها ماريا للحصول على كل هذه الهدايا من عشاقها، ولسبب ما أتته فكرة سيئة ستعرضه للعقاب من زوجته.