مكتب تاي…

‎فتح موريس الباب دون استئذان. لم يكن بحاجة للاستئذان.

‎ذلك النوع من الرجال الذين يُسمح لهم بالمرور لأنهم… لا يطلبون السماح.

‎تاي كان هناك.

‎يجلس كما يجلس الفلاسفة في آخر أعمارهم، يحتسي شيئًا يُشبه الشاي، ويقرأ كتابًا لا عنوان له.

‎قال موريس دون حتى أن ينظر إليه: — لم يتغيّر شيء في هذا المكان.

‎رد تاي بصوت رخيم: — فقط من يدخلونه هم من يتغيّرون.

‎جلس موريس، رمى رأسه إلى الخلف، كأنه يُفرغ ذاكرته في السقف: — سون كبر.

‎صمت.

‎تابع: — بالأمس فقط كان يتلعثم حين أقول له "تعالَ"، واليوم… يُحطم اختبار الدخول كأنّه يُحطم رأسي.

‎ضحك تاي، ضحكة قصيرة… ميتة. — كنت أراقبه.

‎طفل بعينين لا تعرفان الخوف. تلك العينان… لا تليق بالأطفال.

‎هل صار جنديًا إذًا؟

‎— بل صار أكثر من ذلك… صار خطرًا.

‎لكنه لا يدري.

‎رفع تاي رأسه فجأة، عيناه تنبضان بشيء لا يمكن تسميته: — وماذا عنك، أيها الجندي العتيق؟

‎كيف ستواجه أمر المجلس؟

‎هل ستصطاد أبناء "أودجين" كما يطلبون؟ أم ستكتفي بالصمت… كما تفعل الآلات؟

‎شهق موريس… ضحك… ثم تمتم: — لا أخطط. لا أتظاهر. لا أمتلك خريطة.

‎الوحش الذي يلاحقني… ليس له ظلّ، ولا عيون، ولا اسم.

‎اسمه "أودجين".

‎ولا أحد يعرف كم رأسًا له.

‎اقترب تاي… كمن يزحف بكلمة لا بسكين: — ربما تحتاج إلى… عيون غير عينيك.

‎— أتقترح المساعدة؟

‎— بل أعرضها.

‎— ولماذا؟

‎ابتسم تاي… آه، تلك الابتسامة…

‎تبتسم ببطء كأنها تفتح قبرًا.

‎قال: — لأنني رأيت رجالًا يُطاردون الأشباح، وفقدوا ملامحهم قبل أن يموتوا.

‎لا أريدك أن تصبح شبحًا، موريس.

‎— وأنا لا أريد أن أصبح أداة. لكنني صرت كذلك. انظر إليّ…

‎هل ترى فارسًا؟

‎أم ترى حطامًا يُنفذ أوامر لا يؤمن بها؟

‎تاي وضع يده على الطاولة… ببطء… بثقل رجل يعرف أكثر مما يقول: — المجلس لا يعرف شيئًا عن "أودجين".

‎ولا يريد أن يعرف.

‎هو فقط يريد… رأسًا في صندوق.

‎وأنت، يا موريس، تُجيد حمل الصناديق.

‎سكت موريس، ثم مال للأمام: — أتعرف ما هو أسوأ من أن تُطارد عائلة مجنونة؟

‎أن لا تعرف لماذا تُطاردها.

‎أنا أُقاتل ظلًّا… لكن لا أحد أخبرني من قتل من، من بدأ الحرب، ومن يختبئ خلف الستار.

‎أجاب تاي… وصوته كان كأنّه يغنّي جرحًا قديمًا: — أحيانًا… لا تُهم الحقيقة، بل من يملك حق سردها.

‎همس موريس، كأنما أدرك شيئًا متأخرًا: — أنت تعرف أكثر مما تُظهر…

‎أشعر بذلك.

‎لكن تاي غيّر الموضوع… كأنّ لم يسمع: — لديّ رجال… أماكن… صداقات قديمة.

‎ليسوا من النور… لكنهم ليسوا أودجين.

‎— هل أثق بك؟

‎ضحك تاي، ثم قال: — إن لم تثق… فاختر الظلام وحدك.

‎نهض موريس… تمشى نحو الباب…

‎ثم التفت:

‎— إن سقطتُ… فاحذر أن تأتي لدفني.

‎فالأشباح لا تنام، تاي.

‎وخرج.

‎و"تاي" بقي هناك، ساكنًا…

‎لكن عينيه، خلف نظارته، لمع فيهما شيء… يشبه الاعتراف.

‎موريس خطا نحو الباب...

‎يداه في جيبه، والبرد يتسلل من أسفل رقبته إلى ما تبقّى من قلبه.

‎لكنه لم يصل إلى العتبة.

‎تاي ناداه، بهدوء قاتل: — موريس...

‎توقف.

‎صوته خلفه بدا أشد من الريح، أهدأ من الحكمة، وأخطر من السم: — أنت تُخطئ يا بني…

‎أنت تنظر تحت قدميك، بينما الأودجين… يسيرون فوق رؤوسنا.

‎استدار موريس، لم يقل شيئًا.

‎تابع تاي، ووقف هذه المرّة، وكأنّ الكلمات لم تعد تحتمل الجلوس: — لا نحتاج إلى تتبّع أعمالهم… لأنها كثيرة، حدّ الغرق.

‎ولا إلى تعداد جرائمهم… لأنها أكثر من أن تُعدّ.

‎ولا إلى فتح ملفاتهم… لأن كل ورقة هي شرك، كل سطر فخ، وكل ختم حبره دم.

‎اقترب خطوة.

‎— موريس… أنت تتعامل مع مرض… لا مع عصابة.

‎مع فكرة… لا مع أشخاص.

‎لكن…

‎رفع إصبعه، وأشار به إلى قلب موريس:

‎— لو أردتَ مطاردتهم حقًا…

‎فلا تُهاجم جدارهم…

‎هاجم لبّهم.

‎صمت… ثم أكمل: — نحن لا نحتاج إدارة ولا محاسبة.

‎نحن نحتاج خطة للصيد.

‎خطة لاصطياد فردًا… فردًا…

‎واحدًا تلو الآخر.

‎بهدوء.

‎بدهاء.

‎بسمّ لا يُرى.

‎أخفض صوته أكثر، كأنّه يبوح بسرّ دفين: — موريس… إن لاحقتَ رؤوسهم، تحركت ذيولهم.

‎وإن لاحقتَ أذيالهم… نسوك في متاهة لا باب لها.

‎رفع عينيه، تلك العينان التي لا تبرق من الطيبة، بل من التاريخ.

‎— أنت لا تريد القضاء على منظمة، أليس كذلك؟

‎أنت تريد "أودجين" نفسها.

‎الدم، لا الاسم.

‎الوجه، لا القناع.

‎القاتل، لا الكتيب.

‎هزّ موريس رأسه ببطء: — أنا أريدهم فردًا فردًا.

‎أريد أن أراهم…

‎أن أعرف أسماءهم…

‎أن ألمس عروقهم قبل أن أقطعها.

‎ابتسم تاي ابتسامة الرجل الذي سمع ما أراد سماعه: — إذًا… دعنا نبدأ من أول حجر.، لنتقابل في المساء في بيتي و نتحدث أكثر

2025/08/03 · 6 مشاهدة · 755 كلمة
onitchannn
نادي الروايات - 2025