كان الممر المؤدي إلى مركز التدريب أشبه بقبر طويل...

‎ضوء أبيض باهت من الأعلى، وأصوات بعيدة... أنفاس متقطّعة، احتكاك أقدام، أنين مكبوت.

‎قالت شيماء بصوت خافت وهي تمشي إلى جانبه:

‎ــ "هنا يُولد المقاتلون... أو يُدفنون وهم أطفال."

‎سون لم يُجب.

‎كان رأسه مرفوعًا، وعينيه تلتهمان المكان.

‎عشرات الأطفال، بعضهم واقف في صفوف صامتة، وبعضهم يتدرّب، وبعضهم يحدّق في القادمين كأنّه يقيس أحجام القبور.

‎وصلت شيماء إلى باب معدني عريض، طرقته ثلاث مرات، ثم فتحته.

‎ــ "سون، هذه قاعة المجموعة (D). ستكون معهم إلى يوم الاختبار."

‎دفعته بخفة إلى الداخل، ثم غلقت الباب خلفه دون وداع.

‎داخل القاعة، كان الهواء كثيفًا، مشبعًا برائحة العرق والخوف والكبرياء المصطنع.

‎وجوهٌ كثيرة... لكن العيون كلها تبحث عن شيء واحد: نقطة ضعف.

‎سون لم يتكلم. مشى بهدوء، جلس في طرف القاعة.

‎بجانبه مباشرة، كان يجلس فتى... شعره بُني، فوضويّ كأنه لا يعبأ بأي شيء، عيناه خضراوان بلون شجرة سامّة، وابتسامة لا تنتمي إلى هذا الجحيم.

‎قال الفتى بصوت منخفض:

‎ــ "أنت الجديد، صح؟"

‎سون أومأ دون أن يرد.

‎ــ "أنا ماريو... ماريو غاليانو. من فرع روما. جئت لأني كسرت فكّ مدرّبي السابق."

‎سون التفت إليه، للمرة الأولى منذ دخل القاعة.

‎نظر في عينيه... فوجد فيها شيء نادر: لا خوف، ولا غباء.

‎ماريو ابتسم:

‎ــ "ما اسمك؟"

‎ــ "سون."

‎ــ "فقط؟"

‎ــ "فقط."

‎ضحك ماريو بخفّة، ثم قال:

‎ــ "يعجبني. بسيط... مثل رصاصة."

‎توقّف لحظة، ثم مال نحوه قليلًا:

‎ــ "اسمع... المكان هنا قذر. أطفال بأنياب. الكل يريدك أن تموت ليحصل على مقعد.

‎أنا لا أبحث عن تحالفات... لكن أنت؟ عندك وجه مختلف."

‎سون رفع حاجبه:

‎ــ "وجه قاتل؟"

‎ــ "وجه شخص... عاش شيئًا ما."

‎لم يُجبه سون، لكنّه لم يبتعد.

‎وفي مكانٍ كهذا... مجرّد أن تجلس بجانب أحدهم دون أن تطعنه، تُعدّ صداقة.

‎وهكذا...

‎وسط ثلاثمئة طفلٍ يُصقلهم الرعب، وُلدت أول رابطة.

‎ماريو، يُقلب قطعة معدنية بين أصابعه، يحركها بمرونة من عاش في الشوارع.

‎قال فجأة، دون أن يلتفت:

‎ــ "كنت في التاسعة... لما قتلوا أمي أمامي."

‎لم يرد سون.

‎أكمل ماريو:

‎ــ "ربطوني على كرسي، وأجبروها على سرقة وثائق من مركز أمني. فشلت... مزقوها أمامي. حرفيًا."

‎صمت لحظة، ثم ضحك بهدوء قاتم:

‎ــ "أتعلم؟ كنت أصرخ... حتى انقطع صوتي. ثم... لم أعد أصرخ بعدها أبدًا."

‎سون أدار رأسه نحوه ببطء.

‎ماريو قال، ونظرته ثابتة:

‎ــ "لكن جسدي... لم يكن كجسدي الباقين. الأطباء قالوا إنه "متجانس". يتفاعل مع الطاقة بسرعة. يتذكر الصدمة. يعكسها."

‎سون:

‎ــ "تعكس؟"

‎ــ "نعم. طوّرت مهارة اسمها الانعكاس.

‎أي هجوم يضربني... ينعكس على الخصم بنفس القوة.

‎لكني أحتاج أن أراه قادمًا. إن لم أنتبه... أموت كأي أحمق."

‎أدار القطعة المعدنية في يده، ثم رماها في الهواء والتقطها بمهارة:

‎ــ "لهذا لا أحب القتال العشوائي. أحب أن أُراقب، ثم... أعكس."

‎ثم نظر إلى سون، بابتسامة ساخرة:

‎ــ "وأنت؟ ما هي مهارتك؟"

‎سون ظل صامتًا لثوانٍ.

‎ثم قال بنبرة منخفضة:

‎ــ "لا شيء بعد."

‎ماريو لم يضحك، لم يسخر.

‎بل قال بجدية مفاجئة:

‎ــ "هذا جيد."

‎ــ "جيد؟"

‎ــ "نعم. لا مهارة تعني مساحة لكل شيء.

‎لكن احذر... إن لم تُمسك بشيء قبل الاختبار، ستموت."

‎أغمض سون عينيه، وهمس:

‎ــ "لن أموت. لا قبل أن أجد سُمّي."

2025/08/03 · 6 مشاهدة · 552 كلمة
onitchannn
نادي الروايات - 2025