موسكو – مكتب ديميتري

‎الثلج يتساقط خارج النافذة في صمتٍ خانق.

‎في الداخل، كان ديميتري يجلس بارتخاء على كرسي جلديّ ضخم، أصابعه ترقص فوق شاشة هاتفه، عينيه مركزتان على المعركة الأخيرة في فري فاير.

‎ضحك خافت يهرب من فمه وهو يهمس:

‎ـ "هههه… آخر واحد… اقتل يا ديميتري…"

‎فجأة ــ يرن الهاتف.

‎صوت الرنين يخترق سكون الغرفة مثل طعنة.

‎نظر ديميتري للشاشة، عيناه الضيقتان تتسعان تدريجياً.

‎ــ ديميتري (بصوت منخفض): … من المتصل؟

‎التقط الهاتف وأجابه بنبرة باردة.

‎ــ أكاي: زعيم الثعالب، ديميتري… المقعد السادس السابق… أهلاً بك.

‎ابتسم ديميتري نصف ابتسامة، ثم انحنى للخلف على الكرسي، ملامحه تتقلب بين السخرية والجدية:

‎ــ ديميتري: آه… أكاي، زعيم المنظمة الإفريقية … والمقعد السادس الحالي.

‎سكت الطرف الآخر لبرهة، وكأن الهواء نفسه تجمد بينهما.

‎ــ أكاي (بغضب مكتوم): ما هذه التخاريف التي تقولها؟

‎ضحك ديميتري، ضحكة قصيرة لكنها ثقيلة:

‎ــ ديميتري: تخاريف؟ أنت تعلم… وأنا أعلم… أنها ليست كذلك. لكن لا تقلق، هذه الورقة لن أستعملها الآن. فقط سؤال بسيط… من أين حصلت على رقم هاتفي؟

‎صمت، ثم جاء صوت أكاي أكثر حدة:

‎ــ أكاي: لا يهم. ما يهم… أنني لست عدوك حالياً. هدفنا واحد يا ديميتري: القضاء على أودجين.

‎تجمدت ملامح ديميتري، ثم نهض ببطء من كرسيه. الكاميرا ـ لو كان مشهد أنمي ـ تتراجع للخلف لتظهر جسده الضخم يبتلع الظلال من حوله.

‎عيناه تلمعان كحد شفرة.

‎ــ ديميتري: شريك عدوي يتصل بي… ويطلب الاتحاد للقضاء على أودجين؟ هل هذه خطة السيد… أم نزوة منك؟

‎رفع يده، فجأة انفجر مكتب ضخم خلفه إلى نصفين بضربة عابرة، وكأنه يختبر صبره.

‎ــ ديميتري (بصوت ثقيل): وأيضاً… أودجين؟! أليسوا حلفاءك؟ ألست واحداً من المقاعد؟

‎بصوت هادئ حاد:

‎أكاي: لا يهم كل هذا… هذه خصوصيتي. لن أخبرك شيئاً. صدقت أو لم تصدق، هذا شأنك. المهم الآن… يجب أن نتعاون للقضاء على أودجين.

‎توقف لحظة، ثم أضاف:

‎– سأمدك بالمعلومات. أنت فقط انقلها إلى فرقة أوڨا.

‎ديميتري (بارد لكنه متحفز):

‎أولاً… لا أحتاج لمعلوماتك، لدي ما يكفي.

‎ثانياً… أنت رئيس المنظمة الإفريقية، و"أوڨا" تحت جناحك. لما لا تخبرها بنفسك؟

‎أكاي (ابتسامة خفية لا تُرى عبر الهاتف):

‎هذا لا يهمك… خصوصياتي ليست من شأنك.

‎المهم… حسنا خذ هذه المعلومة تشاي أودجين موجود في موسكو.

‎كلمة تشاي سقطت كقنبلة على مسامع ديميتري. جف حلقه للحظة.

‎ديميتري (مندهش): ماذا قلت…؟!

‎أكاي (ببرود قاطع): ماذا قلت انك تعلم كل شيء ، لا يهم الآن لقد

‎أرسلت لك الإحداثيات وصوره. إن لم تصدقني… اذهب وتأكد بنفسك.

‎الآن سأغلق الخط. إن حصلت على شيء آخر… سأعلمك.

‎فقط… كن هادئاً أيها الثعلب.

‎انقطع الاتصال.

‎داخل رأس ديميتري

‎أكاي… ما الذي تسعى إليه؟ خطواتك غير مفهومة… لكن بما أن الأمر يصب في صالحي، سأغمض عيناً وأفتح الأخرى. لكن يجب أن أكون حذراً جداً…

‎رفع عينيه نحو النافذة حيث الثلج يتساقط فوق موسكو.

‎– أودجين ظهروا… وأكاي وصل إليّ بسهولة مخيفة…

‎قبض على السيجارة بقوة حتى انطفأت.

‎– يجب أن أعزز الحماية. أشعر أن السيد… سيجدني قريباً جداً.

اليابان

مع حلول الساعة السابعة مساءً

، كان الأفق يقطر بلون برتقالي غامق، والشمس تغيب ببطء كأنها تُسحب قسراً خلف الغيوم الثقيلة. اليابان في تلك اللحظة بدت صامتة… لكن الصمت نفسه كان يضغط على القلوب. ‎ ‎على قمة جبلٍ شاهقٍ تغطيه الأشجار اليابسة، ارتفع درج حجري لا ينتهي، كل درجةٍ مكسورة الحواف، وكل خطوةٍ يضعها بان أودجين العجوز فوقها، كان يُسمع صوت جرسٍ معدني صغير يهتز مع الهواء. ‎ ‎رِن… رِن… رِن… ‎ ‎لم تكن الأجراس عادية، فصوتها بدا كأنه يخرج من أعماق الأرواح نفسها. وعلى جوانب الدرج، وُضعت دمى ممزقة بوجوه متناقضة: ‎ ‎واحدة بعينين دامعتين. ‎ ‎أخرى بشفتين مبتسمتين كأنها تسخر. ‎ ‎أخرى بعينين محمرتين بالغضب. ‎ ‎وأخرى شاحبة ميتة، بلا ملامح. ‎ ‎ ‎كل خمسة أجراس، كان بان يمر بجانب دميةٍ جديدة، وكأنها تراقبه بعينين زجاجيتين تنتظر سقوطه. ‎ ‎بان (بصوت خافت مبحوح وهو يبتسم بسخرية): ‎"لقد بقي هذا المكان كما أعرفه… لم يتغير شيء… حتى صدى الموت عالقٌ في الهواء." ‎ ‎وصل أخيراً إلى نهاية الدرج، لكن لم يكن هناك إلا حافة تطل على منحدر ضخم، عمقٌ لا يُرى قاعه، كأن الأرض انتهت هناك. أي شخص آخر كان ليسقط بلا عودة… ‎ ‎لكن بان مدّ قدمه إلى الأمام بثبات، ووضعها على الفراغ. ‎لم يسقط. ‎ ‎ظهرت خطوط شفافة من الهواء تحته، كأن طريقاً خفياً تكوّن بمجرد أن اعترف به. بخطوات باردة، تابع السير فوق اللاشيء، وكل خطوة كان يتبعها وميض أحمر يختفي بسرعة. ‎ ‎في النهاية، تجسد أمامه طريق حجري معلق في الهواء، يقود إلى بيت ضخم مظلم، جدرانه مغطاة بخشب أسود محترق، ونوافذه كعيون مطفأة تراقب. ‎ ‎وقف بان أمام الباب العملاق، رفع يده ببطء، دفعه، ففتح وهو يُصدر صريراً عميقاً كصرخةٍ بعيدة. ‎ ‎ ‎ ‎رائحة العفن والدم الجاف خنقت أنفاسه للحظة، لكن بان لم يتوقف. عيناه العجوزتان لم تومضا ولو لمرة، بل تقدّم بثقة، وكأن الظلام نفسه يعرفه. ‎ ، الدمى التي كانت على الدرج ظهرت من جديد… لكن هذه المرة كانت تتحرك ببطء، تلتفت رؤوسها بزاوية غريبة، عيونها تلمع، وبعضها تمتم بكلمات غير مفهومة كأنها تعاويذ. ‎ ‎صوتٌ منخفض خرج من أعماق البيت: ‎"لقد عدت… بان." ‎ ‎ابتسم بان، والهواء حوله بدأ يثقل، ‎الظلام تحرك. ‎كأن جداراً أسود من السواد خرج من الفراغ، ومن بينه ظهرت أذرع بشرية ملتوية، أذرع كثيرة، أصابعها طويلة وملطخة بالدم. ‎الأجراس بدأت تدق كلها في نفس اللحظة، كأن الجبل كله أعلن بداية طقوس غامضة

ثم فتح الباب

2025/09/11 · 17 مشاهدة · 872 كلمة
onitchannn
نادي الروايات - 2025