في باريس، تحت سماء رمادية ثقيلة كأنها على وشك السقوط، كانا سون و بانغ يخطوان بخطى واثقة وسط شارع ضيق يقطعه ضوء مصابيح صفراء ميتة. المطر لم ينزل، لكنه كان معلقًا في الهواء، رذاذ ثقيل كجثة تنتظر دفنها.
بانغ بصوته الأجش:
– تلك العاهرة الحمقاء... تتجرأ أن تختبرني؟ وهي تعرف أنني من فرقة نبات الأسود؟ ما أقذر البشر حين يتحدّون النار بأيدٍ عارية.
سون بابتسامة هادئة، كأن العالم بالنسبة له مسرح مملوء بالدمى:
– لا بأس يا سيد بانغ، أظن تلك مجرد إجراءات للدخول إلى فرقة رصاصة الأميرة. كل ملكة تحتاج إلى حرسٍ يجربون طعم الدم قبل أن يقرب العرش.
بانغ وهو يزفر كوحش مُكبّل:
– لا يهم.
سون:
– فقط... لا تتصرف بجنون. يجب أن ننهي الأمر بدقة. أمزح... أعرف أنك أقوى مني حتى .
بانغ بعينين تحترقان:
– الدقة؟ سأجعل المبنى كله ينهار فوق زعيم العصابة... .
وصلا إلى المبنى، جدرانه متآكلة، نوافذه مكسورة كأعين شهداء بلا قبور.
سون وهو يحدق:
– هذا هو المكان... الهدف في الداخل. هل حفظت وجوه الأعضاء؟
بانغ:
– أحفظها كما يحفظ القس أسماء خطاياه.
وقفا أمام الباب الحديدي، يقطر صدأه كدمٍ جاف.
الحارس بخطاب ميت:
– أهلاً و…
. نصف جمجمته تفتّت، كأن يدًا خفية رسمت على الجدار لوحة باللون الأحمر.
سون مذهول:
– سـ... سيد بانغ؟!؟!
بانغ وهو يدفع الجثة جانبًا بقدمه:
– لا أريد تعطيل الموكب. هيا، .
ارتجّ المبنى بأصوات الإنذارات. صراخ حديدي، صفارات تتناثر كأصوات أرواح تُذبح. بانغ حطم الباب كأنه يحطم قفصًا صدئًا.
بانغ:
– لنفترق... .
سون بابتسامة باهتة:
– اتفقنا.
في لحظة اختفيا.
لم يبقَ سوى هدير المسدسات، رائحة البارود، ودماء تغطي الأرضية كبحرٍ أسود يعكس ضوء النيون.
في الممر الأيسر، كان بانغ يتحرك كذئب مريض، يضحك وهو يطلق النار. كل رصاصة كانت خطبة، كل جثة كانت مؤمنًا مجبرًا على الركوع.
!
أحد رجال حاول الهجوم بساطور، لكن بانغ أمسك يده، وكسر عظامها ، ثم غرس يده في صدره
، كان المبنى كله يتحول إلى مذبح. الحوائط ملطخة، الأرضية مشبعة، والهواء نفسه صار أثقل.
بانغ يضحك بصوت هستيري، يتناثر مع صدى الانفجارات!
الممرات المظلمة تهتز تحت وقع خطوات سون، لا سلاح في يده سوى سكاكين قصيرة يلمع نصلها بدماء سابقة. لم يكن يركض... بل ينساب، كظلّ يقطع الهواء.
كل رجل يعترض طريقه يُكسر خلال ثانية:
– كسر عنق هنا...
– طعنة مباشرة في القلب هناك...
– ضربة بمرفق تكسر الفك، ثم سكين تُغرز في الحلق.
الجثث تتساقط وراءه كأوراق خريف لا قيمة لها.
فجأة، سد الطريق رجل ضخم، عضلاته مشدودة، على فمه وشم أسود يشبه فم وحش.
الرجل بابتسامة مليئة احتقار:
– أوه... فأر جميل اقتحم وكر الأسد.
سون توقف للحظة، عيناه باردتان كثلج. لا كلمة، لا انفعال. لم يكن فيه أي حياة سوى جملة خرجت منه كحكم إعدام:
– أظنك أحد أعضاء العصابة...
ثم اختفى.
الرجل ابتسم بثقة، فتح فمه، وانطلق منه سهم حديدي ضخم بسرعة الرعد.
لكن الفراغ كان كل ما أصابه.
– هاا؟
صوت خافت من خلفه.
قبل أن يستوعب، كان نصل سكين يغرس في رأسه ويخرج من عينه.
سون وهو يسحب السكين ببطء:
– انتهيت من الأول.
سقط الجسد، وواصل سون صعوده دون أن يلتفت.
في الجهة الأخرى...
بانغ لم يكن يتحرك كظل، بل كإعصار أحمر.
ثلاثة طوابق انهارت تحت جنونه. الجدران محطمة، الأعمدة تسقط، والجثث مبعثرة كدمى بلا أرواح.
وقف وسط الركام، يضحك كالمجنون:
– ههههههه... وأخيرًا!
خمسة رجال خرجوا من الظلال. أجسادهم مليئة بالوشوم، أعينهم مشتعلة كذئاب محاصَرة.
بانغ:
– آه، من العصابة بالطبع... نفس الوجوه المتعفنة. جئتُم متأخرين أيها القاذورات!
أحد الرجال:
– أحمق...
اندفع الخمسة معًا، كالبرق من خمسة اتجاهات.
لكن بانغ لم يتحرك خطوة للخلف.
ابتسم...
ثم في ومضة، دوّى الانفجار الأول.
– بوم!
يد واحدة مزقت صدر الأول.
ساقه داس بها على الثاني، فتناثر جسده نصفين.
ذراعه التفّت حول رقبة الثالث حتى سمع العالم صرير العظام.
الرابع حاول أن يصرخ، لكن يد بانغ غطّت وجهه حتى أصبح كومة لحم.
أما الخامس...
بانغ أمسك به، رفعه عاليًا، ثم حطمه على الأرض حتى لم يتبقَ منه سوى أشلاء.
الدماء غطت ملابس بانغ، لكنه ظل يضحك، كأنه خرج من حمام مقدس.
اتصال هاتفي
سون بصوت بارد، أنفاسه لا تهتز:
– بانغ... قضيت على اثنين من العصابة.
بانغ :
– أنا خمسة...
سون:
– وصلت إلى الطابق الأخير... ولم أجد قائدهم.
صمت قصير.
بانغ:
– هههه... إذًا ذلك الجبان هرب.
سون:
– … أوفففففف
بانغ بنبرة حادة، عيونه تشتعل:
– سون! لنخرج الآن ونبحث عنه... قبل أن يبتعد أكثر.
المبنى خلفهما كان يحترق، الجدران تتداعى، والسماء في الخارج تلتمع بضوء أحمر من سيارات الشرطة البعيدة.
لكن وسط اللهيب، كانا يمشيان معًا ببرود.
اثنان فقط... كأنهما جيشان كاملان خرجا من حرب دموية.
الزعيم لم يُقبض عليه بعد...
والمطاردة بدأت للتو.
على بعد نصف كيلومتر من المبنى المحترق، حيث الدخان يتصاعد مثل بخور جنازة، جلست قائدة فرقة رصاصة الأميرة على كرسي خشبي بسيط في حديقة عامة. أمامها أطفال يركضون ويلعبون بالكرة، ضحكاتهم تخترق الضباب، بينما نظراتها باردة، لا ترى فيهم إلا انعكاسًا لأشباح الماضي.
تمتمت بصوت خافت، أشبه بحديث إلى نفسها:
– سون... قوي جدًا. وبانغ... أظنه أقوى مني أنا شخصيًا.
لكن كلاهما مجرد وحشين غبيين، يندفعان بلا تفكير، بلا خطة. لا يهمهما سوى قتل من أمامهما.
ابتسمت بسخرية مريرة، رفعت ساقًا فوق الأخرى وهي تراقب الأطفال:
– ولهذا السبب... ذلك الأحمق هرب منهما بسهولة.
ريح باردة مرّت، ومعها ظلٌ سريع اخترق المكان.
رجل يركض بسرعة خاطفة، كالسهم البشري، حتى توقف فجأة أمامها، أنفاسه متقطعة، عرقه يتصبب.
رفعت رأسها ببطء، عيناها تلمعان بخطر ساكن:
– انتظر.
تجمد الرجل في مكانه. التفت إليها، ووجهه مشوه من الخوف والارتباك.
– ماذا... ما الذي تقولينه أيتها المجنونة؟
ابتسمت، لم يكن في ابتسامتها دفء بل حكم نهائي:
– أنا... الأميرة.
ضحك الرجل بسخرية قصيرة، ثم حاول مواصلة جريه.
خطوة واحدة... لم يكمل مترًا.
طاخ! طاخ! طاخ! طاخ! طاخ!
خمس رصاصات خرجت من العدم، كما لو أن الهواء نفسه تحوّل إلى سلاح. اخترقت جمجمته، ثقبت رأسه مثل ورقة هشة، وتناثر دمه على الأرض الخضراء أمام الأطفال.
سقط جسده عند قدميها.
الأطفال صرخوا وتفرقوا، لكن الأميرة لم تتحرك. اكتفت بالنظر إليه كما لو كان لعبة انكسرت للتو.
أمالت رأسها قليلًا، بصوتٍ ناعم كالسم:
– هذا جزاؤك... لأنك لم تستمع لي.
ثم وقفت ببطء، اقتربت من الجثة، دفعتها بحذائها إلى الجانب.
– أوووه... وظننت أنك ستهرب بعيدًا؟ أيها القائد الأحمق...
سحبت من جيبها مسدسًا أسود مغطى بنقوش فضية. أطلقت رصاصة إضافية على صدره، رغم أنه مات بالفعل.
– حتى الموت لا يليق بالخونة مثلك.
في تلك اللحظة، اهتز هاتفها.
على الشاشة: "سون" يتصل.
ابتسمت بخبث.
– ها هو الوحش البارد... يتصل بعد أن غرق المبنى بالدماء.
أجابت، وصوتها مغطى بنعومة قاتلة:
– نعم يا سون؟
سون ببرود:
– القائد لم يكن في المبنى.
ضحكت بصوت خفيف، جعل المارة القريبين يتجمدون من غرابته:
– أعلم. لأنه كان هنا... أمامي. والآن هو...ميت لقد قتلته
صمت قصير في الطرف الآخر.
ثم صوت بانغ، يصرخ من بعيد وهو بجانب سون:
– هههههههههه ، اذا كنت تتبعيننا
الأميرة:
– لا يا بانغ... أنتما من جريتما ككلاب ضالة، بينما الفريسة جاءت إليّ من تلقاء نفسها.
بانغ:
– هه... لا بأس. المهم أنه ميت.
سون:
– ماذا بعد؟
الأميرة حدّقت في الجثة مجددًا، ثم رفعت نظرها نحو السماء الرمادية:
– بعد الآن... لنفكر أمممممم ، حسنا سنتقابل بعد ساعة
خطت خطوة للأمام، ثم فجأة اختفى كرسيها، اختفى حضورها، كما لو أن المكان ابتلعها. لم يبقَ سوى جسد القائد الميت، ودماء تلوثت بها أرجوحة الأطفال.
بينما كان سون و بانغ يسيران بهدوء وسط شارع شبه فارغ، لم يكن في الأجواء سوى رائحة الدخان القادمة من المبنى المحترق.
رفع بانغ عينيه فجأة نحو الجهة اليمنى...
وتجمّد.
الضحكة التي كانت على وجهه انطفأت، ملامحه المتوحشة اختفت للحظة، لتحل محلها صدمة حقيقية. عيناه اتسعتا، كأنه رأى شبحًا خرج من كابوس قديم.
بانغ بصوت منخفض، لكنه مشبع برهبة:
– سون... لا تغيّر هالتك. لا تتفاعل. فقط... كن على طبيعتك.
سون، بنظرة حادة:
– …؟
أشار بانغ بخفة، بالكاد حرّك شفتيه:
– ذلك الرجل... انظر.
التفت سون بزاوية صغيرة، بعين واحدة فقط، دون أي حركة قد تكشفهم.
في الطرف الآخر من الشارع، كان يسير رجل طويل القامة، شعره الأسود مربوط للخلف، خطواته بطيئة كأن الشارع ملكٌ له وحده. عيناه قاتمتان... لا نظرة فيها سوى موت.
همس بانغ:
– هذا... أحد أعضاء أودجين.
أنا متأكد. لقد رأيت صورته... السيد "تاي" أعطانا ملفاته عندما كنا في مهمة مطاردتهم.
(يقصد رآى كوانغ).
تصلّب سون، لأول مرة يشعر بأن الهواء من حوله صار أثقل، حتى قلبه أراد أن يبطئ إيقاعه.
– مستحيل... ماذا يفعل هنا؟
بانغ بخطوات محسوبة، يخفي توتره خلف نبرة باردة:
– لا أدري... لكننا سنتبعه. لا تقترب كثيرًا. علينا أن نبتعد أكثر، كي لا يشتبه بنا.
سون:
– وماذا نفعل بعد؟ هل نتصل بالمنظمة؟
بانغ هز رأسه ببطء، وعيناه مثبتتان على الرجل:
– لا... ليس بعد.
أولًا، يجب أن نعرف أين يمكث. يجب أن نحدد كل المعلومات عنه، ثم بعدها نتصل.