‎طرقَ بانغ باب المنزل ثلاث طرقات متتالية، لها نغمةٌ يعرفها موريس جيدًا. لم تمر ثوانٍ حتى فُتح الباب، وظهر موريس واقفًا، مبتسمًا كعادته، بوجهٍ لا يخلو من الحذر.

‎قال وهو يفتح الباب على مصراعيه:

‎«وأخيرًا! بانغ بنفسه! ظننتُ أن الشرطة قد أمسكت بك أو أن ميليسا رمتك في نهر المدينة.»

‎دخل بانغ بخطى ثقيلة، ألقى بجسده على الأريكة دون أن ينتظر دعوة، زافِرًا:

‎«كِدتُ أرقد في النهر فعلاً… لولا أنني استعملتُ كل ما أملك من قوة.»

‎جلس موريس قبالته، ناولَه قارورة ماء:

‎«واجهت أحدهم؟»

‎أجاب بانغ ببطء، كما لو أنه يسترجع المشهد في عقله:

‎«ميليسا... ثم ماركو. اثنان لا يلعبان. ميليسا فاجأتني بخطتها، وماركو... ذلك المجنون، لم أواجه له نظيرًا. كِدتُ أُقطع نصفين.»

‎ثم ضحك فجأة، ضحكة قصيرة وغريبة، كأنها نكتة داخلية لا يفهمها إلا هو، وتابع:

‎«لكن لا يهم... لأني قفزت وفَرت! هكذا ببساطة. هل تعرف شعور أن تنجو من الموت... وتُضحك العالم كله بطريقة فرارك؟»

‎ابتسم موريس وهو يخرج سيجارة من عُلبته ويشعلها:

‎«أخبرني، هل استعملت مهارتك اذا ؟»

‎أومأ بانغ:

‎«مرتين... وأظنني أخربتُ بها نصف السجن. لكن المشكلة ليست هناك. سائق المروحية الذي أرسلته لي... هل أنت مجنون؟»

‎رفع موريس حاجبه:

‎«سائق المروحية؟ آه، تقصد "رافا"!»

‎انفجر بانغ بالضحك:

‎«تسميه رافا؟ أنا أسميه الجحيم الطائر! ذلك المجنون كاد يُسقطنا في البحر وهو يضحك! كل ما فعله طوال الطريق هو الدوران في الهواء وكأنه في عرضٍ سيرك… حتى صرخت عليه: "إنزل بنا أو سأرميك!"، أتدري ماذا قال؟»

‎نظر إليه موريس وقد بدأ يضحك أيضًا:

‎«ماذا قال؟»

‎«قال: "جرب ترميني... سأفجر طائرة قبل وصولي !"… أقسم لك، لم أعد أميّز إن كنت هاربًا من السجن أم مختطفًا من مهرّج مهرجانات.»

‎ضحك الاثنان، لكن عيون موريس كانت ترصد ملامح بانغ بدقة، تزن كل كلمة، كل ضحكة، كأنه يبحث عن شقوق في جدار هدوءه.

‎ثم قال بصوت أكثر جدية:

‎«هم يعلمون الآن أنك عدت... ميليسا لن تترك الأمر، وماركو لا ينسى الهزائم.»

‎أجاب بانغ وهو يفتح سترته كاشفًا عن كدمات متفرقة:

‎«دعهم يأتون... لديّ حسابات مؤجلة معهم. لكن هذه المرة، لن أفرّ.»

‎سكت الاثنان لحظة. ثم نهض موريس وسار نحو المطبخ وهو يقول:

‎«لكن قبل كل ذلك... هل تريد شيئًا تأكله؟ أو تفضل كوبًا من الجنون؟»

‎ضحك بانغ مجددًا، وارتفع صوته في أرجاء المنزل:

‎«إذا كنتَ من اختار سائق المروحية... فأنا خائف مما تطبخه بيدك.»

‎عاد موريس من المطبخ حاملاً صينية خشبية عليها طبق من الأرز المقلي بالثوم والدجاج الحار، وكوبان من العصير الأحمر الذي لا أحد يعلم مكوناته بالضبط. جلس قبالة بانغ ووضع الطعام أمامه، قائلاً:

‎«طعام نجاة من السجن، بنكهة المطاردات.»

‎أخذ بانغ الشوكة، تذوّق لقمة، ثم قال وهو يغمض عينيه:

‎«آه... هذا! هذا هو ما كنت أحتاجه... دجاج بطعم الفرار، وأرز مطهو على أنغام الانفجارات. أقسم لو طبختَ لي هذا وأنت في السجن، لبقيتُ هناك للأبد.»

‎ضحك موريس وقال وهو يرفع كوبه:

‎«نخب الحظ الرديء... الذي جعلك تعود إلينا.»

‎لكن بانغ لم يكن من النوع الذي يسكر بالكلمات، فأدار عينيه إليه بجدية مفاجئة، وقال وهو يقضم قطعة دجاج:

‎«والآن، أخبرني... ما المهمة العاجلة التي جعلتك تستدعيني بها؟ لا تقل لي أنك اشتقت لضحكتي فقط؟»

‎وضع موريس الكوب على الطاولة، مسح فمه بمنديل ورقي، ثم مال إلى الأمام قليلاً وقال بصوت منخفض:

‎«المجلس اجتمع… وأصدر أمراً رسمياً. فرقة النبات السوداء... طُلب منها مطاردة أودجين.»

‎تجمّدت الشوكة في يد بانغ. لم يتحرك. ثم رفع عينيه ببطء، وحدق في موريس كما لو أنه سمع للتو أن الأرض مسطحة.

‎ثم انفجر ضاحكًا:

‎«أووووووووودجييييييين؟؟؟»

‎وقف وهو يلوّح بالشوكة في الهواء:

‎«هل أنت بكامل قواك العقلية يا موريس؟ هل لديك حرارة في الجبين؟ تريدنا أن نطارد أودجين؟ نحن؟ ؟»

‎حاول موريس أن يبقي وجهه جادًا، لكنه فشل وبدأ يضحك هو الآخر، قال:

‎«لم أُقرر أنا... المجلس هو من أمر. والأوامر أوامر.»

‎جلس بانغ مجددًا، لكنه أشار بسبابته نحو موريس:

‎«اسمعني جيدًا… أودجين ليسوا جماعة مخدرات في الحيّ الخلفي! إنهم... عصابة مجنونة من العائلات السوداوية، أشخاص إذا ابتسموا، فاعلم أنك مُحاط بكمين!»

‎ثم أخذ رشفة من العصير، وصرخ:

‎«وحتى هذا العصير… يشبه أودجين! أحمر، غامض، وقد يقتلك!»

‎ضحك موريس بشدة، وقال:

‎«لأكون صريحًا... لم أطلبك فقط لأنك قوي. طلبتك لأنك الوحيد الذي يمكنه إضحاكنا ونحن نركض نحو الموت.»

‎رد بانغ وهو يمضغ ببطء:

‎«عظيم… أنا مهرج رسمي في سيرك النهاية.»

‎سكت الاثنان لحظة، ثم غيّر بانغ نبرته، ونظر في عيني موريس:

‎«أنت جاد بشأن هذا، أليس كذلك؟ المجلس لا يمزح؟»

‎هز موريس رأسه:

‎«لم يكونوا أكثر جدية في حياتهم. قالوا: إن لم نتحرك الآن، فلن نتمكن لاحقًا. يبدو أن أودجين خططوا لأمر كبير، ولا أحد يعرف ما هو بالضبط.»

‎ابتسم بانغ، ولكن هذه المرة، ابتسامة فيها شيء من الغموض:

‎«إذن… حان الوقت لكي نُريهم ما معنى النبات الأسود. لكن بشرط...»

‎قال موريس مبتسمًا:

‎«ما هو؟»

‎قال بانغ وهو يرفع صحن الطعام:

‎«أريد هذا العشاء... كل ليلة، حتى نموت.»

‎ضحك موريس وقال:

‎«صفقة! وإن متّ... سأُطعم شبحك بنفسي.»

‎بعد أن مسح بانغ أصابعه بمنديل ورقي، وهو لا يزال يضحك من ذكر أودجين، قال موريس وقد عاد إلى نبرة الجدّ:

‎«على كل حال... كُن مستعدًا. بقية فرقة النبات السوداء سيأتون هذا المساء. نريد مناقشة كل شيء قبل أن نبدأ التحرك.»

‎رفع بانغ حاجبيه وقال ساخراً:

‎«أوه، اجتماع رسمي؟ هل يجب أن أرتدي بدلة وربطة عنق؟»

‎ضحك موريس وأشار إلى الباب الجانبي:

‎«لا، فقط اغتسل أولاً. رائحتك تقول إنك خرجتَ من السجن لتوك... أو من معركة داخل محرقة.»

‎وقف بانغ وقال وهو يمد يديه:

‎«هذه ليست رائحة، هذا توقيع! علامة بانغ المميزة. لكن حسنًا، سأذهب لأستحم، بشرط ألا يكون سائق المروحية هو من صمّم الحمّام.»

‎توقف موريس لحظة، ثم قال بابتسامة خفيفة:

‎«… المعلم تاي سيساعدنا في هذه المهمة.»

‎وقف بانغ عند باب الحمام، يده على المقبض، لكن وجهه تغير. شيء ما في ذكر تاي أثار ذكريات عميقة فيه، مزيج من الحنين والرهبة، وربما القليل من الغضب.

‎قال بنبرة أقل هزلًا:

‎«تاي... لم أره منذ خمس سنوات. هل لا يزال يتحدث بهدوء وكأنه حكيم من جبال التبت؟»

‎ضحك موريس:

‎«بل أصبح أكثر هدوءًا... حتى أني لا أسمعه أحيانًا. لكن ما زال يملك تلك النظرة... نظرة من يعرف أكثر مما يقول.»

‎ظل بانغ لحظة ساكنًا، ثم قال:

‎«أريد أن أتحدث معه. لديّ أسئلة كثيرة.»

‎أومأ موريس:

‎«ستراه الليلة. حضّر أسئلتك... وأعصابك.»

‎دخل بانغ الحمام، والماء بدأ ينساب، بينما عاد موريس إلى المطبخ ليغسل الصحون. وبعد دقائق، خرج بانغ بشعرٍ مبلل، يرتدي قميصًا بسيطًا وسروالًا مريحًا.

‎جلس على الأريكة مجددًا، ثم قال:

‎«نسيتُ أن أسألك… متى سيبدأ الاختبار؟؟»

‎رد موريس وهو يمسح الطاولة:

‎«غدًا. مع شروق الشمس... .»

‎بانغ، وهو يتكئ على الأريكة، ابتسم ابتسامة شقية وقال:

‎«إذن اجلب لي شيئًا آخر لأكله… لا أريد أن أبدو ضعيفًا أمام زملائي الجدد… .»

‎ضحك موريس وهو يتجه نحو المطبخ:

‎«حسنا»

‎وارتفع ضحك بانغ من جديد، يملأ المنزل الذي على وشك أن يغدو غرفة عمليات… لحرب ضد عائلة لا تموت.

2025/08/04 · 4 مشاهدة · 1143 كلمة
onitchannn
نادي الروايات - 2025