هل تسمعني؟
لا بأس إن لم تُجِب... لستُ متعودة على سماع الإجابات.
أنا فتاة عادية. أعني... كنتُ كذلك.
أعيش في إحدى ضواحي مدريد، في شقة صغيرة فوق محل بيع زهور. لا أعمل.
تخرجتُ منذ عامين من كلية الهندسة بتقديرٍ جيد، لم يصفق لي أحد. لم أنتظر التصفيق.
أبي وأمي ماتا في حادث سيارة حين كنتُ في الرابعة عشرة.
البعض قال إنها فرامل تعطّلت... الجيران همسوا بشيء آخر.
لم أسأل.
منذ ذلك الحين، عشتُ مع جدتي.
امرأة طيّبة. تُحب القطط أكثر من البشر، وتحفظ أسماء النجوم أفضل من حفيدتها.
عُمري الآن خمسة وعشرون.
ولأكون صادقة... هناك شيء آخر. شيءٌ ربما لا يجب أن تعرفه، لكنه... يؤرّقني.
أنا ابنة خالة رجل يُدعى "السيد أكاي".
هل تعرفه؟ لا... لا أظن.
هو رئيس "المنظمة الإفريقية".
لا تنظُر إليّ هكذا، أعرف كيف يبدو الأمر.
فتاة بلا عمل، تعيش مع العجائز، وتُواعد رجلاً يُحكم على العالم من وراء الستار.
نعم... نحن نواعد بعضنا.
ومن المقرّر أن نتزوج في العام المقبل.
هل هذا يجعلني سعيدة؟
أحيانًا.
هل يجعلني خائفة؟ دائمًا.
غريب، أليس كذلك؟
أن أشتاق لرجلٍ لا أحد يعرف متى ينام... أو إن كان ينام أصلًا.
أكاي...
أحيانًا، حين أنطق اسمه، أشعر وكأن الهواء حولي يزداد ثِقلاً،
وكأنّي أستدعي شيئًا لا يجب أن يُقال بصوتٍ عالٍ.
لكنني... أشتاق إليه.
لا تظنّني ساذجة.
أنا أعرف ما يُقال عنه: القائد، السفّاح، الذئب الأسود، ظلّ القارة...
كل تلك الأسماء الباردة، لا تعني لي شيئًا.
بالنسبة لي، هو ذلك الرجل الذي يضع يده فوق رأسي حين أنزعج،
ويقول بصوته الخافت:
> "العالم لن ينكسر اليوم... لأنك ما زلتِ هنا."
هل هذا كافٍ؟ لا أعلم.
لكنّه يدفئني.
والدفء نادرٌ في حياتي، كندرة صدق البشر.
سيصل اليوم. هكذا وعدني.
قال إنّه أنهى مهمته في الجنوب، وسيصل قبل غروب الشمس.
تخيّل أنني أعددت له الغرفة كما تحبّه جدتي أن تكون...
فرشتُ الملاءات البيضاء، وخبأتُ السكين التي تحت وسادتي.
لا، لا تضحك... هو مَن طلب مني أن أضع سكينًا دائمًا.
قال لي مرة:
> "السكين لا تحميك، لكنّها تذكّرك أنّك لستِ بلا حول."
أشتاق له...
أشتاق لعينيه، حين ينظر إليّ وكأنني لا أنتمي لهذا العالم...
وكأنني الشيء الوحيد الذي يربطه بشيءٍ بشري.
غريب، أليس كذلك؟
أن أكون أنا... نقطة ضعفه.
وأغرب من ذلك؟
أنني أعلم… أنّه، ذات يوم، سيُضحّي بي... لأجل ذلك العالم الذي لا أؤمن به.
لكن لا بأس، لا بأس الآن.
سأنتظره.
تمامًا كما كنت أفعل منذ بدأت الحياة تعلّمني ألا أثق في أحد...
إلا في ذلك الذي يكذب ببطءٍ جميل.
أنا لا أبكي عادةً.
لكن شيئًا في صوته اليوم... كأنّه أغلق بابًا كنتُ أقف عنده منذ زمن.
لم يقل إنّه لا يريد رؤيتي.
لكنّه لم يقل إنّه اشتاق إليّ.
هل تتخيل كم يمكن لفراغ بسيط بين جملتين أن يقتل قلبًا؟
كنت أظنه مشغولًا بي، فإذا به... مشغول فقط.
غريب...
كيف يمكن لكلمات قليلة، باردة، أن تضعك في ثلاجة؟
وأنت ما زلت تتنفس، وتتدثّر بالشوق.
"سآتي لاحقًا."
كم من المرات قالها؟
كم مرة انتظرت؟
كم مرة سامحتُه لأنّ صوته بدا وكأنّه يُصارع قنبلة لا تنفجر إلا إذا قال لي الحقيقة؟
لكنني...
كنت أحتاج شيئًا آخر هذه الليلة.
لم أكن أريد وعدًا مؤجّلًا.
كنت أريد حضوره الآن.
أن يقترب من عنقي، أن يُمسد على شعري ويقول لي:
> "أنا هنا... ولا شيء سيؤذيك."
لكن لا أحد يقول تلك الجملة.
الرجال مثله... لا يتحدثون عن الأمان، لأنهم أنفسهم خطر.
ربما... كنت ساذجة.
ظننت أن الحب وحده يُصلح كل شيء.
لكن الحب بلا وقت... كرسالة بلا عنوان.
وقفتُ أمام نافذتي، نظرت إلى الشارع.
أضواء السيارات، المطر المتردد، والقط الرمادي النائم تحت العربة.
الحياة تمشي، ببطء، بجمود...
وهو؟
هو هناك، في قاعة ممتلئة بالناس، بالخطط، بالمؤامرات،
وأنا هنا... أكتب له بقلبي ولا يصلني الردّ.
تخيل أن يكون نصيبك من الحب... الانتظار.
أن تعيش نصف عمرك على أطراف مكالمة.
أن تُقنِع نفسك أنّ الصمت... ليس تجاهلًا، بل عاصفةٌ تُحبك من بعيد.
لكنّي تعبت.
أقسم أنني تعبت.
ضغطت على زر الاتصال. لم تفكر.
كان الأمر أشبه بإلقاء قلبها في النار... مرة أخرى.
... رنين...
ثلاث نغمات... ثم صوتٌ عميق، مبحوح قليلًا، كما لو أنه خرج للتو من حرب:
أكاي:
"...آني؟"
صوته جعلها تبتسم رغم الألم.
آني (بهمسٍ مُرهق):
"كنت أحتاج أن أسمعك. فقط... أن أسمعك."
صمت. صمت طويل.
سمعت فيه أنفاسه، وربما وقع حذائه على أرضية رخامية. لم يكن وحده.
أكاي:
"الوضع... ليس آمنًا الآن."
آني:
"هل أنت بخير؟"
أكاي (ببرود مُكتوم):
"أنا دائمًا بخير."
آني (بتنهيدة ناعمة):
"قلتَ إنك ستأتي قبل الغروب..."
أكاي (بصوت مُتخشّب):
"اضطررتُ لتأجيل اللقاء. سأرسل لك إشعارًا حين أفرغ."
تجمد صوتها للحظة.
أرادت أن تصرخ، أن تقول: "أنا لست مهمةً لك، أليس كذلك؟"
لكنها قالت شيئًا آخر... شيئًا أضعف، وأكثر وجعًا:
آني:
"هل تشتاق لي؟"
مرّت ثانيتان.
ثلاث...
أكاي:
"... لا تطرحي هذا السؤال الآن."
انكسر شيء ما في داخلها، شيء كانت تظنه أقوى.
لكنها ابتسمت مجددًا، رغم دمعة ساخنة على خدّها.
آني (بصوت مرتجف):
"هل تعرف؟ أحيانًا، أشعر أنني مجرد صوت... لا وجه له في عالمك."
أكاي (بصوت منخفض، لكنه مشدود):
"آني... لا تفكّري كثيرًا. فقط ابقي بخير."
آني (ببطء):
"هل تخاف علي؟"
صمت مجددًا.
ثم، أخيرًا، قالها بصوت يكاد لا يُسمع، وكأنه يعترف لجدارٍ لا لإنسانة:
أكاي:
"...أخاف من أن أراكِ تُجرحين بسببي."
ثم أغلق الخط.
تحدّقت آني في الهاتف بذهول.
هو لم يقل "أحبك"...
لكنه قال ما يُخيف أكثر:
أنه سبب الألم القادم.