عاد الصباح ليبسط نوره على المكان، لكن الجو كان يخفي خلف هدوئه مشاعر ثقيلة. السماء كانت زرقاء نقية، وكان المطر الذي هطل بغزارة طوال الليل لم يكن سوى ذكرى عابرة. الأرض تجف ببطء، بينما تتناثر قطرات الماء على أسطح الحمم الضخمة .

‎داخل الخيم كان كل شيء يضج بالهدوء، سوى صوت أنفاس الأطفال الثقيلة أثناء نومهم. ملامحهم كانت مرهقة، وكأنهم عاشوا ليالي طويلة بلا نوم. بعضهم يتكور على نفسه، والبعض الآخر يرتخي بجسده النحيل على المقاعد، باحثًا عن الراحة في مكان لا يعرف سوى القسوة.

‎وفجأة، اخترق هذا السكون صوتٌ صارخ:

‎"هاي، أيها الخنازير!"

‎كانت "بلاك داون" تقف بثبات على أحد الكراسي، نبرتها الباردة تجوب المكان. عيناها كانتا تلمعان ازدراءً:

‎"انهضوا! لا أريد أن أكرر كلامي!"

‎لكن الأطفال بالكاد تحركوا. أعينهم المتعبة بالكاد فتحت، وأجسادهم المثقلة بالإرهاق رفضت أوامرها. لم يكن المشهد سوى انعكاس لتعب السنين التي عاشوها، حيث لم يعرفوا الراحة إلا في الأحلام.

‎"بلاك داون" لم تكن امرأة تعرف الصبر. أمالت رأسها قليلًا وهي تنظر إليهم بازدراء أكبر. ثم، بنبرة قاتلة لا تحتمل العصيان، قالت:

‎"راغنا"، نادت على مساعدها الضخم الذي وقف كظلّ ثقيل خلفها.

‎"اقتل أي شخص لم ينهض في غضون ثوانٍ."

‎لم يكن التهديد مجرد كلمات. بدأ العد التنازلي،

‎"واحد... اثنان..."

‎في اللحظة التي بدأت تقول فيها الرقم "ثلاثة"، وقف الجميع كما لو أن الكهرباء قد صعقتهم. كانت أجسادهم ترتجف، ولكنهم اتخذوا وضعية الجند. أعينهم كانت خائفة، وجوههم تكسوها هالة الرعب.

‎توجهوا إلى الحلبة الكبيرة. في لحظات، تحوّل المكان الهادئ إلى بحر من الفوضى والصراخ. الأطفال بدأوا القتال تحت إشراف صارم،

‎في منتصف الساحة، تقدم "أليكس" بخطوات ثابتة. الطفل ذو الجسد النحيل، لكنه يحمل هالة مختلفة. كانت عيناه تشعان شجاعة وقوة، وجسده، رغم صغر سنه، كان يحمل عضلات مرسومة بعناية. في يده، حمل سيفاً شفافاً كأنه منحوت من زجاج، يلمع.

‎هذا السيف لم يكن مجرد قطعة سلاح؛ كان إرثاً من عائلته "تاباي"، العائلة التي اشتهرت بأسلوبها الفريد: "أسلوب التقطيع". هذا الأسلوب كان مزيجاً من الحركات الدقيقة والضربات القاتلة، يتطلب تدريباً صارماً، وأليكس لم يكن استثناءً. لقد مرّ بتدريب قاسٍ تحت إشراف جده، الرجل الذي لم يعرف الرحمة.

‎مقابل "أليكس"، وقف "كيم"، الفتى الذي لقب بالسارق. كانت هالته مختلفة تماماً عن هالة خصمه. عيناه كانتا مليئتين بالغرور والكراهية، جسده النحيل لا يُظهر قوته الحقيقية. لكن ما ميّزه أكثر كان أسلوبه القاتل: "نسخ المهارات".

‎كيم كان يتقن تقليد أي أسلوب يقابله. لم يكن هناك أحد استطاع هزيمته من قبل. حتى جرأته جعلته يتحدى أحد معلمي المنظمة، لكنه دفع الثمن غالياً.

‎غُوْقَب "كيم" بحبسه أسبوعاً كاملاً في غرفة الجراد. كانت هذه الغرفة مظلمة تماماً، مليئة بالحشرات الزاحفة. لم يُقدَّم له سوى الماء، وكان مجبراً على أكل الجراد الحي ليبقى على قيد الحياة. تلك التجربة دمّرت شيئاً في داخله، وزادت كراهيته للبشر.

‎ومع ذلك، وسط كل هذه الكراهية، كان "أليكس" هو الوحيد الذي استطاع التقرّب منه، تفهّم ألمه، وواسه في أحلك لحظاته.

‎الآن، في هذه الحلبة، لم يكن هناك مجال للعاطفة. وقف الإثنان وجهاً لوجه. الرياح تهب، والأصوات تتلاشى تدريجياً، كان المكان بأكمله يتهيأ لهذه المعركة.

‎سيف "أليكس" يعكس الضوء بينما يتخذ وضعية الهجوم. "كيم" يراقبه بعيني صياد.جاهز لنسخ كل حركة.

‎الجميع على أطراف مقاعدهم، يعلمون أن هذه المواجهة لن تكون عادية.

‎في ساحة معركة تموج بطاقة قاتمة، اتخذ أليكس موقعه، عيناه الزرقاوان تتوهجان كشرارات البرق في ليلة عاصفة، وشعره الأشقر يتطاير مع الرياح التي تكاد تنفجر تحت ثقل هالته. كانت خطواته واثقة، لكنه لم يبدُ كمن يستعرض قوته؛ بل كمحارب أعد نفسه لقتال لا يتكرر. في المقابل، وقف كيم بوجه ساخر، شاحط النظرة كأنه ظل متحرك، وعيناه الباردتان تُخفيان براعة غير طبيعية. خلفه، هالة رمادية كأنها دخان يتصاعد من رماد معركة سابقة، ترسم حوله صورة قاتل لا يعرف الحدود.

‎اندفع أليكس كوميض برق، تاركاً وراءه أثراً من الغبار والرياح المندفعة. كانت حركته خادعة؛ إنسيابية ولكنها تحمل قوة جبارة، وسيفه يشق الهواء بنغمة كأنها تمزق الصمت نفسه. كيم، بهدوء قاتل، صد ضربة أليكس في لحظة خاطفة. لم تكن تلك عادة، بل انعكاس تامٍّ لكل شيء يعرفه عن السيف الأصلي. بدأ الاثنان بتبادل الضربات في وتيرة تفوق إدراك العين البشرية.

‎الحلبة تحولت إلى ميدان يترقص فيه الشرر والدمار، حيث تلاشت الخطوط الفاصلة بين المهاجم والمدافع. كان المشهد جنونياً؛ ضربات السيوف تتلاحق بسرعة، كأن الحلبة نفسها تُقطع وتمزق.

‎تراجع أليكس خطوة، ابتسم برغبة صريحة في القتال وقال بصوت مفعم بالتحدي:

‎"أنت جيد جدًّا، كيم، لكن السيف الذي نسخته هو مجرد وهم. سيفي الحقيقي يحكي قصة مختلفة."

‎ضحك كيم بسخرية، صدى ضحكته يحمل تهكمًا، قائلًا:

‎"لا يهمني أصل السيف يا أليكس. المهم هو النتيجة، ولكن، دع الكلمات جانبًا. ستكتشف الحقيقة قريبًا."

‎بهدوء غريب، رفع أليكس سيفه ورسم دائرة وهمية في الهواء. فجأة، انطلقت من الدائرة عشرات السيوف الرمادية كالمطر، تتجه نحو كيم بسرعة لا تُصدق. بدا الهجوم أشبه بعاصفة معدنية تدمر كل شيء في طريقها. لكن كيم لم يتحرك، السيوف اخترقت جسده كأنه ظل، لكنها لم تُحدث أي ضرر.

‎فتح أليكس عينيه بدهشة، صوته يتقطع بغضب:

‎"ما هذا؟ كيف لم تُصب؟!"

‎رد كيم بنبرة هادئة ولكنها مشبعة بالغرور:

‎"هذه المهارة ليست لي، سرقتها من أحد المعلمين أثناء تدريبي. إنها مفيدة، أليس كذلك؟"

‎كانت بلاك داون، المراقبة للمشهد، تعض شفتها بعصبية، ملامحها مليئة بالقلق. التفتت إلى راغنا وقالت بصوت بالكاد يُسمع:

‎"هذا الفتى... لا حدود له في السرقة. لكن، هل تبقى طاقة المهارة المسروقة بنفس القوة؟ أم تضعف؟"

‎أليكس لم يمنح كيم فرصة للاستهزاء أكثر. أغمض عينيه، رفع سيفه نحو جبينه، وأطلق همسة كأنها تعويذة:

‎"أسلوب التقطيع: الاندماج الروحي!"

‎مع هذه الكلمات، بدأ السيف يلمع وهجًا أزرق، وكأن أرواح المحاربين السابقين تحيط به. بدأ أليكس يلوح بسيفه في الهواء، لكن ضرباته لم تكن عشوائية؛ كانت أمواجًا من الطاقة القاطعة التي انطلقت نحو كيم، تحطم الأرضية وتخلق مجالًا من التقطيع أشبه بجحيم لا يُطاق. كل شيء في الحلبة تحوّل إلى هدف للضربات، وأصبحت المعركة أكثر دموية.

‎كيم، رغم الهجمات المتتالية، لم يتراجع. كان يستخدم مهاراته المسروقة واحدة تلو الأخرى للدفاع عن نفسه. موجات صوتية تحطم الهجمات، رياح عاتية تشتت الشفرات، وأساليب تجسيد تصنع حواجز تحميه. كان الأمر وكأن الطبيعة نفسها انقلبت ضد أليكس.

‎سون، الذي كان يراقب من الخارج، تمتم بدهشة:

‎"قوة أليكس مذهلة. نحن لا نساوي شيئًا أمامه."

‎أما ألمار، فقد أضافت بابتسامة مليئة بالحماس:

‎"رغم ذلك، كيم يتصدى لكل الهجمات بدقة. أعتقد أنه المنافس الذي أبحث عنه."

‎في لحظة حاسمة، أخرج كيم أربعة نزود صغيرة من جيبه، رماها على الأرض وقال بنبرة واثقة:

‎"دومينو."

‎تحولت النزود إلى أربعة نسخ من أليكس، كل منها يحمل نفس السيف ونفس القوة. بدأوا في الهجوم عليه باستخدام نفس أسلوبه السابق. تحوّل المشهد إلى فوضى مطلقة، حيث اصطدمت خمسة مجالات تقطيع بالحلبة، تُدمر كل ما تبقّى منها.

‎بلاك داون، التي بدأت تفقد رباطة جأشها، نظرت إلى راغنا بعينين مليئتين بالخوف وقالت:

‎"ما هذا الجنون؟ من أين حصل على هذه المهارة؟ كيف يمكنه التحكم بهذا الشكل؟"

‎في لحظة مفاجئة، نجح أليكس في هجوم خاطف. استطاع أن يقطع رؤوس النسخ الأربعة بضربة قاضية، لكن قوة الهجوم استنزفت كل طاقته...

‎سقط على الأرض، منهكًا، غير قادر على النهوض.

في المقابل، كان كيم بالكاد يقف على قدميه.

ابتسامته الباهتة اختفت، ووجهه غطاه العرق.

تراجع خطوة إلى الوراء، ثم سقط هو الآخر، منهكًا تمامًا.

الحلبة كانت ساحة خراب مطلق، مليئة بالشظايا وآثار الدمار.

في مكانين متقابلين، استلقى آكس وكيم، كلاهما غير قادر على الحراك، في مشهد

يشبه نهاية أسطورة تركت الجميع في ذهول.

2025/08/04 · 6 مشاهدة · 1206 كلمة
onitchannn
نادي الروايات - 2025