في اللحظة التي بلغ فيها التوتر ذروته، أصبح الهواء نفسه وكأنه سكين يقطع الأعصاب، لا يُستنشَق، بل يُبتَلَع ككتلة من النار. الحلبة المحطمة كانت تغلي، تنبض كقلب وحش يوشك على الانفجار
حان دور سون و ماريو
، سون وماريو واقفان على الجانبين كأنهما تجسيد للقدرين المتصارعين، لا مجال للهرب، لا عودة، فقط الموت أو المجد.
ماريو يزم شفتيه، عيناه متسعتان كأنما تسكنهما نهاية العالم. صرخ بصوتٍ متهدّج:
"إن فشلت الآن… فأنا لا شيء."
لكن سون لم يرد، بل اكتفى بابتسامة باردة كأنها شتاء جافّ يلتهم الروح.
في تلك اللحظة، دوّى صوت ضربة داون كالصاعقة، تقطع السكون كنصل يمزق ستار الواقع. "ابدآ القتال!"
وامتدت لحظة الصمت ما بعد الإعلان كأنها ابتلاع للعالم.
وانفجر الجحيم.
سون انطلق كالسهم، لا... بل كنيزك، كل خطوة تُطلق شررًا من الأرض، قبضته تعبر الهواء وكأنها قنبلة موقوتة. وماريو، الذي لم يرمش حتى، انحنى، تفادى، وبدأ هجومه المعاكس.
ضرباته لم تكن سريعة فحسب، بل مدروسة، تحمل غضب السنين، كل لكمة تنطق باسمه، كل ركلة تصرخ من أعماقه: "أنا هنا!".
الاشتباك كان عاصفًا، تلاحمت الأجساد كأنها آلهة تتصارع، وكل ضربة كانت انفجارًا مصغّرًا.
الخشب تحت أقدامهم تفتت، الحلبة ارتجّت، الحشود تصرخ وتبكي وتضحك بجنون، بينما الرؤية تتقاطع بين قبضة، ودم، وظل.
سون يصرخ، ماريو يزأر.
ثم—
ماريو ينقض من الأعلى، ركلته كالفأس، تشق الهواء بنغمة قاتلة، لكن سون يميل بزاوية مستحيلة، وكأنه لا ينتمي لهذا العالم، يردّ بصفعة كأنها برق، تندلع في خد ماريو، فيسقط الأخير مترًا للخلف، لكن قدميه تضربان الأرض كأنهما تقولان: "لن أسقط بعد!".
صرخة سون التالية كانت حيوانية، بدائية، تنبع من قلب لا يعرف الرحمة. استخدم الحبل كسوط، لفّه بحركة جنونية، فانطلق كأفعى جحيمية نحو رقبة ماريو.
لكن ماريو—
أدار جسده، قفز في اللحظة الأخيرة، التفت في الهواء، وركل الحبل ليعيده إلى سون، الذي بالكاد تفاداه.
"اللعنة!" زمجر سون.
"أنا لم أنتهِ بعد!" صرخ ماريو، واندفع كإعصار.
تلاحقت الضربات حتى بات الزمن بطيئًا، كل ثانية تحمل فيها ألف حركة.
سلاح ماريو يكاد يتحطم، قبضته تنزف، كتفه يئن، لكنه لا يتوقف. وسون... سون لم يعد بشريًا. أصبح وحشًا، يبتلع الضربات ويعيدها مضاعفة.
ثم جاءت اللحظة الفاصلة.
ماريو، بأنفاسٍ متقطعة، بجسدٍ شبه مهشم، صرخ بكل ما بقي له من حياة:
"سون!! لم ارد ان استعمل مهارتي امامك و انت لا تملك اي مهارة لكن آسف!"
لكن سون أجاب بنظرة قاتلة، وابتسامة مجنونة:
"جرب "
فاندفع سون كالصاعقة، قبضة مغطاة باللهب، ركلة تحمل صدى جيوشٍ من الغضب.
لكن…
كل ما فعله ماريو: خطوة جانبية، لمسة صغيرة…
وانعكست الضربة.
تمامًا كما هي. كأن جسد ماريو مرآة خارقة، قوة سون اندفعت نحوه ثم عادت عليه بأشد مما أطلقها.
ارتد سون، واصطدم بالحائط الجانبي للحلبة، تصاعد الغبار… سعل وهو ينهض، غير مصدق.
"ماذا؟!"
ماريو لم يتكلم. تقدم ببطء.
سون هاجمه من جديد. مهارة، ثم اثنتان، ثم ثلاث.
كلها… انعكست.
كلها… مزّقت جسده بدلًا من جسد ماريو.
الدم نزف من سون. الحشود صمتت. داون لم تتحرك.
لكن ماريو
أدار ظهره.
نعم.
أدار ظهره على خصمٍ مفتوح الصدر.
ومشى… نحو بلاك داون.
"ما الذي تفعله؟!" صرخت سون، .
ماريو نظر إلى بلاك داون صوته كجرح قديم:
"هذا ليس اختبار قوة. هذه حفلة ذبح. وسون ليس عدوي… أنتِ عدوي."
خطا خطوة.
ثم أخرى.
"توقف يا ماريو إن تقدمت أكثر ستموت!"
قالت داون، لكن صوتها لم يكن فيه أمر. بل كان فيه مسخرة .
ماريو رفع يده.
"كم واحدًا قتلتِه بهذا الاختبار؟ كم روحًا؟"
.
لكنها ابتسمت.
ابتسامة ناعمة.
ثم نفضت مظلتها.
واختفت للحظة.
وفي اللحظة التالية...
ظهرت خلفه.
طعنة.
بهادئ قاتل.
بلا قتال.
طعنة من مظلتها... التي كانت سيفًا خفيًا.
دخل النصل من ظهره… خرج من صدره.
ماريو شهق.
تجمّدت الحلبة.
صرخ سون .
وانهار الصمت.
"ماريووووو!"
سقط على ركبتيه.
لكن عينيه كانتا صافيتين.
"كنت أعلم..."
همس، وابتسم.
ثم هوى، كأوراق الخريف حين تعرف أن الوقت قد حان.
سون وقف مذهولًا. لم يستطع أن يتكلم. لم يستطع أن يتحرك. كان العار أثقل من أن يُقال.
أما بلاك داون، فقد نظفت المظلة بهدوء، وقالت للحشود:
"سون الفائز ."
وابتعدت.
تاركة خلفها دماء بطلٍ… لم يكن يومًا يسعى للقتل.