بعد خمسِ ساعاتٍ من سقوط ماريو ، وصدى اصطكاك العظام ما يزال يُسمع في الأذهان...
في الحلبة التاسعة، كانت أوفا تقفُ بثباتٍ مصطنعٍ، تحاولُ أن تتذكّر لماذا أتت إلى هذا المكان أصلًا.
لكن آلما... لم تُمهلها سوى رمشةِ جفن.
لم يكن هناك حديثٌ، لا سخرية، لا تهديداتٌ طائشة، لا حتى فرصة أن تلمسَ شفتيها الهواء...
فجأةً، يد آلما كأنّها نصلٌ من صمت سمع صوت تمزق ،
وطار رأسُ أوفا.
لم تئن، لم تتألم.
مجرد طقطقة عظم،
ثم... سقوطٌ يشبه هبوط ورقةٍ خفيفة من أعلى شجرة عجوز.
المُشرفون لم يتحرّكوا.
الجمهور لم يصفّق.
الحلبة لم تتّسخ.
فقط الدم تسلّل إلى تحت قدمي آلما، كأنه طفلٌ خجول عاد ليتعلّم المشي.
ومهارةُ أوفا؟ بقيت محبوسة في أصابعها التي لم تُغلق قط.
في الأعلى، سمعت كلماتٌ ، نزفت ببطءٍ كأنّها تخرج من حلقِ أحدهم:
"الاختبار انتهى."
ثم ظهرت وجه بلاك داون،
كأنّها شبحٌ استيقظ من نومه القصير، وبدا في صوتها بعضُ التعب وبعضُ الازدراء:
> "لقد نجا فقط مئتان وثلاثون. من أصل ألفين وسبعمائة وثمانين.
من مات... فشل.
ومن نجا دون تطبيق القانون... طُرد.
ومن قتل بلا سبب... قُيِّد اسمه في القائمة السوداء."
تلك كانت النهاية الرسمية للاختبار الأول.
لكنها لم تكن نهاية الألم.
في الزاوية اليسرى للحلبة الرابعة، جلس "هيو" يبكي أخاه الذي قتله بنفسه.
وفي الممر المؤدي إلى غرف التقييم، أُخرجت جثثٌ في أكياس بلاستيكية رمادية، لا تحمل أسماء، فقط أرقامًا.
الهواء كان يشبه لُعابَ كلبٍ خائف.
الضوء كان باهتًا كعقلِ مُجرمٍ نادم.
الزمن... لم يتحرّك.
ثم، في مكانٍ لا يُرى، في زاوية ممرّ مظلم، جلس أحد الفاشلين، وكان يهمس لنفسه:
> "نجوتُ من الموت... لكنّي فشلت.
ترى، هل يعني هذا أني لستُ قويًا كفاية؟
أم أني فقط لم أُخلق لهذا العالم؟
...أم أنّ هذا العالم لا يُخلق لأمثالي؟"
ثم ضحك. ضحك طويلاً.
كانت ضحكته مجوفة، أشبه بصدى حفرة في صدره.
ثم اختفى.
لا أحد رأى وجهه بعدها.
ذهبت بلاك لاحضار شيء ثم عادت
كانت خلفها حممٌ تتصاعدُ من تجاويف سوداء، كأن الأرض نفسها تتأوّه تحت أقدامهم.
قالت بلاك داون، ورفعت يدها اليسرى، فظهر مجسّمٌ شفاف لصحراء لا نهاية لها،
خريطة... بلا معالم.
> "الاختبار الثاني سيكون في مكانٍ لم يعد يُذكَر في الخرائط، ولم يعد يُزار في الكوابيس:
صحراء إفريقيا العظمى.
وتحديدًا... في مستشفى مهجور منذ قرون، كانت تجري فيه تجارب على الجنون، قبل أن يُغلق وتُختم أبوابه بدماء مرضاه."
تحرك المجسّم فجأة، وارتفعَ بخارٌ أسود كأنّه أنين، وظهرت أبنية متهالكة وسط الرمل،
كانت النوافذ فيها تُشبه عيونًا مكسورة،
وكان السقفُ كجمجمة عتيقة تنتظر من يزحف داخلها.
> "لن أخبركم الآن ما سيكون داخله.
لا الأعداء... ولا الأسرار... ولا الأوهام.
كل شيءٍ ستعرفونه... عندما تدخلون، أو لا تدخلون أبدًا."
صمتت قليلًا، ثم أشارت بسبابتها نحو الأرض، فاهتزّت الحلبة تحت أقدامهم.
> "لكن قبل الوصول هناك، هناك شيءٌ أهم... شيء لا يقاتلكم فيه أحد، بل أنتم أعداؤكم فيه:
التحمل.
ارتفعت الإضاءة فجأة، وكشفت أن الأرض التي يقفون عليها، لم تكن سوى حافة حفرةٍ عميقة، تتصاعد منها حرارةٌ لا تُطاق.
> "الآن، استريحوا هنا... بجانب الحمم.
خذوا نفسًا، وتذكّروا وجوه من ماتوا للتو.
بعد ساعة، ستنقلكم مروحياتٌ إلى نقطةٍ محددة في بداية الصحراء.
ومن هناك... ستكملون عشرة أيام كاملة سيرًا على الأقدام.
لا أكلٌ مضمون، لا ماء، لا نوم في الظلال.
سيكون اختبارًا لطاقة العظم، لا مهارة اليد.
من يتهاوى... يُترك.
من يتأخر... يُنسى.
من يختبئ... يُدفن."
ثم نظرت إليهم، بعينين تحترقان بلا نار:
> "هذا ليس اختبارًا فقط... هذا غربالٌ للضعفاء.
في النهاية... من لا يعرف طعم العرق والجنون، لا يحق له دخول قاعة القرار."
جلست مجموعة من الناجين قرب الحمم،
أجسادهم مبلّلة بالدم، أرواحهم كقطع زجاج مكسور.
قال أحدهم – صبيٌ صغير، لم يتجاوز الخامسة عشرة – وهو ينظر إلى اللهب:
> "أتعلم؟
لا أعلم إن كنت نجوت... أم أصبحت جزءًا من هذه المحرقة."
ردّت فتاةٌ بجانبه، كانت شفتاها زرقاوين من الخوف:
> "لا تتحدث كثيرًا، الصحراء تُحب من يصمت."
في السماء، بدأت طائرات داكنة تقترب،
كأنها صقورٌ ضخمة تستعد لاصطياد الباقين، لا لنقلهم.