رسالة واحدة.

‎فيسبوك يرنّ.

‎تفتح آني الهاتف بخمول عابث، وكأنها لا تريد أن ترى، لكنها ترى.

‎تشاي.

‎> تشاي: "هل تستطيعين الخروج اليوم؟"

‎قلبها يرتجف وكأن السؤال جاء من فم ملاك شرير... أو ربما شيطان حنون.

‎تضع الهاتف على صدرها، تتنفس، تحبس نفسها، تتقلب.

‎ثم، فجأة:

‎> آني: "نعم، أستطيع."

‎لم يردّ مباشرة.

‎ثوانٍ، دقائق، أو ربما حياة كاملة.

‎ثم:

‎> تشاي: "بعد نصف ساعة... في الحديقة."

‎الحديدة.

‎كلمة بسيطة، ثقيلة كالرصاص، خفيفة كريشة على ضوء القمر.

‎تقفز آني من فراشها، لا تلبس شيئًا… تركض أولًا إلى المرآة، ثم تنسى ما كانت تبحث عنه، تركض إلى خزانتها، ترتجف أصابعها، تنزع شيئًا، تلبس شيئًا آخر، تتراجع، تعود.

‎تخرج من الغرفة، تصرخ: – "جدتي! سأخرج!"

‎الجدّة، التي كانت تغلي الحليب على النار، التفتت ببطء العصور: – "مع من يا آني؟"

‎آني تبتسم: – "أنا وصديقة، لا تقلقي."

‎الجدة تلوّح بيدها، نصف مصدقة، نصف نائمة: – "لا تتأخري... الشمس لا تحب الفتيات الوحيدات."

‎آني تضحك... ثم تصمت.

‎تفتح الباب.

‎الممر.

‎ذاك الممر العتيق الذي عرفها منذ كانت طفلة، تلعب بطين الأمطار، تركض خلف قطط متوحشة بلطافة.

‎ممر العائلات المتواضعة، حيث البيوت متلاصقة كذكريات متعبة، حيث الأمهات يطرزن الملل، والرجال يشربون السياسة في فناجين قهوة.

‎الهدوء... ليس سلامًا، بل عجز عن الصراخ.

‎آني تمشي ببطء...

‎خطوة، فوسيفساء من الأفكار تتكسر في رأسها.

‎تخاطب نفسها، لا، توبّخها: – "أنا خائنة... أعرف أنني خائنة... أكاي ليس مجرد شخص، إنه حبي الأول، الرجل الذي أنقذني من الانهيار... ولكن..."

‎ثم تصرخ بداخلها: – "ولكن أين هو الآن؟!"

‎تتنهد.

‎– "أصبح باردًا، كالجدران القديمة، لا يلمسني، لا يسألني، لا يلاحظ حتى إن كنت حزينة أو سعيدة."

‎تضحك بسخرية: – "ربما يحبني... بطريقته. طريقته تلك التي تشبه الثلج..."

‎تتوقف، تنظر إلى يدها، تتخيل أنها تمسك يد تشاي.

‎– "أما تشاي... آه، تشاي... هو لا يتركني أتحطم، يقرأ حزني دون أن أتكلم، يلعب معي، يناقشني، يضحكني... بل يحب كل شيء أحبه."

‎تحدّث نفسها: – "لكنه ليس أكاي، ليس ماضيَّ، ليس وعدي الأول..."

‎تخفض رأسها، تتنفس، ثم تعلن بثقة: – "لكنه مستقبلي... ربما."

‎تتردد.

‎ثم تصرخ داخل عقلها: – "أنا لست خائنة! أكاي هو من خانني بصمته... بتجاهله!"

‎ثم تصمت.

‎وتهمس لنفسها: – "لكنني... ما زلت أحبه، أليس كذلك؟"

‎السماء رمادية.

‎الشمس تنظر من بين الغيوم كأنها تتجسس عليها.

‎كأنها تسألها:

‎"إلى أين أنت ذاهبة يا فتاة؟ أإلى حبك الجديد؟ أم إلى سقوطك الأول؟"

‎آني تمشي بخطى أسرع.

‎شعرها يرقص في الريح.

‎تحاول ألا تنظر للناس.

‎تحاول ألا تفكر في أكاي.

‎كلما اقتربت من "الحديقة"، تسارعت دقات قلبها.

‎وصلت آني.

‎تنفست.

‎تلك الحديقة، لم تكن سوى قطعة من الزمن، معلقة بين صخب العالم وسكون القلب.

‎أشجارها نحيلة لكنها شامخة، كأنها تحفظ أسرار المراهقين والعشاق والغرباء الذين جلسوا على مقاعدها ذات يومٍ ليهربوا من شيء ما.

‎لكن أكثر ما لفت انتباهها...

‎تلك الشجرة.

‎شجرة الياسمين.

‎شجرة لم تكن فقط عطرة، بل كانت امرأة عجوزًا واقفة، تُشرف على كل اللقاءات، تحكم على كل نوايا البشر برائحة صادقة لا تكذب.

‎تحتها كان تشاي.

‎قميصه الأبيض يلمع قليلًا، لكنه لم يكن جديدًا.

‎في يده قارورة ماء، وفي عينيه قلق لم يُولد بعد.

‎ابتسم لها كأنه ينتظرها منذ الشتاء الماضي.

‎آني: (بصوت خافت) "أهلاً..."

‎تشاي: (ابتسامته لا تتغير) "مرحبًا بكِ."

‎تقدمت وجلست على المقعد الخشبي أمامه.

‎كان المقعد يميل قليلًا.

‎كأن الذكريات أثقلته.

‎جلس بجانبها، دون أن يقترب كثيرًا.

‎المسافة بينهما... آمنة.

‎تشاي:

‎"لم أتوقع أن تأتي فعلاً."

‎ثم ضحك بخفّة:

‎"أنتِ تشبهين المطر... لا يُؤخذ بكلامك أبدًا."

‎آني: (تبتسم)

‎"وأنت تشبه البرق... دائمًا يظهر فجأة، ويخيفني قليلًا."

‎ضحكا.

‎ثم صمت قصير.

‎آني:

‎"تعرف، هذا المكان... يجعلني أفكر بجيراني.

‎ناس طيبون، جدًا.

‎السيدة فريدة دائمًا تعطيني خبزًا ساخنًا، حتى لو لم أطلب.

‎والحاج رمضان يحرص على أن ينظف الممر بنفسه، رغم كبر سنه.

‎كل أحد عندنا مثل عائلة صغيرة."

‎تشاي: (يضحك ساخرًا)

‎"أوه... لا تقولي جيران، من فضلك.

‎أنا أسكن الآن في شقة مؤجرة، غرفة صغيرة،

‎والذين أمامي... لا يُطاقون.

‎المرأة تصرخ على أطفالها من الخامسة صباحًا كأنها تشن حربًا،

‎والرجل... آهه، ذاك الرجل يطبخ شيئًا يشبه الأسفلت المحروق كل ليلة."

‎آني: (تضحك)

‎"ربما هو عالم كيميائي سرّي؟"

‎تشاي: (يقلد صوت عجوز حاد)

‎"لا، هو فقط يعتقد أن الزيت يجب أن يموت قبل أن يُستعمل."

‎انفجرا بالضحك.

‎آني:

‎"رغم هذا... أحيانًا أحسدك."

‎تشاي: (يرفع حاجبه)

‎"تحسدينني؟ على ماذا؟"

‎آني:

‎"على وحدتك.

‎أنت لا تُحاسَب من جدّة،

‎ولا يسألك أحد: 'متى تعود؟'

‎ولا يقول لك أحد إن الوقت متأخر حتى لو كانت الساعة الخامسة مساءً."

‎تشاي: (بهدوء)

‎"لكن تلك الأسئلة... تعني أن أحدًا يهتم.

‎أما أنا، فحتى النادل لا يتذكرني حين أطلب قهوتي."

‎صمت.

‎ثم رفعت آني نظرها إلى السماء، كانت الزهور فوقها تتساقط بلطافة، وكأنها تشاركهما الحديث.

‎آني:

‎"أحيانًا أشعر أنني أعيش بين حنان زائد... وخنق بطيء."

‎تشاي:

‎"وأنا أعيش بين حرية كاملة... ووحدة باردة."

‎صمت آخر.

‎صمت كالخيط بينهما.

‎لا أحد أراد قطعه.

‎لكن لا أحد أراد شده أكثر أيضًا.

‎تشاي: (ينظر إليها)

‎"تعرفين... أعتقد أن الجيران مرآة.

‎هم مجرد انعكاس لمزاجنا في تلك اللحظة.

‎الذين يزعجونني الآن، قد يضحكونني لاحقًا.

‎والذين تحبينهم، ربما يخيبون ظنك غدًا."

‎آني:

‎"وهل أنا مرآة أيضًا؟"

‎تشاي:

‎"أنتِ؟

‎أنتِ نافذة.

‎عندما أنظر من خلالها... أرى نفسي من زاوية مختلفة."

‎أدارت وجهها بسرعة.

‎ليست خجولة... لكنها شعرت بشيء يتحرك داخل قلبها.

‎الياسمين تساقط أكثر.

‎كأن الشجرة نفسها خجلت.

‎ثم قالت آني فجأة:

‎– "هل تعرف؟ انت لم يقل لي شيئًا كهذا من قبل."

‎تشاي لم يردّ فورًا.

‎فقط ابتسم، وحدّق في زهرة على الأرض،

2025/08/04 · 4 مشاهدة · 936 كلمة
onitchannn
نادي الروايات - 2025