آني صمتت.

‎نظرت إلى الأرض...

‎ثم إلى يده.

‎يده كانت قريبة، لا تلمس يدها، لكنها تعرف، لو تقدّمت فقط نصف إصبع، ستلتقي يدهما.

‎النصف الآخر... هو الخوف.

‎الهواء صار ألين.

‎كل شيء صار أبطأ.

‎حتى أصوات العصافير بدت وكأنها تهمس عمداً لتفسح لهما المجال.

‎تشاي لم يتحرك.

‎كأنه ترك كل شيء لها.

‎القرار، اللحظة، وحتى المستقبل.

‎قالت آني بصوت خافت، كأنها تغني:

‎– "لم أكن أعرف أن الحديث معك... قد يجعلني أهدأ هكذا."

‎ابتسم.

‎– "أنا لم أكن أعرف أن الجلوس بجانبك... يجعلني أصدق أن هناك أملًا صغيرًا."

‎ضحكت.

‎ضحكت تلك الضحكة التي تشبه قطرة مطر تسقط على خد صيفي ساخن.

‎– "هل أنت دائمًا شاعر هكذا؟"

‎قال وهو ينظر إليها مباشرة:

‎– "فقط معكِ."

‎هنا، حدث شيء لا يُوصف.

‎آني أدارت وجهها نحوه...

‎وتلاقت عيونهما.

‎لا موسيقى، لا مؤثرات سينمائية.

‎فقط نظرة.

‎نظرة حقيقية.

‎عارية من الدفاعات، من الأقنعة، من الشك.

‎ثم…

‎تحركت يدها ببطء.

‎ببطء مجنون.

‎لم تقل شيئًا.

‎لكنها، دون أن تنتبه حتى، لامست أصابعه.

‎شيء بسيط.

‎لم تمسك يده.

‎فقط لمستها… كأنها تطرق الباب دون أن تدخله.

‎هو لم يسحبها.

‎بل أدار يده، وقلب كفه نحوها،

‎ثم ترك راحته مفتوحة…

‎دعوة.

‎وضعها بلطافة على يدها.

‎لم يضغط.

‎لم يشدّ.

‎بل تركها هناك، كما لو أنه يقول:

‎"أنا هنا، لا أكثر، لا أقل… ولكن تمامًا."

‎آني شعرت بشيء غريب…

‎كأن كل الجروح التي لم تتكلم عنها يومًا، هدأت فجأة.

‎كأن صوت قلبها لأول مرة، صار له صدى في صدر شخص آخر.

‎تنهّدت.

‎تشاي نظر إلى الزهرة المتساقطة على شعرها، لم يمدّ يده، لم يلمسها، فقط قال:

‎– "هناك ياسمينة على شعرك…"

‎آني مسحتها وهي تضحك:

‎– "أنتظر أن تقول لي: 'أنتِ الزهرة.'"

‎قال وهو يغمض عينيه:

‎– "أخشى أن أقولها، فتصدّقيني."

‎آني نظرت إليه.

‎نظرت طويلًا.

‎ثم قالت دون صوت:

‎"صدّقتها."

‎يداهما ما زالتا متشابكتين، لا بقوة، بل بخفة.

‎كأن الزمن لا يجرؤ أن يقطع هذا التماس، كأن الكون يحبس أنفاسه.

‎لكن تشاي نظر إلى الأفق، شيء داخله بدأ يهتز،

‎تردّد… ثم قالها، كمن يخلع قلبه ويضعه أمامها على الطاولة:

‎– "آني…"

‎نظرت إليه بسرعة.

‎نبرة صوته… ليست كالمعتاد.

‎– "سأرحل… بعد ثلاثة أيام."

‎الصمت لم يكن مجرد فراغ.

‎بل صرخة حادة غير منطوقة.

‎آني لم تفهم أولًا.

‎رمشت، ثم استوعبت.

‎– "ماذا؟ إلى أين؟"

‎– "العمل... طلب مني أن أكون في باريس لفترة طويلة. سأعود هناك، أبدأ في مشروع جديد. فرصة لن تتكرر."

‎ضحكت آني ضحكة منكسرة، ثم أخفضت رأسها.

‎– "جميل... وجدتُ من يفهمني، من أرتاح معه… وسيرحل."

‎تشاي لم يحاول تبرير شيء.

‎بل ضغط على يدها بخفة وقال:

‎– "سأعود. كل شهر، يومان أو ثلاثة، وأول من سألقاها… ستكونين أنتِ.

‎وأريد أن نستمر… أنتِ وأنا.

‎حتى ولو عبر المسافات."

‎آني لم تبكِ.

‎لكن وجهها… كان مبللاً بالحزن.

‎– "أنا فقط… خفت.

‎خفت أنك ستكون ذكرى حلوة وقصيرة.

‎وأنا تعبت من الذكريات."

‎اقترب منها قليلاً، رفع يدها بلطافة، قبّلها، ثم همس:

‎– "لن أكون ذكرى.

‎سأكون عادة.

‎كالقهوة في صباحاتك."

‎آني ابتسمت رغم الدمع في صوتها.

‎ثم فجأة، وكأنها هربت من الحزن نحو الأمل، قالت:

‎– "إذن… غدًا.

‎تعال لبيتنا."

‎تفاجأ:

‎– "إلى بيتكم؟"

‎– "نعم، لتقابل جدتي…

‎أريد أن تعرف من هو الشخص الذي يجعلني أبتسم بهذه الطريقة."

‎ضحك:

‎– "هل ستقدّمين لي قهوة جدتك؟"

‎– "ربما شاي... ربما حساء... لا أحد يعرف، هي مزاجية."

‎– "وأنا؟ هل سأُعجبها؟"

‎آني نظرت له نظرة طويلة، ثم قالت:

‎– "لا يهم.

‎أنا أعجبت بك، وهذا يكفي."

‎تشاي أومأ برأسه، ببطء، كأن قلبه يتعلّم شيئًا جديدًا في تلك اللحظة.

‎– "سآتي غدًا… عند العصر.

‎سأرتدي قميصي الجميل."

‎– "قميصك الوحيد؟"

‎– "بالضبط."

‎ضحكا معًا.

‎شجرة الياسمين أسقطت زهرة أخرى،

‎كأنها تختم الحديث بختمها الأبيض.

2025/08/04 · 4 مشاهدة · 646 كلمة
onitchannn
نادي الروايات - 2025