في الممر الشرقي من المتاهة، حيث الجدران مغطاة بطبقة من الطحالب السوداء، والرائحة هناك كثيفة كالدخان، كان سيبرو يسير…

‎خطواته بطيئة، رأسه مائل قليلًا كأنه يستمع إلى أنفاس الجدران نفسها.

‎على ظهره حقيبة جلدية ضخمة، منفتحة قليلًا، بداخلها عشرات القوارير الصغيرة، كل واحدة بلون ورائحة مختلفين… وكل واحدة تحمل موتًا مختلفًا.

‎> "مسرح الروائح السامة" تعلمها من معلم في طريق ( مثلما تعلم سون)

‎قدرة على مزج أي ثلاث روائح قاتلة في لحظة، لتكوين "سيناريو موت" خاص بالخصم، حيث تُهاجم الرئتين، الدماغ، والأعصاب في وقت واحد.

‎لكنه لم يكن وحده…

‎من بين الظلال، تقدمت ثلاثة أرواح ضخمة، أطرافها ملتوية وكأن العظام بداخلها تنمو في الاتجاه الخاطئ، وجلودها مليئة بثقوب صغيرة تتساقط منها قطرات زيت أسود.

‎وراءهم، طفل واحد فقط، لكن وجهه كان مغطى بقناع من الطين، وعيناه من خلفه تلمعان كقطعتين من زجاج مصهور.

‎ابتسم سيبرو ببطء، وكأنه كان ينتظرهم منذ بداية الاختبار.

‎فتح الحقيبة، وأخرج ثلاث قوارير:

‎الأولى بلون أخضر شاحب.

‎الثانية بلون بنفسجي قاتم.

‎الثالثة بلا لون… شفاف، لكنها تهتز من تلقاء نفسها.

‎في لحظة، فتح القوارير الثلاثة معًا…

‎الرائحة الأولى كانت كالطين الفاسد، الثانية مثل أزهار جميلة لكنك تشعر أنها تخنقك، الثالثة لم تشمها، بل شعرت بها كإبرة في أعصابك.

‎الهواء تغير.

‎حتى الأرواح توقفت لجزء من الثانية، كأنها شعرت أن المكان أصبح غير صالح للوجود.

‎الطفل خلفهم بدأ يتراجع ببطء، لكن الأوان كان قد فات…

‎الهجوم بدأ.

‎سيبرو لم يتحرك من مكانه، لكنه أطلق قنينة رابعة في الجو، وعندما اصطدمت بالجدار، انفجرت في سحابة رمادية خفيفة، لا لون لها… لكنها قتلت الضوء.

‎نعم، قتلت الضوء… الممر كله أصبح مظلمًا، إلا من وميض العيون الثلاثين التي تنتمي للأرواح.

‎ثم جاء الصوت…

‎لم يكن صوت سيف أو طلقة، بل صوت التنفس، أنفاس ثقيلة تخرج من كل مكان، تدور حولهم، تقترب، تختفي، ثم تعود فجأة من خلف رقابهم.

‎الأرواح الثلاثة هجمت دفعة واحدة، أذرعها الطويلة تتأرجح كالسياط، لكن سيبرو تحرك أخيرًا… بخطوة واحدة للأمام.

‎لم يكن سريعًا، لكنه كان في المكان الصحيح تمامًا، حيث اجتمعت كل الروائح القاتلة في نقطة واحدة، وتحولت إلى دوامة تراها بالعين، تدور بسرعة وتشفط كل شيء نحوها.

‎الطفل بدأ يصرخ، لكن صوته خرج مشوهًا، وكأن حنجرته تذوب، الأرواح بدأت تتحرك ببطء شديد، ثم توقفت، أجسادها ترتعش، والسائل الأسود يتساقط من ثقوبها كأنها تنزف من الداخل.

‎سيبرو فتح قنينة جديدة، رائحتها تشبه المطر على الحديد الصدئ، لكنها بمجرد أن امتزجت بالهواء، بدأت العروق على وجوه الأرواح تنتفخ، وعيون الطفل تحولت إلى بياض كامل.

‎ثم، وبخطوة أخرى، أخرج خنجراً قصيرًا من جيبه، مقبضه ملفوف بجلد قديم، وبدأ يتحرك بين الأرواح بسرعة جعلت الظلال نفسها تتأخر عن جسده، يطعن في أماكن غريبة: خلف الرقبة، تحت الإبط، بين الضلوع…

‎كل طعنة كانت تجعل الرائحة أقوى، حتى أصبحت الغرفة كلها مثل معدة وحش يتقيأ السم.

‎المشاهد في غرفة المراقبة كانوا يضعون أيديهم على أفواههم، ليس لأنهم يشمون الرائحة، بل لأن عقولهم تخيلتها، وبدأ بعضهم يشعر بالغثيان.

‎إحدى المشرفات وضعت يدها على جبينها وقالت:

‎> "هذا ليس قتالاً… هذا عرض إعدام كيميائي."

‎الأرواح الثلاثة سقطت في وقت واحد، أجسادها تذوب في برك من الزيت الأسود، والطفل سقط على ركبتيه، يحاول أن يتنفس، لكنه لم يجد هواءً… فقط سم.

‎سيبرو اقترب منه، انحنى، وهمس:

‎> "هذه النهاية… ليست لأنك ضعيف، بل لأنك تنفست أنفاسي."

‎ثم أدار ظهره، وأغلق القوارير، وعاد الممر ليتنفس من جديد…

‎لكن كل من شاهده في المراقبة لم يجرؤ على التنفس لثوانٍ طويلة بعده.

‎في ممر مظلم من المتاهة، حيث لا يُسمع إلا صدى الأنفاس الثقيلة، اصطدمت عينا آلما بسيبرو لأول مرة.

‎الضوء الخافت من سيوفها الأربعة تصادم مع الظلال الكثيفة المنبعثة من قوارير سيبرو السامة، وكأن المعركة بدأت قبل أن تُطلق أي ضربة.

‎آلما، بثبات لا يلين، رفعت سيوفها الأربعة في حركة دائرية، كل ضربة منها تضيء الممر كنجمة مولودة حديثًا.

‎أما سيبرو، فبهدوء قاتل، فتح قنينة جديدة وأطلق منها رائحة قادرة على شل الحواس، سحابة قاتلة تدور حولهما، تتغلغل بين ألياف جسديهما.

‎تقدم سيبرو خطوة واحدة، وهو يبتسم:

‎"لن تكون رقصة ناعمة، آلما."

‎لكنها ردّت فورًا، بضربة واحدة، اربعة سيوف تشق الهواء، تضرب القنينة التي في يد سيبرو، فتتناثر القطع والزجاج، ويندلع شرر قاتل حولهما.

‎الهواء امتلأ بعبير السم، ووميض النور، والأصوات أصبحت أقرب إلى دوي قنبلة مدمرة، كل حاسة في جسدهم تصارع للبقاء.

‎تبادلا الهجوم والدفاع، سيوف آلما تومض في أرجاء الغرفة، بينما رائحة سيبرو تتشكل في أشكال مرعبة، كالأفاعي التي تحاول لدغ روحها.

‎لكن فجأة، تصاعدت سرعة القتال إلى مستويات لا يمكن وصفها،

‎خمسون ضربة في الثانية، قنابل روائح تنفجر في كل زاوية، صراخ، ووميض، ودخان…

‎وهنا، فجأة، انفجرت قنينة ضخمة خلف سيبرو، لم يتوقعها، ولفت انتباهه، ما أعطى آلما فرصة للاقتراب…

‎وقفا وجهاً لوجه، الأدرينالين يملأ عروقهما، لا يعرف أحد من سيفوز، ولا من سينهار أولاً،

‎كانت أصوات السيوف والرشقات السامة تعلو في ممرات المتاهة الضيقة، حيث تلتقي أنفاس آلما وسيبرو في رقصة موت متقنة.

‎النور يتشظى من سيوفها الأربعة، يغسل جدران المستشفى المظلمة، والرائحة القاتلة التي تنفثها قوارير سيبرو تتغلغل في رئتيه وتنقض عليه كوحش جائع.

‎ثم، فجأة، بدأ الجو يتغير،

‎صوت خافت لكنه متصاعد كالنفير، يخرج من العدم نفسه،

‎ثم ظهرت أرواح مشوهة، كتل من الظلال المتحركة، لها مخالب طويلة تتلألأ كالشفرة

‎الأرواح انطلقت نحوهما، تارةً تتجه للقتال مع آلما، وتارةً تهاجم سيبرو، كأنها تصارع لفرض سيطرتها على الأرض التي يخوضونها.

‎آلما رمت سيوفها الأربعة في هجوم طوفاني، تهزم بها أولى الأرواح، كل ضربة تفجّر نورًا أبيضاً، لكنها لم تتوقف طويلاً قبل أن تتجنب شظايا قنينة سم انفجرت بجانبها من يد سيبرو، الذي كان يستغل كل فرصة ليطلق رذاذ سم قاتل في الهواء

‎في وسط الفوضى، تصادم الاثنان مرة أخرى، هذه المرة بقوة أكبر، لكن الأصوات العالية للمعركة لم تخفي همسات الأرواح التي تزداد شراسة، تتزايد في عددها، تحاصرهم… تحاصرهم من كل اتجاه.

‎آلما، مع كل حركة سريعة من سيوفها، كانت تُحدث تمزقات في الأرواح، لكنها أيضًا كانت تتجنب السكاكين والرذاذ السام الذي يطلقه سيبرو.

‎سيبرو، من جانبه، كان يبدع في إطلاق خليط من الروائح، يمزج بينها لتوليد تأثيرات جديدة: رائحة تجعل الأرواح تلتصق بالأرض، وأخرى تسبب عذابًا حارقًا في العيون.

‎فجأة، وسط معركة ضارية، وقعت انفجار ضخم في إحدى الزوايا، وتهاوت مجموعة من الأرواح فوق كليهما.

‎في لحظة حاسمة، التفت آلما إلى سيبرو وقالت بصوت متهدج لكنه صارم:

‎"ليس هذا وقت القتال بيننا، أرواح المتاهة تحاصرنا."

‎رد سيبرو بابتسامة متهكمة:

‎"إذًا دعينا نرقص معهم، حتى النهاية.

‎ثم، بتنسيق غريب، لم يتوقف القتال بل أصبح ثلاثي الأبعاد: قتال بينهم، وضد الأرواح، وأحيانًا حتى محاولة الهروب من هجمات الأرواح المفاجئة.

‎آلما، بأربع سيوفها، ضربات متتالية بلا رحمة، تقطع الأرواح وتجعلها تتلاشى في الهواء، في حين كان سيبرو يرمي القناني واحدة تلو الأخرى، كل منها تخلق دوامة قاتلة من الروائح.

‎العرق والدم والنور والسم امتزجوا في الجو، الأدرينالين وصل إلى ذروته، حتى أن بعض الحاضرين في غرفة المراقبة بدأوا يتلوون من شدة التوتر.

‎المعركة لم تترك مجالًا للتوقف،

‎الدماء تتطاير، والظلال تتلاشى،

‎لكن، في كل مرة يعتقدون أنهم استعادوا زمام المبادرة، كانت الأرواح تعود بقوة أكبر، وذكاء أكثر، وكأن المتاهة نفسها تحارب من أجلها.

‎وفي ذروة الصراع، توقفت آلما للحظة، التقطت أنفاسها، لكن عيناها بقيتا مركزة، تراقب حركة سيبرو والأرواح التي تحاصرهم

‎الوقت ينفد، والخيار الوحيد هو إما الانتصار أو الاختفاء في ظلام هذه المتاهة للأبد.

‎وسط دوامة القتال والصراعات المشتعلة، بدأت المتاهة تتنفس ببطء، كما لو أنها كائن حي يملك إرادة.

‎الجدران المضيئة التي كانت تتلوّن بنيران سيوف آلما وقناني سيبرو بدأت تتحرك، تتشقق، وتنمو، لتغلق الممرات واحدة تلو الأخرى

‎صرخ الأطفال مختلطي الألسنة، فقد تفرقوا فجأة، كلٌ في زقاق مختلف، لا يعرف أحد كيف وقع الانفصال.

‎أصوات الأرواح اختفت فجأة، وكأنها تلاشت في الهواء، أو ربما سُحبت بعيدًا إلى مكان مجهول.

‎في غرفة المراقبة، وقف صوت بلاك داون حادًا كالصقر:

‎> "ساعة راحة لا أكثر.

‎أنتم، المختبرون، ستحصلون على فرصة لإعادة تنظيم أنفسكم،

‎أما الأرواح، فقد أُجبرن على الانسحاب مؤقتًا.

‎لا تظنوا أن المتاهة ستسمح لكم بالراحة أكثر من ذلك."

‎الجدران المتحركة أدت إلى عزل الأطفال، بعضهم وجد نفسه في غرف صغيرة خالية من أي مخرج واضح،

‎والبعض الآخر في ساحات مغلقة تبدو وكأنها سجن من نور وظلال متشابكة.

‎آلما وجدت نفسها وحيدة في غرفة واسعة، لكن الصوت المنبعث من الجدران يخبرها أن الراحة مؤقتة، وأن كل ثانية تظل فيها ساكنة ستكلفها غالياً.

‎سيبرو وقف في ممر مظلم، قواريره الثلاثة الباقية في يده، مستعدًا لاستخدام مهارته في أي لحظة، كالصياد الذي يراقب فريسته من الظلال.

‎الصمت يخيم على المكان، لكنه صمت مشحون بتهديدات قادمة،

‎وكأن المتاهة تهمس لهم:

‎> "استعدوا،

‎الجنون لم ينتهِ،

‎واللعبة ما زالت في بدايتها."

2025/08/06 · 2 مشاهدة · 1418 كلمة
onitchannn
نادي الروايات - 2025