في نفس الوقت لكن في المنظمة الافريقية
( منظور أكاي)
أشعلت السيجارة كما لو كنت أُشعل قنبلة زمنية…
الدخان ارتفع، وارتسم في الهواء شكل دائرة، وفي منتصفها اسمٌ واحد:
> "أودجين."
ابتسمت.
ليست ابتسامة نصر، ولا ابتسامة تهديد… بل ابتسامة من يعرف أن النهاية مكتوبة منذ البداية، وأنه هو من كتبها.
خمسة سنوات مضت منذ جلست على هذا الكرسي، كرسي قائد المنظمة الإفريقية.
لكن الحقيقة؟
هدفي لم يكن يومًا خدمة السيد، ولا خدمة المنظمة الإفريقية، ولا حتى رفع راية الجريمة المنظمة.
هدفي كان شيئًا واحدًا… الانتقام.
الانتقام من المنظمة الأمريكية…
ومن عائلة أودجين، التي تظن أن دماء الناس مجرد أحبار في دفتر أرباحها.
أعود بذاكرتي خمسة عشر عامًا إلى الوراء…
كنت في الخامسة عشرة من عمري، صبيًّا أحمق يحلم بأن يصبح قاضيًا.
كنت أحلم أن أرتدي ذلك الروب الأسود، وأن أقف في المحكمة، وأرفع صوتي بالعدل…
لكن العدالة في هذا العالم كانت كذبة، وأنا كنت الساذج الذي صدقها.
أتذكر تلك الليلة التي حطمت حياتي…
أبي، الرجل الذي علّمني أن لا أنحني، كان أحد المقاعد في المنظمة الأمريكية.
لم يكن مجرد موظف… كان عقلاً مدبرًا، وذراعًا ضاربة.
لكنه، وبجرأة نادرة، قرر أن يستقيل.
أراد أن يترك هذا المستنقع… أن يحيا حياة نظيفة، بعيدًا عن الدماء.
لكن المستنقع لا يسمح لأحد بالخروج…
أرسلت المنظمة الأمريكية قاتلة… ليست أي قاتلة.
أرسلت ما يسمونه "وحش أودجين"، تلك المرأة التي لا تترك خلفها جثثًا… بل أشباحًا.
قتلت أبي أمام عيني… والسبب؟
استقالته.
لا أكثر.
أبي لم يكن عضوًا عاديًا… كان من أخطر رجال عصابة ذئاب الليل، العصابة التي كانت أسطورة في عالم الجريمة، والمسيطرة على نصف تجارة السلاح في الكوكب.
ومع ذلك… سقط بضربة واحدة، لأن من خانته لم تكن الرصاصات… بل البشر.
في تلك اللحظة، مات القاضي الذي بداخلي، وولد شيء آخر…
شيء لا يحلم بالعدالة، بل بالانتقام.
سنتان فقط بعد ذلك، كنت قد التحقت بعصابة ذئاب الليل.
لم يكن دخولي صدفة… بل كان اختبارًا.
اختبارًا لأرى إن كان في دمي ما يكفي من السواد لأبقى.
وأبقيت.
لم أكن عضوًا عاديًا… كنت أقوى رجل في العصابة خلال أقل من عامين.
دماء، شوارع، أسلحة، صفقات… كنت أتعلم لغة الجحيم، وأتقنها.
ثم جاءت خطوتي التالية…
بخبرتي، ودهائي، تسللت إلى المنظمة الإفريقية كجاسوس لذئاب الليل.
كنت أمد العصابة بكل ما تحتاجه من معلومات: شحنات، أسماء، تحركات.
ولأن العالم يحترم من يطعمه بالدم، كسبت ثقة السيد نفسه، رئيس المنظمة الأمريكية.
تعرفت على السيد… وعلى باقي المقاعد التسعة الذين يحكمون المنظمة الأمريكية من الظل.
سبع سنوات من التمثيل المتقن… سبع سنوات كنت فيها الابن المخلص، حتى منحتني المنظمة المقعد السادس، ووضعت تاج المنظمة الإفريقية على رأسي.
لكن… هذا لم يكن التاج الذي أردته.
التاج الذي أريده هو رأس "وحش أودجين"… ورأس السيد الذي أمرها.
كنت أنتظر… أنتظر أول خيط حقيقي يقودني إليهم.
واليوم…
أمسكت بالخيط.
الخيط لم يكن سلاحًا، ولا وثيقة، ولا اسمًا في ملف…
كان إنسانًا.
آني…
عصفورتي الجميلة.
ربما يراها الآخرون مجرد فتاة… لكن أنا؟
أنا أرى فيها المفتاح.
مفتاحًا لبوابة ستفتح على جحيم أودجين.
آني ليست عدوة… بل ورقة رابحة.
من خلالها، سأصل إلى حيث لم يصل أحد.
ومن خلالها، سأجعل أودجين نفسها تفتح لي بابها… ظنًّا منها أنها هي من يختار.
رفعت السيجارة إلى شفتي، وسحبت نفسًا طويلًا…
الدخان الذي خرج كان أثقل من الهواء، وكأن ذاكرتي تفرغه من صور الماضي.
أرى وجوههم جميعًا: السيد، المقاعد، وحش أودجين… كلهم يضحكون في وجهي منذ خمسة عشر عامًا.
لكن قريبًا… لن يضحك أحد.
إفريقيا… هذا القارة التي تتنفس الجريمة مثلما تتنفس الغبار، كانت ملعبًا مثاليًا لي.
أرضٌ مليئة بالحروب الأهلية، وتجار الأعضاء، والذهب المسروق…
وأنا كنت القائد الذي يعرف كيف يحوّل هذه الفوضى إلى سلاح.
في الاجتماعات، أبتسم لهم… أقدّم لهم أرقى تقارير النجاح، أريهم الأرباح، وأجعلهم يظنون أنني الرجل الذي يحمل همَّ المنظمة على كتفيه.
لكن في الظل، كل عملية، كل صفقة، كل خطوة… كانت تخدم هدفي وحده.
لم أنسَ ذلك اليوم حين اقترب مني أحد الوزراء من شمال إفريقيا وقال لي:
> "أكاي… لدينا مشكلة اسمها أودجين."
ضحكت في وجهه…
ضحكت لأنني كنت أعرف أن هذه هي اللحظة التي انتظرتها خمسة عشر عامًا.
أودجين؟
لا… إنها ليست مشكلة.
إنها الهدف.
أقف الآن أمام النافذة، أراقب أضواء المدينة وهي تلمع مثل عيون الذئاب في الظلام.
كل ضوء هناك هو رجل… وكل رجل هناك هو رصاصة تنتظر أن أضغط الزناد.
رفعت يدي، ووضعت الخطة الأخيرة على الورق…
سأستعمل آني لتفتح لي أبواب أودجين.
سأدخل كالصديق… وأخرج كالقبر.
ابتسمت…
ليس لأنني سعيد، بل لأنني كنت أعرف أن العد التنازلي قد بدأ.
هم قتلوا أبي…
واليوم، سأقتل كل شيء يحبونه.
— "أودجين… خمس عشرة سنة وأنا أبتسم لكم…
اليوم، حان وقت أن تبتسموا أنتم… للموت."
طرقات الباب كانت هادئة… هادئة لدرجة أنني شعرت بها أكثر مما سمعتها، كأنها لمسة على كتف رجلٍ يعرف أن من يقف خلفه ليس شخصًا عاديًا.
— "ادخل."
فتح الباب… ودخل جاك.
جاك… الرجل الذي إذا قلت إنه صديقي، فذلك لا يعني أنه يعرف كل شيء عني، لكن يكفي أنه يعرف كيف يقرأ صمتي.
وجهه متعب، معطفه مليء بغبار المطارات، ورائحة السفر تسبق خطواته.
— "أوووه… مرحبًا جاك."
— "مرحبًا بصديقي العزيز."
كنت أبتسم، لكن داخلي لم يكن يبتسم… بل كان يتحرك مثل فهدٍ يتهيأ للانقضاض.
جلست على طرف المكتب، وأشرت له بالجلوس، لكنه ظل واقفًا.
— "لماذا تأخرت كل هذا الوقت؟"
— "مطار تونس مكتظ جدًا… تعطلت عند التفتيش، وكان هناك فوضى بسبب رحلات أوروبية ملغاة."
أشرت له بالجلوس مرة أخرى… هذه المرة جلس.
لكن قبل أن أتكلم، سحبت سيجارة، وأشعلتها ببطء، وكأنني أكتب جملة لا أريد لأحد أن يقرأها قبل أن تكتمل.
— "جاك… أنا فعلت شيئًا… والآن لا أدري إن كان صحيحًا أو لا. أظن أنني ندمت."
رأيت عينيه تضيقان، كمن يستعد لسماع شيء لا يريد سماعه.
— "قل لي… ما اللعنة التي فعلتها؟"
أخذت نفسًا من السيجارة، وقلت بهدوء كمن يضع حجرًا في بحيرة راكدة:
— "لقد هددت تشاي أودجين."
اللحظة التي نطقت فيها بالاسم، تغير وجه جاك.
عروقه في العنق شدّت، وصوته خرج كصرخة مكتومة:
— "مـــاذا؟! ألديك عقل لتفعل ذلك؟!"
ابتسمت…
ابتسامة من يعرف أنه أشعل النار في غرفة مليئة بالبارود.
— "اجلس يا جاك… وسأعلمك بكل شيء، وبالضبط ما حدث."
انحنى للأمام، يده تمسك ذراعه كما يفعل حين يكون غاضبًا.
— "أكاي، أنت تعرف جيدًا من هو تشاي. الرجل ليس مجرد قاتل… إنه الحفرة التي يدفنون فيها الأعداء. كل من حاول تهديده… انتهى قبل أن يدرك أنه انتهى."
— "أعرف."
— "إذا كنت تعرف… فلماذا؟"
أطفأت السيجارة في المنفضة، ونظرت إلى النافذة حيث أضواء المدينة تحترق في الليل.
— "لأن تشاي هو بابي إلى وحش أودجين. والباب لا يُفتح بالطرق الخفيف… بل بالركل."
جاك صمت، لكنه لم يهدأ.
— "أكاي… نحن نتحدث عن آلة قتل
ضحكت، لكن الضحكة كانت ثقيلة، كأنها قادمة من مكانٍ عميق جدًا بداخلي.
— "جاك… كل ما فعلته طوال خمسة عشر عامًا كان جنونًا محسوبًا.
عندما انضممت لعصابة ذئاب الليل، قالوا إني أبحث عن الموت.
عندما تسللت إلى المنظمة الإفريقية جاسوسًا، قالوا إني أبحث عن المقصلة.
وعندما صعدت إلى المقعد السادس، قالوا إني أبحث عن العرش المسموم.
لكن… أنا لم أكن أبحث عن أيٍّ من ذلك… كنت أبحث عن هذه اللحظة تحديدًا."
جاك أطرق برأسه، وكأنه يعرف أن الجدال لا ينفع.
— "حسنًا… أخبرني، كيف حدث الأمر؟"