الفصل الأول: النهاية والبداية
♦ ♦ ♦ ♦ ♦ ♦ ♦ ♦ ♦ ♦ ♦ ♦ ♦ ♦ ♦ ♦ ♦ ♦
♦ ♦ ♦
الجزء الأول
في عام 2138، ظهر مصطلح: ل.غ.ج.ت. DMMO-RPG.
ذلك المصطلح اختصار لـ"لعبة الغوص الجماعية التقمصية". يُلعب هذا النوعُ من الألعاب باستخدام جهاز ألعاب مخصص موصول بالدماغ عن طريق تفاعل عصبي نانوّي-
شبكة حاسب نانو داخل الدماغ، صُنعت من اندماج تقنية النانو بتقنية المعلومات. تسمح هذه الألعاب للّاعبين أن يدخلوا عالماً افتراضياً ويعيشون فيه كما لو أنه عالم حقيقي.
من بين عدد لا يحصى من ألعاب الغوص الجماعية، سحبت لعبةٌ واحدةٌ البساط من تحت البقية: ايغدارسيل.
إنها لعبة طُوّرت بجهد جهيد، ونُشرت قبل اثنتي عشرة سنة في عام 2126.
كان عامل الجذب الذي ميّز ايغدارسيل عن باقي الألعاب هو "حرية اللاعب"، ففي اللعبة أكثر من ألفي تصنيف أساسي ومطوّر للأعمال، ولكل تصنيف خمسة عشر مستوى كحد أقصى. لذلك على كل من يريد أن يصل للمستوى المئة أن يلتحق بسبعة تصنيفات على الأقل. يُسمح للّاعب أن يختار ما شاء من التصنيفات بشرط أن يوفِ بمتطلباتِ الالتحاق لكل تصنيف. يمكن أن يلتحق اللاعب حتى بمئة تصنيف، تاركاٌ كل تصنيفٍ في مستواه الأول، إلا أنها طريقة غيرُ فعالة. كما أن تصميم شخصياتٍ متطابقة يكادُ يكون مستحيلا، إلا إذا تعمد أحدهم المحاولة.
أيضا يمكن للّاعب أن يستخدم أدوات تصميم عديدة "تباع بشكل منفصل" حتى يعدّل على درعه، وأسلحته، ومظهره وباقي التعديلات الجمالية.
كونٌ فسيحٌ ينتظر لاعبيه؛ تسعة عوالم أمامهم: آزغارد، ألفايم، ڤاناهايم، مِدغارد، يوتنهايم، نِفلهايم،هيلهايم، وموسبلهيم.
تُقدم اللعبة عالما هائلا، تصنيفات متعددة، ومظاهر قابلة للتعديل الحر.
أشعلت هذه المواصفات روح الإبداع في اللاعبين اليابانيين، وبدأت ما عُرف لاحقاً بالثورة الأسلوبية. كانت ايغدارسيل مشهورة لدرجة أنها أول ما يخطرُ على بال السامع الياباني حين تُذكر عنده ألعاب الغوص التقمصية، لكن كل هذا أصبح من حكايا الماضي الآن.
توسطتِ الغرفة طاولةٌ ضخمةٌ مصنوعة من حجرٍ أسود لامع، وحولها واحدٌ وأربعون كرسيّاً فاخر، معظمها شاغرة. كانت في يوما ما ممتلئة، لكن الآن ليس هنالك غير جالسَين اثنين.
أحدهما كان يرتدي عباءةً أكاديميةً فخمةً وسوداء، ولها أطراف بنفسجية وذهبية. بدت الياقة مبهرجة جدا، ولكنها بطريقة ما تماشت مع باقي الزي. كان مكانَ الرأس جمجمة مكشوفة، ونقطٌ داكنة الحُمرة شعَّت في محاجر العينين الكبيرتين، وخلف الجمجمة توهجت هالة سوداء برَّاقة.
لم يكن الجالس في الكرسي الآخر بشريّاً أيضا، بل كتلة سوداء دبقة. تحركت هيئته التي تشبه القَطِران والْتَوت، لا تمر عليه ثانيتان وهو بنفس الشكل.
الأول كان أوفرلورد- أعلى درجة للسحرة الذين أصبحوا أمواتاً أحياء حتى يتعلموا أقوى التعاويذ. الآخر كان الحَمَأ الأسود الأكبر، والذي يمتلك أعظم قوة أكالة مقارنةً بباقي فروع الأحماء.
قد يجد أحدهم نفسه في مواجهة مع هؤلاء الوحوش في أصعب الدَياميس*. يستطيع من في مرتبة الأوفرلورد أن يُلقي تعويذات قوية من أعلى مستويات السحر، بينما يملك الحمأ الأسود قدرة مخيفة تحطُّ من مستويات الأسلحة والدروع،
لكنهم ليسوا وحوشَ اللعبة بل لاعبيها.
في ايغدارسيل، يُتاح للّاعبين اختيار عرق من بين ثلاثة مجموعات واسعة؛ البشر وأشباههم، أنصاف بشر، ومتغايرو الأشكال.
يعدُّ الصنف الأول النوع الأساسي، ويشمل البشر، الأقزام، إلف الغابة، وما شابه ذلك. أما أنصاف البشر فيبدون قبيحي المنظر، لكنهم يمتلكون قدرات تعلو قدرات البشر وأشباههم. من أمثال أنصاف البشر: الغوبلن، الوحوش، الغيلان، وغيرهم. أخيرا، يملك عِرق متغايرو الأشكال قوى وحشيّة،
ولكن بغض النظر عن قدراتهم التي تتفوق على الأعراق الأخرى، فإنهم يملكون أيضا عوائق عدة. هناك ما يقارب سبع مئة عرق متاح للّعب، شاملا الأعراق المطورة من الأعراق السابقة. بطبيعة الحال، يحتل الأوفرلورد والحمأ الأسود المستوى الأعلى في العرق المتغاير القابل للّعب.
الأوفرلورد- والذي كان يتكلم في هذه اللحظة- لم يحرك فمه. ذلك لأن حتى أكثر ألعاب الغوص تطوراً لم تستطع أن تتجاوز العقبات التقنية لتصميم الشخصيات ومزامنة تعابير الوجه لتوافق الكلام والمشاعر.
"مر زمن يا هيروهيرو-سان. مع أن هذا هو آخر يوم لايغدارسيل، إلا أني لم أتوقع مجيئك."
"بالفعل مر زمن يا مومونجا-سان."
تحدث كلاهما بأصوات رجال بالغين، ولكن مقارنة بصوت الأول، كانت كلمات الثاني تفتقد القوة، أو ربما تفتقد الحيوية.
لم تسجل دخولاً منذ أن غيرتَ عملك في الحياة الواقعية. كم مر من الوقت..سنتان؟
تبدو حسبتك صحيحة. واه، لقد مر زمن طويل.. هذا سيء. عملت لساعات إضافية كثيرة مؤخرا لدرجة أن إحساسي بالوقت أصبح غريب."
"هذا سيء حقا، أليس كذلك؟ هل أنت بخير؟"
"جسدي؟ إنه في حالة سيئة. لم أحتج أن أزور طبيباً، ولكني على وشك ذلك. الحال سيء فعلاً. في كثير من الأحيان أشعر أني أريد الهرب من كل شيء، لكني أتذكر أني بحاجة إلى المال لأعيش، ثم أعود بعدها لعملي كأني عبد مملوك.
"آه-"
طأطأ الأوفرلورد- مومونجا- رأسه وكأنه يقول "لا أستطيع تحمل هذا".
"هذا فظيع."
كرد على تعليق مومونجا، تحدث هيروهيرو حديثاً قاتماً عن واقعٍ لا يمكن تصوره.
كلاهما تذمرا بصوت عالٍ من الحماقات التي واجهتم في حياتهم العملية.
مرؤوسون لا يعرفون كيف يكتبون التقارير، ولا يعرفون التواصل ولا النقاش. جداولٌ تتغير يومياً، رؤساءٌ يوبّخونهم لانخفاض مؤشر الأداء، العمل لساعات متأخرة كل يوم حتى أنهم لم يعودوا يذهبون إلى منازلهم، زيادة الوزن بسبب أسلوب الحياة غير المنتظم، وازدياد الأدوية التي يحتاجون أخذها كل يوم.
توالت أحزان هيروهيرو كأن السد عنها انفجر، وكان مومونجا له آذاناً صاغية.
يتجنب كثيرٌ من الناس مناقشة الحياة الواقعية في العالم الافتراضي. أمرٌ معتادٌ ألا يرغب الناس بالتحدث عن واقعهم في الألعاب، لكن الأمر مختلف بالنسبة لهذان الاثنين. النقابة التي ينتمون إليها- مجموعة أنشأها ويديرها لاعبون. آينز أول غاون- شرطان على أعضائها أن يلتزموا بهما. الشرط الأول هو أن يكون العضو موظفاً في مجتمعه. الثاني هو أن يلعبوا بشخصيات متغايرة الأشكال.
بسبب هذه القوانين، تدور معظم أحاديثهم عن وظائفهم في الحياة الواقعية. أي عضو كان ليسأل عن أمور مشابهة، لذلك تُعد هذه المحادثة بين الاثنين أمراً معتادا في النقابة. بعد ما يقارب عشرة دقائق، جف سيل الكلمات الذي نبع من هيروهيرو وتحول إلى قطرات.
".. أعتذر لأني جعلتك تستمع إلى شكاويّ. لا أستطيع التذمر كثيرا في الحياة الواقعية."
مال المكان الذي يفترض به أن يكون رأس هيروهيرو، كأنه ينحني في اعتذار.
لهذا رد مومونجا:
"لا تقلق بشأن هذا يا هيروهيرو-سان. أنا من جعلك تسجل دخولك بالرغم من مشاغلك،
لذلك من المتوقع أن أستمع لشكواك. سأصغي لكل ما تقول، كثيرا كان أم قليل."
بدا على هيروهيرو أنه استعاد جزءا من حيويته المعهودة، وبضحكة متَّقدة قال:
"آه، أنا ممتن لهذا يا مومونجا-سان. أنا سعيدٌ لأنني قابلت صديقاً بعد التسجيل."
"أنا فرحٌ جدا لسماعك تقول هذا أيضا."
".. إلا أن وقت تسجيل خروجي اقترب."
اهتزت مجسات هيروهيرو في الهواء، كأنه يعمل على شيء ما. بالطبع، إنه يحرك القائمة.
"أنت محق، تأخر الوقت كثيرا.."
"أنا آسف بشأن هذا يا مومونجا-سان."
تنهد مومونجا، كأنه أراد ألا يشعر هيروهيرو بالندم في قلبه.
"حسنٌ، إن كانت الأمور هكذا فالوضع مؤسف.. الوقت الممتع يمر بسرعة."
" وددت حقاً لو بقيتُ معك حتى النهاية، ولكني على وشك النوم."
"آه، أنت تبدو متعباً فعلا. إذن عليك أن تسجل خروجك وتحظى بنوم جيد."
"أنا حقاً آسف يا مومونجا-سان. بالمناسبة، إلى متى تنوي البقاء يا زعيم النقابة؟"
"أنوي البقاء هنا حتى يُسجّل خروجي تلقائياً عندما تُغلق الخوادم، وبما أن ذلك لن يحدث إلا بعد فترة طويلة، ربما سيأتي أحدهم في الوقت الحالي."
"هكذا إذن.. مع هذا لم أتوقع أن يبقى هذا المكان محفوظا بعناية."
في هذه اللحظة، كان مومونجا ممتناً لأنه لا يستطيع إظهار مشاعره. لو كان يستطيع، لرأى هيروهيرو وجهه المتجهم. قرر مومونجا حينها أن يلتزم الصمت، لأنه يعلم أن صوته سيفضح مشاعره التي يحاول كتمانها حتى لو أخفاها وجهه.
لقد بذل جهداً عظيماً ليبقي النقابة ثابتة لأنه أسَّسها مع الجميع، ولكن سماعه لمثل هذه الكلمات من أحد أعضاء نقابته أولج في صدره شعورا معقد، ولكن هذا الشعور انقشع كالضباب حين أكمل هيروهيرو حديثه.
"لا شك أنك أبقيت على النقابة بصفتك قائدها حتى نستطيع نحن أن نرجع لها في أي وقت يا مومونجا-سان"
شكرا جزيلا لك."
".. إنها نقابة شارك الجميع في تأسيسها، وعملي باعتباري القائد هو أن أُبقي عملها مستمرا حتى يستطيع الأعضاء أن يعودوا متى ما شاؤوا."
"أجل. حظينا بالمتعة في اللعبة لأنك كنت رئيس نقابتنا يا مومونجا-سان.. أتمنى حين نلتقي مرة أخرى، أن يكون لقاؤنا في ايغدارسيل الثانية."
"لم أسمع شيئاً عن لعبة ثانية.. ولكن كما قلت، سيسعدني لو استطعنا أن نلتقي هناك."
"سأتطلع لذلك اليوم! إني أتصارع مع النوم.. أظن أني سأسجل خروجي أولاً. أنا فرحٌ لأنني تمكنت من مقابلتك في النهاية. تصبح على خير."
"..."
أراد مومونجا أن يقول شيئاً، لكنه تردد قليلاً ثم قال:
" أنا سعيدٌ جداً لأني قابلتك أيضا. تصبح على خير."
ظهر رمز مبتسم قرب رأس هيروهيرو. لأن الشخصيات في ايغدارسيل لا تستطيع أن تظهر مشاعرها على وجهها، استخدموا الرموز التعبيرية نيابة عن ذلك.
تحكم مومونجا بواجهة بياناته وأظهر رمزا مبتسما مشابه.
كانت آخر كلمات هيروهيرو هي " لنتقابل ثانيةً في مكان ما."
- وهكذا اختفى آخر عضو من أعضاء النقابة الثلاثة الذين سجلوا دخولهم الليلة.
هبط الصمت مرة أخرى- وكأن أحداً لم يكن هنا من البداية. لم يبقَ شيءٌ خلفهم.
نظر مومونجا إلى المكان الذي كان يجلس فيه هيروهيرو، وتمتم بالكلمات التي أراد أن يقولها.
"اليوم هو آخر يوم للّعبة، وأعلم أنك متعب، ولكننا لن نحظى بفرصة كهذه مرة أخرى. لم لا نبقى معاً هنا حتى نهاية-"
بالطبع لم يسمع ردا لأن هيروهيرو قد عاد إلى الواقع.
"هاه"
خرجت تنهيدة مومونجا من أعماق قلبه.
في النهاية، كان أمراً جيداً أنه لم يقل ذلك لهيروهيرو.
أثناء حوارهم القصير، عرف كم كان هيروهيرو منهكاً من خلال صوته فقط، وبالرغم من تعبه، رد هيروهيرو على رسالته البريدية الإلكترونية وسجل دخوله في آخر يوم لايغدارسيل قبل أن تُغلق. عليه أن يكون ممتناً لهذا فقط، فلو طلب منه البقاء معه، لن يكون شخصاً غير متفهم فحسب، بل سيسبب له المتاعب أيضا.
حدق مومونجا بالكرسي الذي شغله هيروهيرو، ثم التفت لينظر إلى الكراسي التسعة وثلاثين الباقية، تلك كانت الأماكن التي جلس فيها رفاقه. بعد أن أدار نظره حول الطاولة، التفت مومونجا مرة أخرى إلى مكان هيروهيرو.
""لنتقابل ثانيةً في مكان ما..هه" لنتقابل ثانيةً في مكان ما.
أراك لاحقا.
سمع هذه الكلمات من قبل عدة مرات، لكنها لم تتحقق قط، لم يعد أحد يوما إلى ايغدارسيل.
"متى وأين سنتقابل مرة ثانية-"
اهتزت كتفا مومونجا بشدة، وانهلّت الكلمات التي لم يعد يقدر كتمانها.
ضرب الطاولة بيديه وصرخ: -هل تعبثون معي؟!
اعتبر نظام ايغدارسيل حركته هذه على أنها هجوم قتالي، وبدأ الحسبة المعقدة لقوة هجمة مومونجا بيديه العاريتين وقوة دفاع الطاولة ليحدد مدى الضرر الحاصل. في النهاية، ظهر الرقم صفر من المكان حيث ضرب مومونجا.
"هذا ضريح نازارك العظيم الذي بنيناه معاً! كيف تتخلون عنه بهذه السهولة؟!"
بعد صرخ بالكلمات التي كانت في قلبه، لم يبقَ هناك إلا الفراغ.
"..لا، ليست هذه الحقيقة. إنهم لم يتخلوا عنه بسهولة، إنهم ببساطة اختاروا بين الواقع والخيال، لم يكن هنالك خيار آخر. لن يخون أحد النقابة. لا شك أن جميع من اضطروا للاختيار قد وجدوه خيارا مؤلماً.."
تمتم مومونجا بهذا وكأنه يحاول أن يُقنع نفسه، ثم نهض ومشى باتجاه الجدار حيث توجد العصا السحرية المزينة بإطناب.
التفَّت سبعة ثعابين حول العصا وأصبحت كأنها العصا التي حملها إله الإغريق، هرمس تريسمَجِستس، ثم فتحت أفواهها بألم، وبداخل كل واحد هناك جوهرة بلون مختلف عن أخواتها. حُفرت القبضة ببراعة من البِلّور، وتوهجت بضوء أزرق. أي أحد يرى هذه العصا سيعرف أنها عنصر عالِ الجودة، وهي سلاح النقابة التي تتميز به. يمكننا أن نقول عنها أنها رمز نقابة آينز أول غاون.
هذه العصا، والتي يجب أن تعامل ككنز في يد قائد النقابة، بقيت في هذه الغرفة مثل الزينة لأن ما من شيء آخر يمثّل النقابة مثلها.
عادة ما تُخبأُ أسلحة النقابة في مكان آمن ولا تُستخدم بسبب قوتها الهائلة، هذا لأن النقابة ستتفكك لو دُمّر سلاحها الخاص. حتى نقابة آينز أول غاون، والتي تواجدت في قمة ايغدارسيل، لم تستثن من هذه القاعدة.
هذا سبب إبقاء السلاح هنا، لم يلمسه مومونجا أبدا على الرغم من أنه صُنع خصيصاً ليلائم قدراته وحده.
مد مومونجا يده إلى السلاح، لكنه توقف لأن في هذه اللحظة- في الدقائق الأخيرة قبل أن تُغلق ايغدارسيل إلى الأبد- استوعب مومونجا أن اللحظات العظيمة التي عاشها مع رفاقه ستضيع للأبد كرماد في مهب الريح. شعوره بالحيرة جعله يتردد ويعاني في محاولة لاتخاذ قرار.
جميعهم غامروا كل يوم من أجل صنع سلاح النقابة.
في ذلك الوقت، كانوا يعقدون منافسات لينظروا أيهم يستطيع أن يجمع مواد خام أكثر وأسرع. دارت نزاعات كثيرة حول مظهر السلاح، ولكن ببطئ وبعد أن جُمعت آراء الجميع، بدأ السلاح يأخذُ شكله. تلك كانت الفترة الذهبية لآينز أول غاون، الفترة التي صنعوا في ذكرياتهم المجيدة.
كان بعضهم يسحب نفسه سحباً ليسجل دخوله في اللعبة بعد يوم عمل شاق، وآخرون تشاجروا مع زوجاتهم لأنهم أهملوا عائلاتهم بسبب لعبهم المتواصل، وآخرون قالوا ضاحكين أنهم أخذوا إجازة من أعمالهم ليتسنى لهم البقاء واللعب.
في حين من الأحيان كانوا يمضون أيام كاملة لا يفعلون شيئا سوى التحدث عن أمور تافهة للتسلية، وفي أحيانٍ أخرى يمضون وقتهم برسم خطط للمغامرات، أو ينطلقون باحثين عن الكنوز. كانوا أيضا يغيرون على قواعد النقابات الأخرى ويحاصرون معاقلهم. مرة من المرات، هاجمهم عدو عالمي - وحش شديد القوة ويعتبر زعيما مخفيا في اللعبة- وكادت النقابة أن تتدمر بسبب الهجوم. اكتشفوا أيضا في إحدى المرات موارداً لم تكن معروفة آنذاك، ووزعوا وحوشاً من كل الأنواع في قاعدة النقابة كي يقضوا على اللاعبين المعتدين.
لم يبق من النقابة حتى اليوم إلا تسعة.
من الواحد والأربعين عضواً، سبعة وثلاثون انسحبوا، والثلاثة الباقون كان مومونجا قد فقد الأمل فيهم بعد أن نسي متى كان آخر دخول لهم.
فتح مومونجا وحدة التحكم واتصل بموقع المطوِّر ليعرف ترتيب النقابات الرسمي. كان عدد النقابات في ايغدارسيل في تلك اللحظة لا يتجاوز الثماني مئة. في الماضي، كان ترتيبهم يصل إلى المرتبة التاسعة، لكن الآن - في آخر يوم للّعبة- كان ترتيبهم التاسع والعشرين. في أسوأ حالاتهم كانوا قد نزلوا إلى المرتبة الثامنة والأربعين،
والسبب الذي جعلهم يقفون عند هذا الانحدار في المراتب لم يكن جهد مومونجا،
بل العناصر التي تركها رفاقه السابقون، آثار الماضي البهي.
ما هذه إلا محاولة إنعاش تلك الأيام. هذه عصا آينز أول غاون، لم يرد أن يترك هذا السلاح وذكريات الأيام الذهبية هنا لتكون ذكرى مؤلمة، وفي الوقت نفسه بدأت أفكار أخرى تشق طريقها إلى قلبه.
لطالما اتخذت آينز أول غاون قراراتها عن طريق التصويت ربما يكون مومونجا القائد، لكن عمله هو التواصل مع الناس وتنفيذ مهمات بسيطة.
حين رأى مومونجا أن لا أحد من أعضاء النقابة حاضر، فكر في أن يستخدم قوة قائد النقابة لأول مرة.
"الأوضاع الحالية بائسة
همس مومونجا بهذا لنفسه أثناء تحكمه بوحدة لَعِبه. أراد أن يتسلح بالعتاد المناسب لنقابة عالية المستوى.
صُنفت الأدوات في ايغدارسيل على أساس البيانات التي يملكها كل عنصر؛ العناصر التي تحمل بيانات أكثر تأخذ ترتيبا أعلى. من الأقل حتى الأعلى ترتيباً: تصنيف منخفض، تصنيف متوسط، تصنيف عالٍ، تصنيف سامٍ، تصنيف تراثي، تصنيف أثري، تصنيف أسطوري، والتصنيف الذي اختاره مومونجا، تصنيف قدسي
على أصابعه العشرة النحيلة ارتدى تسعة خواتم، لكل واحد قدرة مختلفة. هناك أيضاً العِقد، القفازات، العباءة، القميص، وطوق الرأس، وكلها تعتبر عناصراً من التصنيف القدسي. لو كانت هذه الأشياء تُقدر بثمن، لشُدِه الناس لثمنها
كانت العباءة الفضفاضة التي غطت جذعه أكبر من تلك التي كان يرتديها.
انبعثت هالة حمراء وسوداء من تحت قدميه، وبدت من أول نظرةٍ هالةً مشؤومة. لم نكن هذه الهالة نتيجة قدرات مومونجا، بل كانت نتيجة وجود مساحة إضافية في بيانات العباءة، لذلك أُضيفت بيانات التأثيرات الخاصة والمسماة 「 هالة الكارثة 」 لها. لمْس تلك الهالة لن يسبب أي ضرر.
رأى مومونجا في الزاوية مؤشرات تظهر ارتفاع إحصائياته.
بعد أن غير عتاده بالكامل، هز مومونجا رأسه في رضا لأنه بدا
قائد نقابة فعلي. مد يده بعدها لعصا آينز أول غاون، وحين أمسك العصا، شعت سحابة مضيئة سوداء مُحمرّة. ارتسمت وجوه معذبة عدة مرات على السحابة المضيئة ثم ذابت واختفت. كانت وجوهاً واقعية يتخيل الرائي حين يراها أنه يسمع صراخها.
"..أظن أنهم بالغوا قليلا في التفاصيل."
وجدت تلك العصا التي لم تستخدم يوما مكانها أخيرا في يد مالكها الحق،
في الساعات الأخيرة لايغدارسيل.
إبتهج مومونجا حين رأى مؤشراته ترتفع بسرعة، لكنه شعر بالحزن في الوقت نفسه.
"لننطلق يا رمز النقابة. لا- بل رمزي أنا."
الجزء الثاني
غادر مومونجا ما كان يسمى بغرفة الطاولة المستديرة.
كان لكل عضو في النقابة خاتم يستخدمونه، أي شخص يرتدي ذلك الخاتم سيظهر تلقائياً في هذا المكان عندما يسجلون دخولهم في اللعبة، إلا في ظروف خاصة. لو عاد أي عضو في النقابة، لظهروا في هذه الغرفة، لكن مومونجا كان يعرف أن لا أحد من الأعضاء سيعود إلى هنا. في آخر دقائق اللعبة، كان مومونجا هو اللاعب الوحيد المتبقي في ضريح نازارك الضخم تحت الأرض.
قاوم مومونجا المشاعر التي علت قلبه كالأمواج ومشى في القاعات
كان المكأن كقلعة بنيت من حجر المرمر، جو ملكيّ وبهيّ يحيط بها.
لو رفع أحدهم رأسه للسقف، سيرى الثريّات البلورية معلقة ما بين طويلة وقصيرة، مرسلة أضواءها الدافئة.
أرضية القاعات الواسعة كانت من الحجر المصقول، والذي عكس أضواء الثريّات وجعلها تتلامع كأنها نجومٌ طرزت الأرض.
لو فتح زائر البابين على جانبيه، لسلبت روعة الأثاث نفَسه.
أي شخص خارج النقابة يرى هذا المشهد سيحدق على الأغلب في انبهار شديد.
هجمت على ضريح نازارك العظيم والمكروه مرة أقوى جماعة مغيرة في تاريخ اللعبة. اتحدت ثماني نقابات مع حلفائهم وجمعوا قوة أكثر من ألف وخمسمئة لاعب، مرتزق، وشخصيات غير لاعبة، ولكنهم في النهاية هُزموا شر هزيمة. ذلك الديماس الأسطوري تقلص لهذا المكان.
كان ضريح نازارك العظيم الأرضي يتكون من ستة طوابق تحت الأرض، لكن عُدّل تصميمه تعديلا كبيرا بعد أن استولت عليه آينز أول غاون.
في الوقت الحالي هنالك عشر طوابق تحت الأرض؛ لكل طابق تصميمه الخاص.
صُمم الطابق الأول والطابق الثالث كأضرحة؛ الطابق الرابع بحيرة تحت الأرض؛ الخامس نهر جليدي؛ السادس غابة مطرية؛ السابع بحرُ حِمم ذائبة؛ الثامن أرضٌ عراء؛ والتاسع والعاشر ممالك الآلهة- بمعنى آخر، قاعدة آينز أول غاون، والتي تتصدر أحد المراكز العشر الأولى في ايغدارسيل بين آلاف النقابات.
تردد صدى صوت خطوات مومونجا وضرب عصاه في هذا المكان المقدس. بعد التفافات عديدة حول زوايا القاعات الواسعة، رأى مومونجا امرأة بعيدة متجهة نحوه.
كانت ذات جمال أخَاذ وشعرٍ ذهبي يلامس كتفيها؛ مرتدية زي خدم طويلٍ أنيقٍ تعلوه مريلة؛
طولها يقارب المتر وسبعين سنتيمتر وأيضاً هيفاءُ. بدا شكلها العام ملفتاً وأعطى انطباعاً عنها أنها طيبة ولطيفة
بينما اقترب الاثنان من بعضهما؛ اندفعت الخادمة إلى جانب الطريق وانحنت لمومونجا.
في المقابل، رد عليها مومونجا بتلويحة من يده.
ظلّت تعابير وجه الخادمة كما هي، وبقيت على شفتيها نفس الابتسامة. لا تتغير تعابير الوجه عموماً في ايغدارسيل، إلا أن هذه الفتاة مختلفة قليلاً عن باقي شخصيات اللاعبين؛
إنها شخصية غير لاعبة. لا تتحكم اللعبة بها، بل مجموعة من أوامر الذكاء الاصطناعي. لتبسيط الفكرة، إنها دمية متحركة. حتى إن كان تصميمها واقعيّاً لحد الإذهال، انحناؤها لم يكن أكثر من حركة مبرمجة،
وتلويحة مومونجا كانت عديمة الفائدة لأنها ليست إلا دمية؛
. لكن مومونجا لم يعاملها ببرود ولديه أسبابه.
هناك إحدى وأربعون خادمة غير لاعبة في ضريح نازارك العظيم؛ لكل واحدة منهن تصميمها المميز.
صممهن رسام مانجا اُشتهر برسم الخادمات، وتصدر له الآن سلسلة في مجلة شهرية.
تفحص مومونجا الخادمة بعناية. بعيداً عن ملامحها، دقق مومونجا في زيّها؛ التفاصيل المعقدة للتصميم؛ التطريز البديع الذي زيّن مريلتها، كل هذا كان يكفي لجعل الناظر يحدق في انبهار.
كانت تصميم الأزياء مفصّلاً على نحو استثنائي بسبب تصريح المُصمم بأن "زي الخادمات سلاحهن السري!" لم يستطع مومونجا أن يقاوم شعور الحنين حين تذكر شكاوى الأعضاء الآخرين الذين ساعدوا في التصميم.
"هذا صحيح؛ أظن أنه بدأ يقول "العدالة لزي الخادمات!" في تلك الفترة". الآن حين أمعنت التفكير، أظن أن بطلة قصته المصورة أيضا خادمة. هل يبكي مساعدوه إذا بالغ في التصاميم؟ آه، وايتبرم-سان."
كانت حركات الخدم من برمجة هيروهيرو-سان وخمسة أعضاء آخرين،
بمعنى آخر، هذه الخادمة ليست إلا تجسيداً لجهود أصدقائه. لم يقدر أن يتجاهلها دون أن يشعر بالسوء؛ هذه الخادمة أيضاً جزء من تاريخ آينز أول غاون العريق.
أثناء تأملات مومونجا، رفعت الخادمة رأسها وكأنها رأت شيئا، ثم أمالت رأسها في دهشة؛ يفعلن ذلك إذا بقي أحد حولهن لمدة أطول مما ينبغي.
لم يملك مومونجا إلا أن ينبهر حين رأى برمجة هيروهيرو المتقدمة. من المؤكد أن هناك وضعيات أخرى مخفية ومبرمجة داخلهن أيضا. أراد مومونجا أن يراها كلها لكن الوقت ضيق.
التفت إلى ساعته الشفافة على معصمه الأيسر ليتفقد الوقت، وكما توقع، ليس هنالك متسع يكفي للتسكع.
"شكرا لجهودك."
مضى مومونجا تاركاً الخادمة خلفه بعد هذا الوداع الأليم. لم يسمع ردا منها، لكن ماذا توقع غير ذلك؟ حتى وإن لم ترد عليه، شعر أن عليه أن يشكرها؛ هذا آخر يوم لايغدارسيل.
أكمل مومونجا طريقه إلى الأمام، وبعد مدة ظهر سلم ضخم أمام عينيه. كان سلماً واسعاً يمكن لعشر أشخاص أن يمشوا فيه وأيديهم ممدودة إلى جانبهم بلا مشاكل، وتعلو درجاته سجادة حمراء فاخرة. نزل مومونجا السلم ببطئ، حتى وصل إلى الطابق السفلي- الطابق العاشر لضريح نازارك العظيم.
كان المكان الذي وصل إليه غرفة استقبال كبيرة فيها أشخاص عدة.
أول من انتبه له مومونجا رجل عجوز بارز يرتدي زي رئيس الخدم؛
شعره اشتعل شيباً، وكذلك لحيته وشاربه، لكن ظهر العجوز كان منتصباً كسيف صُنع من الفولاذ. كست التجاعيد وجهه لتعطي الناظر انطباعاً عن العجوز أنه شخص طيب وحنون، إلا أن عينيه الحادتين كانتا كعيني صقر رأى فريسته.
وقفت ست خادمات خلف رئيس الخدم؛ لكنهن كنّ مختلفات عن تلك التي رأها مومونجا سابقاً، شكلاً وزي.
ارتدين الخادمات قفازات ودروع أرجل مصنوعة من الذهب والفضة، ومعادن أخرى سوداء وملونة. كانت دروعهن مصممة على هيئة زي الخادمات في قصص المانجا. لم يلبسن خوذا؛ بل أغطية رأس بيضاء، ولكل فتاة سلاح يختلف عن سلاح الأخريات؛ كنَّ مثالاً لخادمات المعارك.
تصفيفات شعورهن اختلفت أيضا؛ بعضهن لففنه على شكل كعكة؛ أخريات ربطنه كذيل حصان ناعم وأملس، وأخريات بضفائر فرنسية وغير ذلك. الشيء الوحيد الذي جمعهن هو أن كل واحدة منهن جذابة، وسبب جاذبيتهن يختلف من واحدة لأخرى؛ إحداهن رياضية وقوية؛ الأخرى بدت كصبيّة يابانية متواضعة؛ أخرى لها فتنة مغرية وأخريات مختلفات.
هؤلاء الفتيات كنّ شخصيات غير لاعبة، ولكنهن مختلفات عن الخادمات الأخريات اللاتي صُمّمن لأجل التسلية، فوظيفتهن هي حماية المكان من المقتحمين.
في لعبة مثل ايغدارسيل، تحظى النقابات بمزايا عديدة إن كانت قاعدتهم بمستوى قصرٍ أو أعلى.
إحدى تلك المزايا هي وجود شخصيات غير لاعبة لحماية القاعدة.
الشخصيات غير اللاعبة التي تقطن في ضريح نازارك العظيم كانت وحوشاً أمواتاً أحياء؛ يلقبون بالوحوش الفجائية ويظهرون تلقائيا، ومستواهم الأعلى ثلاثون. حتى وإن دُمّروا فسيعاودون الظهور من جديد بلا تدخل من النقابة ولا ثمن.
لا يستطيع اللاعبون أن يتحكموا في هذه الوحوش ولا في مظهرها؛ مما جعلها وسيلة ردع ضعيفة ضد اللاعبين الآخرين.
هناك نوع آخر من الشخصيات غير اللاعبة؛ نوع يصممه اللاعب من الصفر لنفسه. لو امتلكت نقابة ما قاعدة بمستوى قصر ونحوه، ستُمنح سبعمئة مستوى لتصنع منها شخصيات غير لاعبة كيفما شاءت.
بما أن المستوى الأعلى في ايغدارسيل هو مئة، فهذا يعني أن بإمكان النقابة المالكة أن تصنع خمس شخصيات مستواها مئة، وأربع شخصيات مستواها نصف ذلك، أو أي تقسيم آخر.
أثناء تصميم شخصية غير لاعبة أصلية، يمكن للّاعب أن يتحكم في الأسلحة والعتاد، بالإضافة للملابس والمظهر العام؛ لهذا يستطيع اللاعب أن يصنع شخصيات أقوى من الوحوش التلقائية ويمركزها في المواقع المهمة.
بالطبع ليس شرطاً أن تكون كل الشخصيات غير اللاعبة مصممة للمعارك؛ هناك نقابة معينة سمت نفسها "مملكة القطط" لم تصمم شخصيات باستثناء القطط وأشباهها؛ بهذه الطريقة يمكن لكل نقابة أن تختار أسلوبها المتفرد بحرية.
"همم"،
وضع مومونجا إبهامه على ذقنه ونظر لرئيس الخدم والخادمات المنحنين له. يستخدم مومونجا عادة التنقل السحري للذهاب من غرفة لأخرى؛ فرصة كهذه لا تصادفه دائما. رؤية الطاقم ملأت قلبه بالحنين.
مد يده ولمس قائمة مخفية، وفتح صفحة لا يستطيع رؤيتها غير أعضاء النقابة، ثم اختار خياراً من بين عدة خيارات، حين فعل ذلك ظهرت أسماء الخدم فوق رؤوسهم.
"فهمت. هذه أسمائهم إذن."
ضحك مومونجا على نفسه بهدوء لأنه نسي أسمائهم، ولأنهم أعادوا له ذكريات غالية. كانت هناك مجادلات بين رفاقه حين اختاروا أسماء الشخصيات غير اللاعبة؛ صُمم رئيس الخدم- سيباس- ليكون كالناظر في شؤون المنزل؛ الست خادمات على جانبه هنّ خادمات حربيات مواليات لسيباس، وكلهم يلقبّون بالثريّا. بالإضافة للخادمات، سيباس مسؤول أيضا عن الخدم الذكور.
كانت خانة بيانات سيباس مليئة بمعلومات مفصلة أكثر إلا أن مومونجا لم يشعر برغبة في قراءتها، فالخوادم ستغلق قريباً وعليه أن يذهب لمكان ما قبل ذلك.
بالمناسبة، وبعيدا عن الخدم، كل الشخصيات غير اللاعبة لديها قصص وخلفية أتت منها وتفاصيل؛ ذلك لأن أعضاء النقابة كانوا يهوون القصص المعقدة. كثيرون من أعضاء النقابة رسامون ومبرمجون؛ لعبة كهذه تركز على التصميم والتعديل أطلقت لهم العنان لتحقيق رغباتهم؛ إنها نعمة من الإله.
في بادئ الأمر، كانت الخطة أن يكون سيباس والخادمات الحربيات خط الدفاع الأخير أمام المعتدين، لكن إن استطاع العدو أن يتوغل في الضريح لهذا الحد؛ لن يصعب عليه أن يهزم سيباس والخادمات؛ وجودهم ليس أكثر من وسيلة عرقلة لكسب الوقت. لم يصل أي لاعب لهذا المكان حتى الآن، لذلك بقوا هنا ينتظرون الأوامر، فبلا أوامر، كل ما يمكنهم فعله الانتظار هنا علّهم يفيدون أحد. أحكم مومونجا قبضته حول عصا آينز أول غاون؛ حماقة منه أن يشعر بالأسى على شخصيات غير لاعبة، فهم مجرد مجموعة بيانات إلكترونية بذكاء اصطناعي صُمم باحتراف، ليظهرهم وكأنهم يمتلكون مشاعر البشر،
لكن-
"باعتباري قائد النقابة، سأستفيد من وجودهم."
ضحك مومونجا على جملته السخيفة، ثم أعطاهم أوامره:
"اتبعوني."
انحنى سيباس والخادمات كي يُظهروا فهمهم للأمر.لم يكن في نية النقابة أن تُبعدهم عن هذا المكان حين صمموهم؛ كانت آينز أول غاون نقابة تحترم رغبة الأغلبية، ويحرم على أفرادها أن يتحكموا بالشخصيات غير اللاعبة التي صنعوها معا لأهداف فردية، لكن اليوم هو اليوم الذي يُسدل فيه الستار على كل شيء؛ سيسامحه الجميع غالباً على تجاوزه.
أثناء تفكيره بكل ذلك، أكمل مومونجا مسيره للأمام، وخلفه تردد صوت خطوات أقدام كثيرة.
وصلت المجموعة في النهاية إلى قاعة نصف كروية تشبه القبة؛ مصابيح بلورية بأربعة ألوان أضاءت المكان، وكان في الحيطان اثنان وسبعون تجويفاً يملأ معظمها مجسمات، وكل مجسم بُني على هيئة شيطان، وعددهم سبعة وستون.
كانت الغرفة تسمى "الليميجتون"، وهو الاسم الآخر لكتاب مفاتيح سليمان الصغرى، وهو كتاب سحري في علم الشياطين.
صُممت التماثيل لتمثّل الشياطين الاثني وسبعين المذكورين في الكتاب، ولكنهم في الحقيقة مخلوقات الغولم مصنوعة من مواد سحرية نادرة. يُفترض أن يكون هناك اثنان وسبعون منهم، ولكن لا يوجد إلا سبعة وستون لأن صانعهم ضجر من العمل وانسحب قبل إنهائه.
كانت المصابيح البلورية ذات الألوان الأربعة نوعا من الوحوش، وحين يدخل العدو المدى الذي تغطيه، تقوم باستدعاء عناصر عالية المستوى من الأرض والماء، والرياح والنار، بالإضافة لهجمات سحرية تنهال على العدو. لو وحّدت المصابيح هجماتها مرة واحدة، فبإمكانهم أن يهزموا مجموعتين مستوى لاعبيها مئة، مما يعني اثنا عشر لاعباً تقريباً.
هذه الغرفة هي خط الدفاع الأخير لضريح نازارك العظيم.
قاد مومونجا الخدم خلفه متجاوزين دائرة السحر ورأى باباً مزدوجاً ضخماً أمامه؛ طوله يتجاوز خمسة أمتار وتملؤه نقوش معقدة؛ على جانبه الأيسر إلهة جميلة، وعلى جانبه الأيمن شيطان قاسي. بدا شكلهما واقعيّا جدا لمومونجا على رغم المسافة بينهما، وظن أنهما سيهجمان عليه.
مع أنهما يبدوان وكأنهما يستطيعان الحركة، كان مومونجا يعلم أنهما لم يتحركا من قبل أبدا.
"بما أنهم قطعوا كل هذه المسافة ليصلوا هنا، علينا أن نقف باعتزاز ونرحب بهؤلاء الأبطال الشجعان. دع الآخرين يسخرون منا كما يشاؤون، ولكننا سنرحب بهم علناً وبفخر، فهذه هي طباعنا؛ طباع السادة النبلاء."
كانت هذه فكرة خضعت كغيرها لقانون التصويت بالأغلبية.
"ألبيرت-سان.."
ألبيرت ألين أودل؛ أكثر شخص في النقابة هوساً بفكرة "الشر".
"هل هذه بسبب متلازمة المراهقة.."
هكذا فكر مومونجا حين جال بنظره في القاعة.
"هل سيهاجمانني؟"
أصاب حين شعر بالانزعاج؛
حتى مومونجا لم يحط بكل أسرار آليات هذا الديماس. لن يكون أمرا مفاجئاً لو ترك أحد أعضاء النقابة المتقاعدين هدية غريبة له، والشخص الذي صمم هذه الأبواب يبدو من هذا النوع.
في الماضي، صمم مخلوق غولم قوي جدا، ولكن بعد التنشيط بوقت قصير، اتضح خطأ في نظام القتال مما جعل الغولم يهاجم جميع من حوله؛
لا زال مومونجا حتى هذا اليوم يشك في احتمالية كون ذلك "الخطأ" مدبر.
"لوسيفر-سان، لو هاجماني فسأغضب كما تعلم."
لكن حذر مومونجا في مشيه نحو الباب لم يكن ذا فائدة. فُتح الباب من تلقاء نفسه حين لمسه؛
فُتح ببطئ شديد بسبب حجمه الهائل.
تغير الجو؛ كان الجو سابقاً مليئاً بهدوء مهيب، لكن المشهد أمامه تجاوز ذلك تجاوزاً كبيرا. أصبح الهواء ثقيلا على جسده بأكمله؛ كان المكان عملاً فنياً بديع.
غرفة عالية واسعة، حتى لو اجتمع فيها مئات الناس لكفتهم واتسعت للمزيد.
كان السقف المرتفع والجدران المحيطة بيضاء اللون، وعليها زينة ذهبية.
تدلت ثريات عديدة مصنوعة من أحجار ثمينة من كل ألوان الطيف، أضفت على المكان بريقاً رائعاً كبريق الأحلام.
عدة أعلام تزينت برموز مختلفة اعتلت ساريات أعلام مثبتة على الحيطان؛ تمايل واحد وأربعون علماً من السقف وحتى الأرض في وجه الرياح.
في منتصف الغرفةالمغطاة بالذهب والفضة، هناك سلم من عشرة درجات، وعلى أعلى هذه الدرجات، عرش ضخم نُحت من قطعة بلور واحدة ظهره من علوّه لمس السقف، وخلفه راية حمراء كبيرة تحمل شعار النقابة بفخر.
يقع هذا المكان في أعماق ضريح نازارك العظيم؛ وهو أيضا أهم مكان فيه- غرفة العرش.
"واو.."
حتى مومونجا سُلبت أنفاسه أمام روعة الغرفة؛ شعر أنها ثاني أروع مكان في ايغدارسيل، إن لم تكن الأولى.
إنها أنسب مكان له يستقبل لحظات اللعبة الأخيرة.
أثناء مشيه خلال الغرفة التي ابتلعت صوت خطواته، وقعت عيناه على شخصية فتاة غير لاعبة تقف على جانب العرش؛ فتاة جميلة في ثوب أبيض طاهر؛ على وجهها ابتسامة تشبه ابتسامة إلهة؛ لها شعر أسود لامع يصل إلى خصرها،
وعينان ذهبيتان بحدقتين رأسيتين، ومع أن عينيها كانتا غريبتين، إلا أنها لم تخفِ جمال الفتاة الباهر. كان للفتاة قرنان على جانبي رأسها، بالإضافة إلى أجنحة سوداء من الريش تظهر من جانبيها.
ربما كان القرنان هما السبب، لكن ابتسامتها العذبة بدت كأنها قناع يخفي مشاعرها الحقيقية.
ارتدت قلادة ذهبية شكلها كشبكة العنكبوت، وامتدت من كتفيها حتى أعلى صدرها.
غطى زوج قفازات حريرية معصميها النحيلين، وفي يدها حملت سلاحاً غريباً يشبه العصا؛ طولها يقارب خمساً وأربعين سنتيمتراً، وفي نهايتها كرة سوداء تطوف في الهواء، ولكنها لا تترك مكانها عند نهاية العصا.
لم ينس مومونجا اسمها بعد؛ إنها قائدة حرس الطوابق في ضريح نازارك العظيم، ألبيدو، والمسؤولة عن سبع شخصيات حراس غير لاعبة. بمعنى آخر، ألبيدو هي صاحبة أعلى مستوى في ضريح نازارك العظيم، ولهذا سُمح لها بأن تنتظر الأوامر في غرفة العرش.
نظر مومونجا إليها بحدة وقال:
"أعلم أن هنالك عنصر عالمي هنا، فكيف أتى الثاني؟"
في ايغدارسيل، يوجد مئتا عنصر عظيم يُعرفون بالعناصر العالمية، وتمتلك هذه العناصر قدرات لا مثيل لها؛ بعضها قوي جداً لدرجة أن بإمكانها إحداث تغييرات على قوانين اللعبة التي وضعها مطوروها. لا تمتلك كل العناصر مثل تلك القوى طبعاً،
ولكن أي لاعب يحمل ولو عنصرا عالمياً واحداً، سينال شهرة كبيرة في ايغدارسيل.
امتلكت آينز أول غاون أحد عشر عنصراً عالمياً، أكثر بكثير من أي نقابة أخرى؛ أكثر نقابة بعدهم امتلكت ثلاثة عناصر فقط.
بعد أخذ الإذن من باقي الأعضاء، سُمح لمومونجا أن يمتلك عنصراً عالمياً واحداً، وبقية العناصر تُوزّع في أنحاء نازارك، إلا أن معظم العناصر الباقية محفوظة في الخزينة ويحرسها حراسها.
السبب الوحيد الذي مكّن ألبيدو من امتلاك كنز نادر من دون علم مومونجا
هو أن عضو النقابة الذي صمم ألبيدو أعطاها إياه. بما أن اليوم هو آخر يوم للّعبة، شعر مومونجا أن عليه احترام رغبات رفيقه الذي أعطى العنصر لألبيدو، ولهذا قرر تجاوز الموضوع.
"هذا مكان جيد."
كانت كلمات مومونجا موجّه لسيباس والبقية حين وصلوا إلى قاع السلم المؤدي للعرش.
حينها صعد مومونجا الدرجات، لكنه توقف حين سمع الخطوات خلفه. لم يستطع مومونجا أن يكتم ضحكته، ولو أن وجهه الهيكلي لم يظهر أية تعابير.
الشخصيات غير اللاعبة برمجيات ذكية ولكنها ليست مرنة؛ إذا لم تُعط أوامر كلامية محددة، فإنها لن تفهم الأوامر. نسي مومونجا هذا، ولذلك لم يأمر الشخصيات.
بعد أن رحل أعضاء نقابته، بدأ مومونجا الصيد بمفرده حتى يكسب الذهب الذي احتاجه كي يحافظ على نازارك. لم يخلق صداقات مع باقي اللاعبين، بل تحاشاهم، كما تحاشى المناطق شديدة الصعوبة التي اعتاد زيارتها حين كان رفاقه بالجوار.
وقبل أن يسجل خروجه، يودِع ما كسب في الخزينة؛ هكذا كانت كل أيامه تقريبا؛ لهذا لم يتعامل كثيرا مع الشخصيات غير اللاعبة.
"- ابقوا مكانكم."
توقف صوت الخطوات.
بعد أن أعطى مومونجا أمره، صعد الدرجة الأخيرة ووصل العرش.
حدق في ألبيدو التي وقفت بجانب العرش؛ لم ينتبه لعينيها اللتين تراقبانه مع أنه قد دخل هذه الغرفة من قبل.
"أي قصة أُعطيت لتكون خلفيتها يا ترى؟"
كل ما عرفه مومونجا عن شخصيتها هو أنها قائدة حرس الطوابق، وأنها صاحبة أعلى مستوى من بين الشخصيات غير اللاعبة في نازارك.
من باب الفضول، فنح مومونجا القائمة وتصفح بيانات ألبيدو وتفاصيل الشخصية.
انهال عليه سيل الكلمات، كأنه فتح ملحمة شعرية أثرية. لو أخذ وقته في قراءة التفاصيل، لبقي يقرأ حتى تنتهي اللعبة. شعر مومونجا أنه في مأزق؛ لو استطاع الحركة لكان ارتجف. أراد أن يوبّخ نفسه على نسيانه أن صانع ألبيدو كان مهووساً بالتفاصيل والقصص، ولكن بما أنه فتح القائمة، فلا خيار أمامه إلا أن يكمل التصفح.
لم يمرر نظره على النقاط المهمة في النص حتى؛ انتقل ببساطة إلى آخر النص بأسرع ما يمكن بينما ينظر للعنوان، وبعد أن تخطى أجزاء كبيرة من النص، توقفت عيناه عن آخر جملة وتجمد؛
"إنها كذلك ساقطة."
لم يستطع أن يفعل شيئاً غير التحديق.
"..هاه؟ ما معنى هذا؟"
صيحة إنكار خرجت من شفتي مومونجا غير الموجودة. أعاد النظر للكلمات عدة مرات بعينين مشككتين، ولكن في النهاية لم يجد أي معنى آخر لهم. بعد أن التفكير مليّا، وصل إلى الاستنتاج الذي خطر له في البداية؛
"ساقطة.. إنها كشتيمة."
كل عضو في النقابة صمم شخصيات غير لاعبة خاصة به، لهذا لم يستطع أن يفهم لم يعامل أحد شخصية صممها بنفسه بهذه الطريقة. ربما سيفهم لو قرأ كل تفاصيل الشخصية، إلا أن هناك أعضاء في النقابة يفعلون أمور كهذه بلا سبب، ومصمم ألبيدو، تابولا سمارغدينا، كان أحد أولئك الأشخاص.
"آه، هل هذا ما يسمونه بالشخصية المتضاربة؟
تابولا-سان..حتى ولو.." ألم يبالغ في تصميم قصة كهذه؟؛
لم يستطع مومونجا إلا أن يفكر بهذا. تُعتبر كل الشخصيات غير اللاعبة التي صممها الجميع إرثا للنقابة. أن يصمم أحد شخصية عالية المستوى مثل ألبيدو بهذه الطريقة جعل مومونجا يرى أن تابولا سمارغدينا شخصاً ميؤوساً منه.
"همم"،
هل من الممكن أن يغير قصة شخصية غير لاعبة بناءً على قرار شخصي؟ بعد أن فكر في الأمر لبعض الوقت،
وصل مومونجا لاستنتاج؛
"هل عليّ أن أغيره؟"
مع وجود سلاح النقابة حوزته، يمكننا أن نقول أن مومونجا هو زعيم النقابة حقا؛
. لن تكون هناك أية مشكلة إن مارس سلطته التي لم يمارسها من قبل قط.
تلاشت شكوك مومونجا كالضباب بعد أن طمأن نفسه بأن عليه أن يصحح أخطاء رفاقه.
مد عصا آينز أول غاون التي كان يحملها. عادة يحتاج اللاعب لأدوات المطورين كي يغير قصة شخصية ما، ولكن بفضل قوته باعتباره رئيس نقابة؛ يستطيع أن يدخل إعداداتها مباشرة ويعدل عليها، وبعد بضعة حركات على القائمة، اختفت كلمة "ساقطة".
" حسنُ، هكذا انتهينا."
فكر مومونجا قليلاً ونظر إلى الفراغ في بيانات ألبيدو؛ يجب علي أن املأه..
"هذا سخيف نوعا ما."
مع أنه كان يسخر من نفسه، إلا أنه أكمل كتابة الكلمات على القائمة، وكوّنت الكلمات جملة:
"إنها تحب مومونجا."
"ياللإحراج."؛
غطى مومونجا وجهه بيده، فقد شعر بخجل شديد لأنه بدا وكأنه يصمم صديقته الحميمة المثالية بقصة حب تناسبه، وهذا أخجله أكثر لدرجة أن قلبه بدأ يخفق. أراد أن يعيد كتابة قصتها بدافع الحرج، ولكنه غيّر رأيه في آخر المطاف؛
ستنتهي اللعبة عما قريب، وسينتهي معها عاره. بالإضافة إلى أن الجملة التي كتبها ملأت الفراغ الذي كان موجودا بالضبط؛ من المؤسف أن يمسحها ويعود لذلك الفراغ.
جلس مومونجا على العرش، وفي عينيه رضا وقليل من الإحراج. انتبه إلى أن سيباس والخادمات لا زالوا واقفين بجمود؛ وشعر بالوحدة وشيء من الغرابة لوقوفهم بلا حركة هكذا.
"أظن أن هنالك أوامر لذلك"، تذكر مومونجا الكلمات التي سمعها من قبل، ومد يده قليلاً قبل أن ينزلها قائلا:
"انحنوا."
انحنت ألبيدو وسيباس والخادمات الست على شاكلة رجل واحد احتراماً له.
"جيد."،
ثم رفع مومونجا يده اليسرى ليتفقد الوقت:
23:55:48،
في الوقت المناسب.
لا بد أن منظمي اللعبة الآن يعلنون على الخوادم العامة ويجهزون الألعاب النارية، ولكن مومونجا الذي بذل روحه وجهده في هذا المكان وكان مقطوعاً عن العالم الخارجي، لم يع بشيء.
أسند مومونجا رأسه على ظهر العرش ورفعه لينظر للسقف.كان يتوقع مجيء بعض الغزاة لنازارك حتى في آخر يوم للّعبة. سينتظرهم؛ سيقبل أي تحدِ باعتباره قائد نقابة. أرسل رسائل بريد إلكترونية إلى كل الأعضاء، ولكن لم يأتِ إلا قلة. سينتظرهم؛ سيرحب بعودة رفاقه لأنه قائد نقابة.
"آثار الماضي..-"
غرق مومونجا في أفكاره.
على الرغم من أن النقابة لم تكن كحالها في الماضي، إلا أنه استمتع بوقته فيها. نظر إلى الأعلام الضخمة المتدلية من السقف؛ واحد وأربعون علماً، على عدد أعضاء النقابة؛ كل علم يحمل رمزاً شخصياً يخص أحد الأعضاء. مد مومونجا إصبعا عظمياً مشيرا لأحد الأعلام:
"علمي"،
ثم أولى اهتمامه لعلم قريب؛ علم يمثّل أقوى لاعبي آينز أول غاون- لا، بل في ايغدارسيل كلها؛ إنه مؤسس النقابة، وهو من جمع "التسعة الأولين"
"المسني."
الرمز على العلم الآخر كان يخص أكبر عضو في آينز أول غاون، والذي كان محاضراً في إحدى الجامعات في حياته الواقعية،
"شيجوتين سوزوكو."
حرّك إصبعه بسرعة أكبر من قبل وانتقل للعلم الذي يخص إحدى فتيات آينز أول غاون الثلاث، "أنكورو موتشيموتشي."
سرد مومونجا أسماء أصحاب الأعلام بسلاسة: "هيروهيرو، بيرورونتشينو، بوكوبوكوتشاغاما، تابلولا سماراغدينا، المحارب تاكيميكازوتشي، فاريبل تاليسمان، غينجيرو-"
لم يستغرق ذكر أسماء رفاقه الأربعين وقتا طويلاً؛ لا زالت أسمائهم محفورة في ذاكرة مومونجا. تمدد مومونجا على العرش وقال:
" أجل، كانت أوقاتاً ماتعة.."
أنفق مومونجا ثلث راتبه على اللعبة، على الرغم من أنها لا تتطلب اشتراكاً شهري. لم ينفق ذلك القدر من المال لأنه كان يمتلك الكثير؛ بل لأنه لم يملك أي هوايات أخرى؛ لذلك صرف ماله على ايغدارسيل.
هناك آلة قمار في اللعبة يمكن للّاعبين بها أن يدفعوا مالاً مقابل فرصة لربح جائزة؛ أنفق مومونجا معظم علاوته عليها، وبالكاد استطاع الفوز بعنصر نادر منها، ولكن جن جنونه حين عرف أن رفيقه ياميكو فاز بنفس العنصر ولم ينفق إلا ثمن وجبة غداءه.
بما أن كل أعضاء النقابة تقريبا يملكون وظائفاً في العالم الواقعي، لم يمانع أغلبهم إنفاق بعض المال على هذه الهواية، ومنهم مومونجا الذي كان من أكثر المنفقين؛ ربما كان من أكثر المنفقين على مستوى الخادم بأكمله؛
هكذا كرس مومونجا وقته. خوض المغامرات أمر ممتع، ولكن اللعب مع أصدقائه كان أكثر متعة.
بالنسبة لمومونجا الذي فقد والديه ولم يكن له أصدقاء في حياته الواقعية، كانت النقابة ذكرى سعيدة لأيام رائعة قضاها مع أصدقائه،
والآن ستختفي هذه النقابة؛ غمر قلبه شعور بالندم والتردد.
أحكم مومونجا قبضته حول عصا آينز أول غاون؛ لم يكن إلا موظفاً مكتبياً عادياً، ولم يملك لا القوة المادية ولا العلاقات اللازمة لتغيير الحقيقة؛ لم يكن إلا لاعباً آخر ما بيده حيلة إلا أن يراقب وقت الإغلاق يقترب.
أشارت ساعته إلى الثانية عشرة إلا ثلاث دقائق؛ سيُغلق الخادم في تمام الثانية عشرة. بقي وقت قليل. سينتهي العالم الافتراضي، وسيضطر للعودة إلى الواقع في اليوم التالي. طبيعي أن يحدث هذا؛ لا أحد يستطيع العيش في عالم افتراضي، ولهذا السبب غادر الجميع واحداً تلو الآخر.
تنهد مومونجا، عليه أن يستيقظ غدا الساعة الرابعة، لذلك يجب أن بخلد للنوم حين تُغلق خوادم اللعبة مباشرة حتى لا يؤثر سهره على عمله.
[ 23:59:35, 36, 37]
ضبط مومونجا ساعته لتعد الثواني:
[23:59:48, 49, 50]
أغلق مومونجا عينيه.
[23:59:58، 59
انتهى العد التنازلي. انتظر انسدال الستائر على عالمه الخيالي؛
انتظر تسجيل الخروج التلقائي-
[0:00:00...1,2,3]
"..هاه؟"
فتح مومونجا عينيه؛ لم يعد إلى غرفته المألوفة؛ لا زال في غرفة العرش في ايغدارسيل
"ما الذي يحدث؟"
لقد حل الوقت؛ يفترض أن يُسجل خروجه تلقائياً لأن اللعبة أُغلقت.
00:00:38
الساعة تجاوزت منتصف الليل بالتأكيد. لا يمكن أن هناك عطلاً في النظام أخلّ بعمل الساعة.
تلفّت مومونجا الحائر حوله باحثاً عن أدلة تساعده.
" هل من الممكن أن إغلاق اللعبة تأجل--؟ أو ربما مددوا وقت اللعب كتعويض؟
خطرت احتمالات عدة فيعقله، لكنها كلها بعيدة عن الحقيقة. الاحتمال الأقرب للتصديق هو أن قوة لا تقاوم ظهرت فجأة، ومددت موعد الإغلاق؛ لكن لو حدث ذلك لأعلن منظمو اللعبة عن الأمر. قاممومونجا بسرعة وحاول أن يفتح قائمة الرسائل كان قد أغلقها- لكنه توقف؛ لم تفتح القائمة.
"ماذا .. يحدث؟"
كان مومونجا مرعوباً، محبطاً ومرتاباً، ولكنه أيضا مصدوم من هدوءه في مثل هذه الظروف. قرر أن يجرب وسائل أخرى؛ الاتصال الإجباري الذي لا يحتاج لقائمة، خاصية المحادثات، الاتصال بأحد المنظمين، تسجيل خروج إجباري-
لم يحدث شيء؛ كأنهم حُذفوا من نظام اللعبة.
"..ما الذي يحدث بحق الإله؟!"
تردد صدى صوت مومونجا الغاضب في أنحاء غرفة العرش، ثم اختفى.
اليوم آخر يوم في ايغدارسيل؛ أمور كهذه من المفترض ألا تحدث. هل هذا مقلب؟
كان مومونجا منزعجاً لأنه لم يستطع أن ينهي مسيرته في اللعبة بالطريقة التي تهيأ لها، والكلمات التي قالها أظهرت الغضب الذي اعتراه. من المفترض ألا يكون هنالك أي رد على ارتيابه-
لكن..
"ما الخطب يا مومونجا-ساما؟"
تلك كانت أول مرة يسمع فيها صوت المرأة الجميلة.
تفاجئ مومونجا حين سمع الصوت، وظل يبحث عن مصدره. حين وجد صاحبة الصوت، لم يستطع أن يتكلم لدهشته؛
الشخص الذي أجابه كان شخصية غير لاعبة رافعة رأسها- ألبيدو.
الجزء الثالث
قرية كارن.
تقع قرية كارن بين حدود المملكة والإمبراطورية؛ قرب الطرف الجنوبي لجبال الأزيليريسيا؛ على حدود غابة تسمى بغابة توب العظيمة. كان عدد سكانها مئة وعشرون نسمة، مقسمين لخمسة وعشرين عائلة، ولم يكن العدد مستغرباً باعتبار أنها قرية على تقع على حدود مملكة ري- ايستايز.
عاشت القرية على الزراعة وخير الغابة. الزوار الوحيدون للقرية، باستثناء الأطباء والمعالجين الذين يبحثون عن الأعشاب، كانوا محصلي الضرائب الذين يأتون مرة كل سنة. من يعش في القرية يشعر كأن الزمن فيها متوقف.
يبدأ القرويون أيامهم في ساعات الصباح المبكرة؛ لا تمتلك القرى النور السحري المعروف بـ 「 الضوء المستمر 」 ، والذي تمتلكه المدن، لذلك كان على القرويين أن يستيقظوا مع شروق الشمس للعمل بجد حتى الغروب.
أول شيء تفعله إنري إيموت بعد استيقاظها المبكر، هو جلب الماء من البئر القريب؛ إحضار الماء كان مهمة النساء، وتنتهي مهمة إنري الأولى حين يمتلئ خزان البيت. بحلول ذلك الوقت، تكون أمها قد انتهت من تحضير طعام الفطور لعائلتهم المكونة من أربعة أفراد. الفطور كان إما عصيدة شعير أو قمح، ومعها خضروات مطبوخة، وأحياناً فواكة مجففة أيضا.
بعد الفطور، تذهب للعمل في الحقول مع والديها، أما أختها ذات السنوات العشرة، فتذهب إلى الغابة لتجمع الحطب أو قد تساعد في الحقل. حين يرن الجرس في منتصف القرية - ساحة القرية- ليعلن حلول الظهر، يأخذ الجميع وقتاً مستقطعاً ليأكلوا الغداء. يتكون طعام الغداء من خبز أسمر أُعد قبل أيام، مع حساء ولحم منثور عليه. يُستكمل العمل بعد الغداء، وحين تغرب الشمس، يعودون لمنازلهم للعشاء.
يأكلون على العشاء خبزاً أسمراً مثل الغداء، مع حساء الفاصولياء. إن تمكن صيادو القرية يوماً من صيد فريسة، فسيحظون بلحم على موائد عشائهم. بعد العشاء، تجتمع العائلة حول النار ليهتموا بأعمالهم المنزلية كخياطة ما تضرر من الملابس، ثم يخلدون للنوم عند الساعة الثامنة. وُلدت إنري إيموت قبل ستة عشر عاماً، وأصبحت جزءاُ من القرية حينها؛ هكذا عاشت الأيام طيلة حياتها. تساءلت في قلبها؛ كم يوماً كهذه الأيام سأعيش؟
لم يكن اليوم مختلفاً عن غيره؛ بعد أن استيقظت، ذهبت إلى البئر لتجلب الماء،
وبعد أن ملأت دلوها، ستحتاج أن تعود للبئر ثلاث مرات كي تملأ خزان المنزل.
"حسنُ~"
شمّرت إنري عن ذراعيها الذين لم تسفعهما الشمس؛ كان لونهما الفاتح بارز. الحياة الزراعية الطويلة أعطت الفتاة ذراعين قويتين جدا، مع أن شكلهما النحيل لا يوحي بذلك. كانت الدلاء ثقيلة بعد أن ملأتها بالماء، لكن إنري حملتهم كالمعتاد.
لو كانت الدلاء أكبر، لقلّت مرات ذهابي, ألن يكون ذلك أسهل؟ لكن لو كانت أكبر، ربما لن أستطيع حملهم..
أثناء تفكيرها بهذه المشكلة في طريق العودة، سمعت إنري صوتاً والتفتت نحوه. توتر الجو، وشعرت الفتاة بالخوف يتسلل إلى قلبها.
سمعت صوت يشبه تحطم الخشب، ثم-
"صرخة..؟"
بدا كصوت طائر مخنوق، ولكن يستحيل أن يكون هذا صوت طائر. سرت رعشة في جسد إنري؛ مستحيل، لا بد أن هنالك خطأ ما. يستحيل أن يكون صوت إنسان. حاولت بهذه الأفكار أن تخفف توترها، لكنها اختفت. عليها أن تجري لمصدر الصرخة لأنها أتت من اتجاه منزلها.
ألقت إنري الدلاء جانباً؛ لا يمكنها أن تركض مع هذا الحمل الثقيل. كادت أن تتعثر بتنورتها الطويلة لولا وقوف الحظ معها. عاد ذلك الصوت مرة أخرى، وانقبض قلب إنري. لا شك في هذا- إنه صرخة إنسان. ركضت، وركضت، وركضت. لا تذكر إنري أنها ركضت أسرع من هذا في حياتها كلها؛ ركضت بسرعة كبيرة حتى كادت ساقاها أن تتشابك. صهيل أحصنة؛ صرخات ناس، وصيحات؛ اتضحت الأصوات أكثر وأكثر. استطاعت إنري على رغم المسافة أن ترى رجلاً غريباً متدرعاً ويلوّح بسيفه في وجه قروي. هوى القروي على الأرض يتأوه ألماً، وبضربة أخرى قُضي عليه. "مورغا-سان.." لا غرباء في قرية صغيرة مثل هذه؛ الجميع مثل الأقارب؛ لهذا كانت إنري تعرف تماماً الرجل الذي قُتل أمام عينيها.
كان السيد مورغا رجلاً صاخباً، ولكنه طيب؛ لم يرتكب خطأ، ولم يستحق أن يموت هكذا. أرادت إنري أن تتوقف- لكنها في النهاية استجمعت قوتها وأكملت ركضها.
المسافة التي كانت تراها يسيرة أثناء جلبها الماء غدت كأنها طريق لا نهاية له. بين صيحات الناس صرخاتهم، رأت منزلها أمامها أخيرا.
"أبي! أمي! نيمو!"
فتحت إنري الباب وهي تنادي على أهلها؛ ثلاث وجوهٍ مألوفة يعتريها خوف غير مألوف؛ كانوا جامدين، لكن حين دخلت إنري، لانت ملامحهم وتبدل خوفهم لراحة.
"إنري! هل أنتِ بخير؟"
حضنها والدها بذراعيه القويتين من العمل في الحقول.
"إنري..."
ألقت أمها ذراعيها الناعمتين حول ابنتها.
"حسنٌ، إنري هنا، علينا إذن أن نهرب!"
كانت أسرة إيموت في خطر محدق؛ بقوا في المنزل لأنهم قلقوا على إنري، ولهذا فاتتهم الفرصة المثالية للهرب. الخطر الذي يهدد حياتهم سيأتيهم أي لحظة. أثناء تفكيرهم بما يخافونه؛ أصبح الخوف حقيقة؛ في اللحظة التي أوشكت فيها العائلة على الفرار، ظهر رجل أمام باب المنزل؛ أشعة الشمس خلفه لامعة. كان فارساً يرتدي درعاً كاملاً وعلى صدره شارة إمبراطورية باهاروث، ويحمل في يده سيفاً طويل.
تجاور إمبراطورية باهاروث مملكة ري-إيستايز، وكلتاهما قد خاضتا حروب ضد بعضهم، ولكن لم تصل نار الحروب إلى أبعد من حصن مدينة إي-رينتل من قبل، حتى الآن.
الحياة الهادئة التي استمتعوا بها تنتهي هنا.
أحسّت إنري بنظرات الرجل الباردة عليها من خلف فتحة خوذته؛ كأنه يحصي عدد أفراد عائلتها؛ أخافها ذلك. أحكم الفارس قبضته حول السيف، وصوت احتدام سُمع عندما اصطدمت قفازاته المعدنية بالسيف. كان على وشك دخول البيت-
اندفع والدها نحو الرجل وأبعده عن الباب.
"أسرعوا واهربوا!"
"اللعنة!"
سال الدم من جرح صغير في وجه الأب؛ لا بد أنه جُرح حين رمى نفسه على الفارس.
تدحرج والد إنري وهو يصارع الفارس على الأرض؛ أمسك الفارس بيد الأب التي كان يحمل بها سكيناً، بينما صارع الأب ليبعد يد الفارس عن سيفه.
منظر الدم يسيل من أحد أفراد عائلتها أفزع إنري؛ حارت هل تساعد أباها أم تهرب.
"إنري! نيمو!"
أعادت صيحات الأم انتباه إنري لها،
والتفتت الفتاة لترى أمها تهز رأسها والألم يعتصر قلبها. أمسكت إنري يد أختها وهرعت خلف أمها؛ على الرغم من الندم والتردد، كانت تعرف أن عليهم الهرب نحو غابة توب العظيمة.
صهيل الأحصنة والصيحات الغاضبة؛ صوت ضرب الحديد ورائحة الأجساد المحترقة؛ كلها اخترقت أذني إنري وأنفها آتية من اتجاه قريتها؛ من أين أتت؟ ركضت إنري بكل طاقتها وحاولت استيعاب الأمور. حين مرت بمساحات مفتوحة، كان عليها أن تركض بانحناءة ، أو تختبئ في ظلال البيوت حتى لا تُرى. ضربات قلبها أبعدت الخوف الذي كاد أن يجمدها؛ واليد الصغيرة في يدها دفعتها للاستمرار، يد أختها. توقفت الأم التي كانت تركض أمامهم فجأة، ثم تراجعت وهي تشير لبنتيها بخوف أن يركضا في اتجاه مختلف. قاومت إنري دموعها حين استوعبت لم فعلت أمها ما فعلت؛ أمسكت بيد أختها الصغيرة وفرّت من هناك؛ لم ترد أن ترى ما سيحدث بعد ذلك.
الجزء الرابع
"ما الخطب يا مومونجا-ساما؟"
كررت ألبيدو سؤالها، ولم يعرف مومونجا كيف يجيب. أمور كثيرة لم يستطع فهمها؛ ما حدث حيّر عقل مومونجا.
"اعذرني."
حدق مومونجا في ألبيدو التي وقفت بجانبه فاغر الفم.
"هل أنت بخير؟"
قرّبت ألبيدو وجهها الجميل من وجه مومونجا وهي تتفحصه؛ رائحة عطر خفيفة دخلت أنفه؛ بدا أن تلك الرائحة أعادت لمومونجا قدرته على التفكير، وأعادت عقله الحائر إلى صوابه.
"ما.. ما من خطب.. أبدا."
مومونجا ليس شخصاً معتاداً على مخاطبة الدمى بأدب، ولكن حين سمع صوت ألبيدو، شعر أن عليه إجابة أسئلتها باحترام؛ حركاتها، طريقة كلامها، وجودها كله يوحي بأنها إنسانة حقيقية. لم يعرف مومونجا السبب، لكنه أحس أنه علاقته بألبيدو أمر خاطئ. كل ما يمكن فعله الآن هو كتم خوفه وصدمته ومشاعره كلها؛ لكن مومونجا ليس إلا بشراً عادياً، ولا يقوى فعل ذلك. كان مومونجا على وشك الصراخ حين تذكر كلمات قالها أحد رفاقه:
- الخوف بداية الخسارة؛ لذا حافظ على هدوئك وفكر بعقلانية. اهدأ، وانظر إلى البعيد؛
لا تضيّع جهدك على التفاصيل التي لا تهم يا مومونجا-سان.
هدأت نفس مومونجا لمّا تذكر هذه الكلمات، وشكر في صمت بونيتّو موي، تشوغ ليانغ* آينز أول غاون.
"هل هناك مشكلة؟"
إنها قريبة منه جدا؛ قريبة لدرجة أنه يشعر بنَفَسها. أمالت وجهها بطريقة لطيفة عندما سألته، والهدوء الذي استعاده مومونجا بعد عناء يكاد أن يضيع بسبب قربها.
"... يبدو أن خاصية الاتصال بمنظمي اللعبة لا تعمل."
تحت سحر عيني ألبيدو، لم يملك مومونجا إلا أن يتساءل بشأن الشخصية غير اللاعبة. في حياته السابقة، لم يسبق لمومونجا أن يحظى باهتمام رومانسي من الجنس الآخر، ناهيكم عن اهتمام فتاة مثيرة كألبيدو. كان منبهرًا بواقعية انفعالاتها وحركاتها مع أنه يعرف أنها مجرد شخصية غير لاعبة.
هدأت مشاعره التي اشتعلت في صدره قبل قليل، وكأن شيئا ما أخمدها؛ انزعج مومونجا من ضعف مشاعره وتساءل إن كانت كلمات رفيقه هي السبب.
هل هي حقاً السبب؟
هز مومونجا رأسه؛ هذا ليس وقت التفكير بهكذا الأمور.
"أرجوك سامح عجزي عن إجابة سؤالك بخصوص الاتصال بمنظمي اللعبة. أنا آسفة لأني لم أكن على مستوى توقعاتك. لا شيء سيسعدني أكثر من أن تعطيني فرصة أخرى لأصحح بها غلطتي. أرجوك أمرني بما شئت."
... إننا نتحادث؛ لا شك في هذا؛ صدمت الحقيقة مومونجا لدرجة أنه فقد القدرة على الكلام.
مستحيل، هذا مستحيل؛
المحادثات الوحيدة التي يمكن للشخصيات غير اللاعبة أن تكون طرفاً فيها هي الردود المبرمجة التي تُفعّل حين تُخاطب بطريقة معينة. يمكن للّاعبين أن ينزّلوا بيانات صوتية كالتشجيع وصيحات الحروب، ولكن أن تجعل شخصية غير لاعبة تخوض محادثة عادية لمهمة مستحيلة؛ حتى رئيس الخدم سيباس لا يمكنه إلا أن يستقبل الأوامر البسيطة.
لماذا حدث المستحيل؟ هل هي خاصية لألبيدو فقط؟
أشار مومونجا لألبيدو بيده أن تنصرف، وظهرت خيبة الأمل على وجهها وهي تبتعد. التفت مومونجا لرئيس الخدم والخادمات الست الذين لا زالت رؤوسهم مطأطئة.
"سيباس! يا خادمات!"
"نعم!"
صدحت أصواتهم كصوت واحد، ورفع رئيس الخدم والخادمات رؤوسهم.
"اقتربوا من العرش."
"عُلم."
أجابوا كشخص واحد؛ وقفوا ثم مشوا إلى مقدمة العرش قبل أن يركعوا مجدداً ويطأطئوا رؤوسهم.
عرف مومونجا شيئان مما حدث؛ الأول أنه لا يحتاج قائمة الأوامر المعدة مسبقاً، فالشخصيات فهمت مقصده ونفذت أوامره؛ الثاني هو أن ألبيدو ليست الوحيدة القادرة على الكلام. كل الشخصيات غير اللاعبة في غرفة العرش أظهرت تصرفات غريبة. أثناء تفكير مومونجا بالأمر، عاوده الشعور أن هنالك أمراً خاطئاً بينه وبين ألبيدو؛ كي يكشف ذلك الأمر بالتحديد، حدق فيها بشدة.
"هل..هل هناك مشكلة؟ هل ارتكبت خطأ..؟"
"...!"
لم يصرخ مومونجا عندما اكتشف الأمر أخيراً، ولم يبق ساكناً؛ بل تنهد بهدوء.
إنها تعابير الوجه المتغيرة؛ فمها تحرك وهي تتكلم-
"..ـستحيل!"
وضع مومونجا يده على فكّه وتكلم-
فمه يتحرك.
هذا أمر مستحيل في ألعاب الغوص الجماعية التقمصية؛ لا تتحرك أفواه الشخصيات حين يتكلمون؛
ذلك لأن التصاميم الخارجية ثابتة، ولهذا كان من المستحيل تصميم تعابير الوجه.
أضف لكل هذا أن وجه مومونجا كان على هيئة جمجمة بلا لسان ولا حلق. نظر إلى يديه فوجدهما عظميّتين كما في السابق؛ بإمكانه أن يرى أيضاً أنه لا يملك رئتين ولا أعضاء داخلية؛ إذن كيف له أن يتكلم؟
"مستحيل.."
أحس مومونجا أن يقينه تبخر، وأخذت الحيرة مكانه. قاوم رغبته بالصراخ، وكما توقع، سكنت مشاعره فجأة.
ضرب مومونجا العرش بقوة، وكما توقع أيضاً، لم تظهر قيمة الضرر.
"... ما الذي علي فعله.. هل بإمكاني فعل شيء؟"
لم يعرف شيئاً عم يدور حوله، ولن يساعده أحد حتى لو غضِب. يجب عليه أولا أن يبحث عن دلائل.
"—سيباس."
كانت تعابير سيباس صادقة ومخلصة؛ بدا كشخص حقيقي.
لا بأس في إعطاءه بعض الأوامر، صحيح؟ مع أنه لا يعلم ما قد يحصل، إلا أن بإمكانه على الأقل افتراض أن كل الشخصيات غير اللاعبة في الضريح موالية له، صحيح؟ كل ما يعرفه هو أن الناس أمامه قد لا يكونوا نفسهم الذين صنعهم الرفاق معا.
أسئلة كثيرة دارت في عقل مومونجا، وصاحبها إحساس مزعج، لكنه كبت مشاعره عليه أن يجرب أمراً، ولا خيار أمامه إلا سيباس. التفت مومونجا إلى ألبيدو، لكنه توقف وقرر إرسال سيباس.
تخيل مومونجا رؤساء الأقسام وهم يأمرون موظفيهم، ثم قلد هيئتهم الآمرة وقال: "اخرج من الضريح وتفقد المنطقة المحيطة به. إن رأيت مخلوقات ذكية، فكن مسالماً معهم وادعهم إلى الضريح. كن متجاوباً مع الطرف الآخر قدر الإمكان، ولا تبتعد عن الضريح بأكثر من كيلو متر واحد، ولا تهاجم بلا حاجة."
عُلم، مومونجا-ساما. سأفعل ما قلت حالا."
في ايغدارسيل، لا يمكن لشخصية صُممت لأجل حماية قاعدة النقابة أن تغادر القاعدة تحت أي ظرف؛ يبدو أن تلك القاعدة تغيرت الآن؛
كلا، لا يمكنه أن يتأكد إلا بعد عودة سيباس.
"... اختر إحدى عضوات الثريا لتذهب معك. في حال بدأت معركة، دعها تعد فوراً كي تخبرني بكل شيء."
هذه ليست إلا أول خطوة.
أفلت مومونجا عصا آينز أول غاون؛
لم تسقط، بل ظلت تطفو كأن أحداً ما يمسكها؛ أمر يخرق قوانين الفيزياء، لكنه ممكن ومقبول في اللعبة. هناك عناصر أخرى في ايغدارسيل تطفو في الهواء أيضا حينما تُترك.
التفّت هالة العصا التي بدت كوجوه معذبة حول يد مومونجا لمّا أفلت العصا كأنها تحاول التشبث به، لكنه لم يعرها اهتمام؛ لم يكن معتاداً على رؤيتها. تذكر مومونجا أنها لها أوامر مبرمجة بداخلها، وأشار بأصابعه وأطفأ الهالة.
الخطوة التالية ستكون-
".. يجب أن أتصل بشركة اللعبة."
من المؤكد أن شركة اللعبة تعرف أكثر من غيرها عن وضع مومونجا الحالي؛ المشكلة كانت في الاتصال نفسه. عادة يمكنه الاتصال مباشرة بمنظمي اللعبة عن طريق استخدام خاصية الاتصال من القائمة أو خاصية المناداة، لكن إن كانت كلا الطريقتين بلا فائدة..
「 رسالة 」 ؟
إنها طريقة سحرية تستخدم للتواصل في اللعبة؛
عادة ما تكون هذه الطريقة مقيدة بأماكن ومواقف معينة، ولكن ربما يمكنه الاستفادة منها الآن. تكمن المشكلة في أنها صُممت أساساً للتواصل بين اللاعبين، لهذا قد لا تنفع مع منظمي اللعبة، وفي وضع استثنائي كهذا، لا أحد يعلم حتى إن كانت ممكنة.
"..لكن.."
عليه أن يجرب؛
مومونجا ساحر مستواه مئة؛ إن لم يستطع استخدام السحر، فستتأثر تحركاته وقدرته على جمع المعلومات، وكذلك قوته القتالية تأثراً عظيم. عليه أن يتحقق من قدراته السحرية الآن وبسرعة. الآن، أين يمكنني أن أجرب سحري.. أثناء تفكيره بجواب السؤال، نظر مومونجا حوله وهز رأسه؛ لم يرد ممارسة تجارب سحرية في غرفة مقدسة كغرفة العرش. فكر مومونجا في أماكن أخرى مناسبة للسحر، ثم خطر في باله المكان المطلوب. يجب أن يجرب أمراً آخر أيضاً غير قدراته السحرية؛ يجب أن يتأكد من سلطته؛ عليه أن يعرف ما إن كانت قواه ومميزاته باعتباره قائد نقابة آينز أول غاون موجودة.
حتى تلك اللحظة، كل الشخصيات غير اللاعبة التي قابلتها كانت موالية له؛ لكن توجد في ضريح نازارك العظيم شخصيات غير لاعبة توازي قوته ذاتها؛ عليه أن يضمن ولاءهم.
لكن-
نظر مومونجا إلى سيباس والخادمات الركّع أمامه، ثم التفت إلى ألبيدو بجانبه؛ كانت تبتسم ابتسامة جميلة، لكنها تبدو كقناع يخفي وراءه أمراُ آخر.
توتر مومونجا؛ كانت الشخصيات غير اللاعبة موالية له، لكن هل ستبقى كذلك؟
لو كنا في العالم الواقعي، لن يوالي أحد زعيماً يخسر على الدوام؛ هل هذا ما ستفعله الشخصيات أيضا؟ أم أنهم ولاءهم المبرمج ولاء محفوظ للأبد؟
ولو خسر ولاءهم، كيف يستعيده؟ مكافآت؟ هناك ثروة كبيرة في الخزينة؛ مع أنه يصعب عليه أن يصرف الكنوز التي تركها له رفاقه، لكنهم سيتفهمون موقفه لأنه سيصرفه على نقابة آينز أول غاون. السؤال الآن هو ما حجم المكافآت التي سيمنحها لهم، وهل هو أعلى من الآخرين لأن مستواه أعلى؟ كيف يقاس العلو؟ لم يعرف ذلك حتى الآن؛ لكنه كان يشعر أنه لو حافظ على هذا الديماس، فسيفهم كل شيء فيما بعد.
أو ربما-
"- القوة؟"
مد يده وأمسك عصا آينز أول غاون التي كانت تطفو حوله.
"قوة عارمة؟"
شعّت الجواهر السبع التي في العصا، كأنها تطلب من سيّدها أن يستخدم قواها الهائلة.
".. انس الأمر؛ سأفكر بشأن هذا لاحقاً."
أفلت مومونجا عصاه التي هوت على الأرض وكأنها غاضبة منه. على أية حال، لن يعارضه أحد الآن طالما لعب دور القائد؛ في عالم الحيوان أو الإنسان، لا يهجم العدو إن لم تظهر فريسته ضعفها. أعلن مومونجا بصوت قوي:
" يا عضوات الثريا باستثناء مرافقة سيباس التي اختارها، اذهبن إلى الطابق التاسع واطردوا أي دخيل يصل من الطابق الثامن.
"عُلم، مومونجا-ساما."
أتى ردهن باحترام.
"ابدأن الآن."
"حاضر يا سيدي!"
صدحت أصواتهن مرة أخرى. انحنى سيباس والخادمات مرة ثانية لسيدهم الجالس على العرش، ثم نهضوا وغادروا في نفس الوقت.
فُتحت الأبواب العملاقة ثم أغلقت، واختفى سيباس والخادمات خلفها. من الجيد أنهم لم يرفضوا ولم يعارضوا. انزاح هم ثقيل من على صدر مومونجا، والتفت ليرى الشخص الباقي بجانبه؛ كانت ألبيدو بانتظار الأوامر. ابتسمت ثم سألته " ما الذي تريد مني فعله يا مومونجا-ساما؟"
"همم حسنٌ."
نهض مومونجا من العرش ليأخذ العصا قائلاً: "تعالي."
"نعم."
اقتربت ألبيدو الباسمة. على الرغم من حذره من العصا السوداء التي كانت تحملها، قرر مومونجا أن يتجاهل وجودها مؤقتاً. في هذه الأثناء، كانت ألبيدو قد اقتربت لدرجة أنه كان يستطيع أن يحضنها لو شاء. رائحتها عطرة- لحظة، ماذا دهاني؟ أبعد مومونجا أفكاراً بدأت تخطر على باله مجددا؛ هذا ليس وقت العبث.
مد مومونجا يده ليلمس يد ألبيدو.
"..هاه؟"
بدا الألم على وجه ألبيدو؛ وسحب مومونجا يده بسرعة كأن الكهرباء لسعته.
ما هذا؟ هل أزعجتها؟
مرت ذكريات سيئة أمام عينيه، لكن مومونجا عرف الأمر في النهاية.
"..آها-"
رتبة الأوفرلورد هي من أعلى رتب الليتش الأكبر*، ومن قدراتهم الخاصة هي قدرتهم على إلحاق الأذى بأي شيء يلمسونه؛ ربما هذا السبب؟ حتى إن كان هذا هو السبب، لا زالت عنده أسئلة ليطرحها.
في ايغدارسيل، كل الوحوش والشخصيات غير اللاعبة التي تظهر في ضريح نازارك تعتبر منتمية لنقابة آينز أول غاون، لهذا لا يمكن إلحاق الضرر للأعضاء في حال هاجموا بعضهم بعضاً.
هل هذا يعني أنها لم تعد تنتمي لنقابتنا؟ أم أن إلحاق الضرر أصبح مسموحاً به؟
الاحتمال الثاني كان أقرب للتصديق.
اعتذر مومونجا من ألبيدو قائلا:
"سامحيني، لقد نسيت إغلاق قدرة إلحاق الضرر باللمس."
" أرجوك انس الأمر يا مومونجا-ساما، فذاك الألم لم يكن شيئاً يذكر. من أجلك يا مومونجا-ساما، سأتحمل أي شـ..- كيا!"
"أ..هذا .. لا، لا، علي الاعتذار."
كان مومونجا مأخوذاً بصرخة ألبيدو اللطيفة وبمحاولتها الخجولة لتغطية وجهها؛
اعتذاره لم يكن قوياً كما أراده. لا زالت معرضة للضرر باللمس إذن. أبعد مومونجا عينيه عن ألبيدو التي راحت تقارن بين ألم لمسة مومونجا الذي لا يكاد يذكر أمام ألم العذراء، وبدأ يفكر كيف يغلق القدرات دائمة التفعيل- فجأة عرف الحل؛ بالنسبة للأوفرلورد مومونجا الآن، صار بإمكانه استخدام كل قواه العظيمة ببساطة، كبساطة التنفس. ضحك مومونجا على الأوضاع التي وجد نفسه مرميّاً فيها؛ بعد كل تلك الصدمات والمفاجآت، لم يعد يفاجئه شيء؛ التأقلم أمر مخيف.
" سألمسك"
"أوه.."
بعد إغلاق القدرة، لمس يد ألبيدو؛ تزاحمت في عقل مومونجا أفكار عن نعومة يدها، ولونها الأبيض، لكن مومونجا غض الطرف عن رغباته وركز على أمر واحد- النبض في معصمها.
إنه موجود؛ نبض منتظم. إنها مخلوق حي، طبعاً سيكون لها نبض.
نعم، إنها حية.
ترك مومونجا يدها ونظر إلى ذراعه؛ لم يجد إلا عظاماً بيضاء لا يغطيها لحم ولا جلد، ولأن لا دم في جسده، لم يستطع إيجاد نبض. الأوفرلورد كائن ميت حي؛ كائن تجاوز الحياة والموت؛ أمر طبيعي أنه لا ينبض.
عاد بنظره إلى ألبيدو، ورأى انعكاس صورته في عينيها الذهبيتين اللامعتين. خدّاها متوردان لأن جسدها دافئ؛ التغيرات في جسمها فاجأته.
".. ما هذا"
أليست شخصية غير لاعبة؟ أليست مجرد بيانات رقمية؟ لم تبدو كشخص حقيقي؟ أي ذكاء اصطناعي يقدر على فعل هذا؟ السؤال الأهم الآن، لم تبدو ايغدارسيل وكأنها عالم واقعي.. مستحيل.
هز مومونجا رأسه منكراً الأمر. يستحيل أن يحدث أمر خيالي كهذا، ولكن حين دخلت هذه الفكرة رأسه، صعب عليه أن يُخرجها. لم يعرف مومونجا خطوته التالية.
الخطوة التالية..أجل، الخطوة النهائية. إن تأكد من أمر واحد، كل شكوكه وتخميناته ستصيب. أهذه الحياة الواقعية أم الخيال؟ عليه أن يفعل هذا، ولو هاجمته بسلاحها، فلا حيلة لديه.
"ألبيدو..هــ..هل لي أن ألمسك؟"
"..هاه؟
سكن الهواء بينهم، واتسعت عينا ألبيدو. شعر مومونجا بالضيق حين استوعب كلماته.
"علي أن أفعل هذا" ما الذي كان يفكر فيه بحق الله، أن يقول شيئاً كهذا لامرأة؟ أراد أن يصرخ "حقير!" بأعلى صوته. أن تستغل منصبك العالي في النحرش الجنسي لهو الحقارة بعينها، لكن ما من خيار آخر؛ عليه أن يفعل هذا. عاد الهدوء لأعصاب مومونجا بعد أن أقنع نفسه بكلامه، ثم أكمل محادثته قائلاً برفعة:
"لا مشكلة في ذلك، صحيح؟"
بالطبع هناك مشكلة.
على العكس من مومونجا المتوتر، غمرت ألبيدو الفرحة وابتسمت له ابتسامة مشرقة قائلة:
"بالطبع يا مومونجا-ساما. لا مشكلة أبداً."
عدلت ألبيدو وقفتها استعداداً لفحص مومونجا الذي جف حلقه من شدة التوتر.
سيلمسها الآن.
.
جزء من عقله متوتر ومشدود، والجزء الآخر هادئ وساكن يراقب تحركاته. كان يعرف مدى حماقته، وتساءل لم فكر بهذا، ولماذا لا يزال يكمل فعلته هذه رغم كل شيء. استرق النظر إلى ألبيدو ورأى عينيها اللامعتين، وكانت الفتاة تتحرك في مكانها كأنها تستعجله. لا يعرف مومونجا هل هدّأ يديه بسبب الإحراج أم الحماسة، لكنه مد يده في النهاية ولمس شيئاً ناعماً تبعه صوت تأوه ألبيدو، والذي بدوره أثبت أمراً آخرا لمومونجا. لو كان عقله لا زال يعمل، فأمامه نظريتان؛ الأولى هي أن هذه لعبة غوص جماعية جديدة؛ هذا يعني أن في اللحظة التي أُغلقت فيها ايغدارسيل، لعبة جديدة "ايغدارسيل 2" أخذت مكانها مباشرة؛ لكن في ظل اكتشافه الأخير، تبدو هذه النظرية ضعيفة؛ هذا لأن التصرفات المخلة المصنفة 18+ ممنوعة تماماً في هذا النوع من الألعاب، ومن يدري، ربما الأفعال الأقل إخلالاً ممنوعة أيضاً. أي شخص يرتكب مثل هذه الأمور يًعاقب بنشر اسمه على موقع اللعبة الرئيسي، ويُمسح حسابه أو عقوبة اسوأ من هذه. حين تُسجل هذه الأمور وتُنشر علناً، قد يُعاقب منظمو اللعبة أيضاً بجريمة الدعارة أو التجارة الجنسية، والتي تخل بقانون حماية المجتمع؛ لهذه الأسباب يبتعد اللاعبون عن أي فعل مشين ويرونه أمراً محظور. لو كان في اللعبة، لأوقفت شركة الألعاب تصرفاً كتصرفه مع ألبيدو بطريقة ما؛ لو كان منظمو اللعبة يراقبون، لمنعوا مومونجا من فعلته المشينة، لكن لم يحدث أي اعتراض أو مقاومة.
أضف لهذا أن قوانين الأمن الرقمي التي تحمي ألعاب الغوص الجماعية تمنع إجبار اللاعب على المشاركة في لعبة دون موافقته، وتعتبر مخالفته اختطافاً رقمياً؛
وعلى هذا، إجبار لاعب على تجربة لعبة بهذه الطريقة يُعد جريمة يعاقب عليها القانون، خصوصاً إن لم تكن هناك طريقة للخروج من اللعبة قسراً. لا غرابة لو اضطرت الشركة لدفع غرامة أو عوقبت بالسجن على هذه الأفعال. الشركة ملزمة قانونياً بالسماح لجهاز الألعاب بتسجيل بيانات أسبوع كامل من اللعب؛ مما يسهّل محاكمتها لو اخترقت القانون؛
لهذا لو تغيّب مومونجا عن عمله لأسبوع، فسيشك أحدهم ويتفقده، ثم ستأتي الشرطة التي لن يكون عليها إلا الدخول على الملفات وسيُكشف كل شيء.
أي شركة تعرض نفسها لخطر الجريمة والاعتقال هكذا؟ بالطبع يمكنهم القول حينها أن هذه "مجرد نسخة تجريبية لايغدارسيل 2" أو أنهم "أصدروا تحديثاً جديداً للتو"، ولكن في كلا الحالتين الأمر لا يستحق أن تخاطر الشركة بنفسها لأجله.
إذن، لابد من وجود طرف ثالث لا علاقة له بشركة اللعبة. لو كان الوضع هكذا، فعليه أن ينسى كل نظرياته القديمة ويبدأ التفكير في اتجاهات أخرى، وإلا لن يجد إجابات لأسئلته. المشكلة الآن هي من أين عساه يبدأ. هناك أيضاً النظرية الثانية..
..نظرية أن العالم الرقمي قد تحول إلى واقع. مستحيل.
رفض مومونجا الفكرة بسرعة؛ كيف لشيء غير منطقي أن يحدث؟
لكن من جهة أخرى، كلما فكر بالاحتمال أكثر، أحس أكثر أنه الاحتمال الصحيح. عندها- تذكر مومونجا رائحة ألبيدو.
تنص قوانين تطبيقات ألعاب العالم الافتراضي على أنه لا يسمح لهذه الألعاب بأن تقدّم بيانات تؤثر على حاستي الشم والتذوق. على الرغم من وجود مأكولات ومشروبات في ايغدارسيل، إلا أن استهلاكها لم يكن أكثر من مجرد قيم وأرقام في نظام اللعبة. كان التأثير على حاسة اللمس محدوداً أيضاً، لئلا يخلط اللاعب بين الواقع واللعبة ويضطرب؛ هذه الحدود جعلت أنظمة الواقع الافتراضي غير مفيدة للمتاجرة الإباحية، لكن الحدود لم تعد موجودة الآن. صدمت هذا الحقائق مومونجا؛ أسئلة عديدة مرت في ذهنه مثل "ماذا عن عمل الغد؟ ماذا سيحدث لو استمر الحال هكذا؟" لكنه تجاهلها كلها.
"...لو كان هذا العالم الافتراضي محاكاة للعالم الواقعي.. فلا يمكنني تخيل حجم البيانات المستخدمة.."
بلع مومونجا ريقه؛ مع أن عقله لا يستوعب الوضع، إلا أن قلبه استوعب.
أبعد يده عن ألبيدو أخيرا؛
انتبه أنه كان ممسكاً به لمدة طويلة، لكنه برر لنفسه قائلاً أنه لم يملك خياراً آخر، وأنه طبعاً لم يستمتع بالأمر أو أي شيء من هذا القبيل.
"آسف يا ألبيدو."
تنهدت ألبيدو بخجل، وسألت مومونجا على استحياء:
"هل ستكون مرتي الأولى هنا؟"
صعق مومونجا من سؤال ألبيدو، وقبل أن يفكر رد عليها:
"..هاه؟"
توقف عقله عن العمل ولم يستطع حتى أن يستوعب سؤالها. مرة أولى؟ ما هذا؟ ما الذي تعنيه؟ ولم هي خجلة؟
"كيف تريدني أن أخلع ملابسي؟"
"..ماذا؟"
"أتريد أن أخلعهم بنفسي، أم تريد أن تفعل أنت ذلك يا مومونجا-ساما؟ لو أبقيتها فربما تتسخ، لكن إن كانت هذه رغبتك فلا اعتراض يا مومونجا-ساما."
أخيراً عاد عقله للعمل وفهم مقصد ألبيدو؛ هذا إن كان لديه عقل تحت جمجمته.
حين فهم مغزاها، شعر مومونجا بالانزعاج وقال:
"هذا يكفي يا ألبيدو."
وه، فهمت." I
"هذا ليس وقت الـ.. لا، لا وقت لدينا لمثل هذه الأمور."
"أنا اعتذر! لقد تركت رغباتي تتحكم فيّ رغم الموقف الطارئ!"
أرادت ألبيدو أن تركع اعتذاراً لكن مومونجا أوقفها بقوله:
"لا، الخطأ خطئي. سامحتكِ يا ألبيدو. الآن، لدي أوامر لك."
"أرجوك أمرني بما شئت."
"أخبري حرس كل طابق، باستثناء الرابع والثامن، أن عليهم مقابلتي في الحلبة في الطابق السادس خلال ساعة. سأخبر أورا وماريه بنفسي، فلا داعي لتخبريهم أنتِ.
"عُلم. اسمح لي بترديد الأوامر؛ باستثناء أورا وماريه من الطابق السادس، علي إخبار كل الحرس ليقابلوك في الحلبة بعد ساعة."
"صحيح. انطلقي."
"نعم."
غادرت ألبيدو غرفة العرش، وتنهد مومونجا الذي كان يراقبها تنهيدة تدل على إرهاقه. عندما خرجت من الغرفة، أنَّ مومونجا بألم قائلاً:
"..ما الذي فعلته؟ كان الأمر كله مجرد مزحة.. لو علمت حينها لما فعلتها. لقد.. لقد لوثت الشخصية اللي صنعها سماراغدينا-سان.."
سبب واحد جعل ألبيدو تتصرف معه بتلك الطريقة؛ التغيير الذي قام به مومونجا على بياناتها وقصتها؛ عندما أضاف أنها واقعة في غرامه.
لا شك في هذا.
"..آه ..تبا!"
بذل تابولا سماراغدينا جهده الجهيد في صناعة تحفته الفنية ألبيدو، وأتى شخص آخر أفسد الفن كله عبثاً ليغير ألبيدو هكذا؛ أحس بالبؤس لأنه أفسد عمل شخص آخر. نهض مومونجا من عرشه عابساً - مع أن عبسته لا ترى لأن وجهه هيكل عظمي-، وأخبر نفسه أن عليه ألا ينشغل بهذا الأمر الآن؛ يمكنه أن يشعر بالبؤس لاحقاً، بعد أن ينتهي من الأعمال المهمة.
♦ ♦ ♦ ♦ ♦ ♦ ♦ ♦ ♦ ♦ ♦ ♦ ♦ ♦ ♦ ♦ ♦ ♦
نهاية الفصل الأول
OrionTeam
ترجمة & تدقيق :(@Reemanic_) ريم