الفصل الخامس: حاكم الموت
♦ ♦ ♦ ♦ ♦ ♦ ♦ ♦ ♦ ♦ ♦ ♦ ♦ ♦ ♦ ♦ ♦ ♦
♦ ♦ ♦
الجزء الأول
لا أثر للمعركة الضروس على السهول،
اختبأ الدم المسفوك على العشب في ظلال الشمس الغاربة، وأخفت الرياح رائحة الجثث.
وقف هناك شخصان لم يكونا متواجدين على السهل منذ البداية،
ونظر إليهما قائد فرقة ضوء الشمس، نيغن، والقلق يغشى عينيه.
أحد الشخصين كان ساحراً متخفياً خلف قناع رهيب، ومرتدياً قفازات حديدية لتخفي يديه، وعليه عباءة سوداء باهرة توحي أن صاحبها ذو منصب عالي.
الشخص الآخر كان متدرعاً بدرع كاملة سوداء مذهلة؛ مؤكدٌ أنها سحرية، ونظرة واحدة تكفي لترى أنها عنصر سحري عالي المستوى.
هذان الاثنان ظهرا مكان غازيف ورجاله المحاصرين الذي اختفوا فجأة. يبدو أنهم استخدموا سحر التنقل، ولكنه لا يعرف أي تعويذة هذه. يجب عليه أن يحذر هذا الساحر الغامض.
نادى نيغن على الملائكة أن يعودوا ويتخذوا وضع الدفاع، ثم راقب الغريبين ليرى ماذا سيفعلان.
"تسرني رؤيتكم يا رجال حكومة سلين الدينية. أنا آينز أول غاون، وسأُسعد لو ناديتموني آينز."
كان يقف بعيداً عنهم، ولكن الرياح حملت لهم صوته بوضوح.
لم يرد نيغن عليه، ولهذا أكمل الغامض كلامه:
" هذه الواقفة خلفي تدعى ألبيدو. أود أن أعقد معكم صفقة، فهل لي بدقيقة من وقتكم؟.
حاول نيغن أن يجد معنى لاسم آينز أول غاون ولكن بلا فائدة، ربما كان مجرد اسم مستعار. من الأفضل لو حاول أن يستدرج المعلومات من الشخص نفسه، لذا هز رأسه مشيراً لآينز أن يكمل حديثه.
"رائع، شكرا لكم على توفير الوقت لي. حسنٌ، سأبدأ بتوضيح أمر واحد لكم يا سادة، وهو أن لا أحد فيكم يستطيع هزيمتي."
كانت الثقة واضحة في كلامه؛ هذه ليست مفاخرة أو تظاهر، بل أمر يؤمن به آينز من أعماق قلبه.
قطب نيغن حاجبيه؛
لا أحد في حكومة سلين يتجرأ بالتحدث بهذا الأسلوب.
"الجهالة تتعس صاحبها، وستدفع ثمن جهالتك."
".. لنكن واقعيين، هل تظن أن هذا ما سيحدث؟ شاهدت معركتكم السابقة، ولذا وجودي هنا يخبركم أنني واثق بالنصر. أليس من الأفضل لي لو أنني تركت الرجل يموت، لو لم أكن واثقاً؟"
إنه محق؛
ساحر مثله لديه خيارات أخرى للهجوم. يرتدي السحرة والمشعوذون عادة دروعاً خفيفة، ولذا من الأنسب لهم أن يتجنبوا القتال المباشر ويستخدموا تعويذات الطيران والكرات النارية وما أشبهها؛ إلا أن آينز قرر أن يواجههم مباشرة؛ لا شك أنه يخفي أمراً ما.
تحدث آينز بعد صمت وقال:
"عندي سؤال لكم، إن استطعتم فهمه. استدعيتم ملائكتكم باستخدام سحر من المستوى الثالث، أليس كذلك؟"
لم يسأل عن الواضح؟
أكمل آينز كلامه متجاهلاً حيرة نيغن:
"وحوشكم تشبه وحوش ايغدارسيل، لذا كنت أتساءل عما إذا كانت لها نفس الأسماء. كثير من وحوش ايغدارسيل اقتبست من الأساطير.. بالمثل للملائكة والشياطين. تأتي اقتباسات الملائكة والشياطين في غالب الأمر من المسيحية، لذلك من الغريب أن ترى ما يسمى بالملاك الأكبر في عالم لا يعرف المسيحية؛ هذا يعني أن هنالك أناس مثلي في هذا العالم."
لم يفهم نيغن شيئاً من كلام آينز واشتد انزعاجه.
"اكتفينا من هرائك مع نفسك. أخبرني الآن أين سترونوف؟"
"نقلته للقرية."
"..ماذا؟"
لم يتوقع نيغن أن يجيبه آينز، ثم فكر بالسبب وقال:
يا للحماقة. حتى لو كذبت عليك هكذا، تفتيش سريع للقريـ.."
"-لم أكذب. لقد أجبت سؤالك فقط. حسنٌ، هنالك سبب آخر لإجابتي."
"..لعلك ترجو الرحمة؟ لو وفرت علينا الوقت فسأفكر في رحمتك."
" لا لا لقد أسأت فهمي. قصدت حديثك مع القائد المحارب؛ كم أنت جريء."
تغيرت نبرة آينز فجأة، وأكمل كلامه وهو ينظر لنيغن الساخر.
"أن تتجرأ وتقول أنك ستذبح القرويين الذين أنقذتهم أنا آينز أول غاون بنفسي؛ لا أستطيع أن أتخيل شيئاً أشد إهانة."
تطايرت عباءة آينز في الهواء، ونفس الرياح التي طيّرتها هبت على نيغن ورفاقه.
بدا لينغن أن الرياح الباردة تهب من جهة آينز، لكنه أبعد الفكرة عن ذهنه؛ أجل، تلك الرياح لا تحمل رائحة الموت؛ إنها محض تخيلات.
"..ما الذي تعنيه بالإهانة أيها الساحر؟ أين هي؟"
لم يغير نيغن من نبرته الساخرة رغم خوفه الواضح؛
إنه قائد إحدى أسلحة سلين السرية، فرقة ضوء الشمس؛ كيف يخيفه اسم رجل واحد؟ مستحيل. لا يمكن.
لكن-
"أخبرتكم عن صفقة، وهاهي الشروط: سلموا أنفسكم لي بدون مقاومة، وفي المقابل لن تعانوا, لكن إن قررتم القتال، فستدفعون ثمن غبائكم وتموتون ميتة تعيسة."
تقدم آينز حينئذ للأمام؛
كانت خطوة واحدة، ولكن بدا جسده وكأنه تضخم، ورجع رجال فرقة ضوء الشمس بخطواتهم خوفاً منه.
صيحات خوف تعالت من حول نيغن.
لحضوره قوة لا توصف. هذه أول مرة يصادف نيغن شيئاً مثله، لذا كان خوف رجاله مقبول.
نيغن رجل قوي خاض حروباً لا تحصى رأى فيها الموت، وقتل أناس كثر، ولكنه شعر بضغط هائل مخيف في ظل وجود الساحر الغامض، ولا بد أن الحال أسوأ لرجاله.
من يكون هذا؟
من هو هذا الساحر؟ من المتخفي وراء القناع؟
تجاهل آينز هلع نيغن وأكمل ببرود:
"لهذا السبب لم أكذب حين أجبت سؤالك، لأن لا فائدة من الكذب على الأموات."
فرد آينز ذراعيه وتقدم خطوة للأمام كأنه سيحضنهم، لكن أصابعه المريعة ذكرتهم بوحش على وشك الانقضاض.
ارتعشت جسد نيغن؛ شعور جربه كثيراً حين صارع الموت؛ كان علامة الهلاك المنتظر.
"لتهجم ملائكتكم عليه! لا تدعوه يقترب!"
ارتجف صوت نيغن أثناء إلقاءه الأوامر وغدا كالصياح؛ ليس ليشجع رجاله، بل لأنه خائف من آينز أول غاون.
رفرف ملكان كبيران أجنحتهما تنفيذاً لأوامر نيغن ثم هجما مباشرة على آينز، وطعناه بسيفيهما الملتهبين.
توقعوا أن تصد ألبيدو الواقفة خلفه تلك الهجمة، ولم يصدقوا أعينهم حين لم تفعل ما توقعوه. لم يصعقوا لأن شيئاً ما حدث، على العكس-
لم يحدث شيء.
لم يتحرك المدعو آينز أول غاون، بل ترك الملائكة تهجم عليه؛ لم يتفادى ولم يصد، ولم يلقي تعويذة أو يأمر تابعته بالتدخل. لا شيء.
تحولت صدمتهم إلى سخرية؛
إنه يتظاهر بالقوة فحسب، وألبيدو لم تتركهم يهجمون، بل لم تستطع أن تسابق هجوم الملائكة السريع؛ هذه هي الحقيقة، إنهم ليسوا مميزين.
تنفس رجال نيغن الصعداء، وأحس نيغن بالغباء لأنه خاف من آينز، ثم التفت لألبيدو وقال:
"ضعفاء. تظنون أن بإمكانكم تخويفنا بتظاهر.."
فجأة خطر بباله سؤال؛
لم لم يسقط آينز؟
"..ما الذي تفعلونه؟ لتنسحب الملائكة! لن يسقط وسيوفهم مغروزة في جسده."
"لقد.. لقد أمرناهم بالانسحاب.."
أخافت حيرة الرجال نيغن، ثم نظر باتجاه آينز مرة أخرى؛
كان الملكان عالقان مكانهما كفراشات في شباك عنكبوت، ثم تحركا بطريقة غريبة نحو الجانب كأن أحداً يحركهما، وظهر جسد آينز من بينهما.
".. قلت لك، أليس كذلك؟ لا يمكنكم هزيمتي. ألا تصغي لمن يحذرك؟"
سمع نيغن صوته الهادئ بوضوح،
ولكنه لم يستوعب ما رأته عيناه.
لقد طعن صدره وبطنه، ولكنه ما زال واقفاً كأن شيئاً لم يحدث.
تأوه أحد رجال نيغن وقال: "مستحيل"، تماماً مثل ما قال نيغن في سره.
ضربة السيفان قاتلة بالنظر لاتجاه النصلين، ومع ذلك لا يبدو أن آينز يتألم منهما.
هذه ليست الصدمة الوحيدة؛
آينز ممسك بالملكين من رقبتيهما. حاول الملكان الافتكاك ولكن آينز لم يفلتهما.
"مستحيل.."
همهم أحدهم لنفسه. خُلقت الملائكة من قوة مستدعيها السحرية، ولكن هذا لا يعني أن أجسادها خفيفة؛ يزن كل ملك أكثر من وزن رجل بالغ، إضافة لوزن الدروع التي يرتدونها. يستحيل أن يتمكن من رفعهما من عنقيهما بهذه السهولة.
ربما يستطيع ذلك محارب قوي البنية وشديد التدريب، ولكن الرجل أمامهم، آينز، لم يكن إلا ساحراً أعطى اهتمامه للسحر بدل العضلات كبقية السحرة، وحتى لو عزز قوة جسده بالسحر، فلن يتمكن من فعل شيء كهذا مالم يكن قوياً من الأساس.
ما الذي يحدث إذن؟ لم لم يتأثر حتى بعد أن طُعن؟
"..لا شك أن هنالك خدعة."
"بالتأكيد! من يستطيع أن يتحرك بعد أن يُطعن بسيف؟"
عم الهلع قوات سلين الخاصة. كلهم خاضوا حروباً ومخاطر شتى، ولكنهم لم يروا شيئاً كهذا من قبل؛ حتى ملائكتهم عاجزة أمامه.
وصلت الهمهمات الخائفة لأذني نيغن.
"إبطال القوة العظمى- مهارة تبطل ضرر الأسلحة ذات البيانات القليلة وضرر الوحوش الضعيفة. تصد المهارة الهجمات دون المستوى الستين- هذا يعني أن أي هجمة أعلى من ذلك المستوى ستضرني. إنها قدرة إما أن تنجح نجاحاً كاملاً أو تفشل فشلا كاملا.. ويبدو أنها نجحت الآن. هذان الملكان يعيقان طريقي."
ضرب آينز بالملكين الأرض ضربة قوية هزت الأرض؛ ضربة أثبتت قوة آينز الخارقة.
مات الملكان في الحال، وتحولت جثثهما إلى جزيئات ضوئية متراقصة في الهواء قبل أن تختفي، وكذلك اختفى السيفان العالقان في جسد آينز.
"ظننت أني لو عرفت كيف سميتم هذان الملكان، فسأعرف كيف تستخدمون تعويذات ايغدارسيل، ولكن لنضع هذا جانباً الآن."
استقام آينز ببطء، ولا زال يتحدث عن أمور لم يستطع أحد فهمها،
ولكنها بثت الرعب في قلوب أعضاء فرقة ضوء الشمس، أولهم نيغن.
"لنوقف لعب الأطفال الآن. بما أنكم رفضتم صفقتي، حان دوري للرد."
فتح آينز يديه التي قتل بها الملكين قبل قليل، كأنه يريهم أن لا شيء فيهما،
ثم قال بصوت عالي:
"هل أنتم مستعدون؟ - المذبحة ستبدأ."
أصاب الغثيان نيغن من فرط خوفه؛ نيغن القاتل الذي شهد المذابح وأقامها بنفسه خائف الآن لأول مرة في حياته.
عليه أن يهرب. خطر أن يدخل في معركة ضد آينز طالما أنه الطرف الخاسر فيها،
لكن نيغن صارع مشاعره؛ لقد حاصر فريسته غازيف- كيف سمح لنفسه أن يدعه يفلت منه؟
تجاهل نيغن تحذير حدسه وصاح آمراً رجاله:
"لتهجم كل الملائكة! بسرعة!"
انطلقت الملائكة بسيوفها الملتهبة نحو آينز بسرعة البرق.
"جماعة متحمسة.. تنحّي يا ألبيدو."
سمع نيغن صوت آينز الهادئ رغم هجوم الملائكة. لم يبالي بالملائكة المحيطة به من كل اتجاه حتى أنها حجبت عنه الرؤية.
كادت السيوف أن تطعنه إلا أن آينز سبقهم بتعويذة
"「الانفجار المضاد」."
اهتز الهواء، واجتاحت موجة سوداء مظلمة من جهة آينز المكان؛
ظهرت للحظة واختفت ولكن أثرها الواضح بقي.
"مسـ..مستحيل.."
لم يصدقوا ما حدث أمامهم؛
أكثر من أربعين ملكاً قُضي عليهم بالموجة السوداء.
لم يستخدم عدوهم سحراً يبطل استدعاء الملائكة، بل هاجمهم بالموجة السوداء؛ بعبارة أخرى، استخدم آينز تعويذة قوية أنهت كل الملائكة بضربة واحدة.
ارتجف نيغن وتذكر قول أقوى رجل في المملكة، غازيف سترونوف:
"..أيها الغبي. في تلك القرية.. رجل أقوى مني؛ قوته لا تُوصف، ويمكنه أن يقضي عليكم كلكم وحده... يستحيل أن .. تقتلوا.. القرويين الذين .. يحميهم."
ما رآه أمامه يثبت كلامه.
تجاهل نيغن تلك الكلمات وحاول أن يهدأ، فهو يعلم أيضاً أن أعضاء فرقة المهمات الخاصة الأقوى، الفرقة السوداء، قادرون على هزيمة الملائكة.
هذا يعني أن عليه أن يتعامل مع آينز على أنه من نفس مستواهم. حتى لو كان آينز بنفس قوتهم، قوة عدد الرجال قد ترجح كفة النصر لنيغن.
لكن هل يستطيع أعضاء الفرقة السوداء أن ينهوا الملائكة بتعويذة واحدة؟
هز نيغن رأسه ليبعد شكوكه. لا يمكنه أن يفكر بذلك السؤال، فالإجابة قد تنهي كل فرصه. لذا أدخل يده في معطفه ولمس شيئاً أعطاه الشجاعة؛ شيءٌ آمن أن كل شيء غيره سيكون بخير طالما أبقاه معه؛
شيء لا يملكه أتباعه.
"ما..ما هذا؟!"
"إنه وحش!"
حين علموا أن ملائكتهم بلا نفع، قرروا استخدام تعويذاتهم التي يثقون بها.
「سحر الخلائل」، 「مطرقة الصواب الحديدية」، 「التوقف」، 「مطر النار」، 「التابوت الزمردي」، 「الشعاع المقدس」، 「موجة صادمة」، 「الحيرة」، 「هجوم الصواعد」، 「الجروح المفتوحة」، 「السم」، 「خوف」، 「لفظة اللعنة」، 「العمى」...
كل أنواع التعويذات أمطرت على آينز،
ورغم كل شيء، لم يتأثر.
"كل هذه التعويذات مألوفة.. من علمكم إياها؟ حكومة سلين الدينية؟ شخص آخر؟ هناك أمور كثيرة أريد أن اسألكم عنها الآن."
كل ملائكتهم ماتت على يده بضربة واحدة وكل تعويذاتهم لم تنفع معه؛
شعر نيغن أنه في كابوس.
صرخ أحد الرجال حين لم تنفع تعويذاته ثم أخذ مخذفة ووضع فيها رصاصة. شك نيغن بأن هذه الطريقة ستكون أكثر قوة من سيوف الملائكة، ولكنه لم يوقف الرجل.
انطلقت الرصاصة نحو آينز،
ثم تبعها صوت، صوت يشبه الانفجار.
في لحظة،
حدث هذا في لحظة واحدة.
لم تفارق أعينهم الهدف لأنهم كانوا في منتصف معركة، ولكن ألبيدو التي كانت واقفة خلف آينز، أصبحت أمامه بطريقة غامضة لتحميه؛ صوت الانفجار الذي سمعوه كان قد أتى من ضربها للأرض بقدمها كي تستطيع الوصول لمكانها الحالي.
بحركة أسرع من أن تلاحظها العين، حركت ألبيدو سلاحها المتوهج بالأخضر،
وسقط الرجل ذو المخذفة.
"هاه؟"
لا أحد يعرف ما حدث. هم من بدأوا الهجوم، وهم الذين وقعوا.
ذهب أحد الرجال ليفحص زميله على الأرض ثم صرخ:
"ر..رأسه مهشم!"
"..ماذا؟ مهشم.. لا تقل لي أنها الرصاصة التي أطلقها؟!"
كيف أصابته؟
في تلك اللحظة، حملت الرياح صوتاً أجاب حيرة نيغن.
"أعتذر. يبدو أن معاونتي استخدمت مهارة صد الطلقات ومهارة السهم المضاد مما عكس اتجاه الهجوم على رجلك. أظن أنكم تستخدمون سحراً دفاعياً لمواجهة الهجمات بعيدة المدى، ولكن إن كانت الهجمة أقوى مما يحتمل دفاعكم فسينهار، أليس كذلك؟ إنه أمر لا يستحق دهشتكم."
التفت آينز لألبيدو بعد أن شرح الأمر لنيغن وقال:
"لكن يا ألبيدو عليك أن تعلمي أن هجمات بعيدة كتلك لن تضرني. لم يكن هنالك داعٍ لـ.."
"لحظة أرجوك يا آينز-ساما. أي شخص ينوي قتالك يجب عليه أن يتحلى بقوة معينة. تلك الرصاصة لم تكن إلا إهانة لك!"
هاها! هذا يعني أن نيغن وجماعته فشلوا في الاختبار؟"
هاجمه يا برينسبالتي أوف أوبزرفيشن!"
أجاب الملك أمر نيغن وفرد أجنحته ثم انطلق؛
إنه ملك يرتدي درعاً تغطي جسمه كله، ويحمل في إحدى يديه صولجاناً وفي الأخرى درع دائري، وتغطي رجليه قطعة قماشية تشبه التنورة الطويلة.
برينسبالتي أوف أوبزرفيشن أقوى من الآركينجل فليمز، ولكنه لم يشارك في المعركة حتى الآن بسبب مهارته الخاصة؛ لديه القدرة على تعزيز دفاع حلفائه كلهم عن طريق مراقبتهم فقط، وهذا يتضح في معنى اسمه "أمارة المراقبة"، ولكن قدرته هذه تفقد فعاليتها إن تحرك، لذا من الأفضل أن يؤمر الملاك بأن يلزم أرضه؛
أمر نيغن له بالهجوم يثبت أنه قد بلغ أشد اليأس، وأنه مستعد لتجربة أي شيء مهما كان الثمن.
"تراجعي يا ألبيدو."
اقترب الملاك كما أُمر من آينز ورفع صولجانه اللامع، ورفع آينز يده اليسرى بلا مبالاة ليصد الهجوم.
كانت ضربات الملاك كفيلة بتحطيم العظام ولكن يد آينز لم تتأثر حتى بعد ثلاث ضربات.
"أخيراً.. أظن أن دوري حان. 「لهب الجحيم」."
ظهرت شعلة صغيرة سوداء من إحدى أصابع يده اليمنى؛ كانت صغيرة وضعيفة لدرجة أن نفخة واحدة قد تطفئها. لمست الشعلة جسد برينسبالتي أوف أوبزرفيشن وبدا شكلها مخزياً مقارنة بحجمه،
ولكن حينئذ-
التهمت نار سوداء جسد الملاك؛ نارٌ أحس نيغن من على مسافة بعيدة بلهيبها وقوتها وبالكاد استطاع أن يبقي عينيه مفتوحة من حرارتها.
ذاب جسد الملاك واختفى في الدخان الأسود بلا أدنى مقاومة، واختفت النار التي أكلته معه ولم يبق أثر وكأن ما حدث كله كان وهم.
"كيف..كيف حصل هذا؟"
"بضربة واحدة.."
"هيي!"
"مسـ..مستحيل!!" صرخ نيغن الضائع في حيرته ولم ينتبه حتى لصراخه؛
. إنه يقول ما بذهنه فحسب، ولم يشعر أنه يصرخ.
كان برينسبالتي أوف أوبزرفيشن ملكاً من المستوى العالي، وكان مستوى هجومه نسبة إلى دفاعه يساوي 3:7 ؛ أعلى نسبة دفاع مقارنة ببقية الملائكة من نفس مستواه.
نيغن أيضاً يملك قوة تعزز أداء أي وحش يستدعيه، ولهذا قلة من يستطيعون هزيمة برينسبالتي أوف أوبزرفيشن حين يكون نيغن من استدعاه؛
لم يرَ نيغن أي أحد يهزمه بتعويذة واحدة؛ حتى الفرقة السوداء التي كادت قوة أعضائها أن تتجاوز حدود البشر لن يهزموه مثله، وهذا يعني أن قوة آينز أول غاون قوة خارقة لا مثيل لها.
"غير ممكن! مستحيل! لا أحد يقضي على ملاك من المستوى العالي بتعويذة واحدة! أي رجل أنت يا آينز أول غاون؟! يستحيل ألا يسمع بك أحد من قبل. ما اسمك الحقيقي؟!"
انتزع الموقف هدوء نيغن كله وأصبح يصرخ علّ الواقع يتغير.
فرد آينز يديه مرة أخرى، وبدتا تحت ضوء الغروب كأنهما مغرقتان بالدماء.
"..لماذا تظنه مستحيل؟ ربما أنك جاهل فحسب؟ أم أنك تقصد أنك تعلم كل شيء في هذا الكون؟ هناك شيء واحد فقط يمكنه أن يجيب على تساؤلك."
ساد الصمت في انتظار الجواب، ثم تكلم آينز بوضوح شديد:
"اسمي هو آينز أول غاون، وبالتأكيد ليس اسماً مستعار."
لم يستطع نيغن أن يرد على آينز وغروره. كلام غامض من رجل غامض؛ هكذا كان وضعهم.
انزعج نيغن من صوت نفَسه العالي،
حتى صوت احتكاك العشب ببعضه كان مزعجاً، وصوت نبضات قلبه مزعج أيضاً، وكذلك تنفس أحدهم خلفه وكأنه كان يركض لفترة.
حاول أن يهدئ نفسه، ولكن مشهد آينز مع السيفين، وكيف قضى على الملائكة بتعويذة واحدة، غير مسار تفكيره.
- إنه وحش شرس لا يمكنني هزيمته.
"أ..أيها القائد، ماذا يجب علينا أن نفعل..؟"
"اعرف بنفسك فأنا لست أمك!"
أعادت نظرات الجندي الخائفة نيغن إلى صوابه.
لا يمكنه أن يفقد أعصابه أمام ذلك الوحش الغامض.
غربت الشمس عن الأفق وأوشك الظلام على أن يبتلع الأرض؛ كأن الموت قد فتح فاهه ليبتلع كل شيء أمامه. حاول نيغن أن يكتم خوفه وأمر رجاله:
"احموني! احموني إن أردتم النجاة!"
أخرج نيغن البلورة بيده المرتجفة. ابطأ الخوف تحركات أتباعه السريعة، فحتى أولئك الذين لا يهابون الموت سيترددون لو أُمروا بالوقوف أمام ذلك الوحش، ولكن نيغن احتاجهم ليوفروا له بعض الوقت مهما كان الثمن.
السحر بداخل البلورة يمكنه استدعاء أقوى ملاك عرفه الإنسان؛ ملاك هزم لوحده شيطاناً عاث بالأرض فساداً قبل مئتي عام؛
ملاك من المستوى الأعلى يمكنه أن يدمر مدينته كاملة بسهولة.
التعويذة التي تستدعي ذلك الملاك تحتاج قوة عظيمة لا يعلم أحد مقدارها، ولكنها تستحق الجهد بالتأكيد إن كانت ستسحق آينز أول غاون. ستزداد الأوضاع سوءاً لو لم يستخدم سحر البلورة أخذها آينز منه؛
هكذا أقنع نيغن نفسه خوفاً من أن يصبح كتلة لحم مثل تابعه الميت.
"سأستدعي ملاكاً من أعلى مستوى. أسرعوا ووفروا لي الوقت!"
تحرك الجنود بسرعة حين فهموا الحقيقة.
لاحظ آينز أمامهم شعلة الأمل المتوهجة فيهم، ولكنه لم يفعل شيئاً غير الهمهمة لنفسه.
"أيعقل أن تكون البلورة مسحورة.. من لمعتها يبدو أن ما بداخلها ليس سحراً من المستوى الخارق. إذن يملكون عناصر من ايغدارسيل أيضاً..أي صنف من أصناف الملائكة يمكنهم استدعاؤه.. سارافيم؟ احميني بمهاراتك يا ألبيدو. لا أظن أن بإمكانهم استدعاء ملائكة سارافيم، ولكن علينا أن نهاجمهم بجدية إن استطاعوا أن يستدعوا سارافيّ سماوي. أو ربما سيستدعون.. وحشاً فريداً في هذا العالم؟"
بقي آينز مكانه بينما كسر نيغن البلورة في يده، وانسكب منها شعاع عظيم، كأن الشمس نزلت على الأرض وكست الأرض بياضاً لامع،
وانتشر عبير في الأجواء؛
هبط الملاك الأسطوري على الأرض وابتهج نيغن.
"انظروا! الملاك الأعلى في أبهى حلة! السيد المسيطر!"
غطت الأجنحة البراقة الملاك وظهرت من بينها يدان تحملان عصا السلطة الملكية، ولكن لا أثر لرأسه ولا قدميه. كان شكله مهيباً ويظهر قدسية كيانه، فالمكان من حوله أضاء حين ظهر.
هتف رجال نيغن وصفقوا لظهور هذا الكائن الخارق، وسرت الحماسة في دمائهم؛
الآن سيقتلون آينز أول غاون؛
الآن سيخاف منهم هم،
وسيعرف مدى حماقته على يد قوة الآلهة.
قطع آينز عليهم فرحتهم وقال:
"هذا.. هذا كل ما عندكم؟ هل هذا أقصى ما لديكم..؟ هذا سلاحك السري الذي احتفظت به للنهاية ضدي؟"
ارتاح نيغن حين رأى دهشة آينز وحيرته ثم رد بابتهاج:
"أكيد! خوفك طبيعي، فهذه هي هيئة الملائكة من المستوى الأعلى. ربما من الإسراف أن استخدم قوته عليك هنا ولكنني أرى أنك تستحقه!"
"كيف يمكن.."
رفع آينز يده ببطء وغطى وجهه، واعتبرها نيغن علامة يأس وجزع.
"آينز أول غاون! الحقيقة هي أنك تستحق الاحترام لأنك أجبرتني على استدعاء أقوى الملائكة، فافخر بقوتك المخيفة أيها الساحر!"
هز نيغن رأسه وأكمل:
"أنا شخصياً أود أن أرحب بك معنا كحليف بقوتك هذه.. ولكنني لست مخولاً لفعل ذلك في هذه المهمة. مع هذا سنتذكرك- الساحر الذي جعلني أستدعي الملاك العظيم."
أتى الرد على مديح نيغن بصوت بارد:
"يا رجل..هذا مثير للضحك."
"ماذا؟"
لم يفهم نيغن مقصد آينز، ففي نظره آينز ما هو إلا تضحية مقدمة لهذا الملاك السامي الذي لا يهزم، إلا أن آينز كان مرتاحاً في مكانه.
"لا أصدق أن اتخذت احتياطات لأواجه هذه تفاهة الأطفال هذه.. أنا آسف يا ألبيدو، طلبت منك مهاراتك بلا فائدة."
"لا تقل ذلك أرجوك يا آينز-ساما. لم نعرف نوع الوحش الذي سيهاجمنا، لذلك من الطبيعي أننا تجهزنا للدفاع."
"حقاً..؟ أنتِ محقة. الأمر وما فيه هو أنني لم أتوقع هذا منهم أبدا. أنا مندهش."
لم يتحمل نيغن سخريتهم وصرخ عليهم:
"كيف تتصرفون بهذا الأسلوب أمام الملاك السامي؟!" لم يصدق أن آينز وألبيدو يدردشان متجاهلين السيد المسيطر.
سلب استخفافهم الفرحة من قلب نيغن وأبدلها رعباً وقلق.
هل يعقل أن آينز أول غاون أقوى من أعتى الملائكة؟
"كلا! مستحيل! غير ممكن! لا يمكن لأحد أن يكون أقوى من الملاك الأعلى! هذا الكائن أمامكم هزم شيطاناً! يستحيل على بشري هزيمته! لا شك أنكم تتظاهرون بالقوة!"
يبدو أن نيغن لم يعد يسيطر على مشاعره.
لا يستطيع أن يصدق أن هنالك عدو لحكومة سلين الدينية يقدر على هزيمة ملاكها الأقوى، ولا يستطيع أن يصدق أن ذلك العدو يقف أمامه الآن.
"استخدم 「الضربة المقدسة」!"
كان هذا سحراً من المستوى السابع؛ نطاق سحري لا يمكن للبشر أن يصلوا له. حتى سحرة سلين لا يستطيعون إلقاء سحر مثله، ولكن الملاك السامي يستطيع وحده، ولهذا يعد ملاكاً من الرتبة الأعلى.
التعويذة اللي أمر نيغن بها تعويذة قوية بحق.
"حسنٌ حسنٌ. أسرع واهجم. لن أفعل أي شيء. هذا سيرضيك، صحيح؟"
استهتار آينز زاد من رعب نيغن.
هذا الملاك هزم شيطاناً أسطورياً مرة، وقوته تعتبر الأشد على هذه القارة؛ إنه كائن منيع لا يقهر..
ولكن لو استطاع أحد التغلب عليه..
لو هزمه الساحر الغامض، فهذا يجعله أقوى من الشيطان الأسطوري؛
لا أحد بهذه القوة.
حطم الملاك عصاه تنفيذاً لأمر نيغن بالهجوم، وارتفع الحطام إلى السماء ودار حول جسده.
"فهمت. هذه مهارة خاصة متاحة لمرة واحدة في كل استدعاء لتعزز قوة التعويذات. يبدو أن هذه القدرة هي نفس التي في ايغدارسيل .."
「الضربة المقدسة」.
ألقيت التعويذة وأنارت أعمدة في السماء وسُمع هدير-
غرق آينز في موج الضياء السماوي اللا منتهي، ووضع يده على عينيه ليحميهما.
المستوى السابع- سحر لا يمكن للبشرية استخدامه.
تختفي كل الكائنات الشريرة تحت هذه القوة المقدسة، حتى الطيبة ستلاقي نفس المصير. الفرق بينهما هو أن الشريرة ستمحى تماما بينما تتحول الأخرى إلى جزيئات لا ترى. هذا جمال القوة السحرية التي لا يقدر عليها بشر، وسيكون أمراً غريباً لو لم تكن القوة قادرة على هذا.
- ومع ذلك ها هو لا يزال واقفاً مكانه؛
لم يتحول الوحش آينز أول غاون إلى رماد متناثر على الأرض ولم يصبح كومة لحم، بل وقف ضاحكا وقال:
"هذا ما توقعته من سحر له أثر خاص على الأشرار. هل هكذا الإحساس بالألم؟ فهمت ذلك. إحساسي بالألم لن يعيق تفكيري، ولا زلت أستطيع التحرك."
اختفت أعمدة الضوء ولم تأتِ بفائدة.
"رائع! أنهيت تجربة ثانية."
ظهرت اللا مبالاة في صوته.. بل الرضا إن أردنا الدقة.
هذا ما ظنه نيغن ورجاله واختفت ابتساماتهم، ولكن هنالك شخص ما غاضب.
"أيها الحثالة!"
اخترق صوت ألبيدو الهواء.
"أيها الحثالة! كيف تتجرؤون على فعل شيء كهذا لسيدي الحبيب آينز-ساما؟! كيف تؤلمون الرجل الذي أحبه، سيدي آينز-ساما؟! إياكم أن تظنوا أنني سأترككم تموتون بسهولة! سأذيقكم أشد العذاب حتى تصابوا بالجنون من شدة الألم! سأذيب أطرافكم وأقطع أعضاءكم وأطعمكم إياها! ثم سأعالجكم وأعيدها مرة أخرى! أكرهكم! أكرهكم أكرهكم أكرهكم حتى أني أشعر أنني سأنفجر-"
ارتجفت يداها الممسكتان برأسها.
كأن العالم تشوه من حولها؛ شيء غامض ومخيف ضربهم كالإعصار؛
شيء يخرج من تحت ذلك الدرع الأسود وكأن مخلوقاً هائلاً يحاول تحطيمه والخروج. راقب نيغن ظهور الوحش الذي سيلوث العالم من دون حراك.
شخص واحد فقط يستطيع إيقافها؛ رفع آينز يده وقال بهدوء:
"يكفي يا ألبيدو."
هذه الكلمات كانت كفيلة بإيقافها.
"..لكن..لكن يا آينز-ساما هؤلاء الحثالة.."
"- لا بأس يا ألبيدو.. كل الأمور سارت كما توقعت، باستثناء ضعف الملائكة، فلم الغضب؟"
انحنت ألبيدو طاعة بعد أن سمعت كلام آينز.
"..كما هو متوقع من آينز-ساما. بالطبع كانت لديك توقعات عما سيحصل. أنا منبهرة."
"لا لا، فالحقيقة هي أنني سعيد لأنك قلقتِ وغضبتِ لأجلي، ولكني أفضّل أن تحافظي على ابتسامتك الجذابة."
"جـ..جذابة! شكراً يا آينز-ساما."
"أنا آسف لأنكم اضطررتم للانتظار طويلا."
كان نيغن مذهولاً لقدرتهما على التحدث كأن شيئاً لم يكن، وبعد وهلة استعاد صوابه وصاح بهم:
"عرفت! عرفت هويتكم الحقيقية! شياطين! لا بد أنكم شياطين."
هنالك كائنات قليلة يمكنها أن تنافس قوة أعلى الملائكة:
الآلهة الستة؛
الملوك من الأصول التنينية العظيمة (دراغون لورد)؛
الوحوش الأسطورية التي يمكنها تدمير دولة كاملة،
والشياطين.
كان نيغن قد سمع أن الأبطال الثلاثة عشر هزموا وسجنوا الشياطين، ولكن يبدو مما يراه الآن أن أحد الشياطين يوشك أن يفلت من سجنه.
أحس نيغن بالراحة قليلاً؛ لو كان الذي أمامهم شيطان، فهذا يعني أن لدى الملاك المسيطر فرصة للفوز.
"مرة أخرى! "استخدم 「الضربة المقدسة」!"
قال آينز أن التعويذة آلمته؛ هذا يعني أنها ألحقت به الضرر، وربما صعُب عليه الوقوف بعدها.
احتمالات كثيرة طرأت على نيغن، وكان ليفقد عقله لولاها، ولكن آينز لم يسمح بهجمة ثانية.
"إنه دوري الآن.. ذق طعم اليأس. 「الثقب الأسود」!"
نقطة سوداء ظهرت على جسد الملاك اللامع، ثم اتسعت واتسعت لتصبح ثقباً ابتلع كل شيء.
كان الحدث مهولاً ومضحكاً تاركاً الجميع يحدقون ببلاهة وصمت؛ اختفى الملاك واختفى نوره معه، ولم يبقى إلا صوت الهواء من حولهم.
صرخة نيغن قطعت الصمت:
"من..من أنتم..؟! لم أسمع باسم ساحر يدعى آينز أول غاون من قبل.. كلا، لا يمكن أن يكون هنالك من يستطيع تدمير ملاك عالي المستوى بضربة واحدة! يفترض ألا يوجد شخص كهذا.."
هز نيغن رأسه بيأس.
"كل ما أعرفه هو أنك أقوى من الشياطين.. أمر لا يصدق.. من تكون بالضبط؟"
"كما قلت من قبل، أنا آينز أول غاون. في الماضي كان الجميع يرتجف عند ذكر هذا الاسم. حسنٌ، أظننا أمضينا وقتاً كافياُ في الثرثرة ولا فائدة من الإطالة. كي لا نضيع وقتنا ووقتك، ألقيت سحراً مضاداً للتنقل وأتباعي مستعدون للهجوم، فلا أمل لك في الهروب."
غربت الشمس وحل الظلام،
وعرف نيغن أنها النهاية. تصدعت السماء فوق رجاله اليائسين، لكن الصدع اختفى فجأة كأنه لم يكن.
أجاب آينز على استفهام نيغن:
"عليك أن تشكرني. يبدو أن أحدهم استخدم سحر المراقبة عليكم، ولكن لأنني موجود ضمن النطاق عطل سحري الدفاعي سحرهم ولم يستطيعوا مراقبتكم. لو علمت أن هذا سيحدث لاستخدمت سحراً هجومياً أقوى."
أظهرت هذه الكلمات الحقيقة لنيغن؛
وطنه يتجسس عليه.
"تعويذة انفجار لن تكفي لتعلمهم حسن التصرف..لا يهم، فوقت اللعب انتهى."
سرت رعشة في جسد نيغن حين فهم المعنى الخفي لكلام آينز؛
سالب الأرواح ستسلب روحه الآن.
كان نيغن خائفاً من أن حياته ستؤخذ الآن كما أخذ حياة الآخرين من قبل. زاد رعب جنوده حين رأوا جزعه؛ كان على وشك البكاء، وأراد أن يركع ويرجو العفو، ولكن آينز لا يبدو رجلاً عطوف.
لذلك قرر مقاومة دموعه والبحث عن طريقة للنجاة، ولكن ما من فرصة لطلب المساعدة من الخارج، وعلى هذا فإن الخيار الوحيد المتاح هو أن يستجدي رحمة آينز أول غاون.
"لحظة، انتظر لحظة! آينز أول غاون-دونو .. لا، آينز أول غاون-ساما! أرجوك انتظر! نود..أود أن أعقد معك اتفاق! أعدك ألا أخيبك! سأعطيك ما تشاء من المال إن أبقيت على حياتي!"
بدت الصدمة على وجوه رجاله لكنه لم يهتم؛ لا شيء يهم غير حياته؛ كل شيء غيرها يأتي بعدها.
يمكنه أن يجد أتباع آخرين، ولكن حياته لا بديل لها.
أكمل نيغن كلامه رغم أصوات رجاله الغاضبة:
"ربما يصعب على أحدهم أن يرضي ساحراً مذهلاً مثلك، ولكني أؤكد لك أني سأعطيك من المال ما يرضيك! أنا ذو منصب عالي في دولتي لذلك سيدفعون لك ما تريد لفديتي! طبعاً لو أردت شيئاً آخر فسأبذل جهدي لأحقق مطالبك! لذلك أرجوك! اعفو عني!"
أنهى نيغن خطابه بلهاث.
"إذن ما رأيك يا آينز أول غاون-ساما؟!"
رد صوت ناعم أنثوي على استجداء نيغن اليائس:
"ألم ترفض عرض السيد السامي آينز-ساما الرحيم؟"
"لكن.."
"..أعلم ماذا ستقول. أردت أن تطلب عفوه لأنك حتى لو قبلت عرضه السابق فستموت، صحيح؟"
هزت صاحبة الخوذة السوداء رأسها كأنها متعبة من الحديث.
"يبدو أنك فهمت ما يحصل هنا خطأ. آينز هو صاحب الكلمة العليا في نازاريك، وإذا قال أنكم ستموتون فعلى الحثالة أمثالكم أن يركعوا وينتظروا الموت بامتنان."
كانت كلمات ألبيدو صارمة.
إنها مجنونة، هذه المرأة مجنونة. التفت نيغن لآينز راجياً، وكان آينز صامتاً طيلة هذه الفترة.
حين انتبه أن نيغن ينتظر قراره، هز رأسه وقال:
"تماماً مثلما قالت. أوقف تحركاتك العقيمة وابق على الأرض. وسأقتلك بسرعة من باب الرحمة."
الجزء الثاني
وبينما كان يسير على طول السهول المحجبة الليلية، رفع أينز رأسه. ما استقبله كان المنظر الجميل للنجوم في السماء.
تنهد أينز على المشهد للمرة الثانية ثم عاد إلى القرية.
لقد تخطى الحدود قليلاً.
طالما أن ألبيدو بجانبه لم يستطع أن يظهر عديم الفائدة أمامها. بصفته سيدها كان بحاجة إلى التصرف بطريقة مناسبة أمام تابعيه. في حين أنه ربما يكون قد تحمس بعض الشيء، إلا أنه لا يزال يناسب الدور الذي كان يلعبه.
لم يكن يعرف ما إذا كان قد نجح أم فشل ، لكن الأمر سيكون جيدًا طالما لم يكن خيبة أمل لألبيدو.
لم يتمكن أينز من رؤية تعبير ألبيدو، " اللعنه ، أينز-ساما بدا رائعا جدا كوفوفوفو~ " تحت خوذتها المغلقة. نظرًا لأنه لم يتمكن من معرفة ما كانت تفكر فيه، فقد ذهب إلى إجراءات اليوم مرة أخرى.
"مع ذلك ، أينز-ساما ، لماذا أنقذت غازيف؟"
بكل تأكيد لماذا؟ لم يتمكن أينز من التعبير عن مشاعره في ذلك الوقت، لذا حاول تقريبها لها:
"كانت هذه مشكلة تسببنا فيها، لذا ألا يجب أن نحاول حلها بأنفسنا؟"
"إذن لماذا أعطيته تلك الاداة؟"
"كنت أضع أسس للخطط المستقبلية. السماح له بأخذها سيكون أمرا جيدا بالنسبة لي ".
أعطى آينز غازيف عنصرًا نقديًا من ايغدارسيل ولكن كان لديه عدد كبير منهم. على الرغم من أنه لم يتمكن من تجديد مخزونه منها، إلا أن التخلي عنه لم يكن خسارة كبيرة.
بالإضافة كان أينز سعيدًا بالفعل لأن لديه عددًا أقل من هذه العناصر.
وذلك لأن تلك كانت جوائز ترضية من للعبة الغوتشا بقيمة 500 ين ، كما ذُكر سابقا كان أينز مبذرا بإنفاقه وبأسلوب حياته السيئ في ذلك الوقت. بالإضافة إلى انه في حين أنه قد أنفق عددًا لا يحصى من العملات المعدنية بقيمة 500 ين على الحصول على العنصر النادر جدًا الذي كان أعلى جائزة ، فقد حصل عليه رفيقه السابق يامايكو من المحاولة الأولى. ألقى ذلك الحادث بظلال لا تُمحى في قلب أينز.
كان يريد التخلص من تلك الجوائز، ولكن عندما فكر في 500 ين التي كلفته ... لم يكن بإمكانه تحمل التخلص منها بإسراف.
"حسنًا، لا يهم من سينتهي بالحصول على هذا العنصر، أو إذا انتهى الامر باستخدامه أم لا. لا خسارة لي ".
"... ألم يكن من الأفضل أن اهتم انا بالأمور؟ لم يكن هناك داعٍ للتسبب بالمتاعب لآينز-ساما شخصيًا في اغاثة حيوات أضعف الكائنات الحية ... ليس من الصعب محاصرة هذه الكائنات ، ولهذا السبب أؤكد أن أينز-ساما لم يكن بحاجة إلى تولي الميدان شخصيًا ".
"هل هذا صحيح..."
بدون جهاز لقياس مستويات الطاقة ، كان هذا كل ما يمكن أن يقوله آينز رداً على ذلك.
في ايغدارسيل يمكن للمرء أن يحدد قوة العدو بلون أسمائهم. أبعد من ذلك ، يمكن للمرء الاعتماد فقط على المعلومات من الأصدقاء والمواقع الإرشادية.
لم يستطع أينز إلا أن يشعر بالحنين إلى الماضي.
لو كنت قد تعلمت بعض التعويذات من نوع العرافة – فكر بها أينز ، مع لمحة من الندم. بالطبع ، لم يكن يعرف ما إذا كان يمكن استخدام هذه التعاويذ هنا. ومع ذلك ، إذا استطاع ، فلن يضطر إلى أن يكون عصبيًا كما كان الآن.
ومع ذلك ، لم يكن هناك ما يدعو للقلق بشأن ما لم يكن لديه. لذا قرر أينز التفكير في شيء آخر:
"... انا أعرف قوتك ، البيدو ، وأنا أثق بك. ومع ذلك ، أود منكِ أن تتجاهلي هذا التفكير الضحل وتذكري أن العدو الأقوى مني يمكن أن يظهر في أي وقت. هذا صحيح خصوصاً لأننا لا نفهم تمامًا هذا العالم ... لذلك كنت أتمنى أن يتمكن جازيف من القيام بعملنا من أجلنا ".
"أرى ... لذا استخدمته كبيدق للشعور بقوة العدو. انه من المناسب استخدام البشر بهذه الطريقة ".
على الرغم من أن خوذتها المغلقة لم تكشف عن أي من عواطفها ، إلا أن فرحتها المزهرة حديثًا كانت واضحة في صوتها.
كان آينز مخلوقا بشريا في السابق ، والآن هو خالد. لقد شعر اينز بأن البيدو تكره البشر كثيرًا. ومع ذلك ، لم يزعجه الامر أو يجعله يشعر بالاكتئاب. وبالعكس ، شعر أن مثل هذه الأفكار مناسبة تمامًا للمراقبين الغير بشريين من ضريح نازاريك العظيم تحت الارض.
"...في الواقع. ومع ذلك، هذا ليس كل شيء. بما أننا أنقذناه من حافة الموت ، فسيكون ممتنًا لنا أكثر. بالإضافة إلى ذلك، بما ان العدو يمتلك وحدة قوات خاصة ، فإن كبار المسؤولين في البلاد لن يحققوا في الأمر بشكل علني. لهذا السبب دخلت. "
"آه ... كما هو متوقع من اينز- ساما ... ولهذا السبب أخذت القائد والآخرين على قيد الحياة. عمل رائع! "
لم يستطع اينز إلا أن يشعر بالفخر عندما سمع مديح ألبيدو. بعد كل شيء ، تمكن من وضع خطة معقولة ومتماسكة في فترة زمنية قصيرة ؛ ربما كانت هذه موهبته القيادية في العمل. في ذلك الوقت ، دخل صوت البيدو البهيج في آذان اينز الراضية:
"... ومع ذلك ، هل كان من الضروري أخذ سيوف الملائكة مع جسدك الثمين ، اينز-ساما؟"
"هل هذا كيف بدا لك؟ عندما وصلنا لأول مرة إلى قرية كارن ، استخدمنا الفرسان في الضواحي للتحقق من أن المناعة ضد الضربات عالية المستوى تعمل بشكل طبيعي. "
"في الواقع ، أنتَ على حق. لقد تحققت من ذلك بعيني أيضًا. ومع ذلك ، لم أكن أرغب في أن تراقب عيني سيوف هؤلاء الملائكة الخسيسة التي تخترق جسدك ، اينز-ساما. "
"أنا أرى. على الرغم من أنك كنت درعي، إلا أنني لم أخذ مشاعرك بعين الاعتبار. لديك - "
"- وحتى لو كنت أعلم أنك ستخرج سالما ، أي امرأة تريد أن ترى الرجل الذي تحبه يطعن بالسيوف؟"
"...أه نعم."
لم يكن اينز يعرف كيف يجيب ، تجاهل اينز الامر وهو في طريقه إلى القرية. لا يبدو أن البيدو تريد الضغط على الأمر وتبعته بهدوء.
بمجرد وصولهم إلى القرية ، جاء القرويون بقيادة فارس الموت لمقابلتهم.
لقد أشادوا بالمدح والشكر عليهم ، ورأى اينز غازيف بين القرويين.
"أوه ، القائد المحارب -دونو ، أنا سعيد أنك بخير. كان يجب أن أنقذك في وقت أسرع، لكن العنصر الذي أعطيته لك استغرق بعض الوقت للعمل ، وهذا هو السبب في أنني تأخرت كثيرًا. اعتذاري."
"ماذا تقول؟ أنا الذي يجب أن أشكرك يا غاون-دونو. بعد كل شيء ، أنت أنقذتني ... بالحديث عن أين ذهب هؤلاء التابعين؟ "
بما أن جازيف قد غيّر لهجته إلى حد ما ، فقد قرر أينز تفحّصه.
كان جازيف قد نزع درعه ولم يحمل معه أسلحة.
كان مصابًا بكدمات في جميع أنحاءه وكان نصف وجهه متورمًا ، مثل كرة غريبة مشوهة المظهر. ومع ذلك ، اشتعلت النار في عينيه.
ابتعد اينز عنه ، كما لو أنه رأى شيئًا رائعًا. ذهبت عيناه بشكل انعكاسي إلى الحلقة التي ارتداها جازيف على إصبعه الأيسر.
اذا كان متزوجا. ربما انه من الجيد ان زوجته لن تحتاج إلى ذرف الدموع عليه. عندما فكر في ذلك ، قرر أينز أن يكمل تظاهره:
"أوه ، لقد طاردتهم. لم أستطع مواجهتهم جميعا ، كما اعتقدت ".
كانت هذه كذبة بالطبع. وقد أعيدوا جميعًا إلى ضريح نازاريك العظيم تحت الأرض. أضاق جازيف عينيه قليلاً ، لكن لم يتكلم أيا منهما. ازداد التوتر بينهما.
في النهاية ، كسر غازيف الصمت:
"مدهش حقا. أنا لا أعرف كيف يمكنني سداد مساعدتك ، غاون-دونو. من فضلك ، ابحث عني عندما تأتي إلى العاصمة الملكية. سوف أرحب بكم بأذرع مفتوحة ".
"هل هذا صحيح ... إذن ، سأُفرَضُ عليك عندما يحين الوقت."
"... غاون-دونو ، لا أعرف ما هي خططك ، لكن هل ستكون على استعداد للسفر معنا؟ سنبقى في هذه القرية لبعض الوقت ".
"هل هذا صحيح؟ حسنًا ، كنت أخطط للمضي قدمًا ، على الرغم من أنني لم أقرر وجهتي بعد. "
"مع ذلك ، فات الأوان بالفعل ، السفر الآن سيكون ..."
قاطع جازيف نفسه في منتصف الطريق:
"سامحني ، لم يكن هناك داعٍ للقلق بشأن وجود شخص عظيم مثلك ، غاون-دونو. اذا ، أرجوك ابحث عني عندما تصل إلى العاصمة. أبوابي ستكون مفتوحة لك دائما. بالإضافة إلى ذلك ، أنا ممتن للغاية لك على هديتك من مجموعة كاملة من المعدات من الفرسان الذين هاجموا القرية ".
أومأ اينز ، وقرر أنه اعتنى بكل ما يحتاجه في هذه القرية. كان هناك الكثير من الأشياء للقيام بها هنا اكثر مما كان يتوقعه ، وقد قضى هنا وقتًا أطول مما كان يخطط له.
قال أينز بصوت منخفض بما يكفي بحيث لا يمكن لغير البيدو سماعه "لنعد الى المنزل، ألبيدو". استدرت على الفور بفرح في الرد - على الرغم من أنها كانت لا تزال ترتدي درعها الكامل.
♦ ♦ ♦ ♦ ♦ ♦ ♦ ♦ ♦ ♦ ♦ ♦ ♦ ♦ ♦ ♦ ♦ ♦
نهاية الفصل الخامس
OrionTeam
ترجمة : ri21am & Reemanic_