الفصل الحادي عشر: فوضى [6]

نظر ألبرت العجوز إلى النافذة بنظرة جادة وصارمة، عينيه تتسعان بقلق عميق. عبر الزجاج الكثيف، كان القتال بين آرون ولافير يتجلى كعرض مروع من العنف، حيث تتلألأ الشرارات المتطايرة في السماء كنجوم ساقطة. كل ضربة من أسلحتهما تحدث دويًا زلزاليًا يهز الأرض، وكأنها قنبلة ضخمة. المدينة تحتهم كانت تهتز، وأصوات الانفجارات تتردد في أرجاء المكان، مما يجعل مشهد المعركة يبدو وكأنه كارثة حية تبتلع كل شيء في طريقها.

على الرغم من بعد القتال عن المدينة الثانية عشرات الكيلومترات، فإن قدرة ألبرت على تجاوز “الدرجة المحورية” منذ زمن بعيد جعلت من الممكن له رؤية هذه الفوضى بوضوح. كانت “الدرجة المحورية” مرحلة حاسمة في تطور الأفراد، حيث يتلقى الأفراد عند بلوغهم مستوى 50 تعزيزًا نوعيًا في قدراتهم. في هذه المرحلة، يحصلون على “توسيع النطاق”، الذي يضاعف قدراتهم بشكل كبير، مما يسمح لهم بتحقيق قفزات هائلة في قوتهم ومهاراتهم. يصبحون قادرين على مواجهة التهديدات الكبيرة بكفاءة أكبر، ويكتسبون فهماً أعمق لقدراتهم الكامنة، مما يعزز قدرتهم على التأثير بشكل كبير في مجريات الأحداث.

“هذا مرعب…” تمتم ألبرت بصوت يكاد يكون مرتجفًا، وصدى قلقه يتردد في الغرفة الهادئة التي كان يجلس فيها. على الرغم من سنوات خبرته الطويلة ومعرفته العميقة، لم يكن هناك ما يمكن أن يخفف من وطأة هذه اللحظة. كان القتال بين آرون ولافير يخلق حالة من الدمار لم يسبق له أن شهدها. حتى أبسط شظية من هذه المعركة قد تتسبب في كارثة كبرى للمدينة، رغم أنه قد نصب درع الحماية لحمايتها.

كان تأثير المعركة يتجلى في اهتزاز المباني المحيطة، والزجاج في النوافذ يرتجف كأوراق الشجر في عاصفة. تحركت الظلال بفعل الانفجارات، وأعطت المدينة إحساسًا بأنها تراقب في صمت مهيب، كأنها تنتظر مصيرها. ألبرت، الذي كان يقف بثبات، شعر بثقل المسؤولية على كاهله، متسائلًا إذا كانت لافير ستفي بوعدها أم لا. كل لحظة تمر كانت لها تأثير مباشر على حياة الأبرياء، وكان الخوف من أن يتدخل الإيسكارس في الأمر يثقل كاهله.

“أتمنى فقط ألا يتدخل الإيسكارس في الأمر.” تنهد ألبرت، وصوته مفعم بالإرهاق والتوتر العميق. كان قد أبلغ الجهة المعنية بالقتال، ولكنه تجنب الكشف عن تفاصيل تدخل لافير، مدركًا أن الإفصاح عن ذلك قد يتسبب في تفاقم المشكلة إلى حد لا يمكن تحمله. كان الصراع بين آرون ولافير أكثر من مجرد معركة؛ ولكن شرارة لحرب عظمى على الأبواب.

كلما نظر ألبرت إلى المعركة المدمرة، كان يشعر بثقل الوضع يتعاظم، يتساءل عما إذا كان بإمكانه فعل المزيد لحماية المدينة من هذه العاصفة المدمرة التي تقترب بشكل متزايد.

***

كانت السماء تنشق والغلاف الجوي يختفي، مظهرًا السديم البراق والأثيري للفضاء الأرجواني. وسط هذا العرض الكوني المهيب، كان القتال بين آرون ولافير مستمرًا، ولكن المعركة بدأت تأخذ منعطفًا جديدًا.

بعد أن تلقى آرون ضربة قوية، بدأ في إعادة تنظيم صفوفه ببطء. لم يكن القتال ليتوقف، لكن أراد آرون أن يكتسب بعض التوازن. استخدم كل حواسه لتفحص تحركات لافير، وبدأ يتفادى الهجمات بشكل أكثر فعالية. كل حركة من حركاته كانت مدروسة بعناية، حيث كان يتجنب الضربات القوية ويبحث عن فرص للهجوم في اللحظات المناسبة.

بفضل تركيزه وذكائه الاستراتيجي، بدأ آرون في تقليص الفجوة بينه وبين لافير. استغل كل فرصة لإلحاق ضربات مضادة، على الرغم من أن دمى الدماء كانت تحيط به وتحاول منعه. كانت تلك الضربات لا تكفي لإيقاف تقدم لافير بالكامل، ولكنها أضفت بعض التوازن على المعركة.

بينما كانت لافير تستمر في هجماتها الشرسة، أصبحت محاولاتها لإحداث الضرر أقل فعالية. كان آرون يقاوم بأقصى جهد، كل ضربة يتلقاها تجعله يزداد قوة وإصرارًا. بدأ يستخدم قدراته الخاصة بشكل أكثر كفاءة، محاولاً استغلال كل ثغرة في دفاعات لافير. الدمى، التي كانت تحيط به من كل جانب، بدأت تواجه مقاومة أقوى، مما جعل من الصعب على لافير الحفاظ على السيطرة المطلقة.

رغم التحسن النسبي في موقفه، ظل آرون يتعرض لضربات مؤلمة، مما جعله يشعر بتيارات الألم تتخلل جسده. جراحه لم تختفِ، لكنها أصبحت أقل تأثيرًا بسبب تحسين دفاعاته وتكتيكاته. كل حركة جديدة من لافير كانت تستدعي رد فعل سريع من آرون، وهو ما جعله يبدو وكأنه يتقدم في ساحة المعركة، رغم أنه لا يزال يتلقى ضربات.

مع مرور الوقت، بدأت المعركة تتخذ طابعًا أكثر توازنًا، على الرغم من أن لافير كانت لا تزال تسعى لإيجاد نقاط ضعف في دفاعات آرون. كان المنجل في يدها يواصل الهجوم، ولكنه لم يعد يحظى بنفس التأثير القوي الذي كان عليه في البداية. بدأت الدمى تتعرض لهجمات مضادة، مما جعل من الصعب عليها التفاعل بسرعة مع كل حركة لآرون.

رغم أنه لم يكن في موقف هجوم كامل، إلا أن آرون كان يحاول جاهدًا تقليل الفجوة بينه وبين لافير. كل ضربة كان يوجهها كانت تأخذ بعين الاعتبار التحركات المتوقعة للخصم، وكل حركة كانت تستهدف إضعاف دفاعات لافير بقدر الإمكان.

“وششش-!!” بسرعة خارقة، قطع آرون العديد من الدمى في نفس اللحظة، جاعلاً ظهره ثغرة قاتلة. كان يتحرك كظل أسود بين الضباب، يقطع كل ما يعترض طريقه. لكن على الرغم من سرعة هجماته، كانت لافير أسرع. استغلت ثغرة دفاعه وانتقلت بومضة سريعة خلف آرون، حركة خاطفة بالكاد يمكن إدراكها.

قبل أن تستطيع لافير سماع تمتمة آرون، كانت قد اتخذت خطواتها نحو الهجوم النهائي. لكن كلمات آرون كانت واضحة ومؤثرة، تتخلل الهواء بقوة لا يمكن إنكارها: “قطع الأبعاد.”

“ليس مجددًا.” صرخت لافير بصوت يشع بالتهكم والقوة، بينما كانت تقطع الهواء في حركة حاسمة. اندفعت لافير بكل قوتها نحو آرون، لكن ما حدث بعد ذلك كان خارج تصور أي مخلوق.

كانت لحظة الحسم، وكأن الزمن نفسه قد تجمد. اندفعت نصل المنجل الفولاذي إلى الأمام، لكنه لم يجد هدفًا ثابتًا. كل شيء من حوله بدأ يتحلل ويتفتت. دمى الدماء، التي كانت تحيط بآرون من كل اتجاه، بما في ذلك لافير التي كانت خلف ظهره، تم تقطيعهما لآلاف القطع. تحول كل شبر من المساحة إلى مزيج من الفوضى والدمار، حيث تمزق الفضاء ذاته، مع خطوط متعرجة وكأنها شظايا من عالم آخر.

شظايا الضوء والظلام تناثرت في الأرجاء، بينما تحول كل شيء إلى موجة من الفوضى المكانية. الأبعاد تباعدت، وتداخلت، وأصبح المشهد عبارة عن فوضى من الدمار الكوني. كل قطعة، وكل حافة، وكل مكون من الفضاء قد تمزق، حتى لم تترك ذرة سليمة. كان هذا هو تأثير مهارة “قطع الأبعاد” في أبهى تجلياتها.

آرون كان وسط هذا الفضاء المتحول، يتنفس بصعوبة، لكنه بدا أكثر تركيزًا. كل نفس كان يجرّ خلفه نغمات التعب، وكل جرح كان يضيف إلى شدة الألم الذي يعانيه، ومع ذلك، كانت مهارة “قطع الأبعاد” قد أعطته فرصة للتنفس من جديد. لقد أعاد ترتيب الأبعاد حوله، محولاً الفوضى إلى سلاح. في تلك اللحظة، لم يكن الدفاع هو الهدف الوحيد، بل كان الهجوم أيضًا، حيث أدرك آرون أن كل لحظة من الزمن تُقطع بوضوح يمكن أن تكون مفتاح النصر.

بينما لافير كانت تعيد توجيه نفسها في هذا المشهد المتحول، أدركت أن كل تحرك لها يمكن أن يصبح عبثيًا إذا لم تجد طريقة لتجاوز هذا الدفاع الجديد. كانت التحديات تتزايد، وتضيع أمام عينيها خيوط الاستراتيجية التي أعدتها بعناية. الفضاء الذي كان مستقرًا الآن أصبح ساحة قتال غير متوقعة، وكل خطوة في هذا الفضاء قد تكون بمثابة فخ.

في الوقت نفسه، كان آرون يستعيد سيطرته على الموقف، معتمدًا على براعته الفائقة ليجعل كل حركة حسابية تتناسب مع تقنيات خصمه. كانت أنفاسه تتسارع، كل نفس يبدو وكأنه يعزز من حدة المعركة. كان يشعر بكل نبضة قلب كما لو كانت تدق على إيقاع المعركة، بينما كانت مشاعره تتنقل بين الإصرار والهدوء، حيث كان يوازن بين التوتر والهدوء، مسلحًا بالإدراك الحاد للمتغيرات حوله. قد تكون الفوضى قد بلغت ذروتها، لكنها كانت أيضًا فرصة لتحقيق النصر.

في الجهة المقابلة، كانت لافير تجد نفسها في ورطة متجددة باستمرار. التشققات البعدية التي ظهرت أمامها كانت تعمل كحاجز دفاعي لا يُقهر. كل جزء من الفضاء حولها كان يتشوه بشكل غير متوقع، مما يجعل كل حركة محسوبة بشكل دقيق. كان الدفاع الذي أقامه آرون عبارة عن قوى ضغط هائلة، تكاد تكون غير مرئية ولكنها ملموسة بقوة، حيث تعمل على سحب كل شيء نحو المركز.

عندما يتم قطع أو تشويه الفضاء، يدخل تلقائيًا في حالة تُعرف بـ “التصحيح.” في هذه الحالة، يتشكل ثقب أسود مصغر، يخلق قوة جاذبية شديدة تؤثر على كل ما يحيط به. كانت قوى الضغط هذه تسحب كل الأجزاء المشوهة من الفضاء نحو المركز، حيث تبدأ عملية إعادة التوازن. هذا التصحيح لم يكن مجرد عملية لإعادة ترتيب الأبعاد، بل كان كقوة جاذبية هائلة، تعيد كل شبر من الفوضى إلى حالة من الاستقرار. كل تمزق، وكل شق، وكل عنصر من الفضاء كان يتعرض لهذه القوة المدمرة، والتي تعمل على إغلاق الفضاء المشقوق بأسرع ما يمكن.

مع كل لحظة تمر، كانت التشققات البعدية تنغلق ببطء، لكنها كانت تترك وراءها أثرًا من الاضطراب الذي يتحدى كل محاولة للسيطرة. كان هذا الاضطراب يتجسد في حركة غير متوقعة، تجبر لافير على توخي الحذر الشديد. أعادت لافير جسدها إلى شكله الأصلي بعد القطع، ولكنها كانت تتراجع بفعل قوة الشفط الهائلة التي تهدد بسحبها إلى مركز الفوضى. كان كل عنصر من محيطها يتعرض لتأثير القوة الجاذبية، مما جعل كل حركة صعبة ومرهقة.

في تلك اللحظات الحرجة، كانت المعركة بين آرون ولافير تتخذ طابعًا غير عادي. كان كل منهما يحاول استغلال كل فرصة سانحة، وكانت كل حركة يتم تنفيذها بحذر شديد وبعقل متقد. بينما كانت التشققات البعدية تغلق تدريجيًا، كانت التحديات تتزايد، ولا يبدوا انها ستنتهي.

“أعتقد أنني شربت ما يكفي من دمائه.” تمتمت لافير بصوت منخفض، بينما كانت تكافح ضد قوة الشفط البعدي التي كانت تحاول جذبها نحو المركز. كانت تواجه صعوبة في الثبات على قدميها، ولكن عزيمتها لم تتزعزع.

عندما أصبحت مستعدة، شدت أنفاسها وأطلقت احدى مهاراتها. “الكوابيس الدموية.” التي هي جزء من السحر الأسود.

تسربت الكلمات إلى الأفق كما لو كانت صدى لأسرار عميقة، وسرعان ما بدأت التأثيرات السحرية تظهر. عيون لافير تلمع بلون الدماء الداكن، وأخذت تتخبط في ظلام دامس. طفت على السطح كوابيس عشوائية من أعماق عقل خصمها، وأخذ يتجسد أمامها في ساحة المعركة بشكل مهيب.

من العدم، ظهرت كتلة من الظلال الدموية، تجسدت بشكل مروع. لم يكن هذا الظل عاديًا؛ فقد كان يشبه تمامًا آرون في المظهر، كأنما صيغ من ذات جوهره، ولكنه كان مظلمًا ومشوهًا، يحمل نكهة من الرعب والغموض.

تجعد جبين آرون بوضوح عندما رأى هذا الظل المألوف. كان هذا التجسيد المظلم ليس مجرد خيال أو تلاعب بصري، بل كان تجسيدًا حقيقيًا لقوة مظلمة كانت قد كانت جزءًا من لعنة قديمة. كانت هذه القوة، التي تجسدت في صورة ظل، تذكره بأيام عانى فيها من تأثير هذه اللعنة على قوته واستقرارها.

ظل هذا الكائن الداكن يتراقص ببطء في ساحة المعركة، يتداخل مع الفوضى الحالية. لم يكن مجرد مظهرًا إضافيًا للمعركة؛ بل كان يمثل جزءًا من التاريخ المظلم لآرون، وتذكيرًا بشياطين الماضي التي كان يسعى للتغلب عليها. هذا التجسيد الظلي لم يكن يحمل فقط سمات آرون، بل كان يحمل أيضًا إشارات إلى جزء من قوتها المظلمة التي لم تكن قد تم فهمها بالكامل أو السيطرة عليها.

في هذه اللحظة الحرجة، كانت قوة الظل تثير القلق في قلب آرون، حيث أصبح من الصعب عليه التركيز على مجريات المعركة بالكامل. تسببت هذه الظلال في زعزعة استقرار آرون، مذكّرة إياه بالقوة المظلمة التي كان يعتقد أنه قد تحرر منها.

“كيكيكي…” صرخ الصوت من الظل المظلم، ضاحكًا بطريقة تجعل الرعب يتسرب إلى كل ركن من أركان المعركة. عكست ابتسامة الظل التشويه والشر الذي لا يوصف، ملقية بظلالها المخيفة على ساحة القتال.

“ألم تفتقدني، عزيزي آرون الصغير؟” سأل الصوت المشوه، حيث كان يبدو وكأن كل حرف يتردد في أعمق أرجاء الفضاء المتشقق. كانت الكلمات تنساب ببرودة تجمد كل جزء من المحيط، مما زاد من توتر الموقف.

~~~

يحزني آرون حقيقة انه له فترة يتعرض لضرب😂

اعذروني على الأخطاء…⬇️

2024/09/10 · 40 مشاهدة · 1797 كلمة
TroX
نادي الروايات - 2024