الفصل الثاني عشر: فوضى [7]
{في حضرة الكوابيس}
[الكوابيس الدموية]
الكوابيس الدموية هي واحدة من المهارات المتقدمة التي تتقنها لافير، وتعتبر تجسيدًا لمفهوم الدماء كوسيلة للتواصل مع عالم الكوابيس. بفضل قدرتها الفريدة على استغلال الدماء، تستطيع لافير تحويل الأسوأ من مخاوف خصومها إلى واقع ملموس، مما يضيف بعدًا مرعبًا إلى المعركة.
شرح العملية:
1. التناول والاتصال: عندما تلامس الدماء شفتي لافير، تبدأ العملية السحرية في العمل. الدماء هنا ليست مجرد سائل؛ بل هي أداة لفتح نافذة إلى أعماق عقل الخصم. هذه العملية ليست سهلة؛ فهي تتطلب من لافير التركيز العالي لتنسيق القوى السوداء مع حواسها، مما يتيح لها الوصول إلى أعمق المخاوف المدفونة في عقل العدو.
2. التجسيد: بمجرد أن يتفاعل الدم مع طاقة لافير السحرية، يبدأ الكابوس في التجسد كمخلوق مادي أو مشهد مروع. هذا التجسيد ليس مجرد صورة عابرة؛ بل هو كائن مادي أو مشهد مرعب يشكل تهديدًا حقيقيًا في ساحة المعركة. هنا، يتم تجسيد أسوأ المخاوف بشكل مادي، مما يزيد من تأثير الخوف والهلع على العدو.
3. التأثير: الكوابيس التي تجسدها لافير لا تقتصر على محاكاة الخوف؛ بل يمكن أن تؤدي إلى تأثيرات مادية ملموسة. هذه التأثيرات قد تشمل تحولات غريبة في البيئة المحيطة أو ظهور كائنات شبحية تعوق حركة العدو. بالتالي، فإن الكوابيس الملموسة تُعَد أداة فعالة لزعزعة استقرار الخصم وفرض السيطرة في المعركة.
قيود القدرة:
• الضعف النسبي: من الضروري فهم أن الكوابيس التي تجسدها لافير ليست دائمًا في ذروتها من القوة. إذا كان الكابوس أقوى من قدرتها، فإن التجسيد سيتعرض للتقليل تدريجيًا، مما يجعله أقل قوة وتأثيرًا. هذه الفجوة في القوة تؤدي إلى تقليل فعالية الكابوس وتخفيف تأثيره على العدو.
• الحدود التفسيرية: كذلك، ليست جميع الكوابيس قابلة للتجسيد بنفس القوة. إذا كانت الرؤى التي تستدعيها لافير تتجاوز حدود قوتها، فإن التجسيدات ستكون أقل فاعلية. هذا يعني أن الكوابيس الأكثر قوة، التي تتجاوز قدرتها، قد تتحول إلى صور أقل رعبًا لكنها تظل قادرة على بث الخوف وإرباك الخصم.
**
تجمدت الدماء في عروق آرون ككتلة جليدية عندما وقع بصره على شبيهه المكون من الظلام الداكن. كان هذا الكائن الغامض، الذي يبدو أنه جسد أعمق ظلمات آرون، يقف أمامه ضاحكًا ببرود وشر. تجسد هذا الكائن بصورة مهرج مظلم، يحيط به هالة من السواد الذي يشبه سحر الليل الأكثر قسوة.
“كيهيهيهي…” استمر المهرج المظلم في ضحكه المزعج، وهو يقلب بيده في حركة مريحة، وكأنما يعبث بكل ما هو حوله. من لحظة إلى أخرى، بدأ المحيط يتغير تدريجيًا، حيث تأثرت البيئة بكل حركة يقوم بها المهرج. تتغير المدينة حولهم بشكل غير مفهوم، مع تحول كل شيء إلى الخراب.
نظر آرون في حالة من الذهول إلى المنظر الذي تجسد أمامه. كانت المدينة التي يعرفها، والتي كانت يومًا ما زاخرة بالحياة، قد تحولت الآن إلى أنقاض. المباني، التي كانت تعكس مجد الماضي، صارت رمادًا متطايرًا، والجثث المرمية على الأرض تُعبر عن مأساة لم تُروَ بعد. لقد اختفى كل أثر للحياة الطبيعية، واستبدل بمشهد من التدمير والفوضى.
وسط هذا المشهد المروع، وقف قصرٌ محطّم، نُزعت عظمته وهُدمت جدرانه. داخل هذا القصر، كان هناك شكل آخر لآرون، نسخة مظلمة ومشوهة له، يقف في وسط الخراب، كما لو كان يحكم هذا العالم البائس.
تسارعت دقات قلب آرون وهو يراقب المنظر الذي كان مألوفًا له بطريقة مرعبة. الدماء كانت تغمر الأرض في كل مكان، تصبغها باللون الأحمر القاني. وفي الأفق، كانت صيحات اليأس والصراخ تدوي، وكأنها صرخات أرواح محتجزة في جحيمها.
في خضم هذا المشهد الكابوسي، بدأ الظل المجنون يرقص بحركة غير متزنة وسط الفوضى الحالكة. ضحكاته، المتداخلة مع أصوات الكارثة، كانت تجسد اللامبالاة والجنون. “كياهاهاهاها!!” صرخ المهرج المظلم، وهو يرقص بشكل هيستيري وكأنما يعبر عن انتصاره على كل ما هو طبيعي ومألوف.
كانت لحظات الرعب هذه تعكس معاناة آرون الداخلية، والألم الذي يتخبّط في قلبه. كل ضحكة وكل حركة للمهرج كانت تزيد من شعور الحزن والخوف الذي يملأ روحه. في هذا المشهد المروع، كان يشعر آرون بوطأة الواقع الذي لم يكن ليعتقد أنه سيكون يومًا جزءًا منه، وكأنما كان محكومًا بالخوف والعزلة إلى الأبد.
لم يفهم آرون، هل عاد إلى الماضي بطريقة ما، أو أن إخضاع قوته المظلمة كان مجرد مزحة أخرى من هذا المهرج الذي يشبهه؟ كل فكرة تراوده كانت أسوأ من سابقتها، تتجمع في ذهنه كحلقات من كابوس لا ينتهي. تلاعبت هذه الأفكار به كأيدي قاسية، تجعل من كل محاولة فهم أو تفسير عملية مؤلمة ومبهمة.
هل كانت المكتبة، التي كانت الأمل الوحيد له، مجرد حلم عابر؟ هل كانت مجرد وسيلة لخداعه، لتحطيمه على نحو أعمق وأشد؟ كل جزء من فكرته حول المكتبة، كل ذكرى طيبة، كل لحظة تهدئة وطمأنينة قد اختفت الآن، وتحولت إلى وهم متهدم.
تجمدت مشاعره وهو يراقب المدينة التي كانت جزءاً من ماضيه البعيد. الشوارع التي كانت ذات يوم نابضة بالحياة أصبحت الآن مقبرة من الخراب والدمار. كان هذا المشهد هو شهادة على القوة التي اكتشفها في سن الثانية عشرة، القوة التي حولت كل شيء إلى رماد. كان ذلك اليوم بداية لعهد من الرعب والظلام، والأثر الذي خلفته قوته الملعونة كان شاهداً على فقدانه الكامل للبراءة.
تجمعت الدموع على جفنيه، تتسلل ببطء إلى خديه، كأنها تعبر عن كل الألم الذي عجز عن التعبير عنه. كان يشهد في صمت النهاية القاسية لمدينة كان يحلم يوماً بأن تكون ملاذاً له. كل خطوة يخطوها نحو هذا الدمار تعيده إلى لحظات من الألم والتشوهات النفسية التي لا تُنسى. كل صرخة يائسة، كل عويل للدمار، كان بمثابة السخرية القاسية من أمله الذي كان ضعيفاً. وبينما كان ينظر إلى الخراب الذي من صنع يديه، تهاوى قلبه إلى قاع اليأس العميق، غير قادر على التماسك أو الإيمان بأي أمل قد يبقى.
“هل تريد أخيرًا ترك التحكم لي؟” تمتم المهرج شبيه آرون، وهو يبتسم بابتسامة متجهمة تنم عن سخرية مريرة. كلماته كانت مثل شوكة مغروسة في قلب آرون، تقلب فيه الألم وتجعل اليأس يكتسح كل جزء من كيانه.
نظر آرون إلى المهرج، وعيناه تعكسان فراغًا هائلًا، كأنهما تقطعت بهما السبل إلى أعماق لا قاع لها. كانت نظرة آرون، التي بدت وكأنها عادت إلى أعماق الهاوية، تعبر عن فقدان أمل مؤلم وعميق. كان يشعر كما لو أنه عُرض على مشهد مروع من أعماق عذابه، حيث كل خطوة يخطوها تقترب به من هوة سحيقة لا أمل في الخروج منها.
كانت عيناه، الشبه فارغة من الحياة، تعبر عن شعور ساحق بالوحدة. هذا الفراغ كان كالسجن الذي يحاصره من جميع الجهات، يكاد يختنق به. كل نظرة إلى هذا الكابوس المجسد من حوله، كل ذكرى مؤلمة، كل صرخة لم تُسمع، كانت تجعله يغرق أكثر في هذا البحر العميق من اليأس. في تلك اللحظة، كان يبدو وكأنه في حالة من الانفصال التام عن الواقع، كأنما عاد إلى أعماق الهاوية التي لا تكشف له سوى الذكريات الكئيبة والمرعبة.
هذا اليأس كان يتسرب إلى كل جزء من كيانه، تاركًا إياه في حالة من الجمود، حيث كل الأمل في نجاته كان قد تلاشى، كل رغبة في الخلاص كانت قد اختفت خلف جدران اليأس التي لا يمكن اختراقها.
***
في جهة أخرى، انحنت لافير على آرون الذي كان قد سقط سيفه الأسود، الذي كان في السابق رمزًا لقوته، ملقى على الأرض بجانب جسده. آرون نفسه كان قد فقد قواه بشكل مفاجئ، وسقط على ركبتيه، ووجهه يعكس التعب والخذلان. كانت تلك اللحظة من النقصان والتفكك واضحة في كل حركة غير مستقرة لجسده، وكأن أعداءه قد نجحوا في كسر كل خطوط دفاعه.
تقدم الظل الشبيه بآرون نحو آرون بخطوات بطيئة ومتعمدة، وضحكة مريرة تتردد في الهواء، تتخلل كل حركة وكل خطوة منه. كان هذا الكائن المتجسد من الظلام يبدو وكأنه يقترب ببطء للتأكد من عمق الألم واليأس الذي يسببه.
“هل انتهى بتلك البساطة؟” تساءلت لافير بصوت مليء بالدهشة، وهي تراقب المشهد أمامها. فجأة، عبر عقلها لمحة خاطفة من ذكرى غير مفهومة، لم تكن أكثر من لمحة عابرة، لكنها كانت كافية لتترك أثراً عميقاً في ذهنها.
كانت تلك الذكرى تتعلق بكوابيس آرون التي شاهدتها في السابق، لكنها لم تستطع تحديد ماهيتها بوضوح. ومع ذلك، في تلك اللحظة الغامضة، اجتاح عقلها ألم هائل، وكأنه انفجر فجأة من أعماق الذاكرة، مُخلفًا وراءه صرخة مكتومة من المعاناة. هذا الألم كان قاسيًا لدرجة أنه جعل لافير تشعر وكأن صرخة غير مسموعة قد انطلقت من أعماقها، مزيج من الرعب والندم الذي تسلل إلى كل جزء من كيانها، وجعلها تتجمد في مكانها، غير قادرة على الفهم أو الاستيعاب.
في لحظة عابرة، اجتاحت عقل لافير ذكرى غامضة. كانت الصورة لرؤية شاب يجلس على كرسي خشبي فاخر، لكن تفاصيل وجهه كانت مشوشة وغير واضحة، كما لو كانت محاطة بضباب كثيف يحجب ملامحه. لكن ما كان واضحًا هو الظل الذي يلوح خلفه، ظلًا حالكًا ينسج صورة مظلمة ومرعبة.
الظل يعكس جسدًا مشابهًا للشاب، لكنه كان مغطى بقرون شيطانية، وكانت ابتسامته تحمل في طياتها حدة قاسية، كما لو كانت سكاكين حادة تنبثق من زوايا شفتيه. هذه الصورة المرعبة بدت وكأنها تعكس أسوأ كوابيس لآرون، وهو مشهد يشع بالقوة والشر.
عند رؤية هذا المنظر، ارتعشت لافير بترعب، لكن الشعور بالصدمة لم يكن يدوم سوى لحظات قليلة. الألم الذي عانت منه كان شديدًا وغير متوقع، وتفاجأت لافير بتدفق الضغط الهائل من داخلها، وكأن عاصفة من الألم كانت تتركز في عينيها الياقوتيتين.
فجأة، صرخ الألم من أعماقها، “اااااااه!!” كان صراخها يعبر عن معاناة شديدة، تردد في أرجاء المكان وكأنه يعبر عن الألم الذي تجاوز حدود التحمل. الدم بدأ يتجمع ويضغط على عينيها الياقوتيتين، وكأن كل قطرة منه تحوي جزءًا من المعاناة المستمرة، مما جعلها تشعر بأن كل جزء من جسدها قد انهار تحت وطأة هذا الألم المفاجئ والشديد.
من العدم، بدأت الدماء تتدفق لتكسو شفتي لافير، وكأنها تتغلب على كل حدود الفهم وتشق طريقها إلى عالمها الداخلي. نظرت إلى شفتيها المبللة بالدم، وبدأت تتجلى أمامها الظاهرة الغريبة التي لم تفهمها تمامًا. شعرت وكأن شيئًا غير متوقع يجري، وكأنها تُجبر على مواجهة تجربة مرعبة لا تملك السيطرة عليها.
“ه-هذا؟!!” صرخت لافير بدهشة وصدمة، حيث كان منظر الدماء يحيط بشفتيها وكأنها تشهد مشهدًا لا يمكن تصديقه. كانت قدرتها على التحكم تتداعى بشكل سريع، وبدأت تستشعر أن مهارتها “الكوابيس الدموية” قد تم تفعيلها مرة أخرى رغم إرادتها. هذا التفعيل كان يبدو وكأنه انتزاع غير رحيم للسيطرة، مما جعلها تدرك أن الأمور قد خرجت عن نطاق تحكمها تمامًا.
بوضوح متزايد، أدركت لافير أن “الكوابيس الدموية” قد استُدعيت بطرق لا يمكن تفسيرها. كل جزء من جسدها كان يشعر بالضغط المتزايد، وكأن الدماء التي كانت تتدفق تتفاعل مع قوة خفية، مما يعزز من شعورها بالقلق والرعب. كانت تتفحص المشهد من حولها، حيث أصبحت كل حركة وكل تفصيل في البيئة أكثر وضوحًا، مما كشف لها الأبعاد المخيفة لتفعيل قدرتها دون إرادتها.
أدركت لافير أن هذا الحدث لم يكن مجرد استجابة عادية لقدرتها، بل كان يرمز إلى تحول درامي في مجريات الأمور، وكأنها فقدت السيطرة على قوتها التي غالبًا ما كانت تحكمها بإحكام. الشعور بالاضطراب والذهول كان يتصاعد في أعماقها، وكأنها تجد نفسها محاصرة في دوامة لا تعرف كيف تخرج منها.
وقف الظل، الذي يشبه آرون، أمام آرون، وابتسامة مالتوية تتلاعب على شفتيه، مما يضفي على وجهه مزيجًا من السخرية والخطر. رفع يده ببطء وكأنه يتلاعب بقدر مصير آرون، موجهًا إياها نحو رأسه، مستعدًا لفرض إرادته بشكل نهائي.
لكن فجأة، وبغير توقع، أدارت شخصية الظل رأسها ببطء، لتتوجه نظرتها إلى لافير. كانت حركة غير متوقعة، كأنها تعبير عن استجابة خفية لما يجري من حوله.
ثم، من العدم، بدأت يد سوداء مظلمة تتسلل ببطء من أعين لافير. كانت اليد تتشكل من الظلام وكأنها تخرج من أعماق كابوس غير متناهٍ، تسللت ببطء من العينين إلى الخارج، وكأنها تبحث عن طريقها إلى الواقع. تبعتها الرأس، ثم جسد كامل يتجسد بشكل مروع، مكونًا شكلًا مظلمًا يأخذ حيزًا في العالم المادي.
بدأت اليد السوداء تنبثق بسلاسة من أعماق عيني لافير، حيث تجسدت بشكل متكامل، من الرأس إلى الجسد، كما لو أنها كانت تتبع نداءً خفيًا يتجاوز حدود إرادتها. التجسيد كان يبدو وكأنه انبثاق من عالم غير مرئي، حيث ارتبطت كل حركة وكل تفصيل بالجاذبية الكامنة في تلك القوى المظلمة.
تجسد الكيان المرعب أمام أعين لافير وشبيه آرون، وكأن الظلام قد تبلور ليأخذ شكلًا ملموسًا، مشكلاً كائنًا يفوق الخيال في رعبه. كان الكيان ينظر إلى كل من لافير وآرون بنظرة باردة ومبهمة، تعكس شيئًا من الحزن والغموض الذي يحيط به.
تجسد الكيان المرعب بملامح غير واضحة، لكنه كان يشبه بايل في بنيته الخارجية بشكل مثير للقلق. لكن هذا التشابه كان يتلاشى بسرعة ليحل محله مظهر مظلم ومشوه. كانت القرون السوداء تنبثق من رأسه، ملتوية ومائلة نحو الخارج كأنها رموز شريرة. أما فمه، فقد تميز بشفرات سوداء حادة بدلاً من الأسنان، تعكس لونه الأسود الباهت وتضفي على مظهره طابعًا أكثر فزعًا. كان هذا الكيان، رغم التشابه السطحي، يثير الرعب بوضوح أكثر من أي كائن آخر، وكأن كل جزء منه يصرخ بالعنف والخوف.
“تنهد.” أطلق الظل تنهدًا عميقًا ومليئًا بالملل، وكأن كل ما يجري من حوله لم يكن أكثر من مسرحية مملة بالنسبة له، تعكس شعوره بالأسى تجاه الوضع الراهن.
أدار الكيان نظراته إلى لافير، ثم أشار ببطء إلى آرون الذي كان ساقطًا على ركبتيه، يُظهر تأثير قوة الظل بوضوح على جسده. “إنه صديق السيد، سيكون من السيء قتله هنا.” كانت الكلمات صادرة بنبرة رتيبة، مليئة بإحساس من اللامبالاة.
فجأة، بحركة غير متوقعة من يده، فقدت لافير القدرة على الحركة بالكامل. وكأن سلاسل غير مرئية، مصنوعة من قوى مظلمة، قد لفت حول جسدها من كل الاتجاهات. شعرت لافير بشدة تلك القوى وهي تقيدها، مما جعل كل جزء من جسدها غير قادر على الحركة، كأنها محبوسة داخل قفص مظلم غير مرئي، تفتقد القدرة على تحريك أي جزء من جسدها.
تجهم الظل الشبيه بآرون وهو يراقب الكيان المرعب، تعبيره يعكس القلق والريبة، “أنت؟… ما أنت؟”
لم يُبدِ الكيان المرعب أي اهتمام بالإجابة، بل عبّر عن شمئزازه بنبرة باردة، “هل تستحق المعرفة؟” ثم رفع يده ببطء، مدّ أصبعه نحو الظل، وقال، “تعال.”
بدت قوى غير مرئية كما لو أن العالم نفسه استجاب لطلب هذا الكيان، حيث جرت سحب هائلة نحو الظل الشبيه بآرون، وكأن كل ما حوله كان يتفاعل مع إرادته. فجأة، شعر الظل بتقلص جسدي، وكأنما كان يُسحب نحو قوة خفية وسوداء تتدفق من يد الكيان الغامض.
في لحظة، وجد الظل نفسه أمام يد الكيان الغامض مباشرة. كان الكيان يتقدّم ببطء نحو الظل، بينما تلك اليد السوداء الكبيرة تمتد نحوه كقبضة حديدية، لتقبض على عنقه بشدة.
لم يتمكن الظل من التحرك، حيث وجدت يده تتشبث بقوة، كأنما كانت يد الكيان عبارة عن قيد غير مرئي يلتف حول عنقه. الضغط كان شديدًا لدرجة أن الظل شعر كما لو أن كل نفس يخرجه كان مُحاصرًا في حلقه، كل حركة كانت تتسبب في مزيد من الألم، واليد الغامضة لا تترك أي مجال للهروب.
تمتم الكيان الغامض بملل، “فقط اختفِ.” صوته كان بارداً، خالياً من أي مشاعر، وكأن كلماتها مجرد إرشادات لاتباع قانون لا يرحم.
كلماته، رغم بساطتها، حملت قوة غامضة تتجاوز حدود التصور. كما لو أن الكون نفسه قد استجاب لأوامره، بدأت قوى غير مرئية تنبثق من حول الكيان. كانت هذه القوى تتجسد في اهتزازات متناهية الصغر، تموج في الهواء كالشبكة الخفية التي تمسك بكل شيء حولها.
مع كل حركة من يده، ارتفعت موجات من الطاقة السحرية غير المرئية، مستحوذة على الظل الأسود الشبيه بآرون. تجسدت هذه القوى وكأنها جاذبية قاسية، مشدودة ومتشابكة حول الظل بشكل غير مرئي. كل جزء من الظل بدأ ينكمش وينحل، وكأنه كان يجذب نحو مركز غير مرئي.
“توقف، توقف، توقف!!” صرخ الظل، صرخات تتعالى ويمتلئ صداها بالذعر واليأس، لكنه كان بمثابة الصرخات في الرياح العاتية. لا حياة، لا إجابة، لا أمل. في غضون ثوانٍ معدودة، فقد الظل كل هيئته، وانكمش إلى أن تحول إلى خيوط رقيقة من الظلام، التي بدورها تلاشت تدريجياً في فراغ لا نهاية له. اختفى الظل من الوجود، كما لو أنه لم يكن هناك أبداً، تاركاً وراءه صمتاً قاتلاً، وخلفية مظلمة تعكس هيبة الكيان الغامض.
~~~
بالمناسبة الذكرى الي رأتها لافير ظهرت في الفصل ال3، في وجهة نظر آرون يوم دخل المكتبة.
اعذروني على الأخطاء… ⬇️⬇️