الفصل الأول: المقدمة
في منتصف زقاق مظلم مهجور، جسد شاب ملقى على الأرض، لا يبدو حيًا ولا ميتًا. ضوء القمر الخافت يسلط عليه كأن السماء نفسها تراقب ببرود. نسيم الليل يحمل معه نسمات باردة، تثير الرعب في الأجواء. الجدران العالية من الطوب الرمادي تعكس الضباب الذي يتصاعد من الأرصفة الرطبة، بينما تعلو المباني المحيطة كأبراج مظلمة تفصل بين العالم الخارجي وبين أعماق هذا الزقاق الموحش.
"أخخخ..."
فتح الشاب عينيه ببطء، ضوء القمر ينعكس في حدقاته وهو يتلوى من الألم. كانت الأضواء الهادئة المنبعثة من مصابيح الشوارع القديمة تلقي ظلالًا طويلة على الحجارة الباردة تحت قدميه، مُظهِرة لمسات من البساطة المميزة للعصر الفيكتوري.
"أين...؟ ما هذا المكان؟"
كانت الكلمات تتردد في عقله قبل أن ينطق بها. توقع أن يستيقظ في غرفة مظلمة مألوفة، سرير دافئ ووسادة لينة. لكنه وجد نفسه على أرضية صلبة، بلا ملامح، بلا مأوى. زقاق مظلم، مليء بالروائح الكريهة. الليل كان كثيفًا، والظلال تلتف حوله كأنها أشباح تراقبه، بينما كانت نوافذ المباني القديمة المنحوتة بأناقة تُطل عليه بصمت، كأنها تشاهد بفضول غير معلن.
رفع جسده بصعوبة، كأنه يحرر نفسه من جاذبية مخيفة.
"أخخخ..."
هاجمه صداع مفاجئ، كأنه ضربات مطرقة على رأسه. الألم كان قاسيًا، مثل وخز آلاف الإبر في جمجمته. تماسك بأطرافه، بينما بدأ طوفان الذكريات يغزو ذهنه.
"ما هذا الصداع بحق الجحيم؟"
في تلك اللحظة، تداخلت الذكريات، كأنها نهر جارف اجتاح عقله. كان الألم لا يُحتمل، ست دقائق مرت كأنها الأبدية نفسها، لم يكن هناك مهرب. فقط أنفاس ثقيلة تعكس صراعه للبقاء.
"هوف... هوف... هوف..."
رغم الألم، بدأ شيئًا فشيئًا في استيعاب ما يحدث. الذكريات كانت متشابكة، مثل قطع زجاج متناثر. كل صورة، كل حدث، كان غريبًا، لكنها بدأت تتنظم ببطء.
"ما هذا...؟"
أخذ نفسًا عميقًا محاولاً تهدئة نفسه، التركيز أصبح هدفه الوحيد. وبعد دقائق، فتح عينيه بنظرة مدهشة، وجهه كان مغطى بالصدمة.
"هل هذا ممكن حتى؟"
---
لنفهم كل شيء، لنعد قليلًا إلى البداية...
في غرفة مظلمة، كان هناك شاب في أوائل العشرينات. أمام شاشة تلفاز مضيئة، جلسته المترقبة توحي بأن هناك شيئًا كبيرًا على وشك الحدوث. خلفه، كانت أرفف الكتب الخشبية الداكنة مُرصعة بالتفاصيل المعقدة، بينما كانت الستائر الثقيلة والمخملية تنسدل من النوافذ، عازلة الضوء الخارجي وتجعل الغرفة أكثر عمقًا في الظلام.
"طق... طق... طق... طق..."
كانت أصابعه تتحرك بسرعة على لوحة المفاتيح، ووجهه مشحون بالإثارة. الشخصيات الافتراضية تتحرك في العالم الرقمي، متابعتها كانت كل ما يشغل باله.
"اللعنة..."
ببطء، أسند ظهره إلى الكرسي، نظرة راضية على وجهه. كانت الجدران المحيطة مغطاة بورق الجدران المزخرف بألوان خافتة، مما أضاف عمقًا إلى أجواء الغرفة القديمة.
"لقد كانت لعبة رائعة بحق..."
ربما تتساءل الآن: ما الذي يحدث هنا؟
كانت اللعبة التي يلعبها تُدعى
"سجلات الصعود"
اللعبة كانت تختلف عن النصوص، ففي الرواية كان هناك رئيس نهائي واحد:
حاكم الشرور
كل رئيس نهائي يفتح لك مسارًا مختلفًا للقصة، وكل مسار مليء بالمفاجآت والتحديات، وحتى البطلات والعناصر الغش تختلف من مسار لآخر. كانت اللعبة مصممة ببراعة، مما جعلها تجربة غير قابلة للنسيان.
"أوه، الرابعة صباحًا!"
الساعة بجانبه كانت تشير إلى الرابعة صباحًا بالفعل. الوقت يمر بسرعة عندما تكون متورطًا في معركة نهائية مع حاكم الشرور. كان الشاب في إجازة صيفية، ولا شيء يشغله سوى اللعبة. لم يكن لديه أباء أو أقارب، فقد عاش حياته في دار للأيتام. بعد اجتيازه اختبارات البعثة، كان يعتمد على منحته الدراسية، وأحيانًا يعمل بدوام جزئي.
"حان وقت النوم..."
أطفأ الحاسوب وذهب للنوم، معتقدًا أن هذا اليوم سيكون مثل أي يوم آخر.
---
لكن ما تذكره الشاب الآن كان صادمًا: *
هذا العالم هو لعبة
.
لقد وجد نفسه داخل اللعبة. والصدمة الأكبر؟ كان في جسد شخصية تدعى بايل .
---
"حسنًا..."
نظر حوله، كان الزقاق موحشًا للغاية. الليل يغطي المدينة بغطاء من الغموض، والأصوات الخافتة تضفي شعورًا بالكآبة. الأضواء الخافتة تضيء الشوارع الواسعة والنظيفة، لكن الشعور بالوحدة كان يخيم على المكان. كانت المباني المحيطة، ذات الواجهات المزخرفة والتفاصيل المعمارية الفخمة، تبرز بجمالها وغموضها، بينما كان الرخام القديم والأعمدة الشاهقة تعطي طابعًا من العظمة التاريخية.
بدأ بايل يتحرك بخطى ثقيلة، يتوجه نحو منزله الجديد، أو بالأحرى منزل صاحب الجسد الأصلي. لكنه توقف فجأة عندما سمع صوتًا...
[مرحبًا، سيدي]
"ماذا... من أنت؟!"
نظر حوله، لكنه لم يرَ أحدًا. الصوت كان يتردد في ذهنه، هادئًا وغامضًا، كأنه يتحدث مباشرة إلى عقله.
[لا تقلق، سيدي. أنا الذكاء الاصطناعي المرافق لك]
بايل حدق في الفراغ، قلبه ينبض بسرعة. الذكاء الاصطناعي؟ في هذا العالم؟
"ذكاء اصطناعي؟ كيف... في هذا المكان؟"
[أنا نظام صُمم خصيصًا لخدمتك، وتهيئة الظروف المثلى لتقدّمك]
"تقدمي؟ هل تتحدث عن اللعبة؟"
[هذا ليس مجرد لعبة، سيدي. الأمر يتجاوز ذلك. العالم الذي أنت فيه الآن هو واقع جديد]
بايل كان مترددًا، لكنه شعر بأن الصوت لم يكن كاذبًا. الواقع الذي يعيشه الآن كان ملموسًا، وليس مجرد محاكاة.
"ما هي وظيفتك؟"
[وظيفتي هي مساعدتك في تحقيق هدفك... الذي قد لا تعرفه بعد]
"هدفي؟ وما هو هذا الهدف بالضبط؟"
[سأخبرك حين تقوم بشراء مكتبة]
بايل رفع حاجبيه باندهاش.
"مكتبة؟ لماذا قد أحتاج إلى مكتبة؟"
[في المكتبة ستجد الإجابات. هناك شيء مخفي في الوجود، وفقط من يملك المكتبة سيستطيع ان يمتلكها]
بايل فكر للحظة. لم يكن لديه شيء ليخسره، وصوت الذكاء الاصطناعي كان يحمل نوعًا من الثقة والغموض الذي جعله يشعر بالفضول.
"حسنًا... سأفكر في الأمر."
---
وهكذا مر يومان، بحث بايل عن موقع مناسب ليكون مكتبته. في اليوم الأول، لم يجد شيئًا يلبي احتياجاته. في اليوم الثاني، وبعد ساعات من البحث، وجد مكانًا مناسبًا: مكتبة قديمة، ثلاثة طوابق من الجدران الحجرية والرفوف الخشبية الفارغة.
كان السعر مرتفعًا ثلاث قطع ذهبية، لكنه نجح في التفاوض على تخفيضه. بعد توقيع الأوراق، كانت المكتبة ملكًا له.
---
في اليوم الثالث، وقف بايل أمام المكتبة، تأمل واجهتها الغامضة. الحي كان فخمًا، مليئًا بالمنازل الفاخرة. المنطقة كانت تدعى
المنطقة الثانية
دخل بايل إلى المكتبة. المكان كان فارغًا تقريبًا، سوى من الطاولة الخشبية الكبيرة والمقعد المزخرف. جلس بايل على المقعد، يضع يديه على الطاولة.
"حسنًا... ها أنا ذا. لقد اشتريت المكتبة. ماذا الآن؟"
كان ينتظر ردًا، لكن الصوت ظل صامتًا. لثوانٍ طويلة، لم يكن هناك أي رد فعل.
ثم، فجأة...
[أحسنت يا سيدي. الآن يبدأ الحدث الحقيقي]
بايل ضاق ذرعًا بالصمت الغامض.
"أي حدث؟ اشرح لي! لقد قمت بشراء المكتبة، أليس هذا كافيًا؟"
[المكتبة هي المفتاح، سيدي. لكن المفاتيح لا تفتح الأبواب وحدها. تحتاج إلى معرفة كيف تستخدمها]
بايل شعر بالاستفزاز.
"وماذا بعد؟ ماذا يوجد في المكتبة؟"
[في الوقت المناسب، ستكتشف. هذه المكتبة ليست مجرد مكان لبيع الكتب. إنها بوابة إلى المعرفة المطلقة]
بايل جلس بترقب، كلماته كانت بطيئة ومتزنة.
"معرفة؟ أي نوع من المعرفة؟"
[شيء يتجاوز الفهم البشري. لكنها ليست متاحة لأحد. أنت، سيدي، ستصبح مالكها]
~~
اعذروني على الأخطاء…