الفصل الرابع و العشرين: مثيرة لشفقة [4]
<هيلين، هل يمكنكِ شرح ما يحدث؟ > سألت بهدوء، متطلعًا إلى الإجابة.
هيلين، لاحظت أن صوتها اكتسى بلمحة من المرح، رغم الجدية التي كانت تسيطر على الموقف.
[حسنًا…] بدأت تتحدث، ولكن فجأة توقف صوتها. ارتسمت على وجهها علامات الارتباك للحظات، كأن سيلًا من المعلومات اجتاح ذهنها فجأة، مما جعلها تتوقف لبرهة. بدا وكأنها تعيد ترتيب أفكارها.
[في الواقع…] صوتها عاد بعد أن استقرت أفكارها، [لقد حُلّت لعنتها.]
تلك الكلمات جعلتني أرفع حاجبي قليلاً. أفهم الجزء الأول، ولكن ماذا تقصدين بحل لعنتها؟
<تحدثي بشكل أكثر وضوحًا.> قاطعتها، محاولًا دفعها لتفصيل الأمر أكثر.
[لقد تم تدمير روحها وأعيد تشكيلها.] نطقت الجملة بهدوء وكأنها حقيقة بديهية.
<إذًا؟> سألت بتروٍ، بينما أستوعب ما قيل.
<ماذا استفادت من ذلك؟ >أردت توضيح الصورة كاملة.
<وما علاقة ذلك بلعنتها؟> >تابعت بنبرة تحليلية.
[ببساطة…] > قالت وكأنها تتهيأ لتشرح فكرة معقدة.
[كانت عديمة الموهبة تقريبًا. لهذا السبب تم تدمير روحها وإعادة تشكيلها بشكل أفضل، وأُعطيت موهبة مثالية.] أضافت، وفي صوتها بريق من التمعن.
[أما السبب في أن موهبتها كانت لعنة، فهو أنها تعرضت للتنمر طوال حياتها من عائلتها بسبب موهبتها المنخفضة.] أكملت حديثها بحزن.
وضعت يدي على ذقني وأومأت بفهم. كل شيء يمكن تغييره في الحياة...
إلا الموهبة. فالموهبة شيء يولد به الإنسان، ولا يمكن تغييره بأي طريقة. تأملت تلك الحقيقة. عديمو الموهبة عادة ما يُنبذون من المجتمع.
كنت سأشعر بالصدمة لولا صفة الهدوء الذي لا يفنى التي تميزني. ما حدث كان شيئًا غير طبيعي، أمر مستحيل.
هممم. إذًا، هذا هو كل شيء، الأمر أصبح أكثر وضوحًا الآن.
نظرت إلى إيفا. اعتقد ان لأمر اصبح اسهل والذي جعل المهمة مريحة هو أن خاتم إيسداموس لا يقبل بشخص بلا موهبة. كنت قد وضعت خطة مسبقًا: لو كانت إيفا ذات موهبة منخفضة، كنت سأجعل آرون يجبر الخاتم على التفاعل، ثم أمنحها إياه.
ولكن لا تزال المكتبة تفوق تصوري في كل مرة.
شبكت أصابعي ببعضها، ونظرت إلى إيفا التي كانت تنظر إليّ بعينين تحملان مزيجًا من الصدمة والتساؤل.
ستحتاجين إلى الحصول على الخاتم...
على أي حال، إيسداموس سيستخدم “عين الظلام” لفحص موهبة إيفا، لكن أولاً يجب عليها الحصول على الخاتم. تذكرت التفاصيل المتعلقة بالمزاد.
قررت تسريع الحديث. “هل تعرفين مزاد باندورا؟” سألتها بنبرة هادئة، كأنني أستجوبها.
نظرت إلي بارتباك واضح، غير مدركة تمامًا لماذا أطرح هذا السؤال. “آه، أجل، سيقام بعد غدٍ.” أجابت ببعض التردد، ولكن بتعبير مبتسم.
“سأعطيك نصيحة أخيرة: يجب أن تحضري المزاد.” نطقت بوضوح، كاشفًا عن جزء من الخطة.
ظهر الارتباك بوضوح أكبر على وجهها؛ لم تفهم تمامًا لماذا يجب أن تحضر المزاد.
“في ذلك المكان، هناك شيء مخفي، لا يدركون قيمته… سيعرضونه.” أوضحت، محاولًا إثارة فضولها.
“لذلك، إن حصلت عليه، ستحصلين على معلم رائع.” أضفت بتلميح آخر. أومأت برأسها بعد أن فهمت أهمية المعلم.
رغم أنها قادرة على التعلم عبر التجربة والتكيف، إلا أن وجود معلم سيكون له أثر كبير على موهبتها الجديدة.
“تذكري…” تابعت، إنه خاتم... في حضوره تشاؤم، وفي غيابه راحة. كان عليّ أن أقدم لها تلميحًا بدون كشف كل شيء.
نظرت إلي بعينين تلمعان، ربما كانت سعيدة باكتشاف أنها ستخوض تجربة جديدة.
“حسنًا، أنا متأكدة من عدم تخيب ظنك.” قالت بنبرة مليئة بالثقة، وانحنت شكرًا.
“شكرًا لك على إنقاذي، سأفعل كل ما بوسعي لسداد هذا الدين.” كانت عيناها تحملان مشاعر الامتنان.
“رغم أن هذا دين... حتى لو قدمت حياتي، لن أتمكن من سداده.” أضافت بصوت خافت، وقد بدأ وجهها يعكس بعض الإحراج.
“لا عليك.” قلت بابتسامة خفيفة، مشيرًا إلى أنني لم أكن أنتظر أي مقابل.
رفعت يدي ببطء، مستعدًا لتحديد الثمن.
“الآن حان وقت الدفع.”
في تلك اللحظة، لاحظت كيف انكمش جسد إيفا بشكل لا إرادي. كان الخوف يتسلل بوضوح إلى ملامحها، كأنها توقعت أن الثمن سيكون شيئًا لا يمكن تحمله. ربما خُيِّل إليها أنني سأطلب روحها أو ما هو أسوأ.
نظرت إليها بنظرة هادئة، لكنني شعرت بأن عليّ إيقاف خيالاتها الجانحة.
“ثلاث قطع فضية لاستعارة الكتاب لمدة أسبوع.” قلت بنبرة ثابتة، مقاطعًا أفكارها المخيفة.
أضفت ببساطة: “لا يمكنك شراء الكتب هنا، فقط استعارتها.”
نظرت إليها مرة أخرى، وعيناي خالية من أي تعبيرات.
“بالطبع، لا أعتقد أنك ترغبين في معرفة ما سيحدث إذا حاولتِ الهروب مع الكتاب.” قلت بلهجة أقل حدة، لكن مضمونها كان واضحًا.
لم يكن هناك تهديد حقيقي؛ كما أوضحت لي هيلين من قبل، الكتاب سيعود تلقائيًا إلى المكتبة إذا تخطى الزبون الموعد المحدد. وإن عاد الكتاب بعد الموعد، فسيتعين عليه دفع غرامة.
لكن إيفا لم تكن تعرف هذا.
رأيت كيف بلعت ريقها بصعوبة، قلقها يسيطر على كل تصرفاتها. كان واضحًا أنها لا تعرف ماذا تتوقع.
ببطء، أخرجت محفظتها وسلمتني الثلاث قطع الفضية.
ابتسمت لها ابتسامة خفيفة بعد أن أخذت المال.
“حسنًا، عزيزتي العميلة، أتمنى أن تزورينا مرة أخرى.” قلت بابتسامة احترافية، مع لمسة من الدعابة.
رأيتها تتجه نحو الباب، خطواتها متسارعة، كأنها تود الهروب من المكان بأسرع وقت.
“إلى اللقاء، ولا تنسي زيارتنا مجددًا.” قلت بنبرة مرحة.
ابتسمت إيفا بخجل. “حسنًا، سيدي… إلى اللقاء.”
• خروج *
رن الجرس مرتين مع خروجها.
“درينغ… درينغ…”
نظرت خلفي لأرى آرون واقفًا هناك، تعلو وجهه نظرة معقدة. لم يكن يفهم ما الذي حدث؛ كيف تحولت إيفا من حالة خوف إلى رحيلها بشكل مفاجئ.
ماذا فعل بها الكتاب؟ تساءل في داخله، لكن لم ينطق بالسؤال.
نظرت إليه بابتسامة مطمئنة.
“لا تقلق، ستعتاد على ذلك.” قلت له بارتياح.
تنهد آرون بهدوء، ثم ابتسم.
“حسنًا.” رد وهو يتنفس بعمق.
***
خروج
"درينغ... درينغ..." رنّ الجرس مرتين مع خروج إيفا من المكتبة، ابتسامة واسعة تزين وجهها. شعرت بلحظة من السعادة الغامرة، وكأن كل شيء أصبح ممكناً. لكنها ما إن خطت خطوات قليلة خارج المكتبة حتى خيم عليها تفكير جدي.
هل سأعود إلى هنا؟
تلاشت الابتسامة تدريجياً، وحلّ مكانها تعبير بارد عندما تذكرت عائلتها. كانت هذه الذكريات هي التي أثارت في نفسها اضطرابًا عميقًا. لم تكن إيفا التي خرجت من المكتبة تشبه الفتاة الجبانة التي عرفتها من قبل. يبدو أن الكتاب الذي استعارتها لم يؤثر فقط على روحها ومواهبها، بل أيضًا على شخصيتها.
"إذن... هل سأبدأ لعبة الانتقام؟" همست لنفسها بينما ارتسمت على وجهها ابتسامة واسعة مليئة بالتحدي.
لكنها توقفت فجأة. "أوه، صحيح..." تذكرت بوضوح ما قاله لها مالك المكتبة، ذلك الرجل الغامض. كان هناك شيء آخر عليها أن تحصل عليه: الخاتم.
عند تذكره، تغير تعبيرها البارد ليحل محله امتنان عميق. رغم كل شيء، كانت تدرك أن مالك المكتبة لم يساعدها بدافع اللطف. كانت بالنسبة له مجرد بيدق، جزء من خطة أكبر لا تفهمها. ومع ذلك، كانت مصممة على المضي قدمًا، ولم تكن بحاجة إلى فهم خطته بالكامل لتكون مفيدة.
"لا حاجة للبيدق لأن يملك أفكارًا زائدة..." قالت ذلك لنفسها وكأنها تؤكد على دورها في اللعبة.
ما لم تدركه إيفا، هو أن هناك نوعًا من الهوس بدأ يتشكل لديها تجاه مالك المكتبة. كان حضوره الغامض والطريقة التي أدار بها الأمور جعلت منها شخصًا جديدًا. لم تكن تلك الفتاة الجبانة التي عرفت نفسها بها من قبل.
"سأبدأ ببناء نفوذي في السوق السوداء." فكرت في تلك اللحظة، قرارها واضح في ذهنها. ستبني منظمة خارجة عن القانون، منظمة قوية بما يكفي لجعلها تتفوق على كل ما سبق.
ضحكت بصوت منخفض: "هيهي... رغم أنه ربما لن يحتاجني..." ، لم يكن الأمر متعلقًا فقط بالقوة، بل برغبتها في أن تكون جزءًا من شيء أكبر.
"أتمنى فقط أن أتمكن من مساعدته ولو قليلًا..." ، همست لنفسها بتفكير عميق.
وهكذا، دون أن تدرك، كانت تلك اللحظة هي البداية. بداية لأخطر منظمة في العالم.
"الكابوس."
~~~
أعذروني على الأخطاء…