تطابق تعبير برونو مع ذلك الذي ارتسم على وجه والده. لقد أُصيب بالدهشة من هذا الاقتراح. صحيح أن الجميع يعلم أن الزيجات كانت تُرتب بين العائلات النبيلة عبر التاريخ، وغالباً ما كان الطرفان صغيرين جداً عندما تحدث تلك الخطبة لأول مرة.
ولكنه كان الابن التاسع لنبيل من الطبقة المتوسطة مع تاريخ لا يتجاوز المئة عام. فلماذا يقترح هذا الجنرال، الذي كان من الواضح أنه ينظر بازدراء إلى عائلته، مثل هذا الاقتراح؟ إلا إذا كان هناك مقصد آخرا وراء هذا الزواج. وحينما بدأ برونو يشتبه في وجود دوافع خفية، تغيّر تعبير والده.
في البداية، صُدم الرجل، وكان لديه كل الحق في ذلك، لأنه كان يعلم أكثر عن الأسباب الحقيقة لهذا العرض المشبوه . لكن عندما استعاد السيد أخيرًا حواسه، لم يستطع سوى أن يقبض على يديه.
(ت/م : والد برونو يحمل نفس الأسم لذا حتى لا تلتبس عليكم الامور سوف أشير له بالسيد او رب المنزل او الأب حسب المتكلم وسياق الكلام )
لقد تطلب الأمر كل ذرة من قوته ليتمالك اعصابه، لأنه كان يعلم أن التصرف المتهور في هذه اللحظة قد يكون كارثيًا. ثم طرح سؤالًا على الجنرال في منتصف العمر، الذي كان يتطلع إليه بابتسامة ساخرة وهو يلف شاربه وكأن ردود فعله كانت مصدر تسلية له.
"يا صاحب السمو، هل أفهم أنك تقترح خطبة ابنة عشيقتك لابني الشرعي؟"
في لحظتها أدرك برونو ما تعنيه هذه الكلمات. هذه الفتاة الصغيرة كانت ابنة غير شرعية؟ كان هذا منطقيًا حينما تأمل الأمر بتعمق أكبر. لماذا يكون لرجل في منتصف العمر عروس صغيرة السن إلا إذا كانت زوجة ثانية أو عشيقة؟
وهذا يفسر أيضًا طبيعة الفتاة الخجولة، التي كانت ترتعد وهي تختبئ خلف والدتها. نادرًا ما يعامل الأبناء غير الشرعيين كأفراد من العائلة بين النبلاء، وغالبًا ما يتعرضون للتنمر والمضايقة من أشقائهم، أكثر مما تعرض له برونو نفسه في السنوات القليلة الماضية.
ظهرت لمحة من الشفقة في عيني الصبي الزرقاوين وهو يتأمل الفتاة الخائفة التي تُباع أمامه ، ولأسباب أقل ما توصف بأنها مأساوية. ومع ذلك، كان برونو يشتبه في أن هناك أكثر من مجرد زواج خلف هذا العرض. ربما كان هناك آخر آخر .
بهذا التفكير، حوّل برونو نظره نحو والديه، وكلاهما كان يبدو على وشك طرد الأمير وعائلته من المنزل لإهانتهم في بيتهم. لكن بطريقة ما، وجدوا القوة للبقاء هادئين.
بناءً على الطريقة التي استخدم بها والده لقب "صاحب السمو" في تعامله مع هذا الجنرال، كان الرجل في منتصف العمر على الأرجح دوقًا، أو ربما أميرًا محالاً إلى الطبقة النبيلة. سيكتشف برونو لاحقًا أن افتراضاته كانت صحيحة، وأن الجنرال كان بالفعل أميرًا من العائلة النبيلة العريقة "فون بنتهايم"، التي رفعها الملك فريدريك ويليام الثالث إلى مرتبة "الأمراء" في عام 1817.
لكن في تلك اللحظة، لم يكن برونو يعلم بالضبط نوع النبيل الذي كان هذا الرجل، أو ما إذا كانت عائلته تملك سلطة حقيقية او انه مجرد لقب ورثه ، ولم يكن لديه الوقت للتفكير في هذه الأمور، إذ سرعان ما رد الأمير في منتصف العمر على تصريح والده .
"أوه؟ ما هذا؟ أنت وزوجتك الجميلة تبدوان وكأنكما تشعران بالإهانة من عرضي؟ يجب أن تكونا فخورين لأنني مستعد لدمج ابنتي بعائلتكم ذات التراث المتواضع. قد لا تحمل اسمي، لكن دمي يجري في عروقها. ربما سيفيدكم بعض الدم النبيل الحقيقي، ألا تظن ذلك؟"
الآن لم يعد الرجل يخفي إهاناته. وبرونو كان يعلم أن والده على وشك الانفجار. ولهذا السبب، تنهد برونو داخليًا. إذا أهان والده الأمير، وهو أيضًا جنرال في الجيش الإمبراطوري، ستكون العواقب وخيمة على عائلتهم.
صحيح أن عائلة "فون تسينتنر" في هذا الزمن قد تمتلك بعض الثروة ودرجة لا بأس بها من النفوذ في الجيش والرايخستاغ، لكن مقارنتهم بأمير من عائلة عريقة كانت كمقارنة قوة ملازم بقوة مشير ميداني.
(ت/م : الملازم هوا ظابط حديث التخرج يقود 32 جندي والمشير هوا في أغلب الأعراف القائد العام للجيش )
بلا شك، إذا تصرف الأب بدون لياقة، سيكون ذلك كارثيًا على مستقبل عائلته. ولهذا تقدم برونو إلى الأمام، مستعدًا تمامًا ليكون الحمل الذي يُضحى به من أجل مصلحة عائلته ومستقبله الشخصي.
"أعتذر على مقاطعتي، لكنني أرغب في التعبير عن رأيي في هذا الأمر، إذا كان ذلك مقبولًا، يا صاحب السمو."
نظر والد برونو إليه بعناية. كان الفتى ذكيًا وناضجًا بشكل استثنائي بالنسبة لعمره. لكن أن يتدخل الآن ويخاطب الأمير بدلًا منه؟ كان من الواضح أن هناك شيئًا ما يدور في ذهنه الصغير. أراد أن يقاطع ابنه قبل أن يرتكب خطأ ما، لكنه كان بطيئًا في القيام بذلك.
رفع الأمير حاجبه ونظر إلى برونو كما لو كان كائنًا فريدًا. معظم الأطفال في مثل عمره لن يكونوا على دراية بأهمية هذا النقاش أو معناه الخفي تمام مثل ابنة عشيقته ومع ذلك، بدا أن هذا الطفل قد تابع الحوار ويعرف ما يحدث .
ألم يكن هذا عرضًا مخيفًا للغاية للذكاء والحكمة التي لا تتناسب مع طفل عادي؟ ومع ذلك، لم يكن يعرف السبب، لكن الأمير أراد أن يرى ما سيقوله الفتى، ولذلك كان سريعًا في الإيماء برأسه وقبول طلب برونو.
"تفضل أيها الفتى، تكلم "
على الرغم من أن برونو كان يحمل ذكريات رجل في منتصف العمر، إلا أنه قد بُعث من جديد، وبالتالي كان لا يزال طفلاً صغيرًا. ولهذا قرر استغلال هذه النقطة لصالحه.
بتسامة لطيفة، ألقى نظرة على الفتاة الصغيرة التي كانت مستقبلها يناقش جنبًا إلى جنب مع مستقبله، قبل أن يقدم تصريحًا ينقذ به عائلته من ارتكاب فعل يسيء لمن هم أعلى منهم سلطة ونفوذًا .
"أود أن أشكرك على كرمك يا صاحب السمو. سيكون لي الشرف أن أتزوج ابنتك، سواء كانت معترفًا بها رسميًا كفرد من عائلتك أم لا."
هذا التصريح أدهش الأمير. الحقيقة هي أنه لم يكن ينوي فعليًا أن يزوج ابنته غير الشرعية لبرونو. بل كان سبب مجيئه اليوم هو تدمير عائلة "فون تسينتنر"، والاستولاء على املاكهم ليكون عبرة لبقية العائلات النبيلة الجديدة التي تتوسع بسرعة على حساب العائلة النبيلة القديمة .
ففي النهاية، كانت عائلة "فون تسينتنر" محل تقدير بين العديد من الطبقات النبيلة الجديدة التي اكتسبت ألقابها خلال القرن الماضي من خلال الشجاعة في القتال، أو من خلال الإنجازات الكبرى في العلوم والثقافة.
إذا ردو عليه بشكل عدواني كما يأمل فسوف يعتبر ذالك إهانة للمؤسسة العسكرية وللعائله الملكية ومحاولة الإنقلاب ، وسيتم استخدام تلك التهم في المحكمة العليا لتدمير عائلة "تسينتنر" وفرض قوانين تقيد العائلات النبيلة الجديدة. وكان هذا هو الهدف الحقيقي للأمير.
وبينما كان الأمير يراجع خططه التي بدأت تنهار سمع صوت صرخة من والدة الفتى ، في محاولة إسكاته.
"اصمت يا بني، أنت لا تعرف-"
لكن زوجها رفع يده ليوقفها بسرعة. كان الرجل نادرًا ما يتعامل مع ابنه الأصغرعلى مدار السنوات الماضية بسبب انشغاله ، لكنه كان قد سمع حكايات عن عبقرية الفتى. وخلال لقاءاته القليلة مع ابنه، كان يعلم أن ابنه يملك قدرًا مرعبًا من الذكاء والحكمة، أكثر مما ينبغي لصبي في عمره.
وليس هذا فحسب، بل كان يتابع نمو جميع أبنائه على مدار السنوات. وبينهم جميعًا، كان برونو هو الوحيد الذي برز في سن مبكرة. ولهذا، نظر إلى ابنه بنظرة حازمة وطرح عليه سؤالًا بسيطًا. وكانت إجابته ستحدد مصيره.
"برونو، هل تعرف ما تقوله الآن؟"
ما كان يقصده حقًا هو: هل تدرك عواقب أفعالك وتأثيرها على مستقبلك؟
أجاب برونو بنظرة صارمة مماثلة، وبإيماءة طفيفة برأسه تجاه والده، ناطقًا بكلمة واحدة فقط. ومع ذلك، احتوت هذه الكلمة على قدر من الصرامة أكبر بكثير مما يمكن أن تحمله كلمة أخرى، لا سيما من فتى في الخامسة من عمره.
"تمامًا."
تنهد والد برونو بسرعة وهز رأسه، وفرك جبهته كما لو كان يحاول تخفيف صداع مفاجئ. ثم استدار نحو الأمير الذي كان لا يزال يحدق في الصبي، وكأن شيئاً ما لم يكن على ما يرام معه. يبدو أن رد الفتى جعله يدرك أن خططه لم تسر كما كان يتوقع.
قال الأب : "لقد سمعت الفبي. ليس لدي خيار سوى قبول عرضك. سيتزوج ابني برونو وابنتك هايدي عندما يبلغان سن الرشد. أم أنك ترغب في سحب عرضك لسبب ما؟"
كان من الواضح من التعبير على وجه الأمير ووجه عشيقته الشابة أنهما لم يعرفا كيف يستجيبان فوراً لهذا الموقف. فقد كانا يتوقعان أن يرفض العرض وربما حتى يثير فضيحة. وكان بإمكانهما استغلال لصالحهم.
قبل أن يتمكنوا من اتخاذ قرار كامل حول كيفية التصرف، استغل برونو الفرصة وتقدم نحو الفتاة الصغيرة التي كانت لا تزال مختبئة خلف والدتها. ارتسم على وجه برونو أطيب تعبير طفولي استطاع أن يظهره، حيث أمسك بيدي الفتاة وابتسم لها. كل ذلك بينما كان يؤكد أن الصفقة قد تمت.
قال برونو بابتسامة: "إذًا اسمك هايدي؟ يسعدني أن ألتقي بك يا سيدتي، اسمي برونو. سنكون متزوجين عندما نكبر، لذا آمل أن تعتني بي جيداً عندما يحين ذلك اليوم!"
لم تكن الفتاة تتقن الحديث بمهارة كما كان برونو، فهي في النهاية مجرد طفلة عادية. لكنها تأكد تبكي عندما رأت مدى لطف برونو معها او ربما هناك سبب آخر بعد كل شيء هوا رجل بالغ كيف له ان يعرف فيما يفكر الأطفال.
قالت الفتاة بصوت خافت: "س سأعتني بك."
أما الأمير، من جهته، فقد بدأ يشعر بالذعر َوهوا يرا الوضع يخرج عن سيطرته ، واستمر قلقه في التفاقم حتى حول برونو نظره نحوه.
برونو ارتسمت على وجهه ابتسامة ماكرة مليئة بالانتصار، مظهراً للأمير أن هذه المعركة قد انتهت بانتصار برونو. مما جعل الرجل في منتصف العمر يقترب من التعرض لنوبة قلبية بينما كاد ينهار على المكتب القريب، وهو يكافح من أجل التنفس.
بدأت عشيقته تشعر بالذعر أيضا ، ولم تُظهر أي اهتمام على الإطلاق بانفعال ابنتها العاطفي، وبدلاً من ذلك تفحصت لترى ما إذا كان الأمير على ما يرام.
صرخت: "سموك! هل أنت بخير؟!"
رغم أنه بدا على حافة الموت، إلا أن كل ما تطلبه الأمر هو أن يدرك الأمير أنه قد هُزم من قبل طفل ليتمكن في النهاية من التعافي من نوبة الهلع التي ألمت به.
وفي النهاية، استعاد الأمير توازنه بعد عرضه المحرج، وغادر الغرفة بعصبية، تاركاً عشيقته وابنتهما الشابة ليتبعاه بعد وقت قصير.
قال بحدة: " نحن نغادر!"
سحبت والدة هايدي ابنتها بعيداً عن برونو، متعهدة للفتاة بأنهما سيعودان قريباً. بينما مسحت الفتاة دموعها واحمرت خجلاً عندما جرتها والدتها بعيداً، مستخدمة كل شجاعتها لتلوح وداعاً بابتسامة خجولة للصبي الذي سيكون يوماً ما زوجها عندما يكبران.
أما بالنسبة لبرونو، فقد لوح لها بابتسامة مثالية. وعندما ابتعدت الفتاة وعائلتها عن الأنظار، عاد تعبيره إلى مظهره البارد والجاد، وتنهد بعمق قبل أن يستدير نحو والده، الذي كان ينظر إليه بنظرة غير راضية.
والد برونو، الذي نشأ بين الجنود، كان لديه عادة سيئة في كسر قواعد اللباقة عندما كان غاضباً من عائلته، وسرعان ما وجه اللوم إلى ابنه بألفاظ قاسية لا تليق بسيد نبيل.
قال بحدة: "أيها الوغد الصغير... ما الذي تفكر فيه.. هل تعرف ماذا فعلت ؟"
نظر برونو إلى والده بلا أي تعبيرات، ثم قال جملة واحدة قبل أن يغادر.
قال برونو ببرود: "لا شيء يستدعي اهتمامك، يا أبي."
بعد قول ذلك، استدار برونو وغادر الغرفة. بينما انهار والده في مقعده ونفس عن غضبه إلى زوجته.
قال والده: "ذلك الشقي الصغير سيقضي علي يوماً ما."
أما والدة برونو، فكانت مملوءة بالمودة الأمومية تجاه عبقريها الصغير الذي سرعان ما أصبح طفلها المفضل. فربتت على كتفي زوجها وهي تؤكد له أن كل شيء سيكون على ما يرام.
قالت بابتسامة: "على العكس تماماً، لقد أنقذنا ولدنا الصغير من الكثير من المتاعب."
وفي النهاية، لم يتمكن السيد من الاعتراض على كلام زوجته. فلولا سرعة تفكير برونو واستعداده لتحمل المسؤولية عن الأسرة، لكانوا قد وقعوا في مشاكل كبيرة. وإذا كان برونو بهذا الذكاء في سن مبكرة، فقد ي كون والده مضطراً للانتباه إليه أكثر من الآن فصاعدا.
(ت/م : هذا الفصل كأن فيه ثغرات في القصة حاولت إصلاحها و إعادة صياغة بعض الجمل ليكون السيناريو أكثر منطقية، وهكذا ساتعامل مع بقيه الفصول، اذا اردت الترجمة الحرفية يمكنك الذهاب للمصدر والقراء بترجمة جوجل)