دماءٌ في كلِ مكان.. اصوات السيوف الصاخبة التي تَثقُب طبلة الأذن.
ليست المرة الاولى التي تُشنّ فيها الحرب.. لكن هذه المرة كانت مختلفةً تماما.!!
"لنقتله.."
لم تكن تِلك النبرة غريبة ابدا..لكنّي لم اكن مُتيقنًا.
عندما ترى الاشخاصَ على حقيقتها..وتُرفع الستائر لأظهار شرهم.. حينها تُدرك كم كنتَ احمقًا.!
رأيته وهو يجرّ سيفه، وتلك الابتسامة الماكرة على وجهه..خطواته الهادئة تاركًا الاثر خلفه.
تَبعتُه..
حينها ادركتُ انه يسعى وراء ابي..!
"ماذا تَخالُ نفسكَ فاعلا!"
باغتّه من الخلف بسيفي لكنه استطاع صده!
"امسكوه.! "
شعرتُ بأحدهم يضربني على رأسي بقوة..ولم اشعر بشيء بعد ذلك.
مرت بضعُ دقائقٍ وانا فاقدُ الوعي. فتحتُ عيناي بتباطئ لأجد دويّ صوت ابي بينما يصرخ المًا والدماءُ تَقطُر من حافة السيفِ.
"ابي!!!"
***
استيقظَ فزعًا من نومه مُمسكًا برأسه بينما يلتقط انفاسه.
نقل بصره بين ارجاء الغرفة يتفحص المكان بِدقة.
تنفس الصعداء واسند رأسه على الجدار مُرهقًا
"كان ذلك مجرد كابوس.."
لِينهض مُتوجهًا نحو الباب الذي يكادُ ان يُسمع صريرهُ
"هيا اخرج.. لا يوجدُ احد!"
كان ذلك صوتَ نفسهِ مُحدثًا اياها.
يسير ببصره يمينًا وشمالًا لِيخطو بقدميه خارج غُرفته بينما يُمشّطُ الارجاء بمقلتيه ويتفحصها.. كأنه طفل ولٌد لتوه ولا يزالُ بين احضان والدتهِ مُقلبًا وجوه مَن حولهِ بدقة، وكالطفل الذي يخطو لأول مرة ويخاف ان يسقط..
واصلَ سيره على هذا النهج نحو مكتب ابيه الامبراطور "رايدون"، طرقاتٌ خفيفةٌ، تُشبه نقرَ احدهم بأصبعهِ على طاولة.
كان الامبراطور في مكتبهِ يعمل كعادته، تلك الاوراق البيضاء امامه.. والحِبرُ على يمينه، يلتقطهُ ليبدأ بخطّ الكلماتِ والاحرف على تِلك الاوراق الفارغة، كان كُل مرةٍ يكتب ما يَخص شعبه، مالذي ينَقُصهم وما يحتاجون.
إلا تِلك المرة التي سَتُقلبُ فيها الموازين رأسًا على عقب!
لَم ينتبه لِطرق باب مكتبه، ليتحدث مِن خلف تلك الباب
"ابي.."
مُبعثراً تركيزه في الهواء كرَشقَةِ ماءٍ تتبعثر على الارض.
ليدخلَ فورَ ما إن سمحَ له مُرحبًّا بولدهِ بِكلّ حنانٍ ومحبة، تكفي لِشرح مدى حُب الامبراطور لِولده
"عمّا جئتَ يا وتين قلبي"
يُمكنُ لِقليلٍ من الكلمات ان تحتضن وتُلامِس قلب من نُحب، وكأنكَ تُربّت على كتفه بحنو.. لِتخبره إن كُل شيء بخير..
***
ابتسامةٌ تُرسم على ثغره بينما يفتحُ ذراعيه على مِصراعيها، مُنطلقًا لِمعانقة والده الامبراطور، كالصقر عِندما يَفرِدُ بجناحيهِ نحو فريستهِ مُنطلقًا لألتهامها.
"جئتُ لأطمئن عليكَ يا ابتي.."
ضِحك بصمت واخذ يتحسسُ وجنتيّ ابنه مُعلقًا بصره بعينيه الزرقاوتين.
"لا اعلم ما ترمي اليهِ يا بُنيّ.. لكنّي بخير، لا تقلق يا ولدي الحبيب.."
لِيُنهي جملته بأبتسامةٍ جميله، كافية لأزالة الشكوكِ حوله.. فقد فَطن لِما يَرمي اليه ولده، لكنه.. لم يجرؤ على التحدث في الوقت الحالي، مِما دَفعه لأختلاقِ كذبةٍ صغيرة.
كان يَشعر بأن والدهُ كان يكذِب ليطمئِنه..لَكنه انتزع تلك الافكار مِن رأسه عاد الامبراطور "رايدون" لمكتبه لِيُطلق تنهيدةً مُطولة، مُحتضنًا رأسه بكفّيه يُصراع افكاره التي تطعنُ جدار رأسه.
لِتنفر دمعةٌ من مأقته، فَيلتَقطها بكفّه.
"آسفٌ يا قُطعةٌ من فؤادي.."
***
احيانا.. نَكذب لأننا نخاف على من نِحب من الحزن والفراغ.. إلا انه سَيكشف المسرحُ سِتائِره مُعلنةً عن انتهاء العرض المسرحي، وإن كل ذلك كان مجرد تمثيل صَدقهُ احدهم..
***
يسير بخطواته الهادئة والمُهيبة نحو ساحة التدريب في القصر، يضع سيفه في حزامِ بنطاله، حاملًا القوس والاسهم على ظهره.
"تحياتي..سمو الامير"
قال مُشرفُ الساحةِ مُرحبّا بابن الامبراطور"يوشيرو" فور دخولهِ البوابة، واضعًا كفًا واحدة على صدره بينما ينحني تَعظيمًا لأبن الامبراطور.
تقدمَ بِخطواته المتباطئه التي تَدبُ في الارض مُتجهًا نحو الساحة، حيثُ الواحُ التصويب التي وُضعَت على الجِدار.
ما إن وقف ازرقُ العينين بمسافة بعيدة جدا عن الهدف، قِلةٌ من يُتقنون ذلك، وقفَ مُتأهبًا واضعًا هدفهُ امام نَصب عينيه، لِينطلق السهمُ كالقذيفة النارية نحو خصمها لوحُ التصويب..
بقي على تلك الحال حتى القى الليل غطائه الاسود مُمتلئًا بالنجوم، تارة بالسِهام وتارةٌ بسيفه، حيث يُجرّد سيفهُ من نَصلهِ مُتخيلًا قاتل والده في المنام..
حتى شعر بأن اصابعهُ تقطُر دمًا، وقد تمزق جِلده، يداهُ المُرتعشتين تكفي لأسقاط سيفه ارضًا.
كان المكان هادئًا تماما.. القصرُ مُطفئةً اضواءهُ، حتى إن مُشرف الساحة قد نام في مكانهِ..فالجميعُ كان نائما، عدا ابن الامبراطور الذي كانت الافكار تتناطح وتتخبط وتَشن صراعاتٍ في رأسه
"هل كان مجرد حُلم؟"
"هل هذه رؤيا؟"
"هل من الممكن ان تُصبح حقيقة؟"
"هل سأستطيع انقاذ ابي؟"
صوتُ عقله الباطنيّ يُحدثُه..
حتى طفح به الكيل وصرخ محاولًا ابعاد الصراعات التي برأسه والتي تكاد أن تُصيبه بالجنون.
"يكفي!!!"
سقطَ جاثيًا على رُكبتيه، بينما تمتزجُ دماءهُ الحمراء بالتُراب.
لَم تمر سوى بضعُ دقائق معدودة، حتى أحسَّ بيدٍ تُحيطه من الخلف.. تِلك اليد الحانية التي يستطيع تمييز صاحِبها اكثر مِن غيره..
"يا ولدي الحبيب..انهض للنوم، لقد تأخر الوقت، وانا احتاجُك غدا.."
اصبح قلب يوشيرو يَنبض بسرعة وأجفلَ حين سَمع انه يحتاجه.. شَعر الامبراطور بِما يجول بداخل ولده، ليجذِبه نحوه ومعانقتهِ
"بُني، لا تَثق بأقربهم اليكَ دمًا..ستنقلبُ الامور يوما!."
نظرَ بعينيهِ الزرقاوتين نحو والده الامبراطور، تِلك النظرة التي تشرح الكثير.. القى الصمتُ خَيمته على رؤوسهم لبضعَ لحظات، ولم ينبس احدهم ببنتٍ شفة.
حتى تنبّه لِيده التي لا تزالُ تقطرُ دمًا
"بُني.. اتعلم بأنني فخورٌ بك؟"
قال بينما يلف الضمادات حول اصابع ولده جرّاء تدريبه نهارًا كاملا.
***
ارى نفسي جالسًا على عرشٍ كبير، بينما انقُل بصري بِوجوه من حولي.. كان كل شيء جيد، تم تتويجي حديثًا لأكون الامبراطور بعد ابي.
تناهى الى مسامعه صوتُ ضحكةٍ تشوبها نبرة الاستفزاز والحقد، بينما يدخل قاعة العرش ليفتح يداه على مصراعيها ومعه بعض جنود الحرس.
"قتلتَ والدكَ لتستولي على العرش؟!، احبسوه في الزنزانة!!"
استيقظَ من نومه بينما يلهث، لينهض سريعًا نحو مكتب والده..
لم يقم بطرق الباب هذه المرة بل فتحها بقوة كبيرة ودلف المكتب.
"ابي، ارجوكَ اخبرني بكل شيء، ماذا يحدث!!، اكاد اصابُ بالجنون، تحدث ارجوك!!"
أدرك الامبراطور بأن عليه التحدث اخيرا.. اخذ نفسّا عميقّا وبدأ.
***
[قبل اسبوعين]
"مولاي الامبراطور!!"
فتحَ باب مكتب الامبراطور بأقصى قوته مُلتقطًا انفاسه وكأنه كان مُطاردًا.
"ما بِك يا كبير الخدم؟"
"ماساروا قد عاد! وطلب مني أن اعطيك هذه الرسالة"
سقطت تِلك الكلمات كالصاعقة بعد مطرٍ غزير على رأس الامبراطور لتبعثر افكاره، كان لذلكَ الخبر وقعٌ مُهيب..ليس خوفًا بل لأن ماساروا كان يُجهّز انتقامًا لمملكة أخيه.
ناولهُ كبير الخدم تلك الرسالة ثم لينحني مُنصرفًا.
اطلق رايدون تنهيدةً مطولة، ليفتح الرسالة قارءا ما كُتب فيها.
"مرحبا ايها الامبراطور، لقد مرّ وقت طويل، صحيح؟.
لن اسامحك.. انتَ تعلمُ ما ارمي اليه، لذا في هذهِ الرسالة، اعلنُ عليكَ الحرب!! ولن اكتفي حتى استولي على عرشك رايدون، افهمت يا اخي العزيز؟"
انهى قراءة الرسالة مدهوشًا، لا يعرف ماذا يفعل.. هل يُخفي الامر عن ولده..؟.
مُتخبطًا بين الافكار التي تكاد ان تهشم رأسه، حتى اصبح في حالةٍ من الغضب فضرب طاولة مكتبه وصاح بقوة
"تبا لك يا ماساروا!"
***
انتهى من سرد ما كان مُخبئ خلف ابواب تحت مسمى الكذب والغموض..الان بات كل شيء واضحًا.
كان يوشيرو يُنصت لوالده جيدًا، ولم ينطق بشيء.. حتى انتهى
"اهذا يعني..إنك كُنت تكذب عليّ يا ابي؟!!"
"أتظن انني سأقف مكتوف اليدين بينما اراكَ تُقتل يا ابي؟!! صمت لهنيهةٍ واردف:" ابي.. ما يخصك، يخصني ايضا فلا تُخبئ اسرارًا، تخشى أن اقلق حيالها...