وبينما كان يوشيرو جاثيًا على رُكبتيه.. مُتفحصًا ما حوله بِدقةٍ ودهشة، كُل شيء قد دُمر.

تطوفُ الجثث في دمائها هنا وهناك.. الاحصنة وكل شيء.

كان لا يزال يَنظر حوله بعينين دامعتين، فلَم ينبس ببنت شفة.

مُمسكًا بالجثة التي لا تزال بين ذراعيه بينما كانت روحهُ تُراقبُ من السماء..

عانق جُثة والده وصرخ صرخةً مُدوّية.

حاملًا اياه فوقَ ظهره مُتجهًا نحو المقبرة، كان يسيرُ بصعوبةٍ مِن ثُقل جثة والده، لكن كان عليه ذلك.

انزلَه عِند مساحةٍ من الارض وبدأ بالحفر، كانت عيناه قد امتلأت بالفراغ.. كان ينظرُ الى الاشياء ببرودٍ تام.. إلا ان كل شيء محطمٌ في الداخل.

انتهى من الحفر وبدأ بوضع والده داخل القبر المظلم ودثّره بالتراب.

بقي ساكنًا لمدة ينظرُ لقبر والده في صمتٍ ثقيل..

من الصعب أن نتقبل رحيل شخصٍ عزيز على قلبنا والذي تعلق به.. كالطفل الصغير عندما يتعلق بأمه ولا يريد ترك كفّها الحنون..

كما هو الشعور عِندما كُنا اطفالًا ونضيع في السوق، نخاف.. ثم نبكي لاننا نظن بأننا لن نجدها مُجددًا.

وعندما نجدها ننطلقُ لأحتضانها وكأننا نقول "لا تتركيني مجددا.." فما بالك بشخصٍ ميت لا رجعةَ فيه..؟

***

جلسَ امام القبر بعدَ أن وضع حفنةً من الزهور وكان يَنظر في شرودٍ بينما كان قلبه يتقطع وتحترقُ اجزاءه لتتحول الى رماد..

"يبدو إن طاقتكَ قد نفذت بالفعل.."

التفتَ الى صاحب الصوت حتى فَزع مما رآه!

كانت تلك فتاة جِنية، زرقاءُ البشرة مع عينان تركوازيتان وشعرها خليطٌ بين البنيّ والاصفر مع قليلٍ من الاحمر والتي كانت تبدو كطائر عنقاء.. كانت فاتنةً جدا بجمالها الأخاذ.

نهضَ سريعًا وإستل سيفه مُدافعًا عن نفسه

"ابقِ بعيدة!!"

ضِحكةٌ ساخرة تنتشرُ في الانحاء بينما تنظر اليه

"سأرحل بعد قليل على ايةِ حال، لكن لا تخف يا فتى لن اؤذيك، ولتنزِل سيفك!"

لِينزل سيفه ويضعهُ ارضًا وبقي ينظر اليها بصمتٍ وعاد للجلوس حيثُ كان.

"من انتِ؟"

كانت جالسة على الارض بجانبه بينما كانت تُحدق في قبر الامبراطور

"انا جنية..ادعى هوشي، الم تَعرفني؟"

صَمت لهنيهةً ولم يفهم ما تَرمي اليه تلك الجنية الزرقاء ثُم نَظر نحوها

"ومن أين لي أن اعرف..؟ هل التقينا مُسبقًا"

"لا.. لكن والدك يعرفني"

اتسعت حدقتيه مِما سَمعتهُ أُذنيه، كان سَيهّم بسؤالِها مجددا لكنها سَريعًا ما تَداركت الامر وأتضح بأن الامبراطور يُخفي شيئا عن ولده.

اطلقت ضحكةً خفيفة لأبعاد الشكوك عنها.

"لا تقلق كنتُ امازحك فقط!"

ولم تترك لَه مجال الحديث واكملت

"علي الذهاب الان"

"مهلًا انتظ.."

لَم يُكمل جُملته حتى تلاشت في الهواء من امامه بينما بقي يتخبطُ بجدران افكاره، لا يزالُ حزينًا على اباه وفي الوقت ذاته يُفكر بالشخص الذي قامَ بفكّ قيوده اثناء تلك المجزرة..

"افعلًا ما قالته ام هي مُجرد مزحةً كما تدعي؟!"

"أيُخفي والدي عني شيئا..؟"

"أتلك التي ساعدتني وفكّت قيودي؟"

كان ذلكَ صوتُ عقلهِ الباطنيّ يحدثه.

الكثيرُ من الاسئلة تموجُ كالبحر الهائج.. وتدور كأعصارٍ مدمر ولا يعلم من أين يُزوّد بالاجابه.

القى نظرةً ثقيلةً على قبر ابيه وكأن له رغبةً بدسّ نفسه في التراب بجانب والده.

لِيستدير مبتعدًا نحو القصر، تارِكًا القبر خلفه.

تَتنشر بقايا دماء الامبراطور امام مَدخل القصر، وحينَ وصوله اطلقَ تنهيدةً عميقةً تُشيّ بالكثير..

يتفحصُ داخلهُ بدقةٍ ويتأمل بعينينِ دامعتين، مُجترًّا كُل لحظةٍ في تلك الغُرف.. وتلك الزوايا، والتي قضى بها اجمل الاوقات وأحنها، لكنه شعر بأن تِلك الذكريات قد انهارت.. وبَقيت آثارُها.

كآثار الدماء والسِيوف المُلقيةِ على الارض، والاحصنة التي لا ذنب لها بِفساد البشر.

***

لِيتوجهّ نحو مكتب ابيه، ربما يرى شيئا مُفيدًا.

فتحَ الباب على مِصراعيها ودلف بِخطواتهِ الهادئة وحملقَ في المكان حولهُ، رأى مجموعةً كبيرةً من الكُتب والاوراق والمُخططات والخرائط..

لم يكن ليقرأها جميعها، لكن انظارهُ وقعت عن طريق الصدفةِ على ورقة بُنيّة اللون مطوية.

اقتربَ بِضعُ خطواتٍ لِيضعَ الورقة بين يديه ويقومُ بفتحها.

وكانت المُفاجئة..!!

"يا وتين قلبي.. ولدي الحبيب.. إن كُنتَ تقرأ هذه الورقة الان، فأفعلْ ما اقولهُ لك.

يا ولدي..إن مِتُّ فأرجوا أن تُسامحني، فهذا هو قَدري. فلا يَسعُني إخبارُك بأي طريقةٍ سأموت لكنكَ ستعرف.

العرشُ لك.. وإياكَ ان تدع عَمّك ماسارو يأخُذه، حذارِ منه..!

وايضًا قبل أن انسى، رُبما ستلتقي بفتاةٍ جنية، لا تخف منها فهي لن تؤذيك، وستكتشفُ لاحقًا!.

والآن.. إذهب نحو عرشي واجلس عليهِ يا ولدي فهو لك، ستكون مَلكًا شُجاعًا قويًا لا احد يُضاهيكَ بقوته انا اثقُ بك، وإن حدثَ شيء، فلا تخف، وكن مُتأهبًا للمواجهة!.

وتذكر دائما..لا تَختر من يُساعدكَ بنفسك ما إن ترى طِيبَ وجهه، بل الاشخاص هُم من سَيختاروكَ في مواقفك"

انهى قراءة تِلك الكلمات والاحرف المَخطوطة بالحبر الاسود بخطِّ الامبراطور. انهمرت الدموع في صمتٍ ثقيل.. لتختلط بالحبر تاركةً اثرها. كانت تلكَ وصية الامبراطور لِولده. لقد اشتاق لتِلك الكلمات الحانية، والابتسامة الدافئة التي تبعثُ الطمأنينة.

مرّت بِضعُ دقائق من البكاء فَمسح دموعهِ لِيُعاود التمعن بتلك الورقةٍ مجددا.

لاحظ يوشيرو شيئا غريبا..كان قد كُتب في الوصيةِ عن تِلك الجنية زرقاء البشرة.

"فكرةٌ بعدَ فكرة.. اشك بأن عقلي لا يزالُ موجودًا، لقد سئمت ولكن لا يمكنني الاستسلام، فقط من اجلك يا ابي.!"

لِيشعر بذلك النسيم الهادئ يُداعب وجنتيهِ وخُصلات شَعرهِ. تمكن يوشيرو من رؤية طيفِ والده بينما يُحيطه من الخلف.

تتخلل الى مسامعهِ تِلك الهمسات اللطيفة.

" احسنتَ يا بُني.. كم انا فخورٌ بك، لا تُفكّر بأنك وحدك، انا معك لكنِ أُراقبُك من السماء فحسب، ستكون انت الامبراطور يا ولدي، وسيحبك الجميع، لانهم يَعرفون من تكون! "

تلاشت تِلك الهسهسات في الهواء وكأنه شيئا لم يكن.

ابتسامةٌ تُرسم على ثغرهِ بينما كانت بقايا الدموع في عينيهِ. نَظرَ نظرةً خاطفةً على الورقة التي لا تزالُ بين يديهِ فَيضمّها الى صَدرهِ وكأنه يُعانق والده.

ابتسامةٌ تُرسم على ثغرهِ بينما كانت بقايا الدموع في عينيهِ. نَظرَ نظرةً خاطفةً على الورقة التي لا تزالُ بين يديهِ فَيضمّها الى صَدرهِ وكأنه يُعانق والده.

خبأ الورقة في جيبه وعادَ ادراجهُ خارج المكتب مُتجهًا نحو قاعة العرش.

ما إن وصل وجد بأن الجميع يَنتظرهُ في القاعة لِيتم إعلانه امبراطورًا بعد ابيه.

لِيخطوا صُعودًا تِلك السلالم المؤدية للعرش، وقف امام الجميع على آخر درجة بِجانب العرش المُهيب.

كانت جميع الانظار مُتجهةً نحو يوشيرو مُنتظرين ما سَيرمي اليه.

"وبصفتي إبن الامبراطور كوباياشي رايدون، أُعلنُ نفسي إلامبراطور الجديد لهذه المملكة، حسب ما قاله في وصيتهِ اليّ، المكتوبة بخطه بأنني أنا من سيتولى عرشه مِن بعده"

ومن ثُم اخرج الورقة من جيبه لاثبات كلامه واردف" لِذا وانا الان أُقسمُ لكم قسمَ الملوك، بأني سأحميكم وسأحمي الشعب بدمي وروحي، سأكون امبراطورًا عادلًا كأبي!"

بِمُجرد ما أن انتهى من خِطابه، جلس على عرش والده، كانت تِلك اللحظه بالنسبة له عظيمةً ومُقلقةً له في الوقت ذاته..لانه على وشك أن تُوضع حياته على المِحك، مُجددا.

صفّق الحظور بحرارةٍ وترحيب بملكهم الجديد، وبينما كان الامبراطور يوشيرو جالسًا على عرشه، فُتح باب قاعة العرش على مِصراعيه ومع تِلك الضحكات الساخرة، تقدم صاحبُ الصوت نحو يوشيرو ومعه مجموعة من الحرس.

"ماذا تفعلُ هنا ايها الوغد!!"

نهضَ يوشيرو فور أن رأى ماسارو امامه لكن ماسارو لن يَترك المجال لذلكَ الواقف بِجانب عرشه.

"تحركوا.."

اصدرَ العدو امرًا بالتحرك نحو يوشيرو لِيُلقوا القبض عليه

"لقد قتل والده لِيأخذ العرش، احبسوه في الزنزانة!!"

كان يوشيرو قويًا لذا كان من الصعب الامساك به لكنهم حاولوا مقاومة ضرباته لهم وابعدوه.

جلس في زنزنانته يفكر كيف آلت به الامور لتلك الحال

"لن استسلم..سأسترد العرش، عاجلا ام آجلا سأسترد عرش ابي!!"

لم تمر بضعُ ثوانٍ حتى سَمع صوت خطوات اقدامٍ تسير ببطئ نحو الزنزانة

كان اسود العينين كسواد الليل، ذو شعرٍ اشقر مُرتب وتبرز عضلات جسمعه من الزِر المفتوح من قميصه، اسمر البشرةِ قليلا.

كان ذلك حارس الزنزانة.

اقترب قليلا بينما كان بيُمناهُ كرسيّا، ليضعه امام الزنزانة وجلس قُبالتها مُستندًا بينما يعقد ذراعيهِ نحو صدره وعلى شفتيهِ ابتسامةٌ ساخرة نوعًا ما.

لَم يُعرهُ يوشيرو اهتمامًا وراحَ يُفكر كيف يخرج من هنا.

"هُنالك لُغز لا بد من حلّه.. من كان في قاعة العرش لم يتحرك قدّ انمله.. سأكتشف باقِ الخُطة عاجلا أم آجلا"

حتى انتشله اسمر البشرة افكاره قائلا: "انا استطيع مساعدتك.. إن كنتَ ترغب بالتأكيد"

2023/10/19 · 57 مشاهدة · 1211 كلمة
Lunar
نادي الروايات - 2025