اكتفى إبرو بالإبتسام , ففي جعبته إجابة يحتاجها الجانب الصيني بشكل قوي . مادام الرئيس الصيني في الجوار سيتمكن من لقائه . نظر سراج نحو إبتسامة إبرو ليشعر بثقته البالغة في مقدرته على رؤيته للرئيس الصيني . اندهش مجددا من كم الثقة التي يتمتع بها هذا الشاب الصغير , هو نفسه لا يقدر على أن يقول بثقة أن بمقدوره لقاء الوفد الصيني ناهيك عن الرئيس . لكنهما الآن في طريقهما للقاء الوفد , فهل يقدر إبرو على مقابلة الرئيس فعلا ؟

مرت رحلتهم في سرعة ليجدا نفسيهما في مواجهة قصر ضخم يحيط به سور حديدي عال و عدد من خمس بوابات مبنية على الطراز الفرعوني القديم . أبرز سائق السيارة هويته ليتم فتح أحد البوابات الضخمة له لتعبر العربة بوابة القصر في سلاسة ثم توجهت صوب أحد المباني الصغيرة التابعة للقصر . كان المبنى مكون من ثلاث طوابق و يشغل مساحة كبيرة من المكان . شعر إبرو أنه في مقابلة نزل يشبه كثيرا النزل الذي يقطن فيه حاليا , لكنه يعرف أن هذا المبنى مخصص لإستقبال الوفود الرسمية من الدول العالمية في زيارتها لمصر . انشغل سراج لدقائق في الحديث مع حرس المبنى و الوفد الصيني ليشير بعدها إلى إبرو ليتبعه داخل المكان . عبر إبرو بوابة المبنى ليصعد سلما خشبيا أنيقا نحو الطابق الثاني . كان الطابق الأول عبارة عن عدد كبير من الحجرات الواسعة المتشابكة فيما بينها بأروقة طويلة , أما الطابق الثاني فكان على هيئة ردهات

واسعة أشبه بأماكن مخصصة للإجتماعات . تحرك إبرو برفقة سراج خلف عدد من الحرس الصيني ليدخلا إلى ردهة فسيحة تسع لمئة شخص بأريحية تامة . شغلت طاولة إجتماعات معدنية بيضاوية بقمة زجاجية أغلب مساحة الغرفة تحيط بها عدد كبير من المقاعد المريحة . وسط هذا المكان الشاسع لم يكن عسيرا على إبرو ملاحظة وجود قرابة عشرة أشخاص ينتظرونهم بالقرب من منضدة الإجتماعات . لاحظ وجود مترجم مصري في المكان و هو من سيتولى عملية الترجمة بينه الطرفين . لم يكترث إبرو لوجوده بينما تحرك خلف سراج الذي رحب بأعضاء الوفد الصيني ثم تعرف عليهم . كان العشرة أشخاص بالفعل من يتولون إدارة مهمة زيارة الرئيس الصيني إلى مصر و بينهم السفير الصيني في مصر . بعدها جلسوا جميعا على مائدة الإجتماعات في حين تولى السفير الصيني مهمة إدارة الحوار قائلا بعربية ركيكة نوعا ما :

-لقد قرأنا رسالتك سيد سراج و نحن مهتمين للغاية بمعرفة ما تعلمه عن إرث كين .

قبل أن يتحدث سراج تدخل إبرو في الحوار بشكل مباغت قائلا :

-قبل أن نتحدث سويا يجب أن نلتزم بكل إجراءات الخصوصية و السرية . أتمنى أن ترسل المترجم للخارج فوجودك سيدي كافي لترجمة الحديث فيما بيننا .

-ومن أنت سيدي ؟

أصبح إبرو محور الإهتمام بين كل من بالمكان لكنه لم يجب على السفير بشكل مباشر بل أمسك بورقة من المنضدة و كتب كلمة بسيطة بالإنجليزية ثم طواها و منحها للسفير الذي أمسكها بشك ثم فضها ببطء . ما إن قرأت عيناه الكلمة حتى عاد لطي الرسالة من جديد و إن بدا حريصا على ألا يضطلع عليها المترجم الجالس إلى جواره ثم قال بالصينية :

-معذرة سيد أحمد هل يمكنك الإنتظار بالأسفل ريثما ننتهي ؟

نظر المترجم بتردد و إرتباك واضح نحو السفير ثم نحو إبرو . لم يفهم كما لم يفهم من حوله سر موافقة السفير الصيني على طلب إبرو الغريب . أما إبرو فكان واثقا من موافقة السفير على طلبه , فما كتبه في الورقة كان بسيطا للغاية , فقد كتب اسمه في اللعبة . كان اسمه الآن يتردد

كالرعد في آذان كل من يهتم بريونيد , لذا لم يكن من العسير على السفير الصيني أن يرضخ لمطلب إبرو . تحرك المترجم في إرتباك مغادرا الغرفة ثم أشار السفير للحرس ليخرجوا و يغلقوا الباب خلفهم . أصبح إبرو برفقة سراج بمفردهما مع عشرة صينين في القاعة الفسيحة . نظر السفير نحو إبرو و قال بإبتسامة هادئة :

-لم أكن أتوقع أن السيد إبرو الذي هز اسمه أركان اللعبة في العالم كله شاب صغير السن مثلك .

-السن لا يعد دلالة على شيء , الأهم هو مقدرة كل فرد على تجاوز التحديات و العقبات سيدي السفير .

-أتفق معك . الآن قد خرج كل من لا علاقة له بالأمر , هل يمكنك الحديث الآن سيد سراج ؟

نظر السفير نحو سراج الذي كان على وشك الحديث لكن للمرة الثانية تدخل إبرو في الحديث قائلا :

-الحقيقة أن سيد سراج هنا ليساعدني في مقابلة الرئيس الصيني . فأنا بحاجة لعقد صفقة جيدة معه .

نظر له السفير نظرة مطولة قبل أن يتحدث بصوت خافت بالصينية مع من جواره . لم يكن السفير هنا صاحب الكلمة العليا في النقاش و القرارات و هذا ما تفهمه إبرو , فوجود السفير ليس كناية عن توليه زمام الأمور . بعد لحظات من النقاش الخافت عاد السفير موجها حديثه هذه المرة لإبرو :

-نحن نتفهم جيدا مدى أهمية المعلومات التي بحوذتك , لكن هذا لا يعني أن بإمكانك مقابلة رئيس دولتنا . يمكنك النقاش معنا فنحن سنقوم بتلبية كل طلباتك .

نظر سراج نحو إبرو منتظرا الكارت الذي يخبئه هذا الثعلب الصغير , فمن المؤكد أنه لا يتوقع موافقتهم على طلبه بتلك السهولة . كما توقع سراج تماما شاهد إبرو يتحدث بثقته و هدوءه قائلا :

-أعرف أن إرث كين لن يكون كافيا ليجعلني أقابل رئيسكم , لكن ماذا إن كنت أعرف أسماء العملاء الذين دستهم القوى الأخرى في صفوفكم ؟ ماذا لو كنت أملك وسيلة لدخول أبيدون ؟ ماذا إن كنت أملك عالما منفصل بشكل كامل و يمكنني السماح لكم بالدخول فيه و بناء قواكم و الإستفادة من موارده ؟

نظر سراج له نظرة عدم فهم , فما هي أبيدون ؟ وما يعني وجود عالم آخر يملكه ؟ و كيف يعرف أسماء عملاء أجانب وسط صفوف اللاعبين الصينيين ؟ على حد ما يتذكر سراج فإن عدد سكان الصين يتجاوز الثلاثة بلايين نسمة الآن و عدد اللاعبين الصينيين في اللعبة ضخم للغاية يتجاوز البليونين بكثير . كيف يمكنه تحديد دخلاء وسط هذا الكم الهائل من اللاعبين ؟ شعر سراج أن هالة الغموض المحيطة بإبرو صارت أكثر قتامة عن ذي قبل . أما السفير أمامه فقد ظهرت ملامح الدهشة على وجهه فور سماعه لكلمات إبرو , و قبل أن يتحدث مع من بجواره سارع بالسؤال في فضول :

-ما هي أبيدون ؟ و ماذا تعني بأنك تملك عالما منفصل ؟

ابتسم إبرو إبتسامة رضا حين لاحظ فضول السفير , فهو يعرف جيدا أن اللعبة لم يتجاوز عمرها الأسبوع لذا من الصعب أن يكون هناك من قد سمع عن أبيدون , لكنه رغم ذلك لم يقلق و قال بنبرته الهادئة :

-ربما لا تعرف أبيدون , لكن أنا على ثقة أن في نطاقكم عدد من اللاعبين الذين تجاوزوا المستوى العاشر . أخبرهم بالذهاب إلى مكتبة المدينة التي هم فيها و يبحثون عن أبيدون . كذلك اجعلهم يبحثون عن العوالم الأخرى المنفصلة لتعرف جيدا ما أعنيه .

نظر السفير نحو إبرو كما لو كان ينظر لشخص مجنون لكنه تذكر هوية من أمامه . إنه إبرو الذي تسبب في زلزال كبير في العالم كله خاصة بين الدول الثماني العظمى . هذا الشخص القادم من دولة لا تلقى أي دعم على الإطلاق في اللعبة و معرضة دوما للمراقبة الكثيفة من الجميع استطاع أن يؤسس أسطورة باسمه , و أهم نقطة فيها عدم مقدرة أحد على إيجاده حتى هذه اللحظة . لولا ظهوره أمامه الآن لما استطاع معرفة هويته قط . تحدث السفير بلغته الصينية مع من حوله لثوان بعدها لاحظ إبرو إستخدام أحد من الحاضرين هاتفه لدقائق بعدها أغلق الهاتف و عاود النظر

من جديد بحدة و جدية تامة نحوه . لم يكن بمفرده بل جميع أفراد الوفد الصيني ينظرون له نظرة شخص يتربص بعدوه . لم يكن مندهشا من ردة فعلهم فوجوده في اللعبة الآن يعتبر خللا فريدا من نوعه . و كعادة الطبيعة البشرية تخاف كثيرا من أي خلل لا يتماشى مع القواعد . ساد السكون المكان لقرابة ربع ساعة , بالنظر إلى فارق التوقيت بين اللعبة و بين الواقع فهذا يعني أكثر من ساعة في اللعبة . هذه الفترة كافية لمن يبحث في اللعبة أن يجد المعلومات اللازمة عن أبيدون و عن العوالم المنفصلة . لم يخب ظن إبرو ففي غضون دقائق أخرج الصيني من جديد هاتفه ليحدق في تمعن و تركيز في المعلومات التي أرسله لاعبيه إليه . بعد دقائق من القراءة بتركيز تام رفع رأسه و تحدث قليلا مع من حوله ثم وجدهم يتناقلون الهاتف بلهفة واضحة . بدت تلك الحركة مريبة لسراج الذي شعر أن من امامه قد اكتشف كنز عظيم وسر خطير . لم يفكر سراج كثيرا حيث نظر السفير نحو إبرو مشيرا للهاتف الذي بيده قائلا :

-هل أنت واثق سيد إبرو أنك تملك وسيلة دخول مدينة أبيدون و أنك تملك عالما منفصلا خاصا بك ؟

-بلى سيدي السفير .

نظر له السفير نظرة شك و هو يقول :

-الحقيقة أن المعلومات التي اكتشفناها في مكتبة المدن الصينية تتحدث عن أمور عظيمة بشأن مدينة أبيدون و تلك العوالم المنفصلة عنا . رغم تحمسنا الهائل لما تقول لكن يجب أولا أن تثبت لنا صحة ما تدعيه . ما دليلك على أنك تملك وسيلة دخول لمدينة أبيدون ؟ وما دليلك على إمتلاكك لعالم منفصل ؟

لم يندهش إبرو من شك السفير و من معه به . فمن الطبيعي أن يشكون فيه , فهو يعرف امورا لا تعرفها دولة عظمى مثل الصين ولولا أنه قد دلهم على طريقة إكتشاف تلك المعلومات لما استطاعوا معرفتها قبل مرور ثلاثة أعوام على أقل تقدير في اللعبة . أما عن طريقة إثبات صحة ما يقول فكان ذلك أمرا سهلا له .

-يمكنني بالطبع إثبات صحة ما أقول , لكن قبل ذلك لدي طلب صغير .

ثم اكتسى على وجهه ملامح الجدية التامة و هو يقول :

-عليكم أن تحافظوا على سرية هذه المعلومات فهي في غاية الخطورة و الأهمية .

2020/02/10 · 526 مشاهدة · 1542 كلمة
Ranmaro
نادي الروايات - 2024