فهم السفير ما يلمح إليه إبرو فاكتفى بهز رأسه مؤيدا له و منتظرا لما سيقوله لاحقا . لكن للغرابة إبرو لم يتحدث إنما أخرج هاتفه و أخذ يعبث فيه قليلا ثم أخرج عدد من الصور لتظهر على الشاشة المعلقة في الهواء و التي جعل حجمها يكبر لأكبر مساحة ممكنة لتغطي مساحة مترين في متر تقريبا . أشار إبرو نحو الصور المعروضة على شاشة هاتفه في الهواء قائلا :
-هذه صور مأخوذة من داخل اللعبة . الصورة الأولى متعلقة بعملة أبيدون و هي وسيلة الإنتقال من اللعبة لمدينة أبيدون . لو ركزتم قليلا ستجدونني أملك عدد مئة عملة أبيدون في حسابي باللعبة و هذا ما يعني أنني أملك مئة وسيلة إنتقال للمدينة . أما الصور الأخرى فهي خاصة بلفافات إنتقال لمدن ثلاث هي مدينة إكناظ و مدينة روبيف و مدينة رونات . لو دققتم النظر لرأيتم أنني املك عشر لفافات إنتقال لكل مدينة منها . يمكن إخبار لاعبيكم بالبحث في المكتبة عن عملة أبيدون و عن أسماء تلك المدن الثلاث .
نظر السفير و من معه نحو الصور في صمت لم يدم لثوان بعدها بدؤوا يتناقشون فيما بينهم من جديد قبل أن يقول السفير بلكنته العربية الضعيفة :
-العملة و قد فهمت دورها , لكن ماذا عن تلك المدن الثلاث ؟
-هذه المدن ستبحث عنها في سجلات المكتبة ولن تجد لها أي ذكر قط . هذا ما يعني أنني أمتلك لفافات إنتقال لمدن لا تنتمي لعالم ريونيد الذي تعرفونه . لست بحاجة لشرح المزيد , أليس كذلك ؟
فهم السفير ما عناه إبرو بكلماته . لو كان يملك لفافات إنتقال لمدن غير موجودة في اللعبة فهذا يعني أنها لفافات إنتقال لمدن تنتمي لعوالم أخرى , وهذا دليل على أنه يملك عوالم أخرى بالفعل أو على أقل تقدير يملك وسيلة إنتقال لها . بعدما تحدث السفير قليلا مع من حوله عاود الرجل نفسه التواصل مع لاعبيه عبر هاتفه . بعدها سلطت أنظارهم كلها فوق إبرو , فهذا الشاب صغير السن يبدو أنه ليس سهلا على الإطلاق . لو صح ما قاله فهو بالفعل يملك كنزا ثمينا و هم لن يفرطوا في فرصة التعاون معه . هذه المرة لم تطل فترة إنتظارهم , ففي غضون دقائق خمس جاء الرد سريعا على هاتف الرجل الصيني الذي ما إن قرأ محتوى الرسالة على هاتفه حتى اكتفى بنقل هاتفه بين الجميع . نظر الجميع بعدها نحو إبرو كما لو كانوا يحدقون نحو وحش خطير . هذا الشاب الصغير يملك كنوزا لا يعرف أحد عنها شيئا . لو تركوا له مساحة للنمو و وقت للتطور فسيصبح وحشا ضخما لا يقدر أحد على ترويضه و لن يأمن أحد من أنيابه . لاحظ سراج تبدل نظرات الوفد الصيني لإبرو فشعر بالقلق بغتة منهم . ربما لن يقدروا على فعل أي شيء الآن له لكن في المستقبل من يضمن سلامته ؟ لقد كشف إبرو عن هويته و لن يكون بالصعوبة عليهم أن يجدوه فيما بعد . وسط قلقه بزغ صوت إبرو ليجذب إنتباهه من جديد قائلا :
-لا تنظروا لي هكذا , فلو سارت الأمور على ما يرام فسنصبح حلفاء .
-حلفاء ؟! ماذا تعني يا سيد إبرو ؟
-كما أخبرتك منذ البداية , أنا هنا لعقد صفقة مع الرئيس الصيني . أعتقد أنني أثبت حسن نواياي . مكان إرث كين إضافة إلى عدد من الخونة في صفوفكم إضافة إلى عملات أبيدون للإنتقال لمدينة أبيدون ثم جزء من عالم منفصل أقتنيه . الآن دورك سيدي السفير لإثبات حسن النية تجاهي .
فهم السفير ما يعنيه إبرو . إنه يعرض عليهم كنزا ثمينا لا يقدر بمال , لكنه يطلب في المقابل الحديث مع رئيسه وجها لوجه . حينما فكر السفير في طلب إبرو وجده عادلا , لكن ما لا يعرفه حتى الآن هو الثمن الذي سيطلبه هذا الصغير منهم . مهما كان عليهم الحصول على تلك الثروات قدر المستطاع , فالفرصة لا تأتي سوى مرة واحدة . هذه المرة شعر السفير بحماسة من لقائه بإبرو . الحقيقة أنه كان مهتما مثله مثل من معه بإرث كين الذي يبحثون عنه , لكن لم يكن أي منهم قلقا نظرا لأنهم لم يمكثوا في اللعبة فترة طويلة بعد . وجود دليل على مكان هذا الإرث الهام سيكون عاملا مساعدا للغاية لهم , و إن كان بمساعدته أو دونها سيقدرون على إيجاد الإرث بأنفسهم . لكن ما عرضه إبرو لتوه يفوق أهمية الإرث بكثير . تحدث السفير قليلا مع من حوله ثم شاهد سراج لدهشته واحدا منهم يغادر الغرفة في سرعة . رغم أنه كان يتمنى أن ينجح إبرو في
خطته بمقابلة الرئيس الصيني فعلى حسب كلامه أنه الوحيد الذي بمقدوره مساعدتهم إلا أنه لم يتوقع أن ينجح إبرو بكل تلك السهولة في تحقيق ذلك . حتى هذه اللحظة لم يكن عالما بمعنى أبيدون أو العالم المنفصل لكنه فهم مدى أهمية هذا لدى الصين و بالتالي هو مهم لمصر . نظر سراج نحو إبرو نظرة جديدة , هذا الشاب ليس ندا له بل أنه لا يقارن به . إنه يحمل أسرارا لا يمكنه توقعها أو تخيلها من تعامل معه . شعر أن الشاب الصغير امامه صار ساحرا , في لحظة يمسك بعصاه و في الأخرى يخرج أرنبا من قبعته العادية . جلس سراج مستمتعا بشعور الزهو الذي بدأ يتملكه , هذا الصغير الساحر الماكر مصري , إنه واحد من أبناء بلدي .
ظل الجميع صامتين محدقين صوب إبرو في ثبات كما لو يخشون إختفائه بغتة من أمام أعينهم . أما إبرو فقد شعر بالراحة إزاء نتيجة ما خطط له حتى الآن . يتبقى فقط خطوتين لو نجح فيهما لاستطاع إنقاذ آية و في الوقت نفسه يوجه ضربة قاصمة لأعدائه . كلما فكر أن كل لحظة تمر ستعاني منها آية بشكل لا يتخيله نما توتره و قلقه إلى حد كارثي تماما , لكنه تمالك نفسه قدر المستطاع . فقد انتهى من خطواته الصعبة و يتبقى له الآن خطوتين يحصد من خلالهما نتاج ما اجتهد لتحقيقه . لم يطل الإنتظار كثيرا حيث عاد للغرفة الرجل الصيني بصحبة مجموعة من الصينين يحيطون برجل يعرفه إبرو جيدا , إنه رئيس الصين . ما إن رآه حتى وقف إبرو و معه سراج و بقية من بالغرفة في إحترام لمكانة هذا الرجل . أما إبرو فكان إحترامه له مختلفا , فهذا الرجل في وقت ما في المستقبل قرر مساعدة مصر و غيرها من الدول التي تضررت من مؤامرة
الدول الثماني , و نتيجة لقراره هذا تحملت الصين عبئا كبيرا و هجوما شرسا من الجميع لينتهي بها الحال كدولة ضعيفة لا تقدر على حماية نفسها بالكاد . ربما ظن الجميع هذا الرجل مجنونا لكنه يعرف أنه كان حكيما و عادلا . شخص مثله ندر وجوده في عالم تتحكم فيه الأهواء و المصالح . اكتفى الرجل بإيماءة من رأسه لسراج و إبرو ثم جلس في مقدمة المنضدة البيضاوية و تولى السفير من جديد الحديث لكن هذه المرة بدت ملامحه جادة و رسمية إلى حد بعيد قائلا :
-كما طلبت سيد إبرو فرئيسنا قد حضر للقائك . لقد شرحنا له كل ما قلته و هو متحمس للغاية للتعاون معك . لكن ماذا تريد في المقابل ؟
-أريد شيئا بسيطا , أريد من الصين أن تختار مصر حليفة لها في اللعبة و تقوم بمنحها فرصة الحصول على الكبسولات بشكل مجاني .
اتسعت عينا السفير في ذهول , لم يتوقع أن يكون طلب إبرو مثل هذا الطلب الغريب . تخيل انه يرغب في الحصول على أموال أو مناصب أو حتى أن يطلب منهم التعاون معه في اللعبة . لكن طلبه هذا كان غريبا للغاية . لم يتردد السفير سوى للحظة قبل أن ينقل كل الكلمات التي قالها إبرو بالحرف للرئيس الصيني . لاحظ إبرو تغير ملامح الرئيس الصيني قليلا كما لو كان اندهش من طلب إبرو . أما السفير فقد نقل إجابة الرئيس الصيني قائلا :
-إن الرئيس يتعجب من طلبك يا سيد إبرو . فهذا الطلب لا يعود لك بمنفعة شخصية على الإطلاق . هل أنت وطني إلى هذه الدرجة ؟
ابتسم إبرو و قد توقع أن تكون إجابة الرئيس الصيني هكذا , شخص سينظر إلى طلبه ليس كصفقة و لكن كجانب نادر من الجوانب الإنسانية في هذا الزمن المادي الصعب .
-أنا لا أدعي الوطنية , لكن بمفردي لن أقدر على محاربة الدول المتربصة بوطني . ربما اعتقدت أنني سأطلب طلبا يعود بمنافع شخصية , لكن في النهاية نحن نناضل في سبيل رفعة شأن وطننا و أهلنا . أنت تعرف جيدا تبعات هذه اللعبة و من ثم فإن طلبي هذا ليس غريبا , بل الغريب إن طلبت شيئا مختلفا منك سيدي الرئيس .
نقل السفير كلمات إبرو التي حازت إستحسان الرئيس الصيني حيث هز رأسه في رضا . نقل السفير كلمات الرئيس قائلا :
-إن الرئيس يقدر تعرفه بك سيد إبرو . من النادر أن تجد شخصا يتنازل عن مصلحته الشخصية لأجل غيره في هذا التوقيت . إن الرئيس سيمثل دولة الصين و يقوم بتوقيع إتفاقية الآن مع الرئيس المصري في مقابلها ستحصل مصر على دعم الصين في اللعبة و سيتم توفير كبسولات مجانية لكل سكان مصر في غضون أسبوع من الآن . أما ما تبقى من إتفاق من جهتك فأنت ستتولى التنسيق مع مجموعة الوفد الموجودين هنا الآن .
-شكرا لك سيدي الرئيس , أتمنى أن تجعل السفير الصيني هو من يتولى عملية التواصل معي . فهو يعرف العربية من جهة و من جهة أخرى أنا أثق به .
ابتسم السفير إبتسامة خافتة قبل أن ينقل كلمات إبرو للرئيس الذي هز رأسه و قال كلمات قليلة نقلها السفير له قائلا :
-إن الرئيس موافق على طلبك سيد إبرو .
-لتشكره نيابة عني .
ثم مد إبرو يده و أمسك بورقة من الأوراق الكثيرة الموجودة على المنضدة و كتب فيها كلمات كثيرة . تعلقت أعين الجميع به حتى انتهى في دقائق من كتابة صفحتين كاملتين من الكلمات بالإنجليزية . أمسك بالورقتين و منحها للسفير قائلا :
-لتمنح تلك المعلومات للرئيس و تخبره أن بها كافة معلومات الخونة في جانبكم . انتقيت أهم اللاعبين الذين تعتمدون عليهم . إضافة إلى ذلك هناك معلومات بشأن إرث كين و مكانه و طريقة الحصول عليه . أما ما تبقى من التعاون بيننا فسأنفذه فور استلام كافة المصريين لكبسولاتهم و هذا يعني بعد أسبوع من الآن .