43 - مقابلة الرئيس الصيني

أمسك السفير بالورقة في دهشة لكنه نقلها في سرعة إلى الرئيس ثم قام بترجمة كلمات إبرو له . كان إبرو يعرف عن الرئيس الصيني طيبة قلبه و رغبته في تجنب القتال و المعارك و النزاعات . كذلك يعرف أنه يقدر الإنسانية و الصفات السامية في البشر , لكن في المقابل هو يكره للغاية أن يغدر به شخص . حينها يتحول هذا الشخص الطيب إلى رجل صلب قاسي يعشق أن يحصل على إنتقامه بنفسه . كانت تلك لمحة بسيطة أتت على خاطر إبرو لحظتها , لكن من خلال ملامح الرئيس الذي بدا مسرورا من الورقتين شعر إبرو أنه قد تصرف بشكل صائب . اكتفى الرئيس بالإبتسام في وجه إبرو ثم تحرك من الغرفة مغادرا إياها في خطوات هادئة . نظر سراج لرحيل الرئيس الصيني كما لو كان يحلم . هل هذا قد حدث بالفعل ؟ هل حضر الرئيس الصيني و وافق على التعاون مع إبرو كما ادعى ؟ هل بالفعل سيتم إمداد مصر بكل الكبسولات بشكل مجاني ؟ هذا خبر لا يصدقه على الإطلاق . نظر لإبرو نظرة تقدير و إحترام و فضول و شك . كيف لهذا الصغير أن يمتلك كل تلك المقدرة في اللعبة ؟ ما هي أبيدون و هل هي بالأهمية التي تجعل رئيس دولة عظمى يغير من جدول زيارته الدبلوماسية ؟ لم يسمع بهذا من قبل , على ما يبدو أن عليه التقرب أكثر من هذا الصغير . فربما يعرف المزيد عن أسراره و يستفيد منه . لاحظ بعد فترة من الحديث بين إبرو و السفير و الوفد الصيني أن إبرو قد صمت عن الكلام والتفت محدقا له فصحا من أفكاره و نظر له مستفسرا فقال إبرو في هدوء :

-ألا تظن أن وراءك الآن مهمة إنقاذ ؟

فهم سراج ما يلمح إليه إبرو , فقال في سرعة :

-لكن لا أملك بعد س..

لم يكمل كلماته ليجد هاتفه يرن بشكل مباغت . نظر لهاتفه ثم أخرجه ليجد من يحدثه هو رئيس الجهاز بنفسه . نظر سراج لهاتفه ثم لإبرو ليجد الأخير غير متفاجيء من قدوم إتصال مثله في هذا التوقيت . جال على عقله بغتة أنه ربما هذا ما كان يخطط له إبرو منذ البداية , و لم لا . فهو معروف عنه في الجهاز شكه الشديد و إهتمامه البالغ بلعبة ريونيد . كذلك أدرك أن وجوده في القصر بصحبة إبرو و لقائهما مع الرئيس الصيني قد وصل إلى مسامع قائد الجهاز . هل سيعنفه أم سيطلب منه معلومات أم ماذا ؟ غادر سراج في سرعة المكان و أمسك بالهاتف و أخذ يتحدث في

جانب بعيد مع قائده . حملت ملامحه دهشة و ذهولا لاحظهما إبرو برضا تام . خطوته الأخيرة على وشك أن تنتهي و بعدها يمكنه أن يقول أنه قد تجاوز هذه العقبة بنجاح . بعد دقائق عاد سراج و عيناه تحملان عدم تصديق ما إن جلس إلى جوار إبرو حتى همس له بصوت خفيض :

-لقد تم ترقيتي في الجهاز وسيتم تأسيس قسم كامل مخصص للعبة . الرئيس المصري وقع بالفعل اتفاقية التعاون مع الرئيس الصيني الذي كان كريما و أخبر رئيسنا بكثير من أسرار اللعبة و هي للغرابة تتفق مع ما قلته لي من قبل .الرئيس بنفسه أصدر أوامره بترقيتي و سأكون أحد معاونيه المباشرين و سأتولى مهمة توزيع الكبسولات و إدارة قوى مصر في اللعبة .

لم يتفاجيء إبرو من كل هذا بل قال بلهجة هادئة :

-على ما يبدو أن صديقنا الصيني قام بدوره على اكمل وجه و أخبر الرئيس بدورك في الصفقة .

-هذا تقريبا ما حدث .

-والآن أليس لديك مهمة إنقاذ ؟

نظر له سراج نظرة تفهم . هذا الشاب أصبح أسطورة حية بالنسبة له . كل ما يقوم به لا يمكن توقعه و ما يسعى له يُعتبر من المحال لكن في النهاية هو يصل لمآربه و يحقق أهدافه المستحيلة . هز رأسه موافقا ثم قام من مكانه من جديد و قام بإجراء عدد من المكالمات الطويلة و التي استغرقت قرابة نصف ساعة . خلالها استعان سراج بالورقة التي كتبها إبرو له في مكتبه و أرسل بالإحداثيات الخاصة بمكان إحتجاز اللاعبين المصريين في تكساس . الآن مصر عادت للعبة في قوة و هم بحاجة لكل لاعب مميز قدر الإمكان . هؤلاء اللاعبين خسارة أن يكونوا بعيدين عن النطاق المصري خاصة أنه يشعر بأن لهم دورا عظيما في المستقبل باللعبة , و إلا لماذا يسعى شخص مثل إبرو بكل هذه القوة لإطلاق سراحهم ؟ أما إبرو فقد تولى النقاش مع السفير الصيني بشأن اللعبة . خلال عدم وجود سراج معهما أخبره إبرو بأن حلقة التواصل بينهما سيكون سراج

لا غيره . في المقابل عبر السفير الصيني عن إمتنانه و تقديره لاختيار إبرو له , فهو كطبقة الصفوة في قيادات الدول العظمى يعرف جيدا مدى أهمية لعبة ريونيد و تأثيرها الهائل على مستقبل العالم كله . فرصة كتلك سترفع من مكانته بشكل كبير . لم يعلق إبرو على إمتنانه فهو يعرف جيدا أنه قد أدى خدمة للسفير , لكنه يشعر بالراحة إزاءه , فشخص مثله يقدر الخدمات المقدمة إليه لن يتوانى يوما عن مساعدته إن احتاج إلى ذلك . بعدها تبادل السفير مع إبرو اسمه في اللعبة حتى يمكنهما التبادل فيما بينهما , فلازال أمام إبرو جزءا لم يقم به من الإتفاق . بعدها ظهر سراج من جديد ليجلس إلى جواره ثم قال هامسا :

-لقد تم كل شيء . وجدنا قرابة مئتي مصري محتجز في هذا المكان و قمنا بتحريرهم جميعا و هم الآن في طريقهم لمصر .

التفت له إبرو في سرعة وقال بلهفة :

-أخبرني متى سيصلون ؟

شعر سراج بمدى لهفة إبرو التي بدت غريبة عما اعتاده عنه . رسخ ذلك من شعوره بمدى أهمية هؤلاء اللاعبين في المستقبل لذا قرر في داخله ضرورة تعميق صلته و توطيد علاقته بهم . أجابه في هدوء :

-أمامهم قرابة ساعتين حتى يصلوا إلى هنا .

ثم أخرج هاتفه و فتح مسودة مليئة بالأسماء و هو يقول :

-هذه هي أسماء من قمنا بتحريرهم , و اسم صديقتك في مقدمتهم .

هذه المرة لم يستخدم اسم شريكة بل صديقة , فمن خلال تجربته القصيرة مع إبرو فهم مدى أهمية هذه الفتاة في حياته . لم يمانع سراج من وجود علاقة بين الاثنين , فهذا شيء طبيعي . لكن هذا جعله يدرك ضرورة توخي الحذر في التعامل مع تلك الفتاة خاصة أن التقارير السرية المتعلقة

بها تقول أنها ذات مزاج إنفعالي و تغضب بشكل حاد تماما . لا يريد أن يواجه غضب شخص صعب التعامل معه مثل إبرو , فغضبته من غضبتها . أمسك إبرو بالهاتف و بدأ يقرأ الأسماء بعناية . في البداية كان اسم آية درويش يزين القائمة لاريب . لكن بعدما قرأ بضع أسماء أخرى تذكر هويتهم في اللعبة آنذاك . أغلب هؤلاء صاروا أساطير في المستقبل و سيلعبون دورا محوريا في قيادة اللاعبين المصريين في اللعبة . كانوا أغلبهم و ليس كلهم لأنه اكتشف أسماء عدد من الخونة الذين تسببوا في دمار ليس بالهين ضد مصر و لاعبيها , خاصة تلك الفتاة التي تسببت في مقتل آية درويش بعدما كشفت أسرارها للجميع . أمسك إبرو بالهاتف و بدأ يضع علامات على المسودة بشأن عدد من الأسماء التي كان يعرفها . اندهش سراج مما يفعله إبرو لكنه لم يعلق منتظرا توضيح إبرو في النهاية . بعد دقائق من القراءة الدقيقة و تفحص القائمة أكثر من مرة انتقى إبرو من المئتي و ست و ثلاثين اسما عدد سبعة و أربعين شخصا ثم أعاد الهاتف لسراج و هو يقول:

-من قمت بوضع علامة عليه هو عميل مزدوج . عليك أن تقوم بالتخلص منهم في سرية تامة بعد عودتهم لمصر .

أمسك سراج بالهاتف و عاود تفحص الأسماء من جديد . كانت كل الأسماء التي أشار إليها لا يوجد عليها ذرة غبار واحدة . جلس سراج بمفرده يقوم بمراجعة ملفات هؤلاء الأشخاص دون أن يجد أي دليل على وجود خطب ما بهم . نظر من جديد لإبرو الذي كان منهمكا في الحديث مع السفير الصيني بشأن اللعبة . لاحظ إبرو نظراته له فتوقف عن الحديث و نظر بجدية تامة له وهو يقول :

-ثق بي , هؤلاء خونة لن تجد آثار خيانتهم بسهولة . لا تجازف فنحن لا نملك رفاهية الفشل .

صمت سراج و قرر للمرة الثانية الرهان على إبرو , لا يدري من أين يتمتع هذا الصغير بكل تلك الثقة , و لا يعرف كيف استطاع تحديد أسماء الخونة في اللعبة من بين كل هذه الأسماء . تذكر الورقة التي منحها إبرو للرئيس الصيني و التي كانت مملوءة بأسماء كثيرة للاعبين صينيين . إن كان بمقدوره معرفة الخونة في دولة غريبة كالصين فكيف له لا يعرف الخونة في مصر إذن ؟ أمسك سراج بهاتفه و أصدر تعليماته بالتخلص من هذه الأسماء في سرية بعد هبوطهم في مطار القاهرة الحديثة . خلال هذا بدأ جديا يفكر في مصدر معلومات إبرو عن اللعبة , كيف استطاع هذا الشاب الحصول على كل هذه المعلومات بشأن اللعبة و من فيها ؟ و هل هذا هو كل ما يعرفه أم هذا مجرد قمة جبل ثلجي عملاق ؟ لم يكن يعرف الإجابة .بغض النظر عن هذا كله عليه الآن أن يقوم بالكثير من الأمور في وقت ضيق , فالرئاسة تنتظره للقاء مهم للغاية مع الرئيس , هذا

اللقاء سيحدد مصيره و مستقبله . لحسن حظه لقد عرف الكثير من الأسرار من قبل إبرو سواء بشكل مباشر أو من خلال استماعه للقائه مع الصينيين . كل هذه المعلومات بدأ عقله في تنظيمها بشكل تلقائي حتى يمكن عرضها على الرئاسة في شكل منظم . كان يدرك أن الرئيس الصيني قد شارك نظيره المصري ببعض من أسرار اللعبة , لكن لا مشكلة في أن يتباهى بمعرفته بتلك الأسرار , و ربما يوجد في جعبته ما لم يعرفه الرئيس المصري بعد . أما عن مصدر معلوماته فسيكتفي بالإشارة إلى إبرو . نظر مجددا نحوه و هو يودع السفير قبل خروجهما من المبنى الملحق بالقصر الرئاسي , كم ود أن يقوم بفتح عقله و استخراج كل المعلومات الدفينة فيه لكنه تراجع عن ذلك . فهو يعرف جيدا أنه لولا هذا الشاب الصغير أمامه لما استطاع الترقي بتلك الطريقة الفريدة . نظر إبرو إلى سراج و هما يتجهان نحو بوابة القصر الجمهوري و هو يقول :

-امنحني رقمك حتى يمكنني التواصل معك .

-وماذا عن رقمك ؟

-معذرة لن أقدر على إعطائك رقمي , لكن لو طرأ شيء ما و احتجتني فيه يمكنك التواصل معي في اللعبة فأنت تعرف اسمي الآن و يمكنك إضافتي كصديق لك فيها .

كاد يجادله سراج لكنه تراجع عن ذلك . هو يعرف جيدا أنه لولا كشف آية و القبض عليها لما بادر إبرو بالظهور أمامه الآن . استسلم سراج و قرر الحفاظ على وجود إبرو معه كصديق . فوجوده صديق أفضل بكثير له و للجميع من عدو . أخبر إبرو برقم هاتفه ثم قال :

-سيتم نقل الجميع فور عودتهم للمطار إلى أماكن سرية للغاية . ماذا تريدني أن أفعل بشأن آية ؟

-انقلها إلى مدينة المنصورة في هذه الإحداثيات و أنا سأقابلها بنفسي .

2020/02/10 · 528 مشاهدة · 1712 كلمة
Ranmaro
نادي الروايات - 2024