الفصل السابع : عظمة الحكام
داخل القاعة الفخمة، حيث كانت الجدران تتلألأ بنقوش ذهبية ممتدة بانتظام وهدوء، وُضع عرش كبير في المقدمة، تحيط به ثلاثة عروش أصغر.
على اثنين من هذه العروش الصغيرة، جلست امرأتان فاتنتان، تفيضان بسكينة وثقة.
قاطع "جيلان" الصمت المهيب بكلماته الجادة: "أمي... لقد أحضرت بعض الأصدقاء من المدينة.
أرادوا إلقاء السلام علينا". وأشار بيده إلى الواقفين خلفه.
فور أن فرغ من كلامه، هوى "العجوز"، و"نينغ إير"، و"كاو" على ركبهم.
لم يكن المشهد ليحتمل أي تردد؛ فالسيدتان أمامهما كانتا تشعّان بهالة طاقية قوية للغاية، وبأدنى تقدير، هما في مرحلة "الحكّام".
هذا، بالإضافة إلى فخامة القلعة والفرسان المرصوصين بثبات في كل زاوية، جعل الركوع استجابة فورية وغريزية.
تمتم العجوز بصوت خفيض، والعرق يتصبب من جبينه: "نحيّي السيدتين بكل إجلال".
كان يدرك تماماً أن العائلات العريقة في الإمبراطورية قلما تمتلك أكثر من عشرة حكّام، بينما هنا... رأى بأم عينيه ثلاثة حكّام يجلسون ببساطة تامة، كأمر طبيعي للغاية.
رفعت "يونينغ" نظرها إليهم، وقالت بنبرة تحمل دهشة خفيفة: "همم...".
"ماذا جلبكم إلى هنا؟" نطقت "يونينغ" بلهجة مباشرة، مثبتةً نظراتها الثاقبة على الوافدين الثلاثة، وكأنها تقرأ ما وراء وجوههم المرتعشة.
لم تكن نبرتها حادة، بل كانت تحمل وزناً هادئاً يُخفي وراءه قوة مهيبة جعلت العجوز يبتلع ريقه بصعوبة قبل أن يبدأ بالحديث.
"سيدتي، أقسم أنه ليس لدينا أية نوايا سيئة!" قال العجوز متلعثماً، والعرق ينهمر من جبينه بغزارة، بينما وضع يديه على الأرض في إشارة إلى الذل التام والخوف العميق.
"كنا نمر من هنا فقط وسمعنا عن عائلتكم، فأتينا كي نسلم عليكم. أقسم على روحي!"
إلى يمينه، كانت "نينغ إير" ترتعد خوفاً، غير قادرة على النطق بكلمة واحدة. تلاشى غرورها وتنمّرها المعتاد في لحظة؛ هي التي جاءت أصلاً غير مصدقة للقصص التي روت كيف قضت هذه العائلة على جميع البرابرة بأربعة أشخاص فقط.
أما الآن، فقد شلّ الرعب حركتها، ورجلاها عجزتا عن حملها.
في قرارة نفسها، كانت تقارن المشهد بوضع عائلتها التي لا تملك سوى حاكمين اثنين فقط، جدها ووالدها، بينما القوة التي أمامها تفوق الخيال.
فجأة، انفتحت أبواب القاعة الضخمة ببطء وثقل، ودلفت منها هالة طاغية، أقوى بكثير من هالة "يونينغ" نفسها.
دخل شخص يخطو بخطوات متأنية، بينما ركع الحراس عند الأبواب على ركبهم إجلالاً واحتراماً لقدومه.
توجه الشخص مباشرة نحو "يونينغ"، متجاهلاً تماماً الأشخاص المرتعشين الراكعين على الأرض.
"جيمس~"
نطقت "يونينغ" الاسم بحفاوة، ونهضت هي و"كاو يانغ" من عرشيهما في آنٍ واحد، مندفعين نحو "جيمس"، وانغرستا في حضنه بسرعة ولهفة.
انفجر "جيمس" ضاحكاً من الموقف، واحتضنهما كلتيهما بحنان بالغ.
قال "جيمس" باستغراب، غير مدرك لما يحدث تماماً: "ماذا تفعلون كلكم في القاعة اليوم؟" كان وقته كله مكرساً لـ"مي لينغ" الحامل، يترقب بفارغ الصبر مولودهما القادم، وبالأحرى، يترقب المكافأة الأسطورية التي يعد بها النظام عند الولادة.
أما العجوز ونينغ إير وكاو، فقد شعرت أرواحهم بأنها غادرت أجسادهم.
الشخص الذي يقف أمامهم كان قوياً لدرجة مرعبة، لدرجة أنهم لم يستطيعوا حتى تحديد مستواه القتالي.
بعد أن سردت "يونينغ" الوضع كاملاً لـ "جيمس"، وقف الأخير أمام الوافدين الثلاثة وبدأ يمعن النظر فيهم.
"أووه، حاكم مدينة تشين يا"، قال "جيمس" وهو يرمق "كاو" بنظرة هادئة لكنها كانت كافية لزيادة توتر الأجواء.
ابنلع "كاو" ريقه بصعوبة بالغة وقال بصوت يكاد يكون مسموعاً: "أجل يا سيدي... أنا أتشرف بمقابلتك".
بدا واضحاً أن هيبة "جيمس" قد سحقت ما تبقى من كبرياء لديهم.
في داخله، كان "كاو" يلعن حظه وتلك الفتاة: "كل هذا بسبب هذه العاهرة! قلت لها أن لا ندخل، أن نرجع، لكن هذه الفتاة... تباً، تباً، اللعنة!".
كان يتنفس بصعوبة بالغة، لا يعرف إن كان قد أغضب زعيم عائلة "روهان" القوي هذا بالسماح لهم بدخول جبل "تشنغماو"، لكنه كان عاجزاً حتى عن الرد إذا ما قرر "جيمس" معاقبته.
بدأت الأفكار تدور في رأسه بسرعة محمومة، والعرق يتصبب منه بغزارة بينما يبلع ريقه مراراً.
كان يعلم جيداً أن شخصاً بمستوى "حاكم" هو سيد في الإمبراطورية؛ حتى لو دمر مدينة بأكملها أو قتل أي شخص كيفما كان، فإن العائلة الإمبراطورية نادراً ما تحاسبه.
قد يُطلب منه أحياناً بعض التعويضات المادية، كبعض المال أو أحجار الطاقة، ولكن في أغلب الأحيان يتم التسامح معه.
فالمقارنة بين شخص في مستوى "حاكم" ومدينة بأكملها تميل لصالح الحاكم؛ فالمدينة يمكن إعادة بنائها في أشهر، والآلاف من البشر الفانين موجودون بالملايين، لكن الحصول على شخص في مستوى "حاكم" أمر بالغ الصعوبة والنُدرة.
في الجهة الأخرى ، كانت روح العجوز تصرخ رعباً، والشعور نفسه كان ينتاب "نينغ إير".
تجمد الدم في عروقهما وهما يفكران: ماذا لو كانت "نينغ إير" قد استفزت هذه العائلة فعلاً؟ ماذا سيحدث لعائلة "نينغ" بأكملها؟ لم يستطيعوا حتى التفكير في العواقب.
لقد قالوا إنهم جاءوا لإلقاء السلام، لكن في الحقيقة، كانت "نينغ إير" تحمل نوايا أخرى تماماً في جعبتها.
بدأ "جيمس" يمعن النظر في "نينغ إير". كانت فتاة جميلة جداً، لكن جمالها لم يؤثر فيه قيد أنملة؛ فزوجته كانت تفوقها جمالاً بمراحل.
حوّل نظره إلى العجوز وتفحّص مستواهما، وأدرك فوراً أنهما ينحدران من عائلة قوية.
توجه "جيمس" نحو العرش وجلس عليه بوقار، ووضع رأسه متكئاً على يده، ثم شبك رجليه بطريقة فخمة توحي بالسيطرة.
فجأة، أطلق هالة ذهبية طاغية وعظيمة، هالة جعلت كل شخص في القاعة يشعر بسحق لا يُقاوم، وكأن جبلاً ثقيلاً انطبق على صدورهم.
_________
شكرا جزيلا لكل من الاخ Black lord و Rokan و Msab و Tuivf وMohammed
وشكرا لكل شخص علق او تابع ممتن لكم من القلب على دعمكم ومساهماتكم