كانت الأيام التالية ذات روتين مشابه ، الإستيقاض باكرا و الإستماع لهراء عشرات الأشخاص والتفاعل معهم بصفته الساقي ، عند الحادية عشر مساء بعد الإغلاق أحيانا يكون دوره للتنضيف او دور ريتش حيث تناوب الإثنان ، من ناحية اخرى بخلاف الإشراف على بعض المستندات والاشياء الصغيرة لم يقم العم جونسون بأي شيء عدى الراحة بالحانة مع اصدقائه العجائز ونيل مشروبات مجانية ، المراهق دوني غالبا ما كان عمله هو شراء البقالة ورعاية الحصان بالإضافة لبضع أشياء ثانوية مقابل 80 سنتًا يوميا .

كان اليوم هو 16 ديسمبر من عام 1919 ، اي اسبوعين فقط على بدأ تطبيق قانون الحضر ، كان مخزون الحانة على وشك النفاذ بالفعل الشيء الذي جعل العم جونسون سعيدا للغاية ، حتى انه ذكر رغبته في بدأ بيع المشروبات الغازية مع بداية السنة الجديدة ، روبرت على الجانب الأخر ومثل اي يوم سبقه كان هادئا ولم يذكر موضوع إستغلال قانون الحضر مرة اخرى ، مع اقتراب منتصف الليل ، كان دور ريتش لإغلاق الحانة والتنضيف ، بعد ان ودعه روبرت إنتضر بالدرج بين الحانة والطابق الأول خروج ريتش للتنضيف أمام المدخل وإغلاق الأقفال ..

لم يضيع روبرت اي وقت و توجه مباشرة ناحية سلة المهلات بالزقاق المطل على الباب الخلفي ، حمل كيسا أسودا ودخل الحانة مرة اخرى ، إستغل روبرت إنشغال ريتش بالخارج ليفرغ الكيس الأسود بسرعة ناثرا إياه في أرجاء الحانة ليصعد بعد ذالك للطابق العلوي اين تواجدت غرفته ، غرفة ريتش و الخاصة بالعم جونسون اخر الرواق .

على اطراف أصابعه تقدم بخطوات رشيقة بالممر وتحديدا غرفة العم جونسون ، على الباب الخشبي وضع روبرت اذنه محاولا إلتقاط اي اصوات بالداخل ، وكما هو متوقع ، تردد شخير العم جونسون الأجش من الداخل ، وضع روبرت يده على مقبض الباب وببطئ اداره لينتج عنه صرير حاد لكنه ليس عاليا بما فيه الكفاية لإيقاضه ، لحسن الحض تواجدت شمعة صغيرة فوق الطاولة على جانب الباب موفرة بعض الإضاءة للغرفة .

بوجه خالي من اي تعبير سار ناحية السرير اين إستلقى رجل مسن وبجانبه قارورة كحول فارغة ، تدفق لعابه على الوسادة بينما ارتسم تعبير من الرضى على وجهه المتجعد .

إستمر روبرت بالإقتراب بحذر لتصبح المسافة بين الإثنين بضعة سنتيمترات فقط ، احنى ضهره ملتقطا القارورة من بين ايدي المسن واضعا إياها على الأرض ، وبحركة سلسة قام بسحب الوسادة من تحت رأس العم جونسون الذي كان يغط في نوم عميق ، بكلتا يديه رفعها لتصبح فوق وجهه مباشرة وبهدوء غريب تمتم

" لاشيء شخصي ، لقد صادف فقط انك كنت بطريقي "

ليضعها مباشرة على وجهه ويضغط بكل قوته ، بعد بضع ثواني من إنقطاع انفاسه بدأ العم جونسون في التخبط بجنون والتلويح بيديه بالهواء في محاولة يائسة لإيقاف روبرت ، لكن دون اي جدوى كل ما استبقله هو ضغط هائل على وجهه مانعا الأكسجين من التدفق له ، بعد اقل من دقيقة إنتهت معاناته اخيرا لتنهار كلتا يديه على السرير دون اي حركة اضافية ، إستمر روبرت في الضغط لبضعة ثواني إضافية قبل ان ينزع الوسادة اخيرا ويحدق في الجثة الهامدة دون تعبير ، كانت أعين العم جونسون مفتوحة لكنها دون اي بريق ، أخفض روبرت اذنه ناحية قلب وانف الجثة متأكدا من توقفهما عن العمل ثم اعاد الوسادة لوضعها الطبيعي تحت رأسه ومعها قارورة الجعة لأحضانه قبل ان يغلق الباب ويعود ادراجه لغرفته اين غير ملابسه ليستلقي بسريره ، اغلق عينيه وتدريجيا سقط في نوم عميق .

في صباح اليوم التالي وكما توقع إستيقض روبرت على صراخ ريتش مشيرا له بالإستيقاض ..

" مالذي حل بك ؟ إهدأ مالأمر ؟ "

هدأه روبرت على عجل مزيلا الغطاء من فوقه وهو يفرك عينيه

" اب-ابي إنه لا يستيقض لقد جلبت له الفطور لكنه إستمر في السكون متخطيا وقت إستيقاضه ، إنتضرته قليلا لكن دون جدوى اللعنة حتى انني صفعته ولم يستيقض "

كان ريتش في حالة هلع ولم يستطع الحفاض على رباطة جأشه .

زيف روبرت تعبير قلق على وجهه وهو ينهض من على سريره مشيرا لريتش بالسير امامه ، بالغرفة المقابلة وبدون حراك استلقى جسد العم جونسون كجثة شاحبة دون اي لمحة على الحياة ، تقدم روبرت ناحيته واضعا اذنه على انفه ثم على صدره متحققا من نبضه قبل ان تنكمش تعابير وجهه ..

" هذا ... "

ادار رأسه ناحية ريتش الذي سيطر القلق والخوف عليه كليا

" هذا ماذا ؟ اللعنة روب مالذي حل بأبي لماذا لا يستيقض ! "

امسك ريتش بياقة روبرت وصرخ بوجهه بشكل هستيري

" اخشى ان العم جونسون قد وافته المنية ، قـ-قلبه لا يدق كما ان جلده بارد للغاية .. "

تلعثم روبرت في كلامه وهو يسقط على ركبتيه بينما تساقطت الدموع على وجنتيه ...

كان الخبر مثل صاعقة هبطت مباشرة على ريتش ، إستمر في التحديق بجثة ابيه محاولا استيعاب الامر قبل ان ينهار هو الاخر ويبدأ في البكاء محتضناً جثة والده .

" ابي لا تتركني ، ارجوك استيقض انه لمن المبكر ان تتركني .."

إستمر بكائه بينما تعالت صراخته ، وراءه لم يدخر روبرت ايضا اي جهد في بكائه وبدأ في استنفاذ دموعه .

بعد بضع دقائق وبعد السماح لريتش بالتعبير عن الحزن بداخله توجه روبرت أخيرا ناحيته مهدئا إياه

" لابأس ، إنه في مكان افضل الأن "

بعد ساعة او نحوها تم تحديد سبب الوفاة من الطبيب بالمستشفى العام على انها نوبة قلبية طبيعية ناتجة عن كبره بالسن نضرا لعدم وجود اي ادلة تشير لمحاولة قتل وانه لم تكن هنالك اية علامات إعتداء على جسد الميت ، كان المستشفى بهذا الوقت مليئ بجرحى الحرب الذين كانت حالاتهم أسوء وأهم بكثير من جثة عجوز عشوائي ، بعد إصداره شهادة وفاة لم يبذل الطبيب اي جهد إضافي وهو يقوم بتسريحهم .

في اليوم التالي وبعد إخطار المقربين بالأمر ، تم ترتيب الجنازة حيث حضر اصدقاء العم الجونسون ومختلف افراد العائلة لتقديم التعزية ، بإختصار مر كل شيء بسلاسة من إقتناء التابوت لعملية الدفن إلى غاية توديع جميع الحاضرين.

بالمساء عاد كل من ريتش وروبرت ودوني إلى الحانة التي كانت مغلقة مؤقتاً كتعبير عن حزنهم لوفاة العم جونسون .

" إذا يبدو بأن الأخ ريتش هو من سيتولى أدارة الحانة "

على الجانب تحدث دوني وهو يحشر كعكعة في فمه .

من شدة البكاء تشكل احمرار خفيف على أعين ريتش ، فبخلاف البكاء ومسح مخاطه لم يتفاعل كثيرا بل ضل شاردا فحسب ، كان هذا حاله طوال اليومين الأخيرين ..

" ريتش ، لقد حان الوقت لك للمضي قدما ، لا يمكنك البقاء على هذا الحال ، لديك حانة وأعمال لإدارتها "

من امامه تحدث روبرت ثم اضاف بعد شيء من التفكير

" اتعتقد ان العم جونسون سيكون سعيدا بحالتك هذه ؟ "

اخفض ريتش رأسه ومسح دموعه قبل ان يرد

" انت على حق روب ، لكنني لا اعرف ماذا افعل ، طوال حياتي كنت اعتمد على ابي ، هو من كان يدير الاشياء ، والان فجأة اصبح كل هذا على عاتقي ، انا فقط ... "

إمتزجت كل من الحيرة والقلق على ملامح ريتش ، رفع عينه والقى بنضرة أمل على روبرت امامه في إشارة منه للمساعدة

" يارجل إنك تقلق كثيرا ، أولا سننقل ملكية الحانة وأي ممتلكات اخرى خاصة بالعم جونسون لك بصفتك وريثه الشرعي والوحيد "

حمل روبرت كرسيه ليضعه جانب الخاص بريتش بينما احاط بيده على كتفه العريض ، اومأ ريتش برأسه وهو يتوق لسماع المزيد ، عند رؤية تعبيره إبتسم روبرت بخفة قبل ان يكمل

" الخطوة التالية ستكون الأمر الذي ناقشناه ورفضه العم جونسون "

تسللت كلمات روبرت مباشرة إلى اذان ريتش كهمسات الشيطان التي تتلاعب بعقل الإنسان ، كانت الأرباح التي ذكرها روبرت لا تزال عالقة في ذهنه ، بالرغم من المخاطرة إلى انها كانت تستحق ..

" لكن رغبة الأب النهائية -- "

كان توبيخ والده السابق لايزال عالقا في ذهنه ، بدا التردد واضح عليه ، لم يترك روبرت المجال له للحديث اكثر وقاطعه

" ريتش لقد أطلعتك على كل التفاصيل بالفعل ، اتريد ان تمضي بقية حياتك تبيع المشروبات الغازية في حانة قذرة وتستمع لهراء العجائز يوميا ؟ الا تريد ان تحجز طابقا بأكمله في فندق الريتز وترى أثداء الأخت ماري جونز كأول منضر يقابلك عندما تفتح عينيك ؟ بخطتي وتنفيذك ستكون السماء هي حدودنا "

إبتلع ريتش لعابه وهو يتخيل المنضر ، كانت ماري جونز إحدى الأعضاء برابطة الناخبات الوطنيات ، منضمة مكونة من النساء بشكل أساسي تدعو للمساواة والعدل بين الجنسين ، ومن قبيل الصدفة كان مسكنها بالقرب من حانة العم جونسون ، كان ريتش مولعًا بها منذ فترة الأن ولطالما بادر لتحيتها ، إستغل روبرت أمرها ببراعة كإغراء إضافي لريتش .

" كلامك مغري بالفعل ، لكن ماذا إن لم ينجح الأمر واستطاعت الشرطة القبض علينا ؟ انا حقا لا اريد إمضاء بقية حياتي خلف القضبان وإهدار إرث أبي فقط هكذا .."

من نبرته احس روبرت وكأن ريتش كان قريبا من الموافقة وكان بحاجة لبعض الطمأنينة لا غير ، لقد تم إلقاء الطعم بالبحيرة ، تم رصده من قبل السمكة ، إلى انها ترددت قليلا قبل الإنقضاض عليه ، لكن كم سيدوم ترددها ؟

في النهاية كان الأخير سهل الإرضاء على عكس والده ، بعد ان ذكر روبرت انه بالإمكان حل مشكلة الشرطة عن طريق رشوتهم مع إلتزام الحذر وترك التخطيط له هو .

ادار ريتش رأسه لروبرت على جانبه الأيسر حيث حدق الإثنان ببعضهما البعض لبرهة

" اللعنة ايا ايكن ، أعطني ذالك السلاح "

بإبتسامة تعلوها إثارة ملتهبة دفنت وراءها كل التردد المتبقي أعلن ريتش ، ربت روبرت على كتفيته بقوة ثم اخرج المسدس من حزامه

" هذا هو ريتش الذي اعرفه " مسلما إياه السلاح

أدخل ريتش المسدس داخل حزامه بعد التحرش به بصريا ليقف بعد ذالك منتضرا مالذي لدى روبرت ليقوله

" به خمس رصاصات فقط ، اتعرف كيفية إستخدامه ؟ "

سأل روبرت

لوهلة إرتسم تعبير الحرج على وجه ريتش حيث تلعثم في كلامه

" همف كـ-كيفية إستخدامه ؟ كل ماعلي فعله هو توجيه الفوهة ناحية الهدف والضغط على الزناد ، ايوجد شيء لتعلمه هنا ؟ "

رفع صوته بشكل مبالغ فيه محاولا التغطية على حرجه الأولي ..

" هاهاها تعجبني طريقتك في صياغة الأشياء " مدح روبرت ثم اكمل

" الأن سنتوجه لمكتب البلدية وننقل ملكية الحانة لإسمك ، مع شهادة وفاة العم جونسون سيمر كل شيء بسلاسة "

توقف روبرت للحضة وأدى بيده علامة الصليب راجيًا المسيح أن يرحم روح العم جونسون ثم اشار لدوني على الجانب

" دوني إذهب واجلب لنا العربة والحصان من الإسطبل "

في هذه اللحضة كانت نضرة دوني لروبرت مليئة بالإعجاب والتطلع ، طوال سير المحادثة كان يستمع بإهتمام شديد لكلام روبرت الساحر ، كل كلمة ، كل حركة كانت ساحرة بطريقة ما ، منذ بدأه العمل لدى العم جونسون الذي كان بمثابة أب له ، كانت علاقته مع روبرت سطحية إلى حد ما حيث لم يتفاعل الإثنان كثيرا ، لكن ومنذ بضعة أيام شيء ما تغير في الشخص الماثل امامه ، لم يستطع وصفه بطريقة محددة لكن وبدون علمه وجد نفسه قد اصبح مفتونا به كليا ..

اومأ دوني برأسه عند تلقيه أمر روبرت وهو يخرج بسرعة من الحانة ، في نفس الوقت أكمل روبرت حديثه

" سنقوم بنفس الشيء الذي قام به فندق الريتز ، سنشتري الكحول بكميات كبيرة لكن من الحانات بالأرياف والقرى حيث ان تفكيرهم اكثر بساطة واسعارهم منخفضة مقارنة بالموجودة هنا ، مع مال الصفقة من فندق الريتز بالإضافة لمدخراتنا سيمر كل شيء بسلاسة "

طمأن ريتش وهو يفكر بداخله

" بالرغم من ان بعض أصحاب الأماكن الكبرى ومختلف العصابات ذات الشأن قد يشترون بعض الكحول الإضافي لإخفائه ومحاولة بيعه بعد الحضر إلى انهم لم يكونو متأكدين بالكامل من نجاح الأمر ، لذالك لم يغامر الكثير واشترو على الاكثر بضعة صناديق ، على عكسي انا الذي اعلم بالفعل مالذي سيحدث "

بدوره كان روبرت ينوي شراء مالا يقل عن 70 صندوق كحول من مختلف الأنواع ..

بعد الإنتضار لمدة 20 دقيقة تردد صوت صهيل الحصان بالخارج ، توقفت عربة خشبية ذات مقعدين ومقسورة صغيرة بالخلف دون اي زخارف مميزة امام الحانة ، نزل منها مراهق هزيل وانسل سريعا عبر الباب الخشبي دافنًا ذقنه بمعطفه المليئ بالرقع محتميا من البرد بالخارج

" روب لقد احضرت العربة "

قال دوني شابكا يديه داخل معطفه. اومأ روبرت برأسه وتوجه ناحية المخرج متبوعا بريتش

" عمل جيد دوني " إمتدح روبرت الشاب الصغير امامه ثم ربت على رأسه وإبتسامة دافئة تعلو محياه

" في الأيام القادمة سيكون أمامنا الكثير من العمل ، واريدك ان تبقى منتبها وتعمل بجدية أكبر لأن ما نحن مقبلون عليه لا يتحمل إقتراف اية أخطاء "

كانت نبرة روبرت صارمة بعض الشيء حيث رمق ريتش بنضرة مشيرا له انه مقصود بذالك هو الأخر.

اومئ كل من دوني وريتش بجدية ثم خرج الثلاثة من الحانة

" دوني لن نتأخر كثيرا ، إبقى بالقرب من الحانة بمجرد ان نعود من البلدية سننطلق لقرية تدعى بلاكستون فيلاج ، بعربة لائقة ستستغرق الرحلة نحو الساعتين "

" بالإضافة لذالك ..." قائلا ذالك اخرج روبرت من جيب سترته الداخلي ورقتين من فئة دولار واحد واضعا إياهما بيد دوني الذي أشرقت ملامحه ولم يكف عن شكر روبرت ..

بثقل صعد ريتش العربة وجلس بمقعد السائق ثم تبعه روبرت بالمقعد على الجانب ، بحركة سريعة رفع ريتش الصوط موجها ضربة قوية للحصان الذي اطلق صهيلا به لمحة من الألم قبل ان يتحرك مباشرة للأمام .

2025/01/11 · 3 مشاهدة · 2089 كلمة
Tay
نادي الروايات - 2025