-مقدمة .






على الجبل المقدس، كان هناك جرف صخري يعتبر أخطر مكان موجود في إمبراطورية السحابة السوداء، صراخ الرياح الطنان هب ودب في ذلك المكان المشؤوم الذي حصد عدد لا يحصى من حيوات الناس في كل هذه السنين.

في تلك اللحظة، كان هناك شاب ذو أعين زرقاء كالزمرد و شعره أكثر زرقة جالسا في ذلك الجرف، كانت ملامحه تحمل نضوجة كبيرة رغم صغر سنه.

حنكة و فطنة تخللت في تعابيره، لو كان هناك شخص ذو خبرة حياتية لوجد صعوبة بالغة في قرائة ما يجول في خاطر هذا الطفل.

و لو مر شخص عادي الآن من هذا المكان لمات من الخوف، لأن هذا الجرف مصاص دماء جعل الرحالة و المسافرين مهلوعين من صعوبة التنقل عليه، و أي خطأ بسيط سيؤدي بحياتك.

ولكن بالرغم من كل هذا لم يؤتر هذا المنظر المرعب في نفسية ذلك الطفل، فعلى وجهه لم يظهر أي أثر للقلق أو الخوف من الموت، وعلى فمه كانت هنالك ضحكة ساخرة وكأنه كان يسخر من العالم بأكمله.

و في هذه اللحظة، وصلت فتاة إلى مكان الطفل، كانت ملابسها رثة و ممزقة، لكنها امتلكت جمالا لا يضاهى، يسحر النفوس و يأخد العقول، بشرتها البيضاء النقية قد أطلقت هالة الأميرات و بنات العوائل الغنية.

"هان، لما أنت هنا .. ألا تبالي بحياتك الصغيرة!"

صوت عدب تناقل إلى مسامع ذلك الشاب ليلتفت ببطئ شديد، نضرة حسرة قد ملأت تعابيره المتجمدة، في إمبراطورية السحابة السوداء لن يكون من المبالغة القول أن جمال هذه الفتاة يعد على أصابع يد واحدة، و لكن من رمقة واحدة ستجد أن جسدها النحيف لا يلائم خدودها الحمراوتان.

أغلق هان عينيه ليسترد دكرياته المخزنة، فقد كانت الفتاة تمتلك شعر أسود حريري كالياقوت واصل لأخمض قدميها، كل من لمح جمالها المثالي المتانسق مع شعرها امتلأت أعينه بالحسد و الغيرة و لمعت بالجشع.

و في أحد الأيام في فصل الربيع. السماء كانت خالية من الغيوم ومياه الأنهار كانت تجري بكل عذوبة. لقد كان ذلك اليوم يدعوا للتفائل و زرع الأمل في القلوب، إلا أن أمه تعرضت لنكسة قوية و سقطت طريحة للفراش، قام هان و الفتاة بالتوسل لكل أطباء مدينة الغيمة السماوية، ولكن فور رؤية ملابسهم و عدم امتلاكهم للمال يتعرضون للقمع و الرفض، فقد هان الأمل في ذلك الوقت، لتقوم الفتاة بتقطيع شعرها و بيعه لتشتري العلاج لأمنا المريضة.

"أنا أكره ...نفسي لكوني عديم النفع لهذه الدرجة. أنا أكره نفسي لأني لم أقدر على حماية أمي بدون التوسل لكم جميعا يا أطباء القمامة."

هذه كانت الكلمات التي ساورت فكر هان طوال حياته.كل كلمة من كلماته احتوت على كراهية هائلة.

هان بدأ بالضحك، لكنها كانت ضحكة خالية من أي فكاهة.
بالنسبة لهان، فإن هذه الذكرى كانت كالشوكة على حلقه طوال هذه السنين، ففي نظره الأطباء ببساطة كانوا قذرين إلى أكبر درجة. بالرغم من أنه قد مرت خمس سنوات، إلا أن التفكير بأمر قطع أخته لشعرها أحيا فيه ألما كبيرا بما فيه الكفاية ليبكي دموعا من الدم.

قام هان بفتح أعينه ببطئ. ليرمق الفتاة أمامه بنظرة لطيفة ممزوجة بحنان عفوي.

"ما الذي جاء بأختي الصغيرة اللطيفة لهذا المكان الموحش!"

الفتاة و هي تحدق في هان بحزم و جدية تامة.

"هان، أمي لديها من الهموم ما يكفي، و لاداعي لحدوث مصيبة جديدة"

و هو ينظر إلى الفتاة التي تحاول خلق مظهر الجدية و الحكمة رغم صغر سنها و هيئتها بدء بالضحك، بالرغم من كون ضحتكه جافة و ضعيفة للغاية إلا أنها حملت معها نبرة مريحة للأذن.

بعد انتهائه من الضحك، هان تقدم إلى الفتاة أمامه بخطى تابثة كأنه سلطان لا يهتم بمن حوله.

"في كل مصيبة هناك فرصة، أختي اللطيفة لا تقع واقعة اعتباطا في هذا الكون، ولكل حادثة سبب وجيه، يعرفه من يبحث بعقل متفتح وذهن صاف ونفس هادئة. هذا السبب يحوي في طياته الكثير من الحكمة ومن الرحمة، لكن جرت أن تمضي سنن الدنيا بهذا المنوال. ابحث في طيات المصيبة عن الفرصة التي تحولها من مصيبة إلى فرصة عظيمة."

"أنت و أمثالك الغبية مرة أخرى"

إبتسم هان، ليداعب شعر الفتاة برقة و كانت نضراته دافئة .

"لم يبقى أي شيئ يربطني مع هذا العالم سوى أنت و أمي .. لكن للأسف لم أستطع حمايتكم و لم أستطع تحمل مكان والدي الراحل .. و الأمر الأسوء و هو جعل الملاك شوان يو تعيلنا، هل هناك ما هو أسوء من هذا!"

لم تستطع الفتاة الواقفة كبح ملامح الحزن في وجنتيها، ليمسك هان بقلادة قرمزية من جيبه ليضعها في رقبة شوان يو.

"هان، ما هذه القلادة؟ و كيف حصلت عليها؟"

قام هان بحك أنفه بخفة، و نظرة الفخر و الإحراج بادية عليه و قام بإخراج ضحكة ضعيفة إلا أنها لازالت مفعمة بكمية هائلة من الفخر.

"لقد قمت في الآونة الأخيرة ببيع مجموعة لائقة من ترياق سم العنقاء المنتشر في المدينة، رغم كونه سما عاديا إلا أن نتيجة بيعه أمامك، قلادة من تصنيف النار المستوى الخامس، شكلها الخارجي مميز و لكن الأجمل و هو وقاية مرتديها من أغلب الهجمات السحرية النارية لمدة نصف ساعة."

بعد انتهائه من الضحك، عادت ملامحه للبرودة الشديدة.

"هذا نفس السم الذي أصاب أمنا من قبل، مارأيك! لقد أصبحت قادرا على تكوين ترياق فعال بنسبة عالية و بمكونات أقل من أغلب الأطباء في المدينة"

الفتاة ضلت صامتة لتخفض رأسها، و تقوم بجعل دراعها تغطي وجهها محاولة إخفاء دموعها النقية من الظهور.

"سأعتني بها جيدا."

ابتسامة تشكلت في وجه هان، ليمسك بدراع تشوان يو و يكشف عن وجهها الأبيض كالثلج، بشفتين حمرواتيْن كالدّم وأنف صغير، نظرة واحدة فقط و يستطيع الشخص رؤية دموعها المنهمرة كسيل جارف لا يتوقف، كان وجهها بأكمله يبعث شعورًا بالحن والعطف.

بعد تحديقه إلى الفتاة لمدة قصيرة، قام هان بمسح دموعها.

"لنعد للمنزل"

لتومأ الفتاة برأسها، و هما يمشيان في ساحة المدينة، صراخ أحد الأشخاص قد جعل جميع الأشخاص يلتفتون إليه، و بعد مدة قصيرة بدأوا بالحوم حوله، هان كان فضوليا حول سبب هذا التهافت المفاجأ ليتقدم هو و تشوان يون و يختلط مع باقي الباعة و العامة.

الرجل كان بمنتصف العمر، و كان شكله عادي بملابس عادية، إن كان في حشد كبير من الناس فلن يلاحظ أبدا، فور رؤيته لنجاح صراخه و تجمع الناس حوله، أخرج الرجل رمزا دهبيا من جيبه و أوضح بسرعة فائقة كي لا يسبب للناس بالتفرق.

"طائفة النسور الذهبية، التي تشكل فرعا خارجا للطائفة الأولى في إمبراطورية السحابة السوداء الصقر الفضي، قد قررت فتح أبواب الإنضمام إليها لمن لا تتجاوز أعمارهم 18 سنة"

صمت مخيف حل على الساحة.

2017/09/27 · 259 مشاهدة · 994 كلمة
هان
نادي الروايات - 2024