1 - لن يستطيع الإنفصال عنهم

لن يستطيع الإنفصال عنهم








ضوضاء محملة بكمية هائلة من التساؤلات عمت الساحة.

"كيف لطائفة عريقة كالنسور الذهبية التي تحكم المدن الإتنا عشر بفتح أبواب الإنضمام؟"

"حتى لو كانت طائفة فرعية فهي تمتلك سلطة مطلقة في الإمبراطورية بأكملها!"

"يمكنك القول أن شيوخ العشيرة لهم وزن في قراراتهم، أعلى من الإمبراطور نفسه، فكيف لهم الإهتمام بمدينة صغيرة كالغيمة السماوية!"

هان الذي بدا وكأنه في سبات عميق، صوت أنفاسه المتقطعة، قام بإغماض عينيه محاولة لإجبار نفسه على التصديق، كان هان في هذه اللحظة يحوم بين حالة الوعي و التركيز الشديد.

كان هان يعتقد في بادئ الأمر، أن الرجل مجرد دجال يحاول خلق فوضى بين سكان المدينة، لكن حين رمق الختم الذهبي في يديه، تبددت شكوك هان، لأن الختم لا يمكن تزوير نقوشه، و هذا يؤكد على أن هذا الرجل شخص ذو مكانة محترمة في الطائفة، لا يمكن إعطاء الختم لشخص عادي لأنه قد يستغله في مصالحه الشخصية.

جسديا، كان هان عادي جدا، و أوصافه متطابقة للأطفال العامة في مدينة الغيمة السماوية، لكن حكمته قد تعدت المفهوم الطفولي منذ مدة، و قد نضج أسرع من غيره في نفس العمر، منذ تلك الحادثة المؤسفة، كان يتوق في يوم ما أن يكون قادرا على تجربة القوة الفعلية و التلذد بها، كان عمره قد بلغ 15 سنة، إلا أن رغبته في استكشاف الأراضي الخارجية كانت منعدمة.

كان الأطفال في نفس عمره ينتظرون بلوغ سن الرشد، لكي يكونوا قادرين على المشي بعيدا من قريتهم، و لم تكن لديهم فكرة غريبة كالتعطش للقوة.

فتح هان عينيه، ليتقدم نحو الرجل الذي كان على وشك الذهاب في حال سبيله، فمهمته قد اكتملت.

"سيدي، هل تعرف موعد الإختبار"

حملق الرجل بهان بأعين نصف مغلقة.

"الإختبار بعد أسبوع من الآن، في مدينة الرياح العاصفة"

استدار الرجل ليكمل طريقه، هان إتضح له أن مدينة الرياح العاصفة حصلت على دعم من طائفة النسور الذهبية، الشائعات التي تداولت حول ازدهار المدينة من انخفاض نسبة الفقر و ظهور فئة من المقاتلين الأكفاء في مدة زمنية قصيرة للغاية، لتصبح مدينة الرياح العاصفة مشهورة بين المدن الإتنا عشر.

طائفة الصقر الفضي لها نفود على القارة بأكملها، إنها في مستوى مختلف و حلم أي بشري و هو الإنضمام إليها، و قد قسمت هذه الطائفة إلى أقسام داخلية و خارجية، و طائفة النسور الدهبية هي الفرع الخارجي، كل خمس سنوات طائفة النسور الذهبية تصدر رسميا دعوات للشباب لاجراء اختبار ليصبحوا التلاميذ الخارجيين.

إذا كان أحدهم يمكن أن يصبح تلميذ خارجي، ليس فقط أنه سوف يكون قادرا على ممارسة فنون القتال، بل إنه سيحضى برعاية شاملة لكل احتياجاته، و عائلته ستحصل على بدل شهري مقابل خدمات التلميد و مجهوداته، ليس ذلك فحسب، أولائك الذين أتبتوا أنفسهم على مدار تلات سنوات لديهم فرصة في الإلتحاق بطائفة الصقر الفضي.

قام هان بإمساك يد تشوان يو، قصد العودة إلى المنزل و محادتة أمه حول قراره.

هان بنظرة مليئة بالحزن، و هو يحدق في الطين المتواجد في جوانب المنزل جاعلا الأرضية تفقد ملمسها الصلب، المنزل كان عبارة عن قش، كانت الرائحة عفنة، فور دخوله للمنزل لاحظ أمه الممدة على لحاف أخضر عميق متسخ، لونه الأصلي لا يمكن تمييزه بعد الآن.

هان رمق أمه التي تحاول إجبار نفسها على النوم، كان يعلم أنها إن لم تذهب للنوم، لن تكون قادرة على الإستيقاظ في وقت مبكر من اليوم التالي، إن لم تنم فلن تستطيع الذهاب للجبال لقطف الأعشاب و بيعها.

لم يستطع هان حبس دموعه بعد الآن، تقدم نحو أمه، ليوقظها بصوت دافئ .

"أمي"، استيقظت الأم بعيون حمراء من قلة النوم، جسدها كان نحيفا و عظامها كانت ظاهرة لقلة الأكل، شعرها الأشيب الخشن قد جعلها تبدوا أكبر من سنها، بشرتها السمراء الغامقة بسبب تعرضها المستمر لأشعة الشمس، لكن جمالها الناضج كان ساحرا.

"هان، ما الذي حدث؟"

تحديقه لشعر أمه الأشيب قد جعل هان يعض على شفتيه من أجل منع دموعه من النزول، على الرغم من كونه ناضجا و تلك المحاولات لزرع جدار حديدي لمشاعره، إلا أنه يضل إنسانا، لذلك شعر طبيعة الحال بالاكتئاب، و الأكثر الحنين لتلك الأيام التي كانت أمه تطلق هالة نبيلة بمجرد نظرة منها.

لم يكبح هان نفسه و قام بذكر قراره بالإنظمام لطائفة النسور الذهبية.

في اللحظة التي سمعت أمه كلمات، مثل الإنضمام لطائفة، جنبا إلى جنب مع العديد من العبارات التي تؤكد لها ابتعاد طفلها عنها، طهرت ملامح من التردد الشديد، كان الأمر كصعقة لها، أطلقت تنهيدة خفيفة و جلست بدون أن تقول كلمة واحدة.

رؤيته لتعابير أمه الرافضة، إبتسم هان في قلبه و قام بإظهار جدية إرادته في هذا القرار المصيري، لم تستطع الأم مقاومة حزم إبنها، و أبدت ابتسامة سعيدة لرؤية هان أصبح قادرا على التكفل بنفسه.

"أمي، سأنجح بالتأكيد في هذا الإختبار، و منذ توفقي، أضمن لك أنك أنت و أختي اللطيفة، أنكم تلبسون جيدا، تتغدون جيدا، و تنامون جيدا، أنا أكثر شخص يدرك مدى أنانية قراري، أعدك بأني سأكون شخصا تفتخرين به"

ضرب هان رأسه مع الأرض، لتسيل الدماء ببطئ.

لتداعب الأم بشعر إبنها، و ابتسامة عطوفة لا تفارق محياها.

"هان تأكد أن تكون صادقا، و لا تستسلم رغم قسوة الموقف أمامك، تجنب الصراعات غير الضرورية مع الآخرين، نم جيدا و كل جيدا، أنا متأكدة أن والدك فخور بك جدا و أنا أبادله نفس الإحساس"

اليوم وصل أخيرا، عندما جمع هان أغراضه ليبدأ الترحال لمدينة الرياح العاصفة، قام هان باحتضان أمه و تقبيل رأسها لمدة قصيرة ليحدق بأخته الواقفة بنضرات حزينة و يائسة.

"ما الذي يحدث؟، هل الملاك تشوان يو ستفتقدني؟"

لتعض تشوان يو شفتيها الطريتين، و تمسك بيد هان.

"أنت أناني و أحمق لتترك فتاة بجمالي، بدون حماية، لكن أنتظر إيفائك بالوعد"

إبتسم هان و ضحك بصوت جاف و حرقة بادية في نبرة صوته.

"تشوان يو، أنت تستحقين معيشة أحسن، و وضع مادي أفضل، إنتظري فقط، عندما أعود سأشتري لك أي شيئ ترغبين به، هذا وعد إضافي"

كان هان عازما على ترك البيت ليصبح تريا و قويا لحماية عائلته، وضعه الحالي لا يسمح له بالبقاء في ضل عائلته.

هان لم يكن يعتقد أنه من هذه اللحظة ، فقد المال أي معنى له. كلما سارع بالتقدم كلما اختفت والدته و أخته من ناظريه، هان أدار ظهره و تابع مسيره لأنه يدرك أنه فور التفاته مرة أخرى فلن يستطيع الإنفصال عنهم.



2017/09/27 · 307 مشاهدة · 962 كلمة
هان
نادي الروايات - 2024