كان المشهد شرق الأرض السفلية صامتا تماما، اختفت تلك السحابة ومعها الأمطار الغزيرة، والصفاء غزا ذلك المكان


فجأة، ضحك قوي صدر خلف المعلم، التفت هذا الأخير ليجد أن أربوليس كان يضحك


سأل الملك أخاه "هاي أربوليس، ما الذي يضحكك؟ ! "


استمر أربوليس في الضحك لهنيهة بعدها وجه نظرته إلى المعلم وقال "لقد ألقيت خطبة عظيمة فيما سبق بخصوص أخذ نصف الأشياء التي تولد طبيعيا وترك النصف، ولكن الآن أنت دمرت كل شيء حتى النصف الذي تركته سابقا لقد تدمر الآن باختفاء السحابة"


"ما أضحكني أنه لم تمضي فترة طويلة وكنت تصرفت عكس ما قلت، أليس هذا تقلب صريح وانعكاس عكسي يوضح الهوة الفعلية بين أقوالك وأفعالك ... ؟ ! "


تغير تعبير الملك، خشي أن يغضب معلمه فيقوم بقتل أربوليس هنا، لهذا سرعان ما تصرف بسرعة، مد يده وأغلق فم أربوليس، ثم ابتسم في وجه المعلم وقال "لا تعره انتباها، أرجو أن تغفر له وقاحته هذه"، في الواقع كان الملك يتكلم وجسده يرتعش خوفا


بالنظر إلى الملك، أدرك أربوليس أنه تجاوز حده وقال كلاما لا يجب أن يقال، فقد كان المعلم الأقوى ولطالما ما فعل القوي ما يريد دون أن يكون للضعيف حق السؤال، هذا هو قانون العالم


لكن للمفاجأة لم يغضب المعلم، بل ابتسم وقال لأربوليس "إن خبرتك في هذه الحياة قليلة، وإن مبادئك فوضوية وغير واضحة هذا إن وجدت أصلا، أرجح أن في عقلك قانون واحد، القوي هو الحاكم وهو من يملك مصائر الآخرين ويملك الحق في كل شيء، أراهن أن هذا هو القانون الوحيد في عقلك، أليس كذلك؟"


لم يجب أربوليس، لكن صمته كان دليلا على صحة كلام المعلم


ابتسم المعلم وأكمل "إن هناك الكثيرين أمثالك الذين يغترون بقوتهم ويظنون أنهم ملوك العالم، لا لشيء إلا لأنهم شعروا بأنهم لا يقهرون، صدقني أنت تقهر، مهما كنت قويا هناك أقوى منك، حتى لو أصبحت في قمة الأقوياء لن تتمكن من هزيمة قوة الزمن، ستنهار عاجلا أو آجلا"


"سأعطيك درسا آخر فتذكره، إن القناعة تورث الصلاح وإن الجشع يورث الفساد، لكن القناعة لا تعني أن تستلم للموت، إن جعلتك القناعة في يوم من الأيام تواجه موتك، فاستبدلها بالأنانية، لأن الموت نهاية الخط، واستسلامك له يعني أنك ضعيف حقا، إن الموت عندما يأتي حقيقة سيفرض نفسه عليك لا يوجد مفر منه، وقتها لن ينفعك أحد ولا حتى قوتك هذه"


"الأنانية التي تنجيك من الموت، هي المفتاح الصحيح والخط الفاصل بين الصواب والخطأ، الأنانية في مجملها خطأ، ولكن في خصوصيتها صواب، لأن الأنانية خاصة تجعلك قويا، تجعلك سالما، تجعلك تعرف ما ينفعك ويضرك، لكن في عموميتها تجعلك طماعا، وتجعلك خائنا، وتجعلك شريرا، وتجعلك تنشر الفساد في الأرض"


"لذا يوم تعرف كيف تضع أنانيتك في الموضع الصحيح، حينها فقط تستطيع أن تقول على نفسك أنك تفرق بين الصواب والخطأ"


"إن تدمير السحابة بكل ما تحويه تعني نجاتنا من الموت، والحياة الشخصية أغلى من مجرد كنوز جامدة، بالنسبة لي حياتي الشخصية أغلى حتى من حياة الآخرين"


"أنا لا أؤمن بترهات التضحية بالنفس من أجل الآخرين، إن هذا هراء محض، ويعني أنك حقا لا تقدر الحياة، أن تنقذ شخصا آخر وتقتل نفسك، هذا انتحار بطريقة مسوغة، ونحن كمقاتلين أمضينا عمرنا كله نواجه المصاعب، لا نحب الانتحار"


"إن بعض القيم التي عرفت على أنها قيم جميلة، هي في واقعها ضعف كبير، إذا تحلى الإنسان بها، صعب الأمور على نفسه، وتاه في مصاعب الحياة، وأكثر هذه القيم هراء وتفاهة هي التضحية بالنفس من أجل حياة الآخرين، بمعنى آخر هي الانتحار من أجل حياة شخص آخر الذي سيموت فيما بعد بالتأكيد"


"لذا يا أربوليس يجب أن تعي جيدا أن بعض المعاني وإن بدت سيئة كالأنانية هي في الواقع قد تحمل طابع الصواب، وبعض المعاني وإن بدت جيدة كالتضحية بالنفس في سبيل الآخرين هي في الواقع قد تحمل طابع الخطأ، وكل هذا يتوقف على عقلك وعلى كيفية تصرفك"


منير داخل ملكة الدماء، كان يغلي غضبا أراد بشدة أن يناقش ملكة الدماء ومفاهيمها العرجاء هذه، فهو يعي أن هناك خطأ كبير في طريقة سرد هذه المفاهيم، لكن لا الوقت ولا المكان مناسبين لمناقشة مثل هذه الأشياء، فقرر منير الصمت وتحمل شدة غضبه من كلام ملكة الدماء


في المقابل طأطأ أربوليس رأسه، وكأنه فهم ما يعنيه المعلم، ضربه أخوه بخفة على ظهره وقال "ما زال أمامك طريق طويل لتصل لتجربة المعلم، لكن أتيحت لك الفرصة لتختصر ذلك الطريق، فلتأخذ ما نصحك به المعلم ولتعمل به"، اكتفى أربوليس بالابتسامة في وجه أخيه فقط


قال أربوليس متوجها للمعلم "شكرا لك سيدي على النصيحة، وأعتذر عما بدر مني"


أكمل الثلاثة طريق عودتهم وصولا إلى المرافقين وصابر


لقد كانت مغامرة مثمرة استفاد منها الجميع، حتى أن أربوليس أعطى بعضا من دموع السحاب إلى المرافقين وكذلك فعل الملك لصابر


كل من المرافقين وصابر كانوا فرحين جدا بخصوص هذه الهدية العظيمة، فهذا سيجعل تدريبهم يتقدم بوتيرة أسرع


التفت الملك لمعلمه سائلا إياه "معلمي، متى ستعلمنا طريقة التدرب؟"


رد المعلم "عندما يأتي إليك ولدي سيخبرك بالطريقة ولكن قبل ذلك يجب أن تعطيه حرية التنقل في مملكتك" ثم التفت إلى أربوليس وقال "وكذلك حرية التنقل في إمبراطورية الوحوش"


في الواقع، منير سيذهب أولا لإمبراطورية الوحوش وبعدها لمملكة الرمال، لكن لضمان سلامته تماما عليه أن يحمل سر التدرب بدموع وجوهر وقلب السحاب


طبعا شعر الأخوان بخيبة الأمل، كانا يظنان أنهما سيحصلان على الطريقة بمجرد الخروج من السحابة، لم يتوقعا أن يخطط المعلم لضمان سلامة ولده، الآن عليهما انتظار قدوم ذلك الولد عندما يعودان، ليس أمامهما خيار آخر


قال أربوليس مغيرا الموضوع "لم نتوجه إلى الجزء الجنوبي، هل نفعل ذلك الآن؟"


قال المعلم "الجزء الجنوبي أرض موت، لن تستطيعا التقدم هناك، وأيضا يحوي على بوابة لدخول عالم الظلمات، لذا لا يمكنكما المخاطرة هناك أبدا"


دهش كل الحاضرين وخاصة الأخوان، لم يظنان أن هناك مكان أخطر بعد كل ما واجهاه


لم تدم الدهشة سوى للحظة قبل أن يقاطعها المعلم قائلا "لكن سأذهب أنا لهناك، انتظراني عند مدخل عالم الأموات، بعد أن أعود سنغادر هذا العالم فورا"


تنامت الدهشة أكثر، ما هو الشيء المهم الذي سيجعل المعلم يذهب إلى أخطر جزء في عالم الأموات؟ كان هذا السؤال الذي تبادر إلى ذهن كل واحد فيهم


بسرعة خاطفة اختفى المعلم من نظرهم متوجها جنوب الأرض السفلية


بعد اختفائه، نظر أربوليس إلى الملك وقال ضاحكا "أين الأمير الصغير؟ لم أره منذ دخولنا الأرض السفلية؟ هل تركته في المكان الآمن الذي أنشأته في الغابة؟"


لكن سرعان ما أوقف ضحكه لأن تعبير الملك تغير، التفت إلى أخيه وقال "لقد قتل"


اندهش أربوليس قائلا "قتل؟ ! كيف يقتل ولدك وأنت معه؟"


قال الملك "لقد قتل خطأ غراب التوأم الثلاثي عندما كان يصطاد، وهذا محرم كما تعلم، لذا توجب عليه التوجه لسيد الغابة ليحاكمه، لكن تجرأ وهاجم سيد الغابة حتى، لذا انتهى به الأمر مقتولا على يدي سيد الغابة"


تنهد أربوليس وقال "تبا، عجرفته الحمقاء أدت به إلى الهلاك، لطالما نصحته أن لا يتعجرف في حضرة الأقوياء، لكن كبرياؤه أبى إلا أن يطبع التعجرف في طبيعته"


فجأة ومضت فكرة في عقل أربوليس "أخي، لما لا تطلب من معلمك المساعدة في قتل سيد الغابة هذا، فبعد كل شيء معلمك يستطيع هزيمة الملوك، وسيد الغابة هذا ليس أقوى من الملوك"


شعر الملك وكأنه قد وجد متنفسا لغضبه السابق "فعلا، لماذا لم أفكر بذلك، معلمي أقوى منه لو طلبت منه المساعدة فلن يأبى ذلك بالتأكيد"


ومضت ومضة مكر من عيون أربوليس وقال "لا، لا تفعل ذلك الآن، عندما يأتي إليك ولده، فلتجد سببا وتطلب منه أن يفعل ذلك، بوجود ابنه معك لن يتردد، فهذه أكبر نقطة ضعف لديه"


قال الملك غاضبا "ما الذي تقوله أيها الأحمق؟ هل تريدني أن أستغل معلمي؟ من المستحيل علي خيانته وأن أفعل ذلك"


قال أربوليس "فكر جيدا في الأمر، لطالما نملك ولده بطريقة أو بأخرى سيفعل كل ما نريد، أن نستطيع التحكم في شخص قوي كمعلمك، ألا يعني أننا نستطيع تدمير إمبراطورية الجان؟"


تغير تعبير الملك وقال "أتعني ذلك الخطر الذي تم ختمه من طرف أسلافنا تحت مملكة الرمال؟" سكت الملك قليلا ثم قال "في الواقع لطالما أرقني خطر إمبراطورية الجان القديمة التي تم ختمها أسفل مملكة الرمال، لو استطعنا فعلا التخلص من ذلك الخطر، سأفعل أي شيء"


قال أربوليس "ما علينا فعله أن نستخدم فقط ابن معلمك لنجعله يخدمنا، صحيح في هذا مخاطرة كبيرة وخاصة أننا إذا لم نفكر في أسباب عقلانية قد نجعله عدونا، يجب أن نتريث وأن لا نبتز مباشرة معلمك، يجب أن نجعله يعمل لصالحنا وهو راض"


ابتسم الملك وقال "أنت لا تفعل أي شيء، أترك علي هذا الأمر، عندما يأتي إلي ولده سأتكفل بالباقي، ولكن احذر أن تشعر ابنه بأنك تكيد له شيئا، لا تنسى أنه ابن معلمي من المرجح أن يكون ذكيا جدا، فكن حذرا في تصرفاتك"


قال أربوليس "لا تقلق، لن يكشفني شقي أحمق مثل طفل، مهما كان ذكيا فتجاربي أوسع"


شعر الملك في نفسه بشعور سيء، لم يعرف ما الذي يعنيه هذا، لكن راوده شعور سيء للغاية بخصوص هذا الأمر


إن أي خطأ صغير ينبه ابن معلم ملك مملكة الرمال، سيعني فتح أبواب الجحيم عليهم، ومعاداة الشخص الأكثر رعبا الذي شاهدوه في حياتهم


طبعا الحوار الذي دار بين أربوليس والملك كان سريا لم يسمعه غيرهما


----------------

أعتذر عن الغياب المتكرر هذا... كان من المفترض أن أجري عملية جراحية لعيني اليسرى لكن تأجل الموعد لثلاث أشهر فيما بعد، لهذا غبت حتى أرتاح نفسيا وأزيل ضغط العملية، لكن بما أنها تأجلت فسأعود للرواية بتنزيل يومي بعون الله، على أقصى تقدير قد يتأخر تنزيل أحد الفصول يوما واحدا فقط

شكرا لمتابعي الرواية وكل من أرسل لي يطمئن على حالي ويناشدني العودة للرواية، وأعتذر من الجميع

----------------

2017/10/13 · 956 مشاهدة · 1475 كلمة
3asheq
نادي الروايات - 2024