83 - في النفق الزمكاني

في النفق الزمكاني المؤدي إلى عالم الفوضى أحد العوالم الرئيسية العشرة، كان التواء الزمن شديدا وكانت الثقوب السوداء منتشرة في كل مكان، خطأ صغير يحيد عن المسار يعني الموت أو التوجه لمكان مجهول


في هذه الأثناء، قالت ملكة الدماء "فلتجرب مدى صعوبة النفق الزمكاني"


دون أن تأخذ رد منير حتى، أرغمته على الخروج ودخلت هي عقله رفقة ملكة الحياة التي كانت متواجدة هناك أصلا


بمجرد ما خرج، رياح شديدة وضغط كبير طغى على جسد منير، حتى أن أصابع يده اليسرى انفجرت، كان هناك أيضا صوت يصم الأذان للثقوب السوداء المنتشرة في جميع الأمكنة، دون ذكر ألم السرعة الخيالية التي يسافر بها من العالم الفاني إلى عالم الفوضى، لا يوجد جسد عادي يستطيع احتمال سرعة السفر عبر الزمكان


بدأ جلد منير يتقشر رويدا وانفجرت أنسجة عضلات كتفيه، حتى أن عظم ركبته انعكس للخلف، وكل هذا سبب آلاما حادة لمنير، وخاصة أن جسده خالد وبالتالي يتجدد باستمرار ويتجدد معه الألم


بقي منير على هذا المنوال لفترة من الزمن، كان كل همه أن يحافظ على توازنه ويركز في التقدم إلى الأمام بخط مستقيم، وعدم الاصطدام بالثقوب السوداء، لكن بعد مرور فترة طويلة من الوقت لم يتمكن من الاستمرار، فبدأ بفقدان الوعي تدريجيا، وحاد عن طريقه متجها نحو أحد الثقوب السوداء القريبة


هنا خرجت ملكة الدماء، قامت بإمساك منير قبل أن يدخل مجال سحب الثقب الأسود، بعدها باستخدام "فن التدمير" قامت بشفائه، عندما استعاد وعيه وجد نفسه بين ذراعي ملكة الدماء

انتفض بسرعة وقفز بعيدا، في هذه اللحظة لم يشعر بالأمان بالقرب من هذه 'المجنونة' التي كادت أن تقتله


اكتفت ملكة الدماء بالنظر إليه ثم قالت "فقدان الوعي هنا يعني الموت، كنت أجرب قدرة تحملك القصوى، لكن يبدو أنك لست بتلك الموهبة التي ظننتك، لو فقدت اتزانك فقط دون فقدان وعيك كنت نلت إعجابي لكن الآن..." رمقته بنظرة إحباط جعلت منير يفهم الأمر


كانت ملكة الدماء تختبره لتعرف هل حقا سيستمر لأكثر من 20 مستوى ! ، كون منير خليفة ملك الملوك عقدت آمالا كبيرة عليه، لكن النتيجة كانت مخيبة للآمال بالنظر لكلام وردة فعل ملكة الدماء


نظرت ملكة الدماء إلى منير مرة أخرى ثم قالت "فلتبقى معي هنا، عليك أن تشحذ قدرة تحملك أكثر باستخدام سرعة السفر عبر الزمن وقوة امتصاص الثقوب السوداء، ما زال هناك بعض الوقت استغله في التدرب"


لا يسع منير إلا الامتثال لأوامر ملكة الدماء، رغم امتعاضه من نوعية التدريب هذه، إلا أنه استمر بمقاومة سرعة السفر عبر الزمن، كما في الحالة الأولى، كل جسده تعرض للأذى، لكن وكأن مستوى الصعوبة أصبح في ازدياد مطرد، هذه المرة تعرض أيضا لشرارات كهربائية عشوائية تظهر على حين غرة من العدم، بمجرد ما تلمس مكانا في جسده، ينتشر التيار الكهربائي ويسبب ألما حادا، لدرجة أن عقله يتوقف عن التفكير وتصبح رؤيته ضبابية، رغم ذلك تحمل منير الأمر بإرادته وتصميمه


لمدة طويلة صارع منير الألم في كل خلية صغيرة من خلايا جسده، لكن في الأخير فقد الوعي أيضا واتجه نحو أحد الثقوب السوداء، تماما مثل المرة السابقة تصرفت ملكة الدماء وأنقذته


بمجرد استرجاعه وعيه، بدأ جسد منير يومض بضوء باهر، بعد مدة انفجار ضوئي صدر من جسده، غطى كامل النفق الزمكاني، بعدها تشقق جسده كله


هذا المنظر أخاف منير بشدة، لكن لم تمضي إلا لحظات حتى تساقط جسده كأنه زجاج منكسر، واستبدل فورا بجسد أكثر لمعان، وازدادت بنيته الجسدية واتضحت معالم عضلاته أكثر


فجأة، نظر منير لملكة الدماء وسألها "فقط ما الذي حدث؟"


ابتسمت ملكة الدماء "هذه إحدى ميزات المستويات الخفية وبالضبط المستوى الانفجاري، عندما تتجاوز حدودك مرارا وتكرارا وأنت في أحد المستويات الخفية، تكتسب ميزة ذلك المستوى، وفي حالتك المستوى الانفجاري اكتسبت ميزة الانفجار، ولأنك قررت في عقلك أنك ستستعمل سحر الضوء كما أخبرتك، كان الانفجار ضوئيا"


فجأة، أخرجت ملكة الدماء أحد هياكلها، وهجم مباشرة على منير


منير لم يملك الوقت أصلا لاستيعاب فكرة أن للمستويات الانفجارية ميزات تكتسب، حتى أتاه هجوم مباغت فجائي من أحد الهياكل


الهيكل العظمي ضرب منير على صدره مباشرة، فصدر انفجار قوي، جعل ذلك الهيكل رمادا، كان الانفجار قويا لدرجة أنه أرسل منير يحلق للوراء عدة أمتار، حتى كاد أن يدخل مجال أحد الثقوب السوداء لولا أن أوقفته ملكة الدماء


نظر منير لملكة الدماء بنظرة الحيرة، فأجابت هذه الأخيرة على تلك النظرة بقولها "إن ميزة المستوى الانفجاري الانفجار، وهذا يعني أن أي هجوم يلامس جسدك سينفجر، طبعا هذه ليست حماية مطلقة وكذلك لا يمكنك التدرب على الانفجار، ستستمر معك هذه الميزة حتى تتجاوز المستوى الانفجاري"


"هذه الميزة ترتبط بإرادتك، تتوقف قوتها وضعفها على مدى تصميمك، رغم ذلك، إذا كان هناك شخص يفوقك في المستوى فهذا الانفجار سيبدو أمامه كنسمة خفيفة، بالطبع لا تتوقع أن يتقل هذا الانفجار شخصا، فهو يمنع الهجوم الجسدي فقط"


"أما من ناحية سحر الضوء، ففي كل مرة تستخدم هذا السحر وأنت في المستوى الانفجاري، ستشعر أن جسدك يكاد ينفجر، هذه من التأثيرات الجانبية لدخول المستوى الانفجاري، لكن لا تقلق جسدك خالد، يجب عليك فقط أن تعتاد على تحمل الألم"


بعدها نظرت ملكة الدماء لمنير بعناية وقالت "لقد اقتربت من دخول المستوى الثاني للبنية الجسدية الخالدة، فقد عليك أن تتدرب على مواجهة الألم حتى تخترق"


تساءل منير "المستوى الثاني للبنية الخالدة؟"


أجابت ملكة الدماء "البنيات الخالدة لديها 24 مستوى، يمكن الانتقال بين المستويات عبر التدريب المكثف، أو عبر استهلاك بنية جسدية أقوى"


منير "استهلاك بنية جسدية أقوى؟"


ابتسمت ملكة الدماء "هل تعلم ما هو أكثر شيء يحدد الفوز في معركة بين الخالدين؟"


أجاب منير "لا"


قالت "إنه مستوى البنية الخالدة، فالبنية الخالدة في المستوى الأول مثلك لا يمكنها الصمود أمام ضربتين من البنية الخالدة في المستوى الثاني"


"أما عن استهلاك البنيات الجسدية الأقوى، فهذا أمر حصر على أصحاب البنيات الخالدة فقط، تقوم بالعملية كالتالي: تقتلع قلب صاحب البنية الجسدية الأقوى، ثم تقوم بأكل ذلك القلب"


عندما تخيل منير المنظر، كاد أن يتقيأ، من هو المجنون الذي قد يأكل قلب خصمه؟


وكأن ملكة الدماء شعرت بما يفكر فيه منير "في عالم الأقوياء هناك بعض الأمور المريعة لابد من فعلها لتصبح أقوى، نحن كأصحاب بنيات خالدة، مقدر علينا أن نفعل أمورا تتجاوز خيال الأناس البسطاء، إن لم تختر طريقة أكل قلب خصمك، عليك أن تبذل جهدا مضاعفا لتخترق مستويات البنيات الخالدة"


قال منير مغيرا الموضوع "إذا فالآن تقرر أنني سأستخدم سحر الضوء لأتجاوز المستوى الانفجاري؟"


أجابت "فعلا"


قال منير "حسنا، الآن سأستمر بالتدرب ربما أستطيع أن أخترق للمستوى الثاني للبنية الخالدة قبل وصولي إلى عالم الفوضى"


استمر منير بمواجهة سرعة السفر عبر الزمن وقوة امتصاص الثقوب السوداء بالإضافة إلى الشرارات الكهربائية الفجائية لمدة طويلة، ولكن هذه المرة لم يفقد الوعي، ربما يرجع السبب لتغير بنيته بفعل المستوى الانفجاري وحصوله على تلك الميزة الغريبة


فجأة، قالت ملكة الدماء "لقد وصلنا لمنتصف الطريق، سيكون الأمر أصعب من الآن فصاعدا"


فقط عندما أنهت كلماتها، ظهر أمام منير غبار متلألئ بحبيبات بألوان مختلفة، كان الغبار جميلا جدا ولكن غريب


سأل منير "ما هذا الشيء؟"


قالت ملكة الدماء "إنه الغبار الكوني، إذا لم تصمد فيه فسيحولك لحبيبات صغيرة حتى لو كنت بنية خالدة لن تستطيع العيش بعد أن يفتتك الغبار الكوني"


ابتلع منير ريقه، حتى أصحاب البنية الخالدة قد يحالون حبيبات بحجم ذرة الغبار !


الغبار الكوني لم يمنح منير أي فرصة ليفكر بحل، سرعان ما أحاط به من كل جهة


منير لم يشعر بأي شيء غريب أو أي ألم وهو داخل الغبار الكوني، التفت لملكة الدماء وقال "لم يحـ..." لم يكمل كلامه، حتى انتبه ليده اليسرى بدأت تتلاشى متحولة لذرات غبار


الهلع دب في قلب منير، فقط كيف سيتجاوز هذه المشكلة العويصة؟ !


لقد كانت أصابعه تتلاشى أمامه، ثم يده، والآن انتبه إلى أن رجله اليسرى بدأت تتلاشى كذلك


لم يكن الأمر مؤلما، بل كان وكأن التلاشي أمر طبيعي، على منير أن يجد حلا بسرعة وإلا سيختفي من الوجود


من ناحية أخرى، ملكة الدماء التي كانت خلفه يبدو وكأنها اختفت، هذا جعل منير يرتبك في أفكاره


فجأة ومضت في عقله فكرة "هل يعقل...؟"

2017/10/18 · 930 مشاهدة · 1223 كلمة
3asheq
نادي الروايات - 2024