بالتفكير لبرهة، لماذا تتلاشى الأجساد إلى جزيئات غبار بمجرد دخولها إلى الغبار الكوني؟ هل يعقل أن الغبار الكوني بهذه القوة؟ أم أن هناك سرا آخر !


بالتفكير بمثل هذه التساؤلات، أغمض منير عينيه


فجأة الأماكن من جسد منير التي تلاشت من قبل، بدأت تتجسد وتعود لهيئتها الأصلية


بعد فترة من الوقت، استطاع منير أخيرا أن يجتاز الغبار الكوني، فتنفس الصعداء وبدأ يلهث من التعب


فجأة، ظهرت ملكة الدماء من العدم أمامه، ابتسمت وقالت "كيف وجدت الأمر؟"


رد منير بابتسامة وقال "لو أني لم أهلع في وقت سابق لوجدت الحل أسرع، لكن للأسف دب الرعب في قلبي ولم أستطع تقبل تلاشي جسدي لذرات غبار"


بقيت ملكة الدماء مبتسمة "إذا؟"


قال منير "استنتجت أن الغبار الكوني عبارة عن أبعاد مختلفة متداخلة في بعضها معقدة التكوين، عندما تصطدم هذه الأبعاد المختلفة بأي جسد، تشرع على الفور بتقسيمه بحيث كل بعد يحتوي على جزء من ذلك الجسد، وهذا بحد ذاته مشكلة تواجه الجسد بل حتى الروح، لا يهم مدى قوة الشخص عندما يواجه الغبار الكوني يتحتم عليه أن يركز كل خلية من جسده ويرغمها على الثبات في البعد الأصلي الذي هو فيه حاليا، وهذا بالضبط ما فعلته"


"يبدو أن تلك الشرارات الكهربائية قد حفزت من قدراتي الطبيعية الكامنة، استطعت بسهولة الإقفال على كل خلية من جسدي بواسطة الطاقة، ما تسرب إلى الأبعاد لم يكن خلايا جسدي الحقيقية وإنما جزء من طاقتي، وهذا استنزفني بعض الشيء، لحسن الحظ لم يستمر الغبار الكوني لوقت طويل"


قالت ملكة الدماء المبتسمة "لقد لمست جانبا مهما من الغبار الكوني، ولكن ذلك الغبار ليس بسيطا كما يبدو، صحيح أنه يتكون من أبعاد متداخلة ومعقدة ولكن أيضا هناك سمة رئيسية فيه"


رد منير "سمة رئيسية؟"


قالت ملكة الدماء "ألم تلاحظ أنك فقدت فعلا بعض أجزاء جسدك، ولكن بتركيزك استطعت إعادتهم من جديد"


أومأ منير برأسه موافقة


قالت ملكة الدماء "بالمعنى الأدق للكلمة أنت في الحقيقة لم تعدهم، بل من المستحيل إعادتهم"


تفاجأ منير، ثم قال "هل تقصدين...؟"


قالت ملكة الدماء "بالطبع، من المستحيل أن تتبع كل خلية صغيرة فقدتها في الغبار الكوني الذي يحوي أبعادا متداخلة ومعقدة، ولكن سمة الغبار الكوني هي "الخلق""


دهش منير "الخلق؟"


قالت ملكة الدماء "إن الغبار الكوني يعد أكبر كابوس وأكبر نعمة في الوقت نفسه، كابوس من ناحية الأبعاد المختلفة والمعقدة، ونعمة من ناحية سمة "الخلق""


"الغبار الكوني هو بداية كل شيء، هو منشأ كل تلك الكواكب والنجوم كما هو أيضا نهايتهم، في بداية الكون لم يكن شيء موجود، إلا الغبار الكوني، بعدها منه أنشئت مواطن الحياة، والتي هي العوالم المختلفة ومن هذه الأخيرة نشأت الكواكب والنجوم والمجرات وهلم جرا، وداخل مجموعة الكواكب تلك اكتسب كل كوكب سمته الخاصة، فأكثر الكواكب حظا دبت فيه الحياة ونشأت فيه الأجناس، وأقل الكواكب حظا تحولت لكواكب غازية سامة وأخرى انفجرت متحولة لثقوب سوداء"


"الشيء الأهم أن بداية الحياة كانت من الغبار الكوني، وكذلك عندما تأتي الكارثة الأخيرة ستفنى هذه الحياة وسيتحول كل الوجود إلى غبار كوني مرة أخرى، من يدري ربما تعاد إنشاء سلسلة حياة أخرى وربما لا"


كمية الحقائق الواردة في كلام ملكة الدماء فاجأت منير، فتساءل "الكارثة الكبرى؟"


ردت "على حسب ملك الملوك إن هذه الأكوان بما تحويه آيلة للزوال، في وقت ما ستظهر مجموعة من الأشياء تشير إلى أن يوم الكارثة الكبرى ستحل بكل العوالم وستدمر معها الوجود"


منير "مجموعة من الأشياء؟"


ردت "أجل، مثل ظهور الجبل الذهبي، وظهور العالم الرئيسي الـ 11، وظهور الكيان الذي لا يقهر... وأهم شيء وهو أمل كل الوجود ظهور المنقذ أو كما يسمى "البطل" وهو الذي سيقف في وجه هذه الكارثة ويحاول الحفاظ على استمرارية الحياة"


قال منير "البطل؟ يبدو أن الأمر أكثر تعقيدا"


قالت ملكة الدماء "صحيح، البطل سيقود جيشا لهزيمة الكيان الذي لا يقهر، ثم لغزو العالم الرئيسي الـ 11، فقط بسيطرته على الجبل الذهبي الذي سيظهر في مكان من العوالم الرئيسية سيجد الفرصة لمواجهة آخر كارثة وهي الجيش الخالد"


منير "الجيش الخالد؟"


ملكة الدماء "يقال أنه أكثر الجيوش إرعابا على مر التاريخ، هو الآن مختوم في مكان ما، لكن عندما يحين الوقت سيخرج ذلك الجيش ويبيد جميع الحياة، أينما يحل يدمر"


منير غرق في تفكير عميق في كل هذه الأحداث المستقبلية التي ستحدث


نظرت ملكة الدماء إليه وقالت "سر كل شيء يكمن في الغبار الكوني، هو مصدر كل شيء ونهاية كل شيء، لا نعلم حقيقة إذا ما كان كل شيء خلق من طرق الغبار الكوني بحد ذاته، أو من طرف كيان سامي تجاوز ملك الملوك حتى، ولكن ما أكده ملك الملوك أنه من المستحيل أن تتواجد كل تلك الحيوات والتنظيم المحكم لكيفية بناء هذه العوالم من قبيل شخص ليس بعاقل، يجب أن يكون منشيء هذه الحياة كيانا قمة في الذكاء والقوة"


بعدها سألت ملكة الدماء منير "هل تؤمن بالآلهة؟"


قال منير "لم يسبق لي أن قابلت أحدها"


ضربته ملكة الدماء على رأسه وقالت "أحمق، كيف تستطيع أن تقابل الها؟ ! إذا وجدت الآلهة حقا فستتربع على عرش العوالم، إذا كانت موجودة فعلا فكيف لإنسان تافه أن يقابل الآلهة؟"


سكتت ملكة الدماء قليلا ثم قالت "بحسب قول ملك الملوك، قد يكون بالفعل هناك آلهة، ولكن بالتأكيد سيكون هناك إله واحد وليس آلهة متعددة"


قال منير متسائلا "لماذا إله واحد وليس آلهة متعددة؟"


قالت "لأنه إذا تواجدت الآلهة المتعددة، لتصارعت فيما بينها ونحن ككائنات مخلوقة من طرفهم لن نعيش في سلام، سيكون هناك حتى الآلهة التي تغضب من بعضها وتنزل للعوالم الرئيسية لتزيلها، وأيضا لوجدت بعض الأخطاء في تنظيم هذا الكون، لكن الكون متناسق جدا وكل الصراعات لطالما كانت بين الأجناس في العوالم فقط، هذا يدل على أن المتحكم في هذا النظام واحد فقط"


قال منير "إذا سلمنا بما قلتي، وكان هناك إله واحد فقط، لماذا يتركنا نتقاتل فيما بيننا، ويموت الآلاف بل الملايين منا؟ ! "


ابتسمت ملكة الدماء وقالت "نحن لسنا آلهة حتى نعرف تصرفات الإله، ولسنا في مقام يسمح لنا أن نفهم عمق تفكير الإله، نحن مخلوقون من طرفه لذا من الطبيعي لنا أن نكون قاصرين عن إدراك مساعيه"


"خذ ملك الملوك كمثال صحيح أنه لا يرقى لمنصب اله، لكنه الشخص الذي سيطر على كل الوجود في العوالم، يمكن اعتباره في نظر الكثيرين إله، في مشكلة غضب ملك الشر الأول ومجازره التي قام بها ومشكلة تمرد ملك الشر اليافع لم يتدخل إطلاقا مع قدرته على ذلك"


"من هنا نستنتج أنه عندما تصل لمرحلة من القوة لن تتدخل في صراعات تراها تافهة، وقد يراها كل العالم كارثة عليهم"


قال منير "أنت تقصدين أن الإله لن يتدخل في صراعاتنا فقط لكونه قوي جدا؟ ! "


قالت ملكة الدماء "ليس بالضرورة، قلت لك من قبل لسنا آلهة حتى نعرف تصرفات الإله، ولن نستطيع الحكم على اله أبدا"


"قد يكون الهدف من خلقنا شيئا آخر لا نعرفه، ولكن من المؤكد أن الإله لم يخلقنا عبثا، ربما نحن فعلا لا نستحق تدخل الإله لحمايتنا، نحن بالغنا في ظلم أنفسنا وسعينا لنيل القوة وتغافلنا عن وجود الإله، ربما فقط شخص على قدر كاف من الإيمان وليس القوة قد يستطيع أن يفعل ما عجز عنه ملك الملوك حتى، وهو إيجاد سبيل للنجاة من الكارثة الكبرى"


"لقد جربنا القوة والتي تمثلت في ملك الملوك، ولكن لم ننجح في إيجاد سبيل للنجاة من الكارثة الكبرى، نحن بعد لم نجرب الإيمان ربما هو السبيل الوحيد لتجاوز محنة عظيمة قادمة"


منير شعر بقشعريرة باردة تسري في جسده، بعدها تساءل "إن كان الإله موجودا لماذا لم يعلمنا بذلك؟"


قالت ملكة الدماء "سأعيدها مرة أخرى، نحن لا نستطيع أن نعرف عمق تفكير الإله، ربما ترك لنا فعلا أشياء تدل على وجوده لكننا قاصري نظر لم ندرك تلك الأشياء بعد، وربما يختبرنا وينتظر أيصل مستوى تفكيرنا لندرك وجود الإله دون حتى أن يترك أمارة واحدة ! ، لا أظن أن الإله سيغفل عن ترك أمارات تدل على وجوده، ولكن بالتأكيد نحن نفكر أن الآلهة مجرد أساطير وأننا في وصلنا قوة نستطيع بها مجابهة الآلهة"


"هناك بعض الأغبياء الذين قالوا أنهم يملكون تقنيات تستطيع قتل الآلهة، وكأن هذه الآلهة شيء مساو لهم، لقد نسوا أن الإله من خلقهم، لو كان لهم ذرة من العقل لبذلوا كل جهدهم في نيل رضا خالقهم، ولم يفكروا أبدا بالتمرد عليه وعصيانه، ناهيك عن التفكير في قتله، بلهاء فعلا وقاصري نظر، التفكير بقتل اله ! يا للسخافة"


سكت منير طويلا، بعدها قال "كل السر يكمن حاليا في الغبار الكوني، لو كنت أعرف سابقا هذه الأشياء لتصرفت بطريقة مختلفة داخل الغبار الكوني"


"إن وجود الغبار الكوني في حد ذاته معجزة، بالتفكير بالأمر أليس من الممكن أن يكون الغبار الكوني هو الإله، فنحن بعد كل شيء لا نعرف شكل الإله؟ ! "


قالت ملكة الدماء "لقد فكر ملك الملوك في هذا الاحتمال، لكن سرعان ما فند ذلك، لأنه استطاع حبس بعض من الغبار الكوني في زجاجة خاصة، وبهذا من المستحيل أن يكون هو الإله، لأنه لا يمكن سجن إله"


بقي منير يفكر مطولا، هل يعقل أن هناك إله فعلا؟

2017/10/22 · 988 مشاهدة · 1371 كلمة
3asheq
نادي الروايات - 2024