فتح عمر عينيه فجأة، ليجد نفسه جالسًا على مقعد خشبي قديم في صف مدرسي مألوف. أغمض عينيه ثانية ليتأكد مما يراه، ثم فتحهما ببطء، متفحصًا المكان من حوله. الجدران مغطاة برسومات بسيطة، والسبورة السوداء في الأمام يعلوها غبار الطباشير. أصوات الأطفال وضحكاتهم تعم الصف. كان كل شيء يبدو واقعيًا للغاية.
مرر يده على سطح المكتب، وشعر بخشونة الخشب وكأن الزمن أعاده فعلًا إلى طفولته. تمتم لنفسه:
"ما هذا؟ هل أحلم؟ كيف أعود إلى هنا؟"
قبل أن يتمكن من استيعاب الموقف، سمع صوتًا حادًا:
"عمر! ركّز على الدرس!"
التفت بسرعة، ليجد معلمته القديمة، السيدة عائشة، تنظر إليه بعينيها الحازمتين. كانت ترتدي نظارتها المستديرة وتحمل الطباشير في يدها. شعر بصدمة تسري في جسده. كانت هذه نفس اللحظة التي عاشها قبل سنوات عديدة.
بينما كانت المعلمة تشرح درسًا عن الجمع والطرح، دخلت الطفلة ليلى الصف متأخرة. كانت ترتدي مريولًا ابيض ناصعا، وجدائل شعرها الذهبية متدلية على كتفيها. ابتسامتها الخجولة كانت كفيلة بأن تسلب الأنظار. شعر قلبه الصغير وكأنه توقف للحظة.
جلست ليلى على المقعد المجاور له، بينما همست المعلمة:
"احرصي على عدم التأخر مجددًا."
كان عمر يراقبها بصمت. حاول أن يجمع شجاعته ليتحدث معها، لكن الكلمات علقت في حلقه. أخرج دفتره وبدأ يكتب، متظاهرًا بالتركيز على الدرس، لكنه في الواقع كان يختلس النظرات إليها بين الحين والآخر.
عندما دق جرس الاستراحة، تجمع الأطفال في الساحة. بعضهم كان يجري و يلعب، و البعض الآخر يقف في زوايا يتحدث ويضحك. وقف عمر بعيدًا، محاولًا استجماع شجاعته للحديث مع ليلى. رأى كيف كانت تقف مع مجموعة من الفتيات، تضحك بخجل وهي تمسك دفترها.
اقترب منها بخطوات مترددة، قلبه ينبض بقوة:
"ليلى... أنا... أنا..."
التفتت إليه بابتسامة لطيفة:
"نعم؟"
لكنه قبل أن يكمل حديثه، قاطعه صوت رنين الجرس معلنا وقت الدخول للقسم الدراسي مرة اخرى.
بعد انتهاء اليوم الدراسي، خرج عمر من الصف وهو يحمل حقيبته القديمة. كان يشعر بشيء غريب؛ لم يكن هذا مجرد حلم عادي. كل التفاصيل كانت واضحة بشكل لا يصدق: أصوات السيارات في الشارع، رائحة الأتربة، حتى دفء الشمس على وجهه.
رأى ليلى تسير برفقة صديقاتها باتجاه منزلها. قرر أن يتبعها على مسافة آمنة، محاولًا أن يجد اللحظة المناسبة للحديث معها. وبينما كان يسير خلفها، لاحظ كيف كانت تبتسم لكل شيء حولها: للأطفال الصغار الذين يلعبون، للمرأة التي تبيع الفاكهة في الزاوية، حتى للسماء.
أخذ نفسًا عميقًا وركض قليلاً ليلحق بها:
"ليلى!"
توقفت والتفتت نحوه:
"عمر؟ ماذا هناك؟"
شعر أن العالم كله توقف للحظة. كانت هذه فرصته:
"أنا فقط أردت أن أقول... أردت أن أعرف إن كنتِ......"
لكن فجأة، بدأ كل شيء يتلاشى من حوله. الشوارع، السماء، وحتى وجه ليلى. وجد نفسه يغرق في ظلام دامس مرة أخرى.
استيقظ عمر ليجد نفسه في فراغ مظلم. حاول الصراخ، لكن صوته لم يخرج. شعر بشيء ثقيل يضغط على صدره، وكأن روحه محبوسة بين الحلم والواقع.
"لماذا؟ لماذا لم أستطع قولها؟ هل سأعود مرة أخرى؟"
تمتم بهذه الكلمات، ليجد نفسه فجأة ينجذب نحو ضوء بعيد....