2 - اليوم الثاني - الوردة الضائعة

استفاق عمر مجددًا لكنه هذه المرة وجد نفسه في مكان مألوف آخر. كان يقف في ممرات المدرسة، محاطًا بأصوات الطلاب وضحكاتهم. نظر حوله ورأى اللوحات المزخرفة التي صنعها الطلاب على الجدران، وتلك الصناديق الخشبية القديمة التي كانوا يضعون فيها رسائلهم السرية. شعر بوقع الذكرى على قلبه.

هذه المرة، لم يكن صغيرًا كالحلم السابق. كان في المرحلة الإعدادية، يرتدي الزي المدرسي، وحقيبته تزن على كتفه. وعندما نظر إلى يده، وجد فيها وردة حمراء صغيرة، طازجة ورائحتها عطرة. أدرك فورًا أنه يعيش يوم عيد الحب في المدرسة.

عاد شريط الذكريات سريعًا إلى ذهنه. كان هذا اليوم الذي قرر فيه أن يعطي ليلى وردة اشتراها بعد أن ادّخر مصروفه لأيام. تذكر كيف ظل يراقبها طوال اليوم، يبحث عن اللحظة المناسبة ليمنحها الوردة ويعترف بمشاعره. لكنه في النهاية لم يجرؤ وأخفاها في حقيبته، حيث ذبلت مع مرور الوقت.

لكن هذه المرة، كان لديه إحساس مختلف. شعر وكأن هذا الحلم يمنحه فرصة ثانية لتصحيح أخطائه. قبض على الوردة بقوة، ووعد نفسه بأنه لن يتردد.

خلال الحصة الأولى، كان يجلس خلف ليلى مباشرة. شعر باضطراب داخلي كلما نظرت إلى الأمام أو ضحكت مع زميلاتها. الوردة كانت في جيبه، كأنها تشتعل بحرارة خوفه وتردده. كان ينوي أن ينتظر حتى وقت الاستراحة ليعطيها إياها.

عندما دق الجرس، خرج الجميع إلى الساحة. اختلطت أصواتهم بأصوات العصافير التي كانت تحلق فوق الأشجار القديمة في ساحة المدرسة. وقف عمر في زاوية الساحة، يراقب ليلى وهي تضحك مع صديقاتها بجانب نافورة المياه. أخذ نفسًا عميقًا، وأخرج الوردة من جيبه.

بدأ يسير نحوها، خطواته ثقيلة وكأن الأرض تحاول أن تبقيه في مكانه. اقترب منها أخيرًا وقال بصوت مرتجف:

"ليلى، هذه لكِ..."

التفتت ليلى نحوه بدهشة. نظرت إلى الوردة في يده ثم إليه، وابتسمت بخجل. لكن قبل أن ترد عليه، قاطعهم صوت أحد زملائهم:

"واو، عمر يقدم وردة؟"

بدأ الطلاب من حولهم يضحكون بصوت عالٍ. شعر عمر بالإحراج وتردد للحظة. رأى نظرات ليلى المرتبكة، فتراجع سريعًا وقال:

"آسف... لم أقصد أن أزعجك."

وضع الوردة في جيبه مجددًا، وهرب بعيدًا عن الأنظار. جلس تحت شجرة وحيدًا، يشعر بالخذلان والندم.

بعد انتهاء اليوم الدراسي، سار عمر ببطء نحو المنزل. كان يحمل حقيبته على كتفه، يشعر بثقل العالم كله. كانت الوردة لا تزال في جيبه، لكن أوراقها بدأت تتلف بسبب قبضته عليها طوال اليوم.

حين وصل إلى المنزل، ألقى بنفسه على سريره. نظر إلى الوردة مرة أخرى، وتمتم:

"لماذا دائمًا يحصل لي هذا؟ لماذا لا أستطيع قول ما في داخلي؟"

لكنه فجأة شعر بشيء غريب. الغرفة من حوله بدأت تتلاشى، وصوت والدته وهي تناديه على العشاء أصبح أضعف فأضعف. شعر وكأنه يُسحب بعيدًا عن هذا العالم، وعاد إلى الظلام و مرة أخرى، وجد عمر نفسه في ذلك المكان المظلم. لم يكن هناك أي صوت سوى نبضات قلبه، التي كانت تبدو كدقات ساعة كبيرة. حاول التحدث، لكنه لم يتمكن. فقط كلماته الداخلية كانت تردد صدى إحباطه:

"لماذا أعادني هذا الحلم هنا؟ هل كان بإمكاني فعل المزيد؟ هل سأحصل على فرصة أخرى؟"

شعر بأن الظلام بدأ يتحرك من حوله، وكأن شيئًا يقترب منه. ثم ظهر ضوء بعيد، ساطع لكنه دافئ. أخذ خطوة نحوه، وعرف أنه على أعتاب حلم جديد، يوم جديد مع ليلى... وفرصة أخرى ليعيد الماضي.

2024/11/21 · 12 مشاهدة · 498 كلمة
yassine
نادي الروايات - 2025