عندما استيقظ عمر مجددًا، وجد نفسه داخل حافلة صغيرة مليئة بالضجيج والضحك. شعر بالدهشة للحظة، لكنه سرعان ما تعرف على المشهد. كانت هذه رحلة المدرسة الإعدادية إلى غابة قريبة، تلك الرحلة التي انتظرها الجميع بشوق. نظر من النافذة وشاهد الأشجار الكثيفة تقترب، والسماء صافية بشكل مذهل.
كان عمر يجلس بالقرب من النافذة، بجواره صديقه المفضل خالد، الذي كان يثرثر بحماس عن مغامراته المخطط لها في الغابة. لكن عمر لم يكن يستمع. عيناه كانتا تبحثان عن شخص واحد فقط، ليلى.
وجدها تجلس في الصف الأمامي مع صديقاتها، تضحك بشكل عفوي جعل قلبه ينبض بسرعة. تذكر هذه الرحلة جيدًا. كان هذا اليوم الذي تمنى فيه أن يجلس بجانبها، لكنه تردد ولم يفعل. ولكن هذه المرة، قرر أنه لن يدع الفرصة تفوته.
وصلت الحافلة إلى الغابة وسط صراخ الطلاب المليء بالإثارة. قفز الجميع من الحافلة وبدأوا في الركض نحو الأشجار. كان المعلمون يحاولون توجيههم، لكن دون جدوى. كانت الحرية مغرية للجميع.
وقف عمر للحظة، يستنشق هواء الغابة النقي، قبل أن يرى ليلى تتجه مع صديقاتها نحو جدول صغير قريب. قرر أن يتبعها، ولكن دون أن يبدو كأنه يتعمد ذلك.
بينما كان يمشي خلفهم، تعثرت ليلى بحجر صغير وكادت تسقط. ركض عمر بسرعة وأمسك بذراعها قبل أن تفقد توازنها.
"هل أنت بخير؟" سألها بابتسامة صغيرة.
"أوه، نعم، شكراً لك يا عمر!" أجابت بخجل.
كانت هذه اللحظة صغيرة، لكنها بالنسبة له بدت كإنجاز كبير.
مع مرور الوقت، تجمع الطلاب تحت شجرة كبيرة لتناول وجبة الغداء. كانت الأجواء مفعمة بالضحك والمزاح، والجميع بدا سعيدًا. جلس عمر على مقربة من ليلى، محاولًا أن يبدو طبيعيًا.
"أنت دائمًا هادئ، عمر. لماذا لا تتحدث أكثر؟" قالت ليلى فجأة، مما أثار دهشته.
"لا أعرف... ربما لأنني أفضل الاستماع." أجاب بابتسامة خفيفة.
ضحكت ليلى وقالت:
"إذاً، يجب أن أتحدث معك أكثر. ربما لديك الكثير لتقوله إذا حاولت."
شعر عمر بأن قلبه يخفق بشدة. هذا الحوار البسيط كان يعني له أكثر مما يمكنها أن تتخيل.
بعد الغداء، اقترح خالد أن ينطلقوا في مغامرة صغيرة داخل الغابة لاستكشاف المزيد. قرر عمر أن يدعو ليلى للانضمام إليهم. كانت هذه لحظة شجاعة بالنسبة له.
"ليلى، هل ترغبين في الانضمام إلينا؟"
"بالطبع، يبدو ممتعًا!"
انطلقوا معًا، مستكشفين الممرات الضيقة والزهور البرية. توقفوا عند شلال صغير، حيث تجرأ خالد على الوقوف تحت الماء البارد. الجميع ضحك، حتى ليلى، التي بدا أنها استمتعت بالمغامرة أكثر مما توقعت.
عند غروب الشمس، جلس الجميع بالقرب من الشلال، يستمعون إلى صوت الماء المنساب ويشاهدون ألوان السماء تتحول إلى البرتقالي والأحمر. كانت هذه لحظة هادئة، مثالية.
جمع عمر شجاعته ونظر إلى ليلى، التي كانت تجلس بجانبه مباشرة. شعر بأن هذه هي اللحظة التي كان ينتظرها.
"ليلى..." بدأ يتحدث، لكن قبل أن يكمل، انقطعت اللحظة بصوت المعلم ينادي الجميع للعودة إلى الحافلة.
شعر عمر بالإحباط. كان على وشك أن يقول شيئًا مهمًا، شيئًا كان يحمل وزنه في قلبه لسنوات. لكن الفرصة ضاعت مرة أخرى.
عندما عادوا إلى الحافلة، جلس عمر في مكانه المعتاد بجوار خالد. كانت ليلى تضحك مع صديقاتها في المقاعد الأمامية، ولم تلحظ كيف كان ينظر إليها بحزن.
عند عودته إلى المنزل، لم يكن يشعر بالتعب الجسدي بقدر التعب النفسي. ألقى بنفسه على السرير، وأغمض عينيه.
فجأة، بدأ العالم من حوله يتلاشى مرة أخرى. عاد إلى الظلام، حيث الأصوات والصور تبدو وكأنها شظايا من حلم بعيد.
في الظلام، تساءل عمر بصوت داخلي:
"لماذا يتكرر هذا؟ لماذا لا أستطيع الوصول إلى النهاية؟ هل هذا عقاب أم فرصة ثانية؟"
كان يشعر بأن شيئًا ما يتغير داخله. لم تكن هذه الأحلام مجرد ذكريات، بل كانت درسًا عميقًا، وكأن القدر يحاول أن يخبره بشيء لا يستطيع فهمه بعد.