4 - اليوم الرابع - حفلة التخرج

عندما فتح عمر عينيه هذه المرة، وجد نفسه وسط أجواء صاخبة. كانت قاعة كبيرة مضاءة بمصابيح براقة، مزينة بالبالونات والأشرطة الذهبية والفضية. على الجدران، عُلّقت لافتة كبيرة كتب عليها: "حفلة تخرج الاعدادية - دفعة الأمل" .

ارتدى عمر بدلة سوداء أنيقة وربطة عنق زرقاء. حدق في يديه المرتعشتين وهو يشعر بالارتباك. لم يحتج إلى وقت طويل لفهم أين هو. كان هذا اليوم الذي ظل محفورًا في ذاكرته كأحد أكبر خيبات أمله. تذكر كيف قضى تلك الحفلة يراقب ليلى من بعيد.

كان الحفل مليئًا بالطلاب وأولياء الأمور والمعلمين. الجميع بدا سعيدًا وهم يلتقطون الصور ويتبادلون التهاني. حاول عمر استيعاب الموقف. كل شيء بدا حقيقيًا لدرجة مذهلة: ضجيج الموسيقى، أضواء القاعة، وحتى رائحة العطور.

تقدم عمر بخطوات مترددة نحو مجموعة من أصدقائه. كانوا يمازحونه كالعادة.

"عمر، لماذا تبدو متوترًا؟" سأله صديقه علي بابتسامة ساخرة.

"لا شيء... فقط أفكر."

"تفكر؟! هل يمكنني أن أخمن؟ إنها ليلى، أليس كذلك؟"

احمرّ وجه عمر، لكن قبل أن يرد، قاطعتهم أصوات التصفيق. كانت ليلى تدخل القاعة برفقة صديقاتها. ارتدت فستانًا أزرق أنيقًا أظهر جمالها الهادئ.

شعر عمر بقلبه ينبض بسرعة، وكأنه يراه لأول مرة. وقف متجمدًا في مكانه، بينما الجميع كانوا ينظرون إليها بإعجاب.

بدأ الحفل بخطابات قصيرة من المعلمين ومدير المدرسة، تبعتها مراسم توزيع الشهادات. جلس عمر في مقعده، يحاول أن يركز على ما يجري، لكن عيناه لم تفارقا ليلى.

عندما حان وقت الرقص، بدأ الجميع يتحرك نحو منتصف القاعة. الأضواء الخافتة، والموسيقى الهادئة، والضحكات الخفيفة جعلت الجو أكثر حميمية.

كان هذا هو الوقت الذي تذكر فيه أنه تردد ولم يتحرك. لكن هذه المرة قرر أن يفعلها.

تقدم بخطوات بطيئة نحو ليلى، التي كانت تقف وحيدة بجانب الطاولة، تشرب عصيرًا. شعر بالخوف يتسلل إليه، لكنه تجاهله.

"مرحبًا، ليلى."

"مرحبًا، عمر! الحفلة رائعة، أليس كذلك؟"

"نعم... جميلة جدًا."

تردد للحظة، ثم قال:

"كنت أفكر... هل ترغبين في الرقص؟"

نظرت إليه ليلى بدهشة، لكنها لم ترد فورًا. وقبل أن تقول شيئًا، تدخل أحد زملائهما:

"ليلى، هيا! الجميع ينتظرك للرقصة الجماعية!"

ابتسمت له وقالت:

"ربما لاحقًا، عمر. سأعود قريبًا."

عاد عمر إلى مقعده، محبطًا. جلس يراقبها وهي ترقص مع الآخرين، تضحك وتبدو وكأنها تنتمي لعالم آخر، بعيد عن متناوله. شعر بالعجز يعود إليه مرة أخرى، وكأن شيئًا ما يمنعه من الاقتراب أكثر.

"لماذا لا أستطيع؟ لماذا دائمًا أتراجع؟" تحدث مع نفسه بصوت منخفض.

مع اقتراب نهاية الحفل، بدأ الطلاب في التقاط الصور التذكارية. كان الجميع في حالة من السعادة، لكن عمر كان يشعر بأنه أضاع فرصته مرة أخرى.

وقفت ليلى بالقرب من طاولة الحلويات، تلتقط صورة مع صديقتها. قرر عمر أن يجمع شجاعته مرة أخرى.

تقدم نحوها وقال:

"ليلى، قبل أن ينتهي الحفل... هل يمكننا الحديث قليلاً؟"

نظرت إليه باهتمام وقالت:

"بالطبع، عمر. ما الأمر؟"

"كنت أريد أن أخبرك... أعني، هناك شيء أردت قوله منذ وقت طويل، لكنني دائمًا أتردد."

قبل أن يكمل جملته، قطع حديثهما صوت مدير المدرسة يعلن انتهاء الحفل. عادت الأضواء القوية إلى القاعة، وبدأ الجميع يتفرق.

وقف عمر في منتصف القاعة، يشاهد الجميع يغادرون. شعر وكأن الفرصة التي انتظرها قد تبخرت مجددًا.

عندما عاد إلى المنزل، جلس على سريره، يفكر في كل ما حدث. أغمض عينيه ببطء، و بدأ العالم يتلاشى مرة أخرى، وأصبح كل شيء مظلمًا.

2024/11/21 · 15 مشاهدة · 502 كلمة
yassine
نادي الروايات - 2025