عندما استفاق عمر مجددا، وجد نفسه في مكتبة المدرسة الثانوية، محاطًا برائحة الورق والكتب القديمة. كان الوقت عصراً، والشمس تتسلل عبر النوافذ الكبيرة، تضيء الغرف بأشعة ذهبية دافئة. كانت أصوات الطلاب تتنقل في الممرات البعيدة، لكن كل شيء بدا هادئًا هنا في هذه الزاوية الهادئة. نظر حوله ووجد نفسه جالسًا أمام طاولة خشبية قديمة، كتبه الدراسية مبعثرة حوله. كان يشعر بشيء مختلف، كما لو أن هذه اللحظة كانت حاسمة، لكن ما هي؟
أمسك بقلمه، وكان ذلك القلم الأزرق الذي طالما استخدمه في أيامه الدراسية، ثم نظر إلى الورقة البيضاء أمامه. كان عقله مشوشًا، لكنه شعر بشيء يضغط عليه، شيء يحتاج لأن يكتبه. شيئًا كان قد فكّر فيه طويلاً. شيء قد يغيّر كل شيء في حياته.
على الورقة البيضاء، بدأ عمر يكتب بهدوء:
"ليلى، منذ أن قابلتك لأول مرة، كنت أشعر بشيء مختلف في قلبي. لكنني دائمًا كنت أخاف من مواجهة هذا الشعور. كنت أرى في عينيكِ كل شيء كنت أبحث عنه، لكنني، بكل ضعف، لم أستطع أن أخبرك. لم أستطع أن أخبرك كم كنت أريد أن أكون بالقرب منك، كم كنت أحتاج إلى أن تشعري بما أشعر به. أتمنى أن تسامحيني، لأنني لم أكن قادرًا على قول ذلك."
وقفز قلبه عندما أتم كتابة تلك الكلمات. كان هذا هو الاعتراف الذي طالما انتظره، ولكنه لم يجرؤ على أن يرسله. في الحقيقية، كان قد كتب هذا النوع من الرسائل مرارًا وتكرارًا طوال سنواته الدراسية، لكنه دائمًا كان يجد حجة ليخبئها في حقيبته، أو يتركها في أدراج مكتبه. لكنه في هذا الحلم، شعر بشيء مختلف، كما لو أن الوقت قد حان أخيرًا ليقول ما لم يقله من قبل.
بينما كان عمر يحدق في الورقة التي كتب عليها مشاعره المكبوتة، شعر بشيء غريب. لم تكن هذه المرة مثل باقي الأحلام التي عاشها، حيث يتنقل بين الأماكن والذكريات بشكل عابر. هذه المرة كان كل شيء ثابتًا، وكأن الورقة أمامه هي مفتاح شيء أكبر، شيء مهم جدًا.
ثم شعر بشيء آخر: فجأة، خفّت أصوات الطلاب في الممرات، وتوقف الوقت كله. أصبح المكان صامتًا بشكل غريب، وكأن حلمه قد أصبح أكثر وضوحًا.
ثم، وبلحظة حاسمة، مد عمر يده نحو الرسالة، لكن فجأة، بدأ شيء غريب يحدث. الكلمات بدأت تتلاشى ببطء من الورقة. لم يكن هناك شيء سحري أو خارق للطبيعة، بل كانت الحروف تختفي كما لو أن الرياح قد أخذتها. كانت الرسالة تتبخر من أمامه، كلمة تلو الأخرى.
"لا، لا!" همس عمر بصدمة، محاولًا الإمساك بالرسالة، لكن الكلمات اختفت تمامًا.
وقف مذهولًا، يحدق في الورقة الفارغة. شعر وكأن هذه اللحظة، التي اعتقد أنها الفرصة الأخيرة، قد ضاعت. كان يفكر في اللحظات التي مر بها، في كل تلك الأيام التي أمضاها في مراقبة ليلى من بعيد، في كل تلك السنوات التي لم يستطع خلالها أن يعترف بحبه لها.
أغمض عينيه وأخذ نفسًا عميقًا، لكنه شعر أن كل شيء بدأ يتفكك من حوله، كما لو أن العالم نفسه بدأ ينهار. بدأ كل شيء يختفي تدريجيًا. كانت الجدران تتلاشى، والأضواء تزداد خفوتًا، والمكتبة بدأت تتبدل إلى ضباب كثيف.
في اللحظة التي كانت فيه الأشياء تتلاشى من حوله، شعر بشيء مفاجئ، شيء كان يشبه شدة الضغوط على صدره. شعر بألم في قلبه، كما لو أن شيئًا ما كان يعصره بشدة. كانت المرة الأولى التي يشعر فيها بهذا الألم في هذا الحلم، وكأن ذلك هو الثمن الذي كان عليه دفعه.
في مكان ما داخل قلبه، بدأ يشعر أن تلك اللحظات الضائعة في الماضي، والأشياء التي لم يقلها، قد تكون جزءًا من قدره.