6 - اليوم السادس - يوم الفراق

استفاق عمر في حلمه السادس وهو في ساحة المدرسة، وقد غمرته الأشعة الذهبية للشمس التي بدأت تميل نحو الغروب. كان اليوم مشبعًا بروائح الصيف الخفيفة، والأصوات البعيدة للطلاب الذين يمرحون في كل زاوية من الساحة. لكنه لم يشعر كأي طالب آخر هذا اليوم. كان قلبه في حالة من الضباب، مملوءًا بالحيرة، وكأن شيئًا مهمًا على وشك أن يحدث، لكنه لم يكن يعرف ماذا.

نظر حوله بحذر، فوجد نفسه واقفًا في نفس المكان الذي كان فيه حين ودّع ليلى آخر مرة. كان هذا هو اليوم الذي رحلت فيه، اليوم الذي اختفت فيه ليلى من حياته. كانت الذكرى تطارد قلبه بشكل مريب. نظر إلى المبنى الذي كان يضم الصفوف الدراسية، ثم إلى الممر الذي كانت تعبر منه ليلى دائمًا في طريقها إلى منزلها. كان قد أصبح يعرف كل خطواتها، وكل حركة تقوم بها.

لكن هذا اليوم كان مختلفًا، إذ كانت ليلى تودع الجميع اليوم، وستغادر. كانت عائلتها قد قررت الانتقال إلى مدينة أخرى، وكان هذا هو اليوم الأخير لها في المدرسة.

عمر شعر ببرودة غريبة تسري في قلبه وهو يراقب الطلاب الذين يتجمعون حول ليلى. كان لديها أصدقاءها حولها، يلقون عليها التحايا والوداع. لكنه لم يكن جزءًا من ذلك المشهد. كان يقف بعيدًا، يراقب فقط، محاصرًا في قلقه، يتمنى لو كانت هناك فرصة واحدة فقط ليقول لها كل ما في قلبه.

لم يكن يجرؤ على الاقتراب. لم يكن يملك الشجاعة للاعتراف لها بمشاعره. بينما كانت ليلى تتبادل الضحكات مع صديقاتها، كان هو يقف صامتًا، يغلي داخله، يعاني من ثقل الكلمات التي كان يخشى أن يقولها.

بينما كانت ليلى تُودّع الجميع بابتسامة حزينة، اقتربت اللحظة التي كان عمر يخشاها. كانت ساعة المغادرة قد حانت، وكان الجميع يتوجه نحو السيارات التي ستأخذهم إلى منازلهم. كان من المقرر أن تغادر ليلى مع عائلتها في سيارتهم الخاصة، وكانت هذه هي اللحظة الأخيرة له كي يخبرها بحبه.

لم يستطع التحرك. كان قلبه يثقل عليه، وعقله يغرق في الحيرة. كيف له أن يتحدث الآن؟ كيف له أن يعبّر عن هذا الحب الذي احتفظ به في قلبه طيلة هذه السنوات؟

رغم كل مشاعر الحزن التي كانت تجتاحه، ظل في مكانه، يراقبها، ويشعر وكأن الزمن يمضي ببطء، وكأن الأرض تدور حوله بينما هو ثابت في مكانه. كانت ليلى تلوح له بيدها، لكن في قلبه كان هناك فراغ لا يمكن تعبئته. كان هذا هو الفراق، فراق كانت له يد فيه، لأنه هو الذي اختار الصمت، هو الذي اختار الخوف.

فجأة، شعر بشيء غريب في قلبه. لم يكن ألمًا جسديًا، بل شعورًا عميقًا في أعماق روحه، وكأن هناك نداءًا في قلبه يصرخ. حاول أن يخرج من مكانه، أن يركض نحوها، أن يمنع السيارة من المغادرة، لكن قدماه كانت ثقيلة، والعالم من حوله كان يتقلب. فشل في تحريك جسده. كانت السيارة قد ابتعدت، ليلى كانت تبتعد، وكل ما تبقى له هو الفراغ.

في تلك اللحظة، وعندما بدأت السيارة بالابتعاد أكثر وأكثر، اندفع عمر بأقصى قوته، وصرخ بأعلى صوته:

"أنا أحبك، ليلى! أرجوكِ، لا تذهبي، أنا بحاجة إليكِ!"

لكن، بالطبع، كانت الكلمات تائهة في الهواء. لم يكن أحد يسمع. ليلى لم تسمع صرخاته. السيارة كانت تبتعد أكثر وأكثر، إلى أن اختفت تمامًا في الأفق.

لم يبق سوى الصمت، واندفع الحزن في قلبه بشدة أكبر من أي وقت مضى. كانت ليلى قد رحلت، رحلت الى الابد.....

بينما كان يقف هناك، فارغًا من الداخل، كانت الصور من حوله تبدأ في التلاشي. بدأ الزمن يتسارع، والأشياء من حوله تبدأ بالزوال. بدأ يشعر كأن جسمه يغرق في الضباب، وعقله يخرج من هذا المكان الغريب. وكلما تلاشت الصور أمامه، شعر بشيء ثقيل على قلبه. كانت اللحظات الأخيرة من الحلم تمر بسرعة، وفجأة، شعَر بشيء آخر، شيء أكثر إيلامًا.

قبل أن يعرف ماذا يحدث، شعر بارتطام قوي في جسده، وكأن شيء ما قد صدمه. كانت الصدمة كبيرة جدًا لدرجة أنه شعر بأنه يختفي تدريجيًا، ثم، لا شيء.

عمر استفاق في اللحظة التي شعر فيها بالارتطام، وفتح عينيه ليجد نفسه في مكان مظلم تمامًا. لم يكن في المدرسة بعد الآن، بل في مكان آخر، مكان غريب، مكان يبدو أنه لا يحتوي على الحياة. كانت جدران بيضاء، لا شيء سوى ذلك، وصوت الأجهزة الطبية يملأ المكان.

أنه المستشفى...

همس بصوت ضعيف

"ماذا حدث؟"

2024/11/21 · 12 مشاهدة · 651 كلمة
yassine
نادي الروايات - 2025